التحالف ضد المقاومة والديمقراطية العربية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحالف ضد المقاومة والديمقراطية العربية

نشر فى : الجمعة 25 يوليه 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 يوليه 2014 - 8:30 ص

يشير التحالف فى العلاقات الدولية إلى توافق أو تعهد بين قوتين أو أكثر من أجل الوصول لأهداف ومصالح مشتركة، أو لمواجهة خطر مشترك. ومنذ بدء إرهاصات الربيع العربى قبل ثلاثة أعوام ونصف، نشأ توافق دولى غير رسمى وغير معلن من أجل الوقوف فى وجه صيحات تغيير منظومات الحكم، والثورة على أنماط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهى الصيحات التى عبر عنها الملايين فى العديد من أنحاء العالم العربى.

وسمح العدوان الإسرائيلى الأخير على قطاع غزة بعودة ظهور نفس التحالف، الذى لم يختف يوما، موجها هذه المرة ضد المقاومة الفلسطينية. يضم التحالف ضد الديمقراطية والمقاومة العربيتين دولا وقوى مختلفة فى توجهاتها الفكرية والأيديولوجية، ومختلفة أيضا فى طبيعة نظمها السياسية، إذ يضم دولا كبرى، ودولا عربية، ونخبا سياسية تقليدية، وأصحاب رءوس الأموال، إضافة لوجود إسرائيل كعضو عامل رئيسى فى التحالف.

الولايات المتحدة كممثل رئيس للقوى الكبرى فى هذا التحالف رفضت قولا وعملا ديمقراطية العرب. استكثرت واشنطن ولا زالت على شعوب العرب أن يتمتعوا بنفس الديمقراطية التى يتمتع بها مواطنوها ومواطنو الدول الحرة حول العالم. تمثل الحالة المصرية نموذجا واضحا للنفاق الأمريكى فيما يتعلق بثنائية المبادئ والمصالح. موقف إدارة أوباما ليس جديدا، فلأكثر من ثلاثة عقود ادعت واشنطن دعمها لتطلعات الشعب المصرى فى الحرية والديمقراطية، وفى الوقت نفسه دعمت نظاما استبداديا ديكتاتوريا. ومن المفهوم أن واشنطن تفضل التعامل مع الديكتاتوريات العربية الذى هو أسهل كثيرا من التعامل مع حكومات منتخبة مسئولة أمام شعوبها. كذلك تعادى واشنطن المقاومة الفلسطينية، ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة، تبنت الإدارة الأمريكية اتساقا مع تاريخها موقفا مؤيدا تماما لإسرائيل ومعارضا للمقاومة. ويمتلئ الإعلام الأمريكى برؤية تماثل ما تؤمن به الإدارة من أن إسرائيل تدافع عن نفسها من هجمات غير مبررة من خارج حدودها، ولا تذكر شيئا عن الاحتلال، ولا عن حق الشعوب فى المقاومة ضد من يحتل أراضيها.

•••

يضم التحالف أيضا دولا عربية يعرف عن حكامها عدم الإيمان بالديمقراطية فكرا ومضمونا وممارسة، ولا تؤمن بضرورة اختيار المحكومين للحكام بحرية وإخضاعهم للمساءلة والمراقبة الشعبية عن طريق آلية الانتخاب. ويقوم حكام هذه الدول بتسخير خيرات بلادهم لدعم جهود وأد تجربة الديمقراطية العربية، ويستثمرون فى ذلك المليارات من الدولارات فى إفشال محاولات الديمقراطية الناشئة فى مصر أو فى تونس، أو أى دولة أخرى تتعرف على مسار ديمقراطى حقيقى. ويعتبر حكام هذه الدول الديمقراطية العربية خطرا وجوديا على عروشهم ونظمهم. وأظهرت تجربة العدوان الأخيرة على قطاع غزة أن حكام تلك الدول تناصب المقاومة الفلسطينية العداء فى الوقت ذاته. وكشفت تقارير إخبارية عن لقاءات سرية بين حكام خليجيين ووزراء إسرائيليين قبل بدء العدوان، كما يعد وجود محمد دحلان فى أبوظبى والرغبة فى أن تصعيده لسدة الحكم فى السلطة الفلسطينية من أجل تهيئة الساحة للتوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل سببا مقنعا لتبنى هؤلاء الحكام خيارات تسعى للقضاء على خيار المقاومة.

•••

أما إسرائيل فهى أول من سيتضرر من ديمقراطية العرب وبخاصة ديمقراطية الجارة الكبيرة مصر. كانت إسرائيل حاضرة وبشدة فى مختلف مناقشات تطورات ثورة مصر فى واشنطن قبل ثلاثة أعوام. وعبرت إسرائيل واللوبى المناصر لها عن مخاوف تتعلق باحتمالات وصول قوى سياسية لحكم مصر تناصب إسرائيل العداء. وطالبت اسرائيل واشنطن بعدم التخلى عن الحليف الاستراتيجى للدولتين والمتمثل فى نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، إلا أن الشعب المصرى كان له قول آخر. وتؤمن إسرائيل بأن مصر الديمقراطية تساوى مصر قوية، وأنه من الأفضل لها أن تتعامل مع حاكم قوى لا يؤمن بالديمقراطية والحريات، ولا بخيار المقاومة الفلسطينية. من ناحية أخرى، تسعى إسرائيل للقضاء على خيار المقاومة الفلسطينية من خلال بث اليأس فى نفوس الشعب الفلسطينى من خلال تشويه المقاومين. ويتم الترويج بشدة فى هذا الإطار على ما أسميه «خيار رام الله». ويتمثل هذا الخيار فى إظهار رفاهية الحياة المصحوبة بنمو اقتصادى جيد فى مدينة رام الله، مع التركيز إعلاميا فى إظهار انماط الاستهلاك المرتفعة وتوفر البضائع والسلع المختلفة، ومقارنة ذلك ببؤس الحياة فى قطاع غزة. وبالطبع تحاول إسرائيل ارجاع صعوبات الحياة فى غزة للمقاومة وليس لسياسيات الاحتلال.

أما ارتباط النخبة الاقتصادية المصرية والعربية بالولايات المتحدة فيعد عاملا مساعدا يصعب من نجاح أى محاولات حقيقية للتغيير. فئة رجال الأعمال ممن استفادوا ولا يزالون من سياسات سمحت لهم بالتعامل مع السوق الأمريكية سواء كمصدرين فى حالة الكويز، أو كمستوردين يخدمون مصالح مهمة مثل منتجى القمح الأمريكى، لهم مصالح مستقرة، ويمثلون «لوبى» قوى ضد أى رغبات شعبية فى التغيير. وتعادى هذه الفئة المقاومة من خلال امتلاكها للعديد من وسائل الإعلام التى تبث رسائل معادية للمقاومة وتحاول جاهدة الفصل بين المقاومين والفلسطينيين.

•••

ليس من قبيل المصادفة أن تتحرك القوى السابق ذكرها منفردة أو مجتمعة من أجل تحقيق أهداف محددة. ويظهر هذا التحالف واضحا فى العاصمة الأمريكية من خلال التحرك للترويج لعدم استعداد العرب للديمقراطية من ناحية، ومن ناحية أخرى تشويه صورة المقاومة الفلسطينية. وتعمل اللوبيات وبعض السفارات العربية بجد فى هذا الاتجاه يناصرها فى ذلك اللوبى الصهيونى ولوبى رجال الأعمال.

فى النهاية وجب التذكير بأن ما سبق ذكره فى هذا المقال لا يعنى أن كل المقاومة ومناصريها قوى ديمقراطية، ولا يعنى كذلك أن كل القوى الديمقراطية مناصرة للمقاومة. إلا أنه من المؤكد أن الارتباط بينهما موجود لأسباب تتعلق بخدمة مصالح فئات قليلة من العرب على حساب مصالح الغالبية العظمى من الشعوب.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات