قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: مصر عاشت نوعا من الانفصام بين السياسة والسلاح عام 1972 - (4) - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 1:46 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: مصر عاشت نوعا من الانفصام بين السياسة والسلاح عام 1972 - (4)

الرئيس الراحل محمد أنور السادات والفريق أول محمد صادق وزير الحربية الأسبق
الرئيس الراحل محمد أنور السادات والفريق أول محمد صادق وزير الحربية الأسبق
عرض ــ خالد أبو بكر
نشر في: الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 11:16 ص | آخر تحديث: الجمعة 24 أكتوبر 2014 - 12:22 م

• كان تقدير السادات أن حكاية «عام الحسم» خصمت من مصداقيته أمام الجيش والشعب

الملك فيصل اقترح على السادات التصالح مع الإخوان فعقد جلسة مع التلمسانى فى «جاناكليس»

كيسنجر بعد طرد الخبراء السوفييت: لماذا قدم السادات لنا هذه المكرمة؟ لماذا لم يطلب أولا كل أنواع التنازلات التى يمكن أن نقدمها له؟

السادات جرب گل فرصة للحل السلمى مع أمريكا وإسرائيل قبل الحرب لكنه لم يصل لنتيجة

رغم الجفاء بين أحمد إسماعيل والشاذلى فإنهما وجدا صيغة للتعاون فى ظرف أحس كلاهما بخطورته

تدخل بنا هذه الحلقة من القراءة التى تقدمها «الشروق» لكتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» للكاتب الصحفى الكبير، الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى محطات مفصلية فى الطريق إلى يوم 6 أكتوبر 1973، ذلك أنها ستضع هذه المحطات («عام الحسم»، «حالة اللا سلم واللا حرب»، «طرد الخبراء السوفييت» «تاريخ وضع خطة الحرب المحدودة»)، التى يكثر ترديد مسمياتها دون أن تكون معلوماتها مكتملة وخلفياتها واسعة وكاملة وصحيحة إلى أقصى حد؛ فتُترك ــ فى أغلب الظن ــ نهبا لـ«الخيال الشعبى» أو لـ«الهواة الذين احترفوا تعبئة السراب فى صورة كتاب» ينسجون حولها الأساطير، فى معرض إضفاء البطولة على هذا الزعيم، أو نزعها من ذاك، كأن يدعى البعض أن حديث الرئيس أنور السادات عن عام 1971 بإعتباره «عام الحسم» كان ضمن خطة «الخداع الاستراتيجى»، رغم أن الحقيقة غير ذلك.

بكشف حساب ختامى لما أنجزه السادات وما واجهه من مآزق فى عام 1971، استهل الكاتب الكبير، الفصل التاسع من الجزء الأول من الكتاب الذى بين أيدينا.

اقرأ ايضا:

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: روايتى عن حرب أكتوبر تدور أساسا حول السادات (1)

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: مأزق السادات بعد رحيل عبدالناصر(2)

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: معركة السادات مع «مراكز القوى» والرهان على واشنطن للوصول لحل سلمى (3)

«لم يكن الرئيس السادات مرتاحا وهو يودع عام 1971 ويستقبل سنة 1972، كان فى السنة التى ودعها قد حقق مكاسب لا شك فيها، من ناحية فإن الحظ الذى حالفه ومهد له ــ بواقع الحال ــ رئاسة الجمهورية، واصل تحالفه معه، وساعد قدراته ومهاراته على إدارة معركة مع مراكز القوة والسلطة فى مصر كان يمكن أن تنقلب ضده بثقل الموازين مهما كانت القدرات والمهارات»! وهو لم يتمكن من الرئاسة وتأمينها فحسب وإنما استطاع بذكاء أن يحدد مواضع التحدى الذى ينتظره بخياراته؛ الحل أو الحرب. ثم إنه أدرك بنفاذ بصيرة أن القوات المسلحة هى العنصر الحاسم مهما كانت الخيار الذى يفضله أو تفرضه عليه حقائق الأمور. وكان تشخيصه سليما لمأزق الحل والحرب، فالحل جزء كبير منه فى يد الولايات المتحدة، والحرب فى جزء كبير منها فى يد الاتحاد السوفييتى، وبالنسبة له فإن الأفضلية للحل، كما أنه يستريح للتعامل مع الأمريكان ويراهم أكثر انفتاحا من السوفييت، ويتمنى لو أنهم قابلوه فى منتصف الطريق ليلتقى معهم فى علاقة صداقة يعرف أنه يريدها، ويسمع منهم أنهم يريدونها كذلك.

