نكبتنا فى الطبقة السياسية - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نكبتنا فى الطبقة السياسية

نشر فى : الثلاثاء 22 يوليه 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يوليه 2014 - 8:50 ص

لا يزال «الغنوشى» يعزف على نفس الوتر مقترحا ترشيح رئيس توافقى غير معترف بالأصوات المنددة بهذا التوجه، وغير مهتم بالذين قدموا ترشحاتهم لمنصب الرئاسة (عددهم 24). وفى الأثناء يعم الإحباط شرائح كبيرة من التونسيين الذين أصيبوا بخيبة أمل، وما عادوا يثقون بمسار الانتخابات محملين جميع الأحزاب مسئولية العزوف عن المشاركة فى الانتخابات. فقد طغت النرجسية، وهيمنت المصالح الحزبية وغيرها من الحسابات وما عاد يُكترث بمصلحة الوطن.

«نكبتنا فى الطبقة السياسية» جملة يتردد ذكرها على المواقع الاجتماعية خاصة بعد تداول صور إفطار القيادات السياسية فى منزل السفير الأمريكى ثم مشاركتهم السفير الفرنسى احتفالات 14 يوليو، وهى صور أثارت استياء شرائح من التونسيين لاسيما، وأنها تزامنت مع بروز صور الاعتداء الوحشى على غزة.

•••

وفى ظل هذا المناخ النفسى المتأزم تفاجئ القاضية كلثوم كنو الجميع بالإعلان عن نيتها للترشح فيتحول هذا الحدث إلى موضوع حوار بين رواد المواقع الاجتماعية. وما يلفت الانتباه فى هذا الترشح أن صاحبته وهى المرأة الثالثة التى تترشح لهذا المنصب بعد آمنة منصور القروى وبدرة قعلول لا تتخذ هذه الخطوة من موقع نسائى يريد أن يتحدى الهيمنة الذكورية التى طغت على المشهد السياسى فجعلت خطاب السياسيين يدور حول مرشح الرئاسة نافين بذلك أية إمكانية لترشح النساء.

يتنزل قرار كلثوم كنو فى إطار مخالف لفرض الكفاءات النسائية فى مجال السياسة إنه قرار سياسى بامتياز فهى تقر بأن ترشحها جاء لقطع الطريق أمام المحاصصة الحزبية، وهيمنة حزب النهضة على العملية السياسية، من جهة والتدخل الأجنبى (القوى الإمبريالية) فى الشأن التونسى من جهة أخرى. وكنو إذ تترشح إنما تفعل ذلك من موقع المواطنة التى تمنحها هذا الحق.

وليس يخفى أن مبادرة كنو، بقطع النظر عن كونها حركة رمزية أو تستند إلى برنامج ومدعومة من بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، تُعيد الأمل إلى فئات من التونسيين الذين تأكد لديهم أن الفاعلين السياسيين أرادوا احتكار الفعل السياسى، والحسم فيه مسبقا فارضين بذلك آلية «الإجماع» التى يُعتقد أنها حصلت فى اجتماع السقيفة. فكنو مستقلة لا تنتمى إلى أى حزب مما يجعلها فى نظر مسانديها، ممثلة لجميع التونسيين، وهى مناضلة تحدت نظام بن على منذ عقود، ومازالت تواجه كل خرق للقانون، وتطالب باستقلالية القضاء، وبإرساء دولة القانون واحترام قيم الثورة. وقد عرفت كنو بشجاعتها ومناصرتها للقضايا العادلة كقضية أهالى شهداء الثورة، وقضية العاطلين عن العمل.

•••

والمتابع لتعليقات كنو على صفحتها بالفيسبوك يعرف أنها قطعت مع الصور النمطية التى تُسيج القضاة فتحول دون تمتعهم بجملة من الحقوق حفاظا على «هيبة» المنصب، فكنو تسخر من بعض المواقف، وتجيد فن الملحة، وتكشف المستور، وتحلل الأحداث، ولا تكف عن ممارسة الفكر النقدى.

ولعله من المفيد أن نتوقف عند تعليقات وردت فى إطار حملة دعم كلثوم كنو لرئاسة الجمهورية التونسية من ذلك أن مبادرتها اعتبرت مناورة للحد من سيطرة حزب النهضة وعبثه بمقومات العملية الديمقراطية من جهة، وحزب التجمع العائد فى ثوب جديد من جهة أخرى. وبالإضافة إلى ذلك يبرر بعضهم دعمه لهذه المبادرة بأنه يفتح إمكانية بديلة للخيارات التى حددها السياسيون: إما أن تكون مع هذا المعسكر أو ذاك نافين وجود خيار ثالث. ولكن كنو أثبتت أن بإمكان التونسيين التفاعل مع خيار جديد، وأن من حق كل تونسية أن يختار، فتلك هى قواعد العمل الديمقراطى.

•••

ومهما تعددت تبريرات مساندى كنو من الشباب والنساء والرجال فإن هذه المبادرة تنم فى تقديرنا، عن قدرة على امتلاك الصوت: صوت يقف بوجه من يعتبرون أن من حق من هم فى الهرم التحكم فى مصير القاعدة مستبعدين مقولة «الشعب يريد» من حساباتهم، متصورين أنهم يمثلون «الأغلبية»، وأن بإمكانهم أن ينفردوا بصناعة المستقبل. إن مبادرة كنو رسالة موجهة إلى السياسيين تحذرهم من مغبة الاستهانة بالإرادة الشعبية وبمقتضيات المواطنة، ومتطلبات العمل السياسى. فالانتخابات تمثل فرصة للتدرب على الممارسات الديمقراطية، وتحول الفرد من رقم أو صوت فى العملية الانتخابية إلى فاعل ممارس لحقه فى الاختيار.

وبين سياسة الأفكار وسياسة الحضور، وفاعلين سياسيين معطوبين عجزوا عن إحداث القطيعة مع النظم القديمة يعسر التوقع بأن العملية الانتخابية ستكون ملبية بالفعل لآمال التونسيين والتونسيات.

التعليقات