جدل حول قانون مكافحة الإرهاب - امال قرامى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جدل حول قانون مكافحة الإرهاب

نشر فى : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:30 ص

بالرغم من تواتر العمليات الإرهابية، وتعالى أصوات الأمنيين ومختلف مكونات المجتمع المدنى المنادية، بالتعجيل فى إصدار قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال إلا أن هذا القانون لم تتم المصادقة عليه إلا بعد نقاشات حادة ومراوغات ومحاولات للتنصل من عدد من مواده. ولعل احتفال تونس بذكرى الاستقلال، وهى المناسبة التى اغتيل فيها الشهيد محمد البراهمى، هى التى أحرجت النواب فجعلتهم يصادقون على هذا القانون حتى يكون متزامنًا مع هذا الحدث الرمزى.

لقد ذهب فى ذهن البعض أن قانون مكافحة الإرهاب سيحقق الإجماع المأمول، وسيلتف حوله جميع التونسيين، وأنه سيكون رمز وحدتهم ومناسبة لالتحام صفوفهم، باعتبار أن العدو الأول هو الإرهاب، غير أن هذه التوقعات والأحلام سرعان ما تبددت إذ برز الخلاف والشقاق بين مختلف الفاعلين السياسيين.

***

ومن المهم بمكان أن نتبين الجدل الذى أثاره مشروع قانون مكافحة الإرهاب. فلئن بادر حزب النهضة بتنظيم مظاهرات احتجاجية تندد بالإرهاب مباشرة بعد عملية سوسة الأخيرة، إلا أنه لم يستطع أن يخفى حرجه ومخاوفه من تبعات المصادقة على قانون بمثل هذه 'الخطورة'، والذى من شأنه أن يقلب الأمور رأسًا على عقب، لاسيما أن المناقشات تزامنت مع حملة لعزل الأئمة الذين ينشرون خطابًا تكفيريًا أو محرضًا على الجهاد فى بلاد الشام، وعمليات غلق للمساجد التى خرجت عن السيطرة أو خالفت الإجراءات القانونية المعمول بها.

ويمكن أن نتفهم موقف حزب النهضة وأتباعه الذين لا ينفكون عن الضغط عليه حتى لا يقدم تنازلات «موجعة» أو ينخرط فى سياسة «تطهيرية». فالذاكرة جريحة وحبلى بأحداث موجعة لازالت تفعل فعلها فى النفوس وبعض الأجساد تحمل علامات تذكر بما كان يواجهه أصحابها من معاناة فلا غرابة والحال هذه أن يعتبر أتباع حزب النهضة أن «التاريخ قد يعيد نفسه» لاسيما وأن رموز النظام القديم عادت إلى النشاط.

***

وعلاوة على التفكير فى مشروع مكافحة من خلال عمليات تفعيل الذاكرة والاستسلام لعمليات الاسترجاع فإنه عز على قيادات النهضة أن يتولى المدافعون عن هذا القانون، أى 'العلمانيون' صياغة استراتيجية لمكافحة الإرهاب تنم عن تصور مختلف لإدارة للشأن الدينى لا تتبناه النهضة. فحملات غلق المساجد لا تعد فى نظر هذا الحزب وتوابعه كحزب المؤتمر إلا حربا على الإسلام وسياسة 'استئصالية' غير ناجعة تحاكى ما فعله بن على.

لم يثبت الجدل حول قانون مكافحة الإرهاب حجم المخاوف وأزمة الثقة واختلاف وجهات النظر فحسب، بل إنه أكد مرة أخرى أن صياغة القوانين تخضع للتفاوض وتتطلب مراعاة للتوازنات السياسية وفهما للسياق الحالى وللتحديات التى تمر بها البلاد. كما أن حزب النهضة لم يفوت مناسبة مناقشة المشروع ليروج لصورته الجديدة فراح يعرض «البينة» ويسعى إلى تبرئة ساحته من الاتهامات الموجهة له مستغلا الموقف ليكتب سردية جديدة توهم بأنه يتزعم تيار الإسلام المعتدل الزيتوني «وهو يعد امتدادا للحركة الفكرية الإصلاحية وهو أيضا مع تونسة الحركة والدفاع عن خصوصية توجهها».

***

أن يشيد بعض قيادى النهضة بالطاهر الحداد والثعالبى وابن عاشور.. فذاك أمر متوقع باعتبار المحاولات المتكررة التى بتنا نعاينها بين الحين والآخر من أجل منح الحزب هوية جديدة وبناء صورة تجب ما سبق. ولئن نجح حزب النهضة فى إقناع الغرب بهذه «المراجعات والسياسات الحداثية المعتمدة والحرفية فى تقمص الأدوار والتجديد» فى مستوى الخطاب السياسى فإنه لم يتمكن إلى اليوم من إقناع شرائح كبرى من التونسيين، بأنه قد تغير بالفعل وأنه بات يغلب مصالح البلاد على مصالح الحزب وأنه يؤمن بمصطلحات وقيم تؤثث هذه الخطب العصماء التى يتفنن قياديوه فى إلقائها هنا وهناك.

ولكن إلى أى مدى يستطيع الحزب تنفيذ مشروع «تونسة النهضة» وتبنيها «الإسلام الوسطى المعتدل» فكرة وممارسة؟ وهل بالسطو على الإرث الإصلاحى الذى طالما عارضته النهضة متجهة صوب الفكر الإخوانى يتسنى للنهضة أن تقف بوجه النشاط الإرهابى؟

يبقى مجلس نواب الشعب مسرحًا مهمًا وركحًا اجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا يعتليه القياديون وممثلو الشعب، من أجل إثبات مهاراتهم وعرض ذواتهم والتسويق لأحزابهم، وانتزاع الاعتراف بكفاءتهم على التلاعب بالذاكرة وتزييف التاريخ.

 

التعليقات