جوائز مهرجان مراكش تكشف الأزمة الجديدة للمجتمعات الأوروبية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:50 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجربة سينما المدارس رائدة وتستحق الإشادة بها..

جوائز مهرجان مراكش تكشف الأزمة الجديدة للمجتمعات الأوروبية

جوائز مهرجان مراكش تكشف الأزمة الجديدة للمجتمعات الأوروبية
جوائز مهرجان مراكش تكشف الأزمة الجديدة للمجتمعات الأوروبية
خالد محمود
نشر في: الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 - 7:16 م | آخر تحديث: الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 - 7:16 م

- عزلة المراهقين وتمردهم على الحياة التقليدية تستحوذ على فكر السينمائيين..

- المهرجان محطة لتتويج المخرجين الجدد تحت شعار «الشباب قادمون»..

بدون شك أهدى مهرجان الفيلم الدولى بمراكش فى دورته الـ١٤ ــ تسعة أيام من الحكايات الإنسانية والتيارات الفنية التى تجدد الإيمان بحيوية السينما والشغف بمواصلة الانخراط فى عوالمها.

جاءت أفلام هذا العام والتى اصبحت وجهة مشروعة للمخرجين الشباب ــ لتؤكد ان هناك قضايا بعينها اصبحت تسيطر على فكر السينمائيين، وهو بالقطع انعكاس لمجتمهاتهم، خاصة الاوروبية منها، من هذه القضايا، واقع الشباب وتمردهم على مجتمعاتهم وأعرافها وتقاليدها، ولغة العنف التى يتبناها بعض الشباب المراهق المتمرد، حين تنعدمُ كل جسور الحوار وتتقطع حبالها، كلغة للتواصل مع المجتمع والأهالى، وأيضا التشتت الاسرى والعزلة التى فرضتها مفردات العالم الجديد بين الابناء المراهقين والآباء.

وهى القضية التى باتت تؤرق العديد من المجتمعات، حيث أصبح كل فرد فى وادٍ داخل الاسرة الواحدة، ضاع الدفء وتشتت الحلم فى التواصل، تلك القضية الشائكة ظهرت فى اكثر من فيلم، وربما تكون هى الاعمال التى حازت معظمها على الجوائز، باستحوازها على إعجاب لجنة التحكيم ذوى المزاج الاوروبى برئاسة الفرنسية ايزابيل هوبير، وربما أيضا تكون حكايات الافلام جاءت على هواهم، وعوالمها يعيشونها فى الواقع، شعروا معها أن صنّاعها وضعوا ايديهم على جراح يلمسونها جيدا، ولكن هذا لا ينفى ابدا أن تلك الاعمال التى حصدت الجوائز هى رائعة سينمائيا فى طرحها، وسيناريوهاتها، ومعالجاتها ومفرداتها الفنية الاخرى وفى مقدمتها الاداء البارع لأبطالها.

الفيلم السويسرى «حرب» للمخرج الشاب سيمون جاكمى «٣٨» عاما هو اول عمل روائى طويل له، استطاع إقناع لجنة التحكيم وحيازة إعجابها، لتمنحه جائزتها الخاصة، فيما حصل بطله الشاب المراهق «بنجامان لوتزكي» على جائزة أفضل ممثل.

لم يصدق«المخرج الشاب» نفسه عندما سألته عن احساسه بالجائزة، لكنى طوال مشاهدتى للفيلم أشعر بالصعوبة الشخصية التى يجسدها، وهى قصة المراهق «ماتيو» البالغ من العمر ١٥سنة، حيث يحاول التخلص من قمع والده، وصمت والدته المسكينة، ربما للغة العنف واللامبالاة التى لا يجيد سواها للتخاطب بها مع المحيطين به، ويريد ان تكون له مفردات حياته المستقلة والتى يرفضها بالقطع الأب الذى يضيق به ذرعا، ويرسله إلى مزرعة بعيدة فى الضواحى وسط الجبال لمدة اربعة اشهر من العمل الشاق، بعيدا عن البيت، أملا فى أن يعيش تجربة قاسية، تعدل سلوكه، وتُعيده إلى الطبيعة.

حيث يلتقى «ماتيو» هناك مع ثلاثة شبان غاضبين وعدوانيين وساخطين على المُجتمع مثله، لفقدانهم عائلات تؤويهم وتأمن لهم الرعاية والمأوى، فحياة هؤلاء تبدأ ليلا، يعيثون فى الشوارع فسادا، وينتقمون من كل ما أساء إليهم بالعنف والتهديد بعد ان فقد كبير المزرعة العجوز سيطرته عليهم، حيث سيعيش رفقتهم مغامرات مثيرة..

وبمجرد وصول ماتيو يتم الزج به من قبل الشبان الثلاثة قفصا للكلاب، من اجل تهذيبه حسب وصية الاب، وفى مشاهد متتالية، تنكشف معالم المراهقين، انطون الصبى العدوانى الذى يفرض سيطرته على المكان، والفتى ديون الذى ينتمى لأصل صربى، والين الفتاة ذات قصة الشعر القصير، ظل ماتيو بمثابة كلبهم الضعيف إلى ان حظى بتقديره ويكسب ثقتهم وصداقتهم، ليقوموا بجولة مليئة بالعنف وسط المدينة، ونفاجأ بماتيو يقوم بعمل فخ لأبيه وينهال عليه ضربا مبرحا، فى مشهد قوى، كانت اللكمات تنزل من الابن على الاب وكأنها انتقاما منه على كل ما ذاقه ماتيو من معاناة فى المزرعة، وانهار الاب ودخل المستشفى، وذهب الابن اليه بعد ان اخبرته الشرطه بأن اباه مريض، وكانت المفاجأة ان قال الاب فى مشهد مؤثر لماتيو انه لم يخبر احد بما حدث، بينما قال الابن فى مشهد لاحق لأمه انه من قام بضربه دون أى رد فعل من الام.

الممثل الشاب بنجامين لوتزكى، قدم بالفعل دورا صعبا جعلك تكرهه كشخصية وترفض أفعاله، جسّد الشخصية بتلقائية كبيرة، كان أداؤه طبيعيا وردود افعاله وليدة اللحظة دون افتعال، وهو ما يحسب بالفعل لتوجيهات مخرج الفيلم الشاب الذى آمن بطرح القضية كما قال.

فقد اختار سيمون جاكمى شخصية المراهق ماتيو ليعبر عن نفسية مليئة بالألم والخوف والعنف فى لحظة واحدة، يفشل فى التواصل مع اسرته، ويتمرد عليه بل وينتقم منه دون أى حرج، وكذلك باقى رفقائه الشباب، فكل ما يقع تحت ايديهم يعبثون به ويحطمونه، لا هدف لحياتهم سوى تفريغ شحنات الغضب الفوضوى واشباع رغباتهم بالبحث عن اللذة.

وبعد أن ضاقت السبل بماتيو ورفاقه، وبدأت وضعيتهم تسوء، اتخذوا قرارا بالمُغادرة قبل أن تتمكن الشرطة من كشف مخبأهم، حينها سيضطر ماتيو إلى العودة إلى منزل والديه مكرها.

رغم الاستقبال الحار الذى حظى به هذا «المراهق المتمرد» من قبل أمه وأبيه، ومحاولتهما إحاطته بالعناية والدفء، إلا أنه سرعان ما غادر مجددا البيت بحثا عن أصدقائه القدمى، وحين وصل ماتيو إلى الكوخ بالمزرعة، وجده خاليا ويطلق ماتيو المحطمُ نفسيا صرخة متألمة، دليلا على حاله التيه والضياع فى صورة سينمائية تفصح عن الحيرة والالم العميق، ليس فقط لماتيو وحده وانما لكل ابطال القصة الذين باتوا فى حقيقتهم بشرا هشا، ضلوا الطريق إلى حريتهم، وكانت الرسالة السينمائية مهمة فى كشف الخطر والانتباه له.

وفى نفس المنطقة، وان كان المنظور السينمائى والمعالجة مختلفة، يجىء ايضا الفيلم الفائز بالنجمة الذهبية للمهرجان الروسى الالمانى المشترك «قسم إعادة الإدماج» للمخرج الروسى إيفان تفيردوفسكى، والذى يروى قصة شابة مراهقة «لينا» تسعى للاندماج فى محيطها الدراسى رغم المعوقات التى تحيط بها وسخرية زملائها.

فى الفيلم الذى يعد أول عمل سينمائى طويل للمخرج الشاب ايضا حيث ولد عام ١٩٨٨، والمُقتبس عن رواية للمحللة النفسية «كاترينا موراشوفا»، تلقى قصته الضوء على واقع الطلاب ذوى الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون فى صمت وقهر، فى ظل غياب وعى مجتمعى بظروفهم ومراعاة لنفسياتهم، حيث نرى تفاصيل معاناة هؤلاء الطُلاب، عبر قصة لينا الشابة الذكية المعاقة جسديا، نراها وهى تحرص على العودة إلى الدراسة بعد سنوات من الانقطاع بسبب إعاقتها، وتلتحق بقسم مخصص لتلاميذ ذوى اضطرابات نفسية وجسدية، ما سيجعل اندماجها فى أوساطهم صعبا وتغلبها على عجزها الجسدى، تحدٍ كبير تحاول كسب رهانه.

ونرى فى نهاية العام المشهد المهم، حيث يمثل كل تلميذ امام لجنة لتقييم قدراته التعليمية، ووضع تقرير لمدى الاحقية فى الالتحاق بقسم الفئة العادية، وبذكاء شديد يكشف المخرج وعلى لقطات متتالية كيف ان المدرسين لا يحاولون تحفيز الطلبة أو مساعدتهم على تحسين ادائهم، بل ويحاولون قمع لينا نفسها، لكنها تنتصر عليهم.

الواقع ان الفيلم يقدم صرخة مدوية للطرق غير التربوية التى تنتهجها كثير من المدارس الروسية فى التعامل مع طلاب من ذوى الاحتياجات الخاصة، عبر مسئوليها المتمسكين بالعقليات الصارمة.

بدون شك اصبحت ضربات السينما موجعة للمجتمع عبر قضاياها المطروحة، لكنها فى الوقت نفسه لم تكن توصل بضرباتها لولا ابداع مخرجيها الذين ينتمون لسينما المؤلف، فمعظمهم يكتب سيناريو افلامه منفردا أو مشتركا، لأنهم يريدون تحقيق العلامة الكاملة فى ابداعهم ورسالتهم السينمائية مثل حالة ايفان تفيردوفسكى، فى «قسم اعادة الاعجاب»، وسيمون جاكمى فى فيلم «حرب»، ولم تحظ هذه الاعمال بالاعجاب إلا بأداء ابطالها الرائع، الذين يجسدون شخصياتهم وكانهم يعيشون بيننا لا تفصلهم عنا مجرد خطوات، ليصبح المشاهد وابطال العمل فى دائرة واحدة.

واقتنصت الممثلة الفرنسية «كلوتيد هيسم» جائزة أفضل ممثلة عن تجسيدها لشخصية ناديا فى فيلم «آخر ضربة بالمطرقة» للمخرجة الفرنسية «أليكس دولابرت»، وهى كاتبة السيناريو ايضا مع آلان لو هنرى.

ولعبت الممثلة الفرنسية الشابة «كلوتيد هيسم» دورا دراميا جسدت فيه معاناة أم مصابة بداء السرطان، وتعيش آخر أيامها، لكنها فى ذات الوقت مُكلَّفة بالعناية بابنها المراهق فيكتور.

ومن الظواهر الكثيرة التى افرزتها جوائز المهرجان الدولى للفيلم بمراكش هو ان الاعمال الاولى للمخرجين قد نضجت كثيرا، أنها تحمل تجارب واعية وواعدة وملهمة وصادمة فنيا بفضل تمرد صناعها من المخرجين الجدد على كلاسيكيات فائتة، حيث ذهبت ايضا جائزة أفضل إخراج للمخرج الهندى «اديتا فيكرام سينغويتا» عن فيلمه «شغيل الحب»، الذى يُعتبر أول عمل سينمائى طويل له، حيث استطاع التمرد على تقاليد السينما البوليودية، مثلما فعل من قبل المخرج الكبير ساتيا جيت راى، وهو هنا يقدم قصة حب بسيطة بين رجل وزوجته تحول ظروف الحياة اليومية دون لقائهما فى البيت بشكل دائم أو منتظم.

إيزابيل هوبيير، رئيسة لجنة التحكيم اشادت بالبعد العميق لمختلف الأعمال السينمائية الـ15 المتنافسة، مشيرة إلى أن لجنة التحكيم عاشت لحظات مليئة بالمشاعر الإنسانية والتأملات الفكرية خلال متابعتها عروض المهرجان، الذى يؤكد حسب «هوبير» أن المغرب بلد السينما بامتياز.

على جانب آخر حاز الفيلم المغربى القصير «دالتو» من اخراج عصام دوخو على جائزة «سينما المدارس» فى مسابقة تنافست على جائزتها عشر أفلام قصيرة من إخراج طلبة المدارس والمعاهد السينمائية فى المغرب، تقام بالتوازى مع المسابقة الرسمية بالمهرجان الدولى للفيلم بمراكش.

لجنة تحكيم «سينما المدارس» رأسها المخرج الموريتانى «عبدالرحمن سيساكو» و«عصام دوخو»، الطالب الفائز يدرس بقسم السينما بالكلية متعددة التخصصات بورزازات، حيث ستقوم إدارة المهرجان بتمويل إخراج الشريط القصير المقبل بمبلغ قدره 300 ألف درهم مغربى (36 ألف دولار.

يتناول «تالتو» قصة شاب يكتشفُ أنه مصاب بعمى الألوان، حين يعتزم الالتحاق بمدرسة لفن الجرافيك، لولعه منذ صغره بالرسم، يرفض هذا الشاب فى البداية تقبل هذه الحقيقة المريرة، لكنه فى النهاية يستسلمُ لها، ويتخلى عن دراسة الجرافيك، ليستأنف حياته بشكل طبيعى، وإن رآها فقط فى الأبيض والأسود. وقال المخرج الموريتانى «عبدالرحمن سيساكو»: المواهب الفذة التى يتمتع بها المُخرجون الشباب والمواضيع الجريئة التى تطرقت لها أفلامهم، يدل على أن مستوى هؤلاء المُخرجين الصاعدين يعدُ بمستقبل سينمائى زاهر فى المنطقة.

تعد جائزة «سينما المدارس» تقليدا أحدثه المهرجان منذ احتفائه بدورته العاشرة عام 2010 من أجل منح فرصة للسينمائيين الشباب المبتدئين للاندماج فى عالم الإبداع السينمائى، واكتشاف مواهبهم وتطويرها. بحسب القائمين على المهرجان.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك