سلوكيات اللسان .. 23 ـ الكذب - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلوكيات اللسان .. 23 ـ الكذب

نشر فى : الثلاثاء 22 يوليه 2014 - 9:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يوليه 2014 - 9:05 ص

خص رسولنا الصيام بتوجيه مهم، إذ كلف الصائم ألا يسب ولا يرد سبابا ولا شتما، ولا يزيد رده عن قوله «إنى صائم»، فالصوم مدرسة تهذيب عامة وخصوصا تهذيب اللسان ، لذا رأيت أن نخصص لقاءنا هذا الشهر فى سلوكيات الصيام بين السلبيات ونشير إلى الإيجابيات ونعظم الفضائل. واليوم نبدأ الثلث الأول المخصص لدراسة سلبيات اللسان.

-1-

الكذب آفة نفسية مظاهرها أكثر من مجرد تغيير الحقيقة، فمن الكذب نقل ما تسمع دون تيقنه، أو تغيير حجم الحقيقة تهويلا أو تقليلا، أو اختلاق ما لم يحدث، أو الشهادة دون بينة إلخ.

ومن أفدح الكذب نقل ما تسمع إلى غيرك دون تحقق صدقه، وقبل التفكير فى معقوليته، ودون اهتمام بأثر قولك على الناس. ويصف القرآن خطأ وخطورة نقل الكلام المسموع فيقول : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ..) فالأصل أن تتلقى الكلام بعقلك لا بلسانك، متفكرا متبينا صدقه من كذبه، وخيره من شره، وصلاحه من فساده، ثم بعد ذلك لا تنقله إلا لمن يخصه أو يستفيد به، أو تصمت ولا تنقله لأحد. ولهذا جاء تحذير النبى «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»

فليس على الأرض كلام ينقل كما هو إلا «القرآن الكريم» إذا سمعته من حافظ أو قارئ متقن، ثم لا تنقله إلا لمن يعقله ويفهمه حتى لا يتعرض القرآن لتأويل خاطئ أو سوء ظن أو عدم فهم، فيزداد إثم الناقل.

-2-

ومن الكذب أيضا تطوعك بالشهادة على كلام سمعته ولم تحضره مهما كان المصدر، فقد حذرنا رسولنا بقوله : « على مثل الشمس فاشهد» فإما وضوح الشمس وإما عدم الشهادة. ولا تنس أن هناك مواقف لا يكفى فيها رؤية العين بل لابد من مشاركة الآخرين لك تحقيقا لليقين فى مثل جريمة الزنا، إذ لا يصح شرعا شهادتك على ما رأيت دون أن يشاركك ثلاثة آخرون مشاركة فعلية محددة الزمان والمكان. وسلوك أبى بكر وزوجته فى عدم شهادتهما لابنتهما عائشة، حيث لم يحضرا الحدث المزعوم يريك الفرق بين الصدق والكذب إذ تورط الأفاكون فى الاتهام بغير يقين، وتورع الأبوان أن يشهدا بغير يقين.

-3-

ومن الكذب التعود على تضخيم ما تحب، مثل من يبيع دون اختبار لبضاعته زاعما للناس ما يحببهم فيها. فلا تتصور «الأمين» فى قوله : « التاجر الأمين مع النبيين والشهداء» من يبيع ما اشتراه بربح قليل. فالأمين يشترى ما يفهم ويتأكد من صلاحيته وينقله على مسئوليته ثم يرضى بربح عادل. وإلا فالبيع قد بدأ كذبا وتحول زورا (بالترويج) وانتهى إلى أكل مال الناس بالباطل.

-4-

أما أهل البلاغ والبيان على المنابر وفى معاهد العلم وفى المطبوعات، وأهل الإعلان والإعلام فى المطبوع والمذاع والمرئى، وكل المشاركين فى نقل الكلام أو المعلومات، فإما العلم بحقيقة الكلام وجدواه، وإما الصمت وعدم نقله وعرضه، وإما فلا يلومن الإنسان إلا نفسه على عذاب الدنيا والآخرة وإذاعة وإشاعة الخطأ جريمة ، أما إذاعة الفحشاء فكبيرة ملعونة ملعون فاعلها، وأما تضخيم الخطأ والفحشاء وتوسيع رقعة انتشاره فليحذر قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .. فهذه بعض صور الكذب، تعال نتجنبها وهيا نرصد كلماتنا فنطهرها من الكذب.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات