تزكية الإنسان - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 5:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان

نشر فى : الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 8:35 ص

(1)

يقول الله جل جلاله فى وصف خلق الإنسان (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) وفى آية أخرى

(إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) هذه هى الفطرة «صلاحية الانسان لفعل الخير والشر» فالفطرة قدرات يستعملها الإنسان فيما يريد، فجسم الإنسان كالسيارة ونفس الإنسان مثل قائد السيارة يتجه بها حيث شاء، وفوق صلاحية الإنسان لإنجاز الخير والشر.. فقد وهبه الله عقلا يميز به ما يختار.. وفوق الفطرة والعقل بعث الله الأنبياء وأنزل الكتب لتزكية الإنسان أى لجعله ميالا للخير مبتعدا عن الشر.

وهذه التزكية هى دعوة إبراهيم عليه السلام للأمة، وقد استجاب الله له فبعث محمدا (صلى الله عليه وسلم) وأنزل معه القرآن لإجراء عمليات «التزكية»

فالتزكية عملية كبرى «لتغيير الإنسان» وتحويل «مساره فى الحياة» تحويل الإنسان من قادر على الخير والشر، إلى إنسان قادر على الخير فقط، والتزكية «مجموعة عمليات متكاملة» يتم بها تخليص الإنسان من الشر وجعله إنسانا راغبا فى الخير وساعيا إليه، فالتزكية هى عمليات تخلية وتطهير وتحلية وتنزيه.

وتبدأ التخلية باستئصال الرغبة فى الشر واستئصال الاستجابة لدواع الشر، كما يتم تقوية المناعة ضد الشرور، ثم يأتى بعد ذلك إحياء «نوازع الخير» فى نفسه وتمكينه من ممارستها والاستمساك بها، وكل عملية من هذه العمليات تتم عبر مستويات مختلفة: (الأمة/ المجتمع/ البيئة المحيطة/ الذات).

(2)

الأمة الزكية تسعى فى إقليمها الذى وهبه الله لها وتعتبره أمانة لديها يجب استثماره واستخراج خيراته، فلكل ذرة من ذرات التراب أو الرمل تحتها خزائن قد أودعها الله أرزاق عباده إلى يوم القيامة (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وكلما سعيت كلما تفتحت لك ينابيع الرزق التى لا تنفد.

فالأمة الزكية (أمة تطعم نفسها وتستكفى حوائجها بل تدخر ما تعطيه للآخرين. فأول التزكية أن تنشأ الأمة راضية بقدرها تبذل جهودها لإشباع نفسها ولإنجاز رسالتها الحضارية).

فالأمة الزكية شعب قوى الإيمان بأن رزقه لا يضيع وأجله لا ينتقص، شعب قوى الإرادة دائم البحث دون كلل قوى النفس يستوعب بعضه بعضا، عزيز النفس يأبى أن يُطعم من يد غيره، لا يرضى إلا بالعمل الجاد وأن كان مُكلفا، كما يدرك مسئوليته فى إعمار الحياة.

(3)

فالأمة الزكية أمة تبدأ بنفسها ولا تلقى أحمالها على غيرها، أمة تعلم أن الله لم يخلق نفسا إلا وخلق لها رزقا يكفيها، ولم يجعل لأى قوة تأثيرا على هذا الرزق.

لذلك فالأمة الزكية لا تطمع فيما عند غيرها، فإذا تزكت أخلاق الأمة يتحول الناس من «شعب» مفكك مشتت لا يُفكر كل فرد إلا فى نفسه فيتحولون إلى «أمة» لهم غاية واحدة ومفهوم إرادة واحد يحققون بها غايتهم.

الأمة الزكية أمة تجدد السعى وتكرره دون يأس وإن كانت فى وادى غير ذى زرع، ألم تر إلى هاجر (رض) أم إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام تركها زوجها فى صحراء، وحينما نضب الماء الذى معها فماذا تفعل؟.. لم تشأ أن تجلس باكية تندب حظها، ولم تشأ أن تتحرك إلى اتجاه آخر وتتحول إلى بقعة أخرى من الأرض، فإن زوجها (الخليل إبراهيم) قد أكد لها أن الله أمره بالإقامة فى هذا المكان.

وها هى هاجر حينما تحتاج الماء تتحرك ساعية بين الصفا والمروة تروح وترجع رغم أن الأرض هى الأرض والإمكانات الظاهرة معروفة، ولكن النفس الزكية لا تعرف العجز والكسل، والنفس الزكية توقن أن الله الرزاق لن يُضيع أجر عباده، فلماذا لا تسعى؟ وتكرر السعى دون كلل فلما قطعت الطريق سبع مرات ظهر الخير العميم الذى لا ينضب فارت بئر زمزم فكانت النعمة الكبرى والرضا الأكبر، فهل تدرك الأمة عاقبة السعى فى أرضها.

يُتبع،

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات