ملامح الجيل الذي لا يفهمونه - عبد الرحمن مصطفى - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملامح الجيل الذي لا يفهمونه

نشر فى : السبت 25 أكتوبر 2014 - 12:00 م | آخر تحديث : السبت 25 أكتوبر 2014 - 12:00 م

أثناء عبوري وسط مئات الشباب الراقص، في حفل فريق كايروكي الغنائي، وصلت إلى النقطة التي لم يعد بعدها مجال لمزيد من الحركة، وجدت نفسي محاطا بذراع أحدهم، حتى تحولت إلى جزء من دائرة من الشباب يتقافزون إلى الأعلى على أنغام الموسيقى، كان عليّ الاستجابة ثم الانسحاب في هدوء. كان ذلك في ثاني أيام عيد الأضحى الماضي، الموافق ذكرى السادس من أكتوبر. وفي هذه الحفلة المجانية كانت أغلب الوجوه عشرينية، ومن طبقات متنوعة كما يبدو من مظهرهم. وظلت الأجواء حماسية حتى ازداد الصخب مع ظهور مغنى الراب أحمد ثروت، حين بدأ أغنيته "إحنا جيل وانتوا جيل". التي تقول:

"إحنا جيل يحاول، إحنا جيل يغير

وانتوا جيل في الحرية، عمره كان قصير

سرق الأمل منا، واللي بيشكي يموت

كده أو كده ميت، فاصرخ بعلو الصوت"

**

لم تبدأ قصة هذا الجيل في 25 يناير 2011، حين اكتشف الجميع أن الشباب هم أغلب الجماهير المشاركة في الثورة، ففي السنوات الأخيرة من حكم مبارك، برزت التعليقات والتحليلات والدراسات التي تحذر من تهميش الشباب، لكن هذا الجيل لم ينتظر استجابة سلطة تعاني من الضعف، بل اختار العمل في مساحات صنعها بنفسه ولنفسه بعيدا عن تحكمات السلطة، مستغلا ما وفره له الإنترنت من فرصة للإبداع والتعبير. هذا الجيل يشبه أولئك الذين كانوا في الحفل، بين طالب مدرسة، وشاب ثلاثيني، الجميع يتجاورون في مساواة، يندمجون مع الموسيقى والكلمات، ويستدعون ما مروا به في السنوات الماضية من تقلبات.

المثير في الأمر، أنه ما زال هناك من يندهش من وجود آخرين .. هم "الشباب"، ما زال لا يتفهم غضبهم في الجامعة، مستهجنا رقصائهم غير المألوفة في الاحتفالات، رافضا سخطهم وتمردهم على الواقع الحالي، هو الاندهاش نفسه الذي دفع صفوت الشريف في 26 يناير 2011 إلى نصح الشباب بلهجة أبوية عتيقة، أن يكونوا "رجالا" للوطن.

وكذلك فعل الدكتور فتحي سرور، حين ظهر في فيديو بائس ، يحاول فيه التواصل مع "شباب الفيسبوك".

والآن ونحن نقترب من نهاية العام 2014، تبدو ملامح شريحة واسعة من هذا الجيل، وكأنها قد تشكلت في عدد من النقاط، نحتتها 25 يناير.

**

القيادة روح

يدرك من ولد في عهد مبارك، كيف يمكن اختلاق الزعامة، وإسباغ البطولة الزائفة على أصحاب المناصب، لذا لم تكن صدفة أن يعلو شأن مجال "التنمية البشرية" وأن يزداد حضور شخصيات مثل الدكتور إبراهيم الفقي أو الداعية عمرو خالد في أوساط الشباب، وهما يتحدثان عن أسرار القيادة، وأساليب النجاح. فمع غياب النموذج الناجح، والنظام الكفء، كان الحل أن تتجه شريحة من أبناء هذا الجيل إلى العمل على أنفسهم.

هنا لم تعد القيادة بالنسبة إليهم اسما أو تاريخا أو تسلسلا وظيفيا، فكلما ازادادت معرفة هذا الجيل، انكشف زيف القيادات المزعومة، وسقطت شرعيتهم.

أزمة مع المؤسسات

حين واجه هذا الجيل أزمة مع مؤسسات وكيانات لا تعبر عنه، لجأ إلى صنع بدائل موازية، فهو الجيل الذي أنتج فنونا مستقلة هروبا من سطوة المؤسسات الفنية ذات الطابع الحكومي أو ذات الطابع التجاري، وهو الجيل الذي بحث عن "الإعلام البديل" في الإنترنت لمواجهة الإعلام التقليدي. أما الأهم من ذلك أنه الجيل الذي تربى أغلبه في المؤسسة التعليمية، وشاهد فيها خرقا للقانون وتدميرا لصورة العاملين بها، واعتمد على مسار بديل في الدروس الخصوصية والملخصات الجامعية، لذا فهو الجيل الذي عانى من زيف المؤسسات الكبرى، خاصة حين يواجه الحياة العملية، ويرى اللجوء إلى الرشوة واستخدام الواسطة . والآن كيف تطلب من أبناء هذا الجيل أن ترهبه مؤسسة من المؤسسات؟ لقد تولدت لديه مبكرا مشكلة مع فكرة "المؤسسة".

التوجيه العنيف

هذا الجيل المتهم بعد ثورة 25 يناير، بأنه "قليل الأدب"، ولا يوقر الكبير أو يحترم الاختلاف، لم ينشأ في فراغ، فالرسالة التي حملها لم تصل، والتغيير الذي توقعه لم يحدث، لذا لا تتوقع من شاب ثلاثيني ظل يسمع العبارات نفسها على مدار أكثر من 20 سنة عن تهميش الشباب أن يكون صبورا، ولمن يتابع، فسيجد أن لجوء هذه الشريحة من الشباب إلى العنف في التعبير عن سخطهم من شخصية عامة، لم يستهدف من هم أكبر سنا فقط، ألم يتعرض وائل غنيم لهجوم لفظي في إحدى فعاليات العام 2012؟ ألم يتعرض أحمد ماهر مؤسس 6 أبريل لاعتداء بدني أمام وزارة الداخلية على يد المتظاهرين؟ هذان الاسمان وغيرهما، يبغضهما البعض ويراهما وغيرهما سببا في تدهور أخلاقيات الجيل بفعل الثورة، لكن الحقيقة أن حتى هؤلاء نالوا نصيبهم من غضب أبناء جيلهم، هذا الجيل الذي شهد نهاية عصر مبارك، هو ابن مجتمع عنيف ومحبط.

القائد فكرة

لم يهتم كثيرون بذلك المشهد الذي كانت ترفع فيه رايات عليها صور قتلى أحداث الثورة، وكأن الموتى يقودون الاحتجاجات من قبورهم، حين تلاشى دور القائد الميداني، لتبقى الفكرة هي من يقود، وكانت إرهاصات ذلك في عالم الإنترنت، فعلى سبيل المثال، ظل مديرو صفحة كلنا خالد سعيد، مجهولون للجميع، وحين دعت الصفحة إلى فعاليات احتجاجية في الشارع، شارك المئات، ثم الآلاف، دون معرفة اسم القائد لكنهم انصاعوا للفكرة والقضية.

في هذه الحالة لا تنجح الكاريزما في الإبقاء على فكرة "القائد الرمز"، وهو ما ذاقته قيادات جماعة الإخوان المسلمين، حين تمرد عليها شباب الجماعة في سنوات سابقة، وهو ما تكرر بشكل آخر مع أنصار البرادعي في حزب الدستور الذي كان يرأسه، حين وقفوا ضده احتجاجا على تمريره إجراءات رأوها ضد مستقبل الحزب.

ومع شيوع استخدام الإنترنت كمنصات إعلامية بديلة، أصبح لدى كل فرد القدرة على نقد من حوله، والشعور بأهمية رأيه، ما قلّل من هيبة فكرة القائد، لصالح الفكرة والقضية.

الإنترنت أسلوب حياة

في عالم الفيسبوك الذي يرتاده ما يقارب 17 مليون مصري، هناك خاصية "إعجاب Like"، تسمح للفرد بأن يعبر عن تأييده لأي محتوى منشور بضغطة زر، وهناك خاصية "مشاركة Share"، التي تسمح للمستخدم أن ينقل المحتوى إلى صفحته كي يطلع عليه أصدقاؤه. وتظهر الفكرة نفسها في موقع تويتر الذي يسمح بإعادة نشر معلومة كتبها شخص آخر، وهو ما خلق مزاجا لدى هذه الشريحة من الشباب، أصبح موجودا في الفعاليات المتكررة، حين أصبح الفرد في الفعالية أو الحفلة أو الحملة التطوعية، أقرب إلى زر "إعجاب Like" في الفيسبوك، ولم تعد هناك أهمية كبيرة في بروز شخصيات بعينها، بل في إيصال الموقف وإيضاح الفكرة .. فمستخدم الإنترنت الذي لم يعد يهمه اسم الكاتب، بقدر ما يهمه المحتوى، أصبح لا ينبهر بوجود شخصية شهيرة إلى جواره على الأرض في كثير من فعاليات السنوات الماضية.

**

كان المشهد في حفل كايروكي قبل أسابيع، يكشف عن أن هذه الشريحة من الشباب، رغم استمرار تهميشها، ورفض ثقافتها، فقد حققت انتصارا في الفترة الماضية لأفكارها، ونمط حياتها، أو على حد كلمات مغني الراب أحمد ثروت:

"فضلت أعافر في صمتي .. أبني في حيطان مدينتي"

وفي داخل الحفلة، أو الجامعة، أو عالم الإنترنت .. الجميع يسمع، ويتفاعل بحماس، ما دامت هناك فكرة تجتذبه، قبل أن يهتم بمن قائلها.

التعليقات