مجافاة العقل - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مجافاة العقل

نشر فى : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يوليه 2015 - 7:45 ص

يجافى العقل تجاهل التقارير المتواترة عن انتهاك حقوق وحريات بعض القابعين خلف الأسوار، تماما كما يجافيه القبول المستخف بالكرامة الإنسانية للحالة الإنكارية التى تتعامل بها المؤسسات والأجهزة الأمنية ومن ثم السلطة التنفيذية مع الأخبار المتداولة عن حدوث ممارسات تعذيب فى أماكن الاحتجاز وفى السجون والتى تترجم فى الواقع المعاش إما إلى بيانات رسمية تنفى التعذيب أو إلى تسفيه وتشويه للمنظمات الحقوقية المصرية المدافعة عن حقوق الإنسان أو إلى تخوين للمنظمات الحقوقية الدولية التى تتهم عبثا بالعمالة لجماعة الإخوان ولحكومتى تركيا وقطر.

يجافى العقل كلا من التجاهل وقبول الحالة الإنكارية الرسمية بصدد انتهاك حقوق وحريات القابعين خلف الأسوار وبشأن ممارسات التعذيب، أولا، ﻷن الخبرة المتراكمة للمؤسسات والأجهزة الأمنية فى مصر تدلل على التورط المنظم فى الانتهاكات والتعذيب، وعلى غياب الإرادة الفعالة للسلطة التنفيذية لإيقاف الانتهاكات والتعذيب وإنهاء الإفلات الرسمى من العقاب، وكذلك على التعثر المستمر لبعض الجهود المحدودة التى تستهدف تغيير ثقافة العاملين فى المؤسسات والأجهزة الأمنية باتجاه التزام سيادة القانون واحترام كرامة المواطن.

يجافيان العقل، ثانيا، ﻷن المؤسسات والأجهزة الأمنية ومن وراءهم السلطة التنفيذية «ألفت» الحالة الإنكارية عبر بيانات النفى وعبر تصدير الاتهامات باتجاه المدافعين عن الحقوق والحريات، تماما كما ألفت الابتعاد عن التعامل الموضوعى مع تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان واللجوء (المحكوم عليه دوما بالفشل) للتشكيك فى مصداقيتها الأخلاقية والمهنية ولمقولات المحاججة المتهافتة (من نوعية «يصدرون التقارير عن الانتهاكات والتعذيب فى مصر، ويمتنعون عن تناول الانتهاكات فى بلدان أخرى يرضون عنها»، وكأن حدوث انتهاكات للحقوق وللحريات فى قطر أو تركيا أو فى قطاع غزة ــ وهو أمر مدان بالكامل ــ من شأنه أن يخفف من وطأة ما يحدث بين ظهرانينا).

يجافيان العقل، ثالثا، ﻷن الآليات العامة للرقابة وللمساءلة وللمحاسبة حال تورط المؤسسات والأجهزة الأمنية فى الانتهاكات والتعذيب، وهى الآليات المرتبطة بالسلطة القضائية والسلطة التشريعية والأجهزة الرقابية المنصوص دستوريا على استقلاليتها، إما مسخرة لخدمة «الحرب على الإرهاب» أو يتواصل غيابها تماما أو يتم حاليا استتباعها عبر تمرير قوانين وتعديلات قانونية استثنائية تركز الصلاحيات فى يد السلطة التنفيذية فقط وتمنع عملا رقابتها أو مساءلة ومحاسبة المنتمين إليها (إلا عندما تحضر إرادة واضحة من قبل رأس السلطة التنفيذية وتسمح بالمساءلة والمحاسبة عند حدوث انتهاكات أو تعذيب أو جرائم أخرى).

يجافيان العقل، رابعا، ﻷن مصادر التقارير المتواترة عن الانتهاكات والتعذيب فى مصر ترتبط بمدافعين محترمين عن حقوق الإنسان وبمحامين مشهود لهم بالمهنية والصدق وبذوى الضحايا الذين هبط بسبب تراكم الظلم سقف مطالبهم إلى مجرد الزيارة وإيصال الزاد والحماية من انتهاك السلامة الجسدية ــ حين يكتب المحامى المحترم الأستاذ محمد عبدالعزيز عن تعرض المواطن أحمد عبدالرحمن المتهم فى القضية المعروفة باسم «قضية مجلس الشورى» للاعتداء عليه وعن سوء معاملته وعن التعنت فيما خص زيارته والوصول إليه، يصعب للغاية عدم إعطاء مصداقية للأمر.

أسجل أن تجاهل التقارير المتواترة عن انتهاك حقوق وحريات بعض القابعين خلف الأسوار وقبول الحالة الإنكارية الرسمية بشأن ممارسات التعذيب يجافيان العقل ولا أقرر هنا أنهما يتناقضان مع المسئولية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية لكل مواطن، ﻷن التناقض هذا واضح وجلى ولا يستدعى شرحا أو تفصيلا. فقط إعمال الضمير.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات