إلغاء مجانية التعليم يهدد مستقبل الآلاف من طلاب الجامعات المصرية - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلغاء مجانية التعليم يهدد مستقبل الآلاف من طلاب الجامعات المصرية

نشر فى : الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 31 مارس 2015 - 10:10 ص

م تتمن طالبة الحقوق آية مرسى يوما أن تدرس الحقوق، لكن مجموع درجاتها النهائى بامتحانات الثانوية العامة جعل من كلية الحقوق خيارها الوحيد. الالتحاق بكلية لم تحبها يوما، بالإضافة إلى عملها فى قسم الموارد البشرية فى شركة خاصة للحصول على دخل إضافى جعل رسوبها فى سنة دراستها الثانية أمرا حتميا أيضا.

فى الظروف العادية، لا يجب أن يكون رسوب مرسى مهددا لاستمرارها فى التعليم المجانى الذى تتلقاه، لكن اتجاهات جديدة من الحكومة المصرية بربط مجانية التعليم الجامعى بمستوى الأداء الأكاديمى قد يضع مرسى، ومئات الآلاف غيرها من الطلبة، فى موقف صعب جدا.

قالت مرسى «أُجبرت على دخول جامعة ثم كلية لا أرغب فيها، أُجبرت على دراسة شىء لا أحبه، ثم أُجبرت على أن أكون جزءا من نظام تعليمى يشجع على الحفظ بدون أى عملية تعلم حقيقية، ثم ُيراد لى أن أجبر أن أدفع مالا مقابل هذا الهراء؟ هذا ظلم».

يعتبر مستوى درجات الثانوية العامة المعيار الوحيد لدخول الجامعات الحكومية المصرية، حيث يقوم مكتب التنسيق التابع لوزارة التعليم العالى بإرسال الطلاب للكليات والجامعات المناسبة لمجموع درجاتهم وتوزيعهم الجغرافى. كلما ارتفعت درجات الطلاب، كلما ازدادت فرصهم للالتحاق بما تعارف على تسميته «كليات القمة» كالطب والصيدلة والهندسة والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية. كما يضمن العيش فى القاهرة والمدن القريبة منها أيضا الانضمام لكبرى الجامعات المصرية العريقة المتركزة فى القاهرة بشكل كبير كجامعتى القاهرة وعين شمس. حاليا، يدفع طلاب الجامعات المصرية فقط مبلغا زهيدا من المال نظير اصدار بطاقاتهم الجامعية.

•••

أصدر المجلس الاستشارى لشئون التعليم والبحث العلمى، الذى كونه الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى سبتمبر الماضى، حزمة من مقترحات لسياسات لتطوير التعليم. كان أبرز هذه السياسات وأكثرها إثارة للجدل سياسة خاصة بتقليل الإنفاق الحكومى على دعم التعليم الجامعى من خلال ربطه بالدرجات التى يحصل عليها الطالب. النظام الجديد حال تطبيقه يشكل تهديدا حقيقيا لحق التعليم الجامعى المجانى الذى اكتسبه المصريون فى ستينيات القرن الماضى.

طبقا للدكتور طارق شوقى رئيس المجلس، فإن النظام الجديد سيكون نظاما جديدا لدفع المصاريف الدراسية، حيث يتم التكفل بدفعها بشكل كامل للطلاب الحاصلين على 70 فى المئة على الأقل من مجموع درجاتهم فى شكل منح دراسية، بينما يتم إجبار الطلاب الحاصلين على أقل من هذه النسبة على دفع جزء من المصاريف الدراسية. أما الطلاب الراسبون فى جميع المواد، كما الحال مع مرسى، فسيدفعون مصاريف الدراسة بشكل كامل.

قال شوقى فى تصريحات صحفية إن السياسة الجديدة تهدف إلى تغيير عقلية المصريين فيما يخص مجانية التعليم، وأن التعليم المجانى كحق مكتسب آن له أن ينتهى.

إلا أنه لم يتضح بعد كيف سيتم تحديد طريقة دفع المصاريف الجامعية فى السنة الأولى، وهل إذا ما كان مجموع درجات الطالب بالثانوية العامة هو المحدد لحصوله على منحة دراسية من عدمه. رفضت مصادر فى المجلس الاستشارى التعليق مؤكدة أن المجلس فى طور الانتهاء من إعداد الشكل النهائى لهذه السياسة بالإضافة لسياسات أخرى مختلفة.

طبقا لشوقى، يتكلف الطالب سنويا مصاريف دراسية تتراوح ما بين السبعة آلاف لعشرة آلاف من الجنيهات سنويا ( نحو 900 إلى 1300 دولار أمريكى) طبقا لنوع الدراسة التى يدرسها والجامعة المقيد فيها كل طالب.

ستكون مرسى من ضمن هؤلاء الذين سيتأثرون بالسياسة الجديدة حال تطبيقها. فضلت مرسى أن تعمل بمجال تحبه على أن تهتم بدراسة الحقوق، مما يجعلها تذهب إلى الجامعة لمدة شهر واحد فقط فى السنة خلال فترة الامتحانات حيث تحصل على إجازة بدون مرتب من عملها. قالت «الحضور ليس إلزاميا فى كليتى، كل ما على فعله هو شراء مذكرات لحفظ ما بها من معلومات قبل الامتحان. يحدث هذا فى كل الكليات النظرية. أستطيع القول أن تسعين بالمئة من الطلاب فى كليتى يحضرون إلى الجامعة هذا الشهر فقط للحصول على درجة علمية لن يستفيدوا منها فى المستقبل».

إذا تم تطبيق السياسات الجديدة، قد تضطر مرسى لدفع ما يوازى ما تدفعه هى فى الأصل للإنفاق على حياتها كطالبة جامعية. كطالبة وموظفة، تدفع مرسى قرابة الخمسة آلاف جنيه سنويا لشراء ملابس، ألف وخمسمائة جنيه للمواصلات، ألف جنيه للدروس الخصوصية، ومائتى جنيه للملازم الدراسية. قالت «الآن سأضطر لدفع سبعة آلاف جنيه إضافية على الأقل مقابل هذا التعليم الهزيل».

إلا أن شوقى يؤكد أن الأموال التى ستوفرها الدولة من خلال السياسة الجديدة سيتم استخدامها فى تطوير العملية التعليمية.

•••

بدوره، قال رئيس المركز المصرى للحق فى التعليم عبدالحفيظ طايل إنه من الصعب القول إن التعليم الجامعى فى مصر مجانى فى المقام الأول، مشيرا إلى المصاريف الإضافية التى تتحملها الأسرة المصرية للصرف على تعليم أبنائهم كالكتب الدراسية والأدوات والدروس الخصوصية. كما يدفع المصريون الضرائب التى تستخدم فى توفير الخدمات الأساسية كالتعليم، وبالتالى يدفع المصريون للتعليم «أكثر من مرة» على حد قوله.

تقول مرسى إنها رسبت فى ست مواد دراسية لأنها كانت على بعد درجة واحدة من النجاح فى كل مادة، «الرسوب ليس دليلا على الاستهتار، الكثير ممن يرسبون يعانون من نظام تقييم غير عادل، هناك من يعمل بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة، آخرون لا يحبون دراستهم، إضافة إلى الفتيات اللاتى يرسبن بسبب رفضهن بعض محاولات التحرش الجنسى من قبل أساتذتهم».

السياسة الجديدة غير معزولة عن السياسة كما يرى طايل، فهى استمرار للرغبة فى تطبيق توصيات البنك الدولى بضرورة تقليص الانفاق على التعليم العالى. فقد أوصى البنك الدولى بضرورة زيادة الانفاق على التعليم الفنى وما قبل الجامعى. قال طايل «لم تفلح توصيات البنك الدولى فى تحسين أى من التعليم الفنى أو ما قبل الجامعى، فتقليل الإنفاق على التعليم الجامعى يعنى إنهاء الدافع الوحيد للمصريين للاتجاه للتعليم من الأساس».

أما كمال مغيث، الباحث فى المركز القومى للبحوث التربوية فيعتقد أن الدولة تنظر للتعليم كخدمة وليس كحق، «ليس مسئولية الطلاب أن يدفعوا ثمن عملية تعليمية فاشلة»، موضحا أن الدولة عملت على جعل التعليم فرصة للاستثمار عوضا عن جعله فرصة للإبداع والتثقيف.

•••

يأتى التوجه الجديد مع تطبيق سياسات يرى مراقبون أنها مثلت تراجعا ملحوظا من الدولة عن دورها فى دعم التعليم الجامعى منذ التسعينيات، حينما تم اصدار القانون رقم 101 لسنة 1992 الذى يسمح بإنشاء الجامعات الخاصة. فى 2002 تم اصدار قانون للسماح بإنشاء جامعات هادفة للربح.

إضافة إلى ذلك، أنشأت الحكومة أقساما خاصة فى الجامعات الحكومية يتم تدريس المناهج بها بجودة أكبر من خلال تدريسها باللغات الإنجليزية أو الفرنسية مقابل دفع الطلاب ما يقارب العشرة آلاف جنيه كل فصل دراسى. هذا النظام المزدوج أتاح الفرصة للطلاب الأغنياء أن يكون لهم فرص أفضل من الطلاب الأكثر فقرا.

بالنسبة لطايل، مجانية التعليم الجامعى لا يمكن ربطها بالأداء الأكاديمى نظرا للتمييز الذى يواجهه الطلاب المصريون منذ اللحظة التى يلتحقون بها بالجامعة، قال «لدينا تمييز على أساس الطبقة الاجتماعية، الموقع الجغرافى وحتى النوع الاجتماعى». وطبقا لدراسة أجراها مجلس السكان الدولى فى 2012، فإن الفتيات المقيمات فى ريف الوجه القبلى هن الأقل التحاقا بالتعليم الجامعى لأسباب لها علاقة بقلة الإمكانيات المادية والموروثات المجتمعية.

بالنسبة لمرسى، التى كانت يوما ما عضو مؤسس بحركة مصر القوية الطلابية التابعة لحزب مصر القوية لكنها تركت العمل الطلابى مع قمع الحركة الطلابية إبان عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، فإن التمرد هو الحل حال تطبيق السياسة الجديدة. قالت بتصميم «لن أترك الجامعة، ولن أدفع المصروفات، وسيكون هناك حراك طلابى قوى ضد ذلك».

مى شمس الدين

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام

التعليقات