حرب بين عالمين - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرب بين عالمين

نشر فى : الثلاثاء 27 يناير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 27 يناير 2015 - 8:05 ص

نشر المحلل السياسى الأمريكى الشهير جورج فريدمان مقالا تحليليا على موقع مركز ستراتفور الأمريكى. حول ما تم فى أول العام الجديد فى باريس حيث مقتل صحفيى شارلى إبدو بسبب رسومات ساخرة من نبى الإسلام، محاولا تفسير ما حدث والرجوع إلى الأسباب الحقيقية وراء ذلك من وجهة نظر الجغرافيا السياسية. يرى فريدمان أن قتل رسامى الكاريكاتير الذى سخروا من الإسلام واليهود الذين كانوا يشترون وجبات السبت، على أيدى إسلاميين فى باريس الأسبوع الماضى قد أدى إلى صدمة. والعالم المصدوم خطير باستمرار. ويضيف قائلا إن الأشخاص المصدومين يمكن أن يفعلوا أشياء تتسم بالتهور. واللحظات المتطرفة والمشحونة بالعواطف هى التى يكون فيها البعد والهدوء مطلوبين كأقصى ما يمكن. لذا وبعد أن يهدا الغضب من الحدث، يمكن وضع خطط للعمل. فالغضب له مكانه، لكن الأفعال لابد من اتخاذ الإجراءات بالانضباط والفكر.

وجد فريدمان أنه بالتفكير بطريقة جيوبوليتيكية يمكنه تهدئة غضبه والعثور على تفسير لمثل هذه الأحداث. مشيرا إلى كتاب صدر باسمه فى يناير الجارى وعنوانه Flashpoints:The Emerging Crisis in Europe، والذى يدور حول فشل التجربة الأوروبية الكبيرة، أى الاتحاد الأوروبى، وانبعاث القومية الأوروبية. حيث يناقش الكتاب إعادة ظهور المناطق الحدودية ونقاط الاشتعال فى أوروبا وتزايد احتمال أن محاولة أوروبا للقضاء على الصراع سوف تفشل. ومن الواضح أن هذا الأمر أعطاه بعض الاهتمام، حيث يعتمد على الكتاب لبدء فهم أطراف الحادثة.

<<<

ويعتبر فريدمان أن المسيحيين والمسلمين أعداء ألداء فيما مضى، حيث حاربوا من أجل السيطرة على شبه جزيرة أيبريا. كما أنهم كانوا حلفاء أيضا. إذ تحالف السلطان التركى والبندقية فى القرن السادس عشر للسيطرة على البحر المتوسط. فمن وجهة نظره ليست هناك عبارة تلخص العلاقة بين الاثنين سوى هذه: من النادر أن تنشغل ديانتان إحداهما بالأخرى، وتكونان فى الوقت نفسه متناقضتين وجدانيا. هذا خليط قابل للانفجار.

فالأزمة الحالية ترجع أصولها إلى انهيار الهيمنة الأوروبية على شمال أفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية وحاجة أوروبا إلى العمالة الرخيصة. ونتيجة للطريقة التى أنهوا بها علاقاتهم الإمبريالية كان مقدرا لهم السماح بهجرة المسلمين إلى أوروبا، ومكنتهم حدود الاتحاد الأوروبى «المسامية» من الاستقرار حيثما اختاروا. ولم يحدث أن شارك المسلمون فى أى تحول ثقافى. فقد جاءوا من أجل العمل والمال. واجتمعت شهية الأوروبيين للعمالة الرخيصة وشهية المسلمين للعمل ليولدا انتقالا ضخما للسكان.

وبعد ذلك تعقّد الأمر بسبب كون أوروبا لم تعد مسيحية فقط. إذ فقدت المسيحية الهيمنة على الثقافة الأوروبية على مدى القرون السابقة وانضم إليها، إن لم يكن حل محلها، مبدأ العلمانية الجديد. ورسمت العلمانية خطا فاصلا بين الحياة العامة والحياة الخاصة التى هبط فيها الدين، بالمعنى التقليدى، إلى المجال الخاص دون أن تكون له سيطرة على الحياة العامة. وتمثل العلمانية مشكلة عامة. فهناك من تختلف معتقداتهم عن معتقدات الآخر الذين يجدون أن العثور على أرض مشتركة فى الفضاء العام مستحيل. وبعد ذلك هناك من يرون أن التمييز نفسه بين الخاص والعام إما لا معنى له أو غير مقبول. وتدابير العلمانية المعقدة لها سحرها، لكن ليس كل إنسان يمكن أن يُسحَر بها.

ويضع فريدمان يده على المشكلة، وهى أن ما تراه المسيحية على أنه التقدم ابتعادا عن الطائفية، يراه المسلمون (وبعض المسيحيين) تفسخا وضعف إيمان وضياع للعقيدة.

<<<

ويرى الكاتب أنه ليس هناك تحديد مدمج فى استخدامنا للغة يسمح لنا بنقل مسئولية الأعمال التى وقعت فى باريس بعيدا عن الدين فى اتجاه ثانوى، أو أعمال من ضغطوا على الزناد فحسب. وهذه هى مشكلة العلمانية التى تتحاشى القولبة. فهى لا توضح من الذى يتحمل المسئولية عن ماذا. وبوضع المسئولية كلها على الفرد، تميل العلمانية إلى تبرئة الدول والديانات من المسئولية.

وفى حالة قول البعض إنه ليس سوى المسلحين ومؤيديهم المباشرين مسئولون عن الفعل، وكل من يشاركونهم العقيدة غير مذنبين، فبذلك قد أُصدر حكما أخلاقيا مقبولا. لكن من الناحية العملية سيفقد أصحاب هذا الرأى قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم. إذ من الصعب الدفاع عن العنف العشوائى، وغير مسموح بفرض المسئولية الجماعية. لكن كل من ارتكبوا تلك الأعمال مسلمون يدعون الحديث باسم المسلمين. وهنا قد يقول قائل هذه مشكلة «مسلمة»، وبالتالى يحمِّل المسلمين مسئولة حلها. لكن ماذا يحدث إن لم يحلوها؟ وهكذا يدور الجدل الأخلاقى بلا نهاية.

لكن بينما للأوروبيين قضايا بعينها مع الإسلام، وهى قائمة منذ أكثر من ألف عام، فهناك مشكلة أكثر عمومية. فالمسيحية خُلِّصت من حماسها الإنجيلى ولم تعد تستخدم السيف لقتل أعدائها وإدخالهم فى الدين. لكن أجزاء على الأقل من الإسلام لا تزال محتفظة بذلك الحماس. والقول بأنه ليس كل المسلمين يشتركون فى هذه الرؤية لا يحل المشكلة.

يرى فريدمان أن هناك عددا لا بأس به من المسلمين يشترك فى ذلك الحماس للإضرار بحياة من يحتقرون، وهذا الميل نحو العنف لا يمكن غض الطرف عنه من جانب أهدافهم الغربية أو المسلمين الذين يرفضون الاشتراك فى الأيديولوجيا الجهادية. وليس هناك من طريقة لتمييز من قد يقتلون عمن لن يقتلون. فى إشارة إلى دعوة رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فال بالحرب على الإسلام المتشدد. ويسخر فريدمان من هذه الدعوة، فإذا كانوا – المتشددين- يرتدون زيا عسكريا أو يحملون علامات خلقية (وحمات) مميزة على جلودهم لما كانت هناك مشكلة فى محاربة الإسلامويين المتشددين. إن الدعوة إلى حرب على الإسلامويين المتشددين أشبه بالدعوة إلى حرب على أتباع جان بول سارتر. ما شكله على وجه التحديد؟

<<<

يرى فريدمان أن هناك شيئا لابد من عمله. وبرغم عدم معرفته بما يجب فعله، لكنه يشك فى أنه يعرف ما الذى سيأتى. أولا: إذا كان صحيحا أن الإسلام يرد فحسب على جرائم تُرتَكب ضده، فهذه الجرائم ليست جديدة، ومن المؤكد أنها لم تنشأ مع خلق إسرائيل أو غزو العراق أو الأحداث الأخيرة. فهذا يعود إلى أزمنة أبعد من ذلك بكثير. وليس هناك جديد فى ذلك، ولن ينتهى إذا حل السلام فى العراق أو احتل المسلمون كشمير أو قُضى على إسرائيل. كما أن العلمانية لا توشك أن تجتاح العالم الإسلامى. ويبيّن أن الربيع العربى كان خيالا أوروبيا كأن انهيار الاتحاد السوفييتى عام 1989 يكرر نفسه فى العالم الإسلامى بالنتائج نفسها. ومن المؤكد أن هناك ليبراليين وعلمانيين مسلمين. لكن مهما كان ما يفعلونه لا يسيطرون على الأحداث. مشيرا إلى أن الأحداث وليس النظرية هى التى تشكل حياتنا.

إن المعنى الأوروبى للدولة أصوله فى التاريخ المشترك واللغة المشتركة والعرقية المشتركة، بل فى المسيحية ووريثتها العلمانية. ولا مفهوم لدى أوروبا للدولة سوى هذه الأمور التى لا يشترك المسلمون فى أى منها. ومن الصعب تخيل نتيجة أخرى سوى جولة أخرى من الانعزال والترحيل. ولأن أوروبا عاجزة عن تمييز المسلمين المتشددين عن المسلمين الآخرين، فسوف تتحرك فى هذا الاتجاه بشكل متزايد ودون قصد.

ومن المفارقة بالنسبة لفريدمان أن هذا هو ما يريده المسلمون المتشددون لأنه سوف يقوى موقفهم فى العالم الإسلامى بصورة عامة، وشمال إفريقيا وتركيا بشكل خاص. لكن بدل تقوية الإسلاميين المتشددين هو العيش مع التهديد بالموت إن أُسىء إليهم. وهذا لم يتحمله أحد فى أوروبا.

<<<

وختاما ينظر فريدمان إلى ما حدث بنظرة حتمية، فالمناطق الحدودية على البحر المتوسط كانت موضع صراع قبل وجود المسيحية والإسلام بكثير. وسوف تظل موضع صراع حتى إذا فقدا حبهما الشديد لمعتقداتهما. ومن الوهم تصديق القضاء على الصراعات المتأصلة فى الجغرافيا. ومن الخطأ كذلك أن يتفلسف البعض أكثر من اللازم فيما يتعلق بالانسلاخ عن الخوف الإنسانى من أن تُقتَل وأنت جالس على مكتبك بسبب أفكارك. العالم يدخل مكانا بلا حلول. وهذا المكان به قرارات، وكل الاختيارات ستكون سيئة. وما يجب أن يتم سيتم، وهؤلاء الذين رفضوا اتخاذ القرارات سوف يرون أنفسهم أكثر أخلاقا من هؤلاء الذين اتخذوا قرارات. فلا مفر من حدوث حرب، وكشأن الحروب كافة، هذه الحرب مختلفة جدا عن سابقتها فى الطريقة التى تُحاكَم بها. لكنها حرب على الرغم من ذلك، وإنكار هذا إنكار لما هو واضح.

التعليقات