دكتور محلب: حكومتكم مطالبة بتغيير جذرى لآليات الترويج - فاروق حلمى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دكتور محلب: حكومتكم مطالبة بتغيير جذرى لآليات الترويج

نشر فى : الخميس 28 مايو 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 28 مايو 2015 - 9:30 ص

العالم كله يتطور وتنمو صادراته واستثماراته والسياحة الواردة اليه، فى حين نعانى نحن من تراجع صادراتنا ويشهد الاستثمار عندنا تعثرا والسياحة مضروبة فى مقتل، بينما حياة مصر مرهونة بازدهار هذه القطاعات الثلاثة.

ولقد بحث مجلس الوزراء برئاستكم أخيرا مشكلة انخفاض الصادرات فى الربع الأول للعام وأرجعها إلى 9 أسباب تبدو منطقية، وأشار باقتضاب لأن من بينها «تراجع معدلات المشاركة المصرية فى المعارض الخارجية» معترفا بذلك بالعجز القائم فى الترويج لصادراتنا. وتعهد المجلس باتخاذ اجراءات أسهب فى شرحها للتصدى لتلك الأسباب، لكنه لم يوضح كيف ستتم معالجة القصور المزمن فى الترويج للصادرات.

وفى ردكم المنشور يوم 21 الحالى على انتقادات الدكتور على السلمى للحكومة بأنها «تسير بمنطق الاصلاح الادارى الجزئى غير الناجح»، أكدتم أن نهج حكومتكم هو الاصلاح الكلى والشامل فى عدة ميادين، ومع تقديرى لجهود الحكومة لكنى لا أرى أى اصلاح جذرى فى مجال الترويج للصادرات.

•••

مشكلتنا أن الكثير من سلعنا لا تقوى على المنافسة فى الخارج لانخفاض الإنتاجية والجودة مما يستلزم جهدا جادا للارتقاء بهما. وقد يجتهد بعض منتجينا فى اتقان سلعة ما لكنهم يتركون ليواجهوا غابة الأسواق الدولية فرادى، بينما تقوم دول أخرى بترويج منظم لجميع المنتجين والمنتجات لديها. وللأسف فإن مهمة الترويج متروكة عندنا فى براثن أجهزة حكومية بيروقراطية وقاصرة فنيا وماديا، واذا كانت الحكومة جادة فعلا فى انتهاج اصلاح كلى وشامل كما تفضلتم فإنها ينبغى أن تسارع لإحداث ثورة، تنشئ بها آليات جديدة مستقلة – ليست حكومية ولا قطاع خاص وإنما Quasi Government – وتمكينها ماليا من أداء المهام بفعالية مثلما فعلت النمور الآسيوية وحققت المعجزات من ورائه.

ولقد راعنى أن أجد مشروع قانون الاستثمار الجديد يقضى فى مسودته «بإمكانية انشاء شركات للترويج أو التعاقد مع شركات لذلك». ولا أدرى ما انتهى إليه الأمر فى النص النهائى، لكن اذا كان النص بقى على ما هو عليه فإنه يعتبر عيبا خطيرا، حيث لا يمكن أن تسند مهمة قومية مثل هذه لشركة خاصة تماما مثلما لا يصح تركها فى يد إدارات حكومية.

ولا يمكننا أن نركن لنتائج مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى إذ إن الكثير منها ما زال فى مرحلة النوايا، ويجب أن يكون لدينا جهاز نشط يبذل جهودا مستدامة لجذب الاستثمار الأجنبى.

كما هالنى أيضا أن يخرج علينا رئيس هيئة التنشيط السياحى بتصريح يعلن أن 12 شركة محلية وأجنبية سحبت كراسة مناقصة اختيار شركة دعاية للترويج لمصر، وسيتم فتح المظاريف يوم 31 مايو بهدف التعاقد معها لمدة 3 سنوات للرد على الرسائل السلبية لوسائل الاعلام الغربية، وتوضيح الصورة بشأن الوضع الداخلى عندنا أو حقيقة أى حدث ارهابى عند وقوعه، بالإضافة لشن حملة تسويقية لمصر.

وأشار إلى أن من بين الشركات المتقدمة «جى دبليو تى» المروجة لمؤتمر شرم الشيخ وشركة «طارق نور». كما أوضح أن المكاتب الخارجية للهيئة تم اغلاق 6 منها وأصبحت قاصرة على 11 مكتبا، وأعتقد أنها غير ممكنة هى الأخرى من القيام بدور فعال.

وأعجب كيف ينتهى بنا الأمر لتسليم مقدرات البلد ومصالحه لشركات خاصة على هذا النحو أجنبية كانت أو محلية، بينما ينبغى أن توكل لكفاءات نابعة من صفوفنا واعية بأوضاعنا وقادرة على شرحها يوميا وليس موسميا، وتكون مسئولة أمام جهاتنا الرسمية عن حسن أدائها. كما يجب ألا يفوتنا أن أى شركة خاصة هدفها الربح قبل مصلحة الوطن، ولديها أهداف وأنشطة أخرى تستهلك طاقاتها، كما أن تكليف شركات بهذه المهام يفتح الباب للمحسوبيات والفساد ويهدر الملايين دون ضمان فعالية نشاطها.

•••

الشركة الوحيدة التى قد يمكننا الاستعانة بها لمهام محددة هى مجموعة «على بابا» القابضة عملاق التجارة الالكترونية الصينية، التى أذهلت العالم بإنجاز غير مسبوق عندما حشدت 8ر21 مليار دولار فى ساعات معدودة من خلال طرح أسهمها للاكتتاب ببورصة نيويورك أواخر العام الماضى، لترتفع قيمتها السوقية إلى 230 مليار دولار. ويحرص رؤساء دول غربيون على زيارة مقرها سعيا لبناء جسور تعاون معها، وياليت رئيسنا التقى بمؤسسها أثناء زيارته لبكين.

ويمكن لهذه الشركة أن تقوم أولا بخلق قاعدة بيانات للمنتجات والمنتجين المصريين كما فعلت بالصين، وهو ما نفتقر إليه بشدة ليكون العمود الفقرى لآلية ترويج وطنية جديدة. وثانيا بإنشاء متجر للمنتجات المصرية على مواقعها لتمكين الشعب والشركات بالصين من شرائها أونلاين، أخذا فى الاعتبار أن المجموعة تستأثر بـ80% من التجارة الالكترونية الرائجة هناك وبلغ حجمها العام المنصرم 2ر2 تريليون دولار وتزيد بنسبة 30% سنويا.

وقد قامت الشركة يوم 18 الحالى بإطلاق جناح على مواقعها مخصص لعرض منتجات كوريا الجنوبية ومعلومات سياحية وثقافية عنها على الشعب الصينى، واقامة شراكة مع الشركات الكورية بما فيها الصغيرة والمتوسطة للتوصل لأفضل الحلول اللوجيستية للتبادل عبر الحدود، وتدريب خريجى الجامعات الكوريين لذلك الغرض فى مقر المجموعة، وانشاء قاعدة تخزين فى كوريا الجنوبية من أجل خفض المراحل الوسطى لإرسال المنتجات الكورية إلى المستهلكين الصينيين وضغط التكاليف اللوجيستية.

ومن حسن الحظ أن مؤسسها أعلن العزم على اطلاق أجنحة مماثلة لدول أخرى تلبية لاحتياجات المستهلكين الصينيين خاصة الطبقة الوسطى التى ينمو حجمها باستمرار، ويمكننا الاستفادة من هذا الاستعداد ومن ضخامة هذا السوق الواعد.

ويذكر أن على بابا أعلنت هذا الشهر أنها بصدد انشاء وحدة فى دبى بهدف العمل مع الشركات والحكومات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يعزز جهود دبى لأن تكون مركزا للتكنولوجيا فى المنطقة وسعى على بابا للتوسع فى الحوسبة السحابية دوليا، وذلك فى صورة مشروع مشترك مع «مراس» المملوكة لحاكم الامارة. كما أعلنت الشركتان أن المشروع سيتخصص فى تطوير التطبيقات وعمليات البيانات الضخمة. ومن المؤسف أن تسبقنا دبى فى اجتذاب المجموعة لكن الفرصة مازالت متاحة لمحاولة تعاونها معنا بصورة أو أخرى.

وأرجو ألا أبدو متناقضا باقتراح الاستعانة بهذه الشركة ومعارضة استخدام غيرها، فهى كيان أثبت نجاحا عالميا فريدا ولن تكلف بالدعاية لنا على اطلاقه وانما بدور محدد فى صورة مشروع مشترك فى حالة المتجر الالكترونى، وخدمة بعينها بمقابل فى حالة إنشاء بنك معلومات اقتصادى. ولا يلغى هذا كله الحاجة الماسة لجهاز كامل وفعال يتولى الترويج المستدام لكل من التجارة والاستثمار والسياحة.

•••

لقد تأخرنا كثيرا عن ركب التطور بين الأمم، وما زالت الشقة تتباعد بيننا وبين الآخرين. ولا صلاح لحالنا إلا بمزيد من الإنتاج والتصدير والاستثمار والجذب السياحى، وتحتاج كل هذه الأمور – بالإضافة للوفاق الوطنى والاستقرار الأمنى والسياسى – لخلق آليات جديدة بخلاف ما هو قائم منها وأثبت فشله، رغم محاولات «ترقيع» سابقة لإصلاحه باستخدام أموال المعونات الأجنبية.

ولقد سبق التوصية ــ من جانب خبراء أجانب تحت رعاية الأمم المتحدة واشراف وزارة الخارجية ــ بإنشاء جهاز متكامل لتنمية التجارة والاستثمار والسياحة، وتمويله من خلال فرض رسم زهيد على الصادرات والواردات بمقدار 05ر0% مثلا، لكى يتمكن من استقطاب أفضل الخبرات وتعيينهم بعقود بمرتبات عالية والانفاق بسخاء على أنشطة مكاتب الترويج الخارجية وعلى اقامة المعارض المصرية العامة والمتخصصة بالداخل والخارج واشتراك منتجينا فى المعارض الدولية، والاضطلاع بتشغيل بنك المعلومات وتلقى الاستفسارات التجارية والرد عليها واصدار مطبوعات المنتجات المصرية وتوزيعها عالميا بالمجان وغيره، وذلك بالإضافة للدعاية لمصر كوجهة مربحة للاستثمار الأجنبى ووجهة سياحية متميزة. وهذا بالإضافة لإنشاء جهاز آخر لدعم الإنتاجية والجودة وبحوث التطوير وربطها باحتياجات السوق.

وقد تم تضمين هذه الآليات فى استراتيجية مقترحة منذ 1995، إلا أن الحكومات المتعاقبة آثرت الاعتماد على نفس الآليات التى أنشئت فى الخمسينيات والستينيات وكانت حصيلة عملها ولاتزال هزيلة للغاية.

والاستراتيجية محفوظة لدى مكتب البرنامج الانمائى للأمم المتحدة بالقاهرة، ويمكن لحكومتكم الموقرة أن تشكل فريق عمل من الخبراء لمراجعتها والبدء فى تطبيقها وكأنها كما وصفها المؤيدون «Ready Manual». علما بأن الأجهزة المناظرة بالشرق الأقصى ــ والتى يحوز نشاطها اعجاب العالم ــ سبق أن تعهدت بتدريب كوادر أجهزتنا الجديدة.

 

فاروق حلمى خبير في الشئون الصينية مقيم في هونج كونج
التعليقات