تسعير الطرق بداية لحل مشكلة المرور - محمد القرمانى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسعير الطرق بداية لحل مشكلة المرور

نشر فى : الجمعة 27 فبراير 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 فبراير 2015 - 10:00 ص

تعتبر القاهرة واحدة من أكثر مدن العالم ازدحاما ويعانى سكانها والمترددون عليها بصفة يومية أشد المعانة فى قضاء مصالحهم وضياع وقت كبير فى الانتقال من مكان لأخر. غير أن الزحام يترتب عليه أضرار اقتصادية كبيرة حيث قدرت دراسة أجراها البنك الدولى عام 2010 بعنوان «التكدس المرورى بالقاهرة» الخسائر الاقتصادية بأنها تعادل 3.4٪ من الناتج الاجمالى GDP، والتى أخذت فى الاعتبار الأضرار البيئية وحالات الوفاة والاصابات الناتجة عن الحوادث والوقت المهدر وفقدان الإنتاجية وغيرها.

وعلى الرغم من أن ملكية السيارات الخاصة فى مصر أقل كثيرا من غيرها حول دول العالم حيث بلغ عدد السيارات فى مصر وفقا لإحصائيات البنك الدولى عام 2004 إلى 28 سيارة لكل 1000 مواطن بالمقارنة بـ80 فى تركيا و83 فى تونس و57 فى الجزائر و47 فى المغرب، إلا أن أزمة المرور فى القاهرة تبدو أشد وأعقد من مثيلتها فى تلك الدول. ويبدو أن هناك أسباب عديدة لهذا الوضع لعل أهمها هو ثبات معدل الزيادة السكانية فى مصر فى حدود 2٪ سنويا منذ أربعين عام تقريبا وتمركز الخدمات الحكومية والترفيهية والتى تجعل القاهرة أكبر المراكز الحضرية فى مصر وقبلة رئيسية للهجرة الداخلية بالإضافة إلى تردى مستوى وسائل النقل العام والتى يفضل معها المواطن المقتدر شراء سيارة خاصة أو استخدام سيارة أجرة، وكذا فقر البنية التحتية غير المجهزة منذ تأسيسها لتحمل هذا الضغط المرورى الكبير.

•••

وتحتل أزمة المرور والنقل الداخلى urban transportation بصفة عامة أولوية لدى حكومات وصانعى القرار حول العالم، وهناك العديد من الحلول والبدائل التى تلجأ اليها هذه الدول للمساهمة فى تحسين وسائل انتقال الأفراد وبالتالى زيادة الإنتاجية والحد من التلوث البيئى.

ويعتبر تسعير استخدام الطريق road pricing أحد أدوات السياسية الاقتصادية للدولة والتى تقوم عن طريقها بإدارة الطلب على استخدام الطريق Demand management، كما أنه أحد الوسائل الفعالة إلى تلجأ إليها العديد من الدول لتخفيف حدة الازدحام المرورى وأيضا تحقيق ايرادات للدولة. حيث يتم التعامل مع استخدام الطريق باعتباره سلعة ذات جانبى عرض وطلب، تمثل البنية التحتية من طرق وشوارع وأماكن انتظار سيارات جانب العرض، بينما المركبات بمختلف أنواعها تمثل جانب الطلب. وكطبيعة أى سلعة عندما يزيد المطلوب عن المعروض منهاــ أى زيادة عدد السيارات عن قدرة ومساحة الشوارع والطرقــ يحدث قلة فى السلعة المعروضة يترتب عليه أيضا رداءة المنتج المتداول فى السوق وهو فى هذا الحالة جودة الطريق والمساحات المتاحة لاستخدامها من المركبات المختلفة. ومن المتفق عليه أن استخدام الطريق يعتبر سلعة عامة common good أى أنها متاحة للجميع دون تمييز ومن الصعب منع فئات بعينها من استخدامها الا أنه فى الوقت ذاته فإن استفادة أى شخص بها تقلل من فرص الآخرين فى الاستفادة منها لذا ففى ضوء مجانية استخدام الطريق فمن المتوقع أن تتفاقم أزمة الزحام المرورى.

لذا تقوم فكرة تسعير الطرق على وضع ثمن لاستخدام الطرقــالكباريــ الأنفاق التى تشهد زحاما مروريا فى أوقات الذروة وذلك لإعطاء قائدى المركبات الخاصة حافزا سلبيا لتقليل استخدام سياراتهم فى أوقات الذروة أو استخدام بدائل أخرى مثل استخدام وسائل النقل العام أو الرحلات المشتركة car pooling. وفى حالة القاهرة الكبرى يمكن البدء تجريبيا على أحد المحاور المرورية التى تشهد زحاما مروريا فى الأوقات الصباحية مثل الطريق الدائرى أو محور 26 يوليو من خلال تحصيل رسوم مرور فى أوقات الذروة على أن تكون محطات التحصيل الكترونية Electronic toll collection والتى لا تتطلب توقف السيارة لدفع الرسوم بل يتم الدفع مقدماُ وترصد كاميرات مثبته على تلك المحطات ومزودة بنظم لقراءة بيانات لوحات السيارات Automated vehicle identification التى تمر عليها وذلك حتى لا تسبب تكدسا مروريا. ويمكن استخدام حصيلة المبالغ المحققة فى توسعة وصيانة الطرق ذاتها أو تمويل مشروعات النقل العام التى تكبد الدولة مبالغ باهظة تضطر معها للاستدانة من الخارج. كما أن تسعير الطرق قد يصاحبه كإجراء مكمل الشروع فى تنفيذ مشروعات نقل جماعى متطور تكون بديلا مناسبا لمالكى السيارات الخاصة والذين يرغبون فى ترك سياراتهم واستخدام وسائل آمنة ومريحة.

•••

ويمكن الاستفادة من تجارب الدول التى طبقت هذه السياسة بصور وآليات مختلفة مثل الولايات المتحدة واستراليا وكندا ومن الدول النامية جنوب أفريقيا والبرازيل الا أن سنغافورة تظل صاحبة السبق فى تطبيق نظام التحصيل الالكترونى عام 1998 والذى نتج عنه انخفاض عدد السيارات بنحو 25 ألف سيارة فى وقت الذروة فضلا عن زيادة سرعة السير بنحو 20 كم فى الساعة. كما بدأت دبى فى تطبيق هذا النظام تحت مسمى (سالك) عام 2007 والذى ساهم فى تخفيض زمن الرحلات بنسبة 44٪ مما دعا حكومة دبى إلى تنفيذ مرحلتين جديدتين للمشروع.

وبطبيعة الحال فإن البدء فى تنفيذ مثل هذه السياسة فى مصر يتطلب دراسة اقتصادية هندسية واجتماعية تحدد التكلفة والعوائد المتوقعة costــbenefit، وأيضا تضع خطة تنفيذ مصحوبة بمؤشرات يمكن قياسها لتحديد النجاح من عدمه مع ضرورة الاهتمام بطرح الأمر على الرأى العام فترة كافية قبل بدء التنفيذ واشراك أكبر قدر ممكن من أصحاب المصلحة stakeholders والترويج للمكاسب الممكن تحقيقها وذلك لتحفيف حدة المعارضة أو استخدام أصحاب المصالح السياسية الخاصة لهذا الأمر ضد المصلحة العامة.

محمد القرمانى مدرس مساعد السياسات العامة بجامعة أوريجون
التعليقات