وبالنسبة له أيضا فإن الحرب كانت نوعا من أبغض الحلال ــ لا يقترب من ميدانها إلا حين يجد ساحات الحركة الأخرى مغلقة فى وجهه مستعصية عليه ــ ثم إن ميدان الحرب سوف يرغمه على صحبة طويلة مع السوفييت، وهى كما يعرفها فى تجربته صعبة تحتاج إلى صبر وإلى أعصاب!»

غلاف كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» للكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل

عام الحسم

وما ضاعف من مأزق السادات ــ بحسب الأستاذ ــ أنه «قد أعلن أن عام 1971 عاما للحسم، متصورا بذلك أنه يمارس ضغطا على الأطراف، بوضع الكل على حافة الهاوية، ثم اكتشف أن إعلان عام الحسم يشكل ضغطا عليه هو وليس على بقية الأطراف، وأن الظروف المتغيرة فى العالم لم تعد تسمح لقوة إقليمية ــ مهما كان وزنها ــ أن تحرك الموازين الحساسة بين القوتين العظميين لحسابها، ومن ثم تضع العالم على حافة الهاوية».

ويؤكد «الأستاذ» أن القوات المسلحة «لم تكن مقتنعة بمسألة عام الحسم من بداية إعلانها إلى نهايتها الضبابية، فقد كانت متحيرة فى أمرها لا تستقر على يقين!. وكان تقدير الرئيس السادات أن حكاية عام الحسم فى المحصلة النهائية أساءت إليه من حيث خصمت ضريبة باهظة من مصداقيته أمام الجيش وأمام الشعب».

وذكر الكاتب الكبير أنه فى يوم 17 يناير 1972 تقدم الدكتور عزيز صدقى لرئاسة الوزارة، وكان اختياره باعتباره «الأقدر من غيره على إعداد الدولة للحرب إذا أملت الضرورات، وبدا أن الحرب قد تكون خيار المقادرير، أرادها الناس أو حاولوا تجنبها، وتفاقمت بشكل واضح أعراض حالة مزعجة أطلق عليها فى ذلك الوقت حالة اللا سلم واللا حرب».

ويرى الأستاذ أن آثار حالة «اللا سلم واللا حرب» انعكست على تحركات واتجاهات وتصرفات بدت مسايرة لكل ريح حتى وإن اختلفت مصادر هذه الرياح. ومن بين هذه الآثار التى توقف الكاتب طويلا أمامها مسألة ظهور التيار الدينى فى مواقع مختلفة على الساحة، بتأثير من السعودية، «إن الملك فيصل فى لقاءات متعددة مع الرئيس السادات أشار عليه بصلح مع جماعة الإخوان المسلمين التى دخلت فى صراع دموى أثناء حقبة جمال عبدالناصر، وكان رأى الملك فيصل لا يفرق بين من يسمهم (الناصريين) ومن يسمهم (الشيوعيين)، وكانت نصيحته للسادات أن يتخلص من الفريقين، فكلاهما عدو له وليس فيهم صديق. وبالفعل فإن الرئيس السادات عقد اجتماع مصالحة شهير فى استراحة شركة (جاناكليس) حضره عدد من زعماء الإخوان المسلمين، بينهم الأستاذ عمر التلمسانى (المرشد الثالث للجماعة) والدكتور سعيد رمضان، كما حضره ممثل الملك فيصل.

وكان رأى الملك فيصل، وكذلك اقتنع الرئيس السادات أن التيار الدينى هو الذى يستطيع التصدى للتيار القومى، والذى هو فى حقيقة أمره ــ فى تقدير فيصل ــ شيوعى، ثم كان أن اتخذ الرئيس السادات لنفسه لقب (الرئيس المؤمن)».

صادق.. والخبراء السوفييت

ما زاد الأوضاع تعقيدا فى بداية عام 1972 هو أن العلاقة بين الرئيس السادات ووزير حربيته الفريق أول أحمد محمد صادق «لم تكن على ما يرام»، ويقول «الأستاذ» إن صادق لم يكن الاختيار الأول للسادات لمنصب وزير الحربية بعد أن قدم الفريق أول محمد فوزى استقالته، بل كان أحمد إسماعيل، وإنما اختار صادق لوقوفه بجانبه فى أزمة «مراكز القوى»، ولم تكد تمضى أسابيع حتى أحس السادات أن الفريق صادق «ليس رجله المناسب لا فى المكان المناسب ولا فى الوقت المناسب».

وذكر الكاتب الكبير العديد من الأسباب الشخصية والموضوعية للتنافر بين الرجلين، منها: «أن الفريق صادق لم يكن مقتنعا بنظرية الحرب المحدودة (بينما هى فى الواقع الحرب الوحيدة المتاحة لقوتين إقليميتين مثل مصر وإسرائيل فى زمان الحرب الباردة، وفى ظل التوازن النووى بين القوتين العظميين). كما أن صادق «لم يكن مقتنعا بالسادات رئيسا للجمهورية، فضلا عن أن يكون قائدا أعلى للقوات المسلحة.

ومن مظاهر الاختلاف بين الرجلين أيضا، أن صادق كان كثير الانتقاد للسلاح السوفييتى والاتحاد السوفييتى نفسه، وكان يعبر عن ضيقه من وجود الخبراء السوفييت فى الجيش المصرى علنا، وكان هذا شعورا عاما لدى ضباط الجيش، وهنا يقول «الأستاذ»: «ليس من قبيل المبالغة أن يقال إن قرار السادات فى يوليو 1972 الشهير بطرد الخبراء السوفييت من مصر كان فى جزء منه راجعا إلى المنافسة بين الرئيس والوزير على كسب مشاعر ضباط القوات المسلحة». وانتهى الأمر يوم 26 أكتوبر 1972 بإعفاء الفريق صادق من منصبه، وتعيين الفريق أول أحمد إسماعيل على وزيرا للحربية.

وعرض «الاستاذ» جملة من الدوافع التى جعلت السادات يقدم على طرد الخبراء السوفييت ــ بخلاف منافسته مع صادق ــ ملخصها أن السادات كان يريد الحل السلمى، وهذا الحل يراه فى يد الولايات المتحدة، وهذه يفصل بينه وبينها الوجود السوفييتى فى مصر كما كان يقول له أصدقائه السعوديين والإيرانيين حلفاء واشنطن، فكان القرار طرد الخبراء السوفييت.

ويؤكد على أن قرار طرد هؤلاء الخبراء «لم يحدث أثره المطلوب تماما لدى الولايات المتحدة الأمريكية، والبيت الأبيض فيها بالذات، وهنرى كيسنجر فى ذلك البيت الأبيض على وجه التحديد». ويعرض «الأستاذ» رواية «إدوارد شهيان» مؤلف كتاب «العرب والإسرائليين وكيسنجر»، عما قاله كيسنجر فور سماعه نبأ طرد الخبراء السوفييت، إذ قال «إن كيسنجر صعق من النبأ، وتساءل قائلا لمعاونيه: لماذا قدم السادات لنا هذه المكرمة؟ لماذا لم يتصل بى؟ لماذا لم يطلب أولا كل أنواع التنازلات التى يمكن أن نقدمها له؟.. ثم كان تعليق كيسنجر بعد ذلك: إنه غاضب أيضا لأن هناك فشلا فى مجال المخابرات، فهو لم يعلم بقرار الطرد إلا من برقيات وكالات الأنباء».

ويعرض الاستاذ هيكل لصدمة الاتحاد السوفييتى العنيفة من قرار طرد خبرائه من مصر، وفى البداية كان هناك الغضب للكرامة الجريحة، حين راح ثمانية آلاف من الخبراء السوفييت وعائلاتهم يغادرون مصر بطريقة مهينة، وكأنهم فلول من اللاجئين يهربون أمام خطر زاحف عليهم».

ودار صراع مكتوم فى الاتحاد السوفييتى بين القيادة السياسية وعلى رأسها بريجينيف (رئيس مجلس السوفييت الأعلى) وكوسيجين (رئيس الوزراء)، والقيادة العسكرية وعلى رأسها المارشال جريتشكو وزير الدفاع، والأدميرال جورشيكوف، قائد الأساطيل السوفييتية، وفى ذروة الخلاف أشار جريتشكو إلى أن «السادات لن يحارب مهما كان ما نعطيه له من سلاح، ومن الخير ألا نترك أنفسنا شماعة له يعلق عليها تردده أمام ضباط الجيش المصرى، وأمام الشعب فى مصر وأمام أصدقائنا فى العالم العربى».

وفى نفس الوقت فإن كثيرين فى مصر كان رأيهم أنه من الضرورى البحث عن علاج للصدمة المفاجئة، وتقرر كمحاولة أخيرة إرسال بعثة على أعلى مستوى يرأسها الدكتور عزيز صدقى رئيس الوزراء إلى الاتحاد السوفييتى، ولم يكن السادات يتوقع كثيرا من مهمة تلك البعثة، وكان ظنه أن السوفييت سوف يعودون إلى تكرار نفس مواقفهم السابقة بنفس عباراتها تقريبا».

لكن بعثة صدقى ذهبت وعادت بمفاجأة لم تكن فى الحسبان وهى أن السوفييت وافقوا على أن يشحنوا كل الطلبات المتأخرة من صفقات أسلحة سابقة، وتزويد الجيش المصرى بأسلحة لم تظهر من قبل على مسرح عمليات الشرق الأوسط. وكانت هذه البعثة تضم عددا من العسكريين، وبالتالى فإن ما وافق السوفييت على تقديمه أصبح معروفا فى القوات المسلحة، وأحدث تأثيرا لابد من حسابه.

«اللا سلم واللا حرب»

تحت عنوان «الأوهام والحقائق» جاء الفصل العاشر والأخير من الجزء الأول من كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة»، والحديث مازال موصولا فيه عن الأوضاع فى مصر فى عام 1972، ويقول «الأستاذ» فى مستهله «ظهرت فى الأجواء أعراض حالة من التمزق والتآكل والإحساس بالضياع؛ لأن حالة «اللا سلم واللا حرب» راحت تضغط على أعصاب الجميع بشدة وعلى نحو يبدو وكأنه لا خلاص منها.

ويؤكد على أن هذه الحالة كانت لها أسباب موضوعية، تمثلت فى «شعور سائد لدى القيادة المصرية بأن العدو أقوى عسكريا بسلاحه، وأقوى سياسيا بتحالفاته الدولية، وفى نفس الوقت تبدى فى مصر نوع من الانفصام بين السياسة والسلاح، فالسياسة ليست واثقة من قدرة السلاح، ولا السلاح واثق من كفاءة السياسة (...) وترتب على ذلك أن حالة التعبئة النفسية والسياسية للناس راحت تشدهم على خط طويل من الحماسة الزائدة إلى الإحباط الكامل، ومن الساخن إلى البارد دون سابق تمهيد لأية حالة».

وأضاف الكاتب الكبير أنه «نتيجة لهذه الأحوال ظهر على جسم الجبهة الداخلية طفح من البؤر كانت بالتأكيد ظواهر خارجية لالتهابات حادة داخلية، منها: كان شباب الجامعات فى حالة غليان عبر عن نفسه بإضرابات ومظاهرات وصدامات مع قوى الأمن، أعقبتها بالطبع اعتقالات، وكان هناك صدام مع المثقفين نتيجة لبيان باسمهم اعتبره السادات تعريضا به، ورد عليه بهجوم مركز على الاسم الأول الذى تصدر قائمة الموقعين على البيان وهو الاستاذ توفيق الحكيم.

ويشدد الاستاذ هيكل على أنه حتى هذه الساعة المتأخرة من عمر الأزمة المستحكمة كان السادات لايزال على استعداد لأن يطرق من جديد باب الحل، لكن الإشارات جاءته من واشنطن بأن ذلك ليس فى المتناول الآن على الأقل، وجبهة الحرب كانت أكثر من متعثرة لأن مسار الحوادث كان يدفعها نحو الخطر، كانت هناك عملية إقالة الفريق صادق وما ترتب عليها من محاولة بعض كبار الضباط المتحمسين له من القيام بتغيير على رأس السلطة بواسطة تنظيم أطلقوا عليه «تنظيم إنقاذ مصر»، ولم يقتصر الأمر على قمة القيادة العسكرية بل وصل إلى صغار الضباط، ويعرض الكتاب وثيقة من رئاسة المخابرات العامة لحالة تمرد من قبل ضابط صغير برتبة نقيب.

ويرى «الأستاذ» أن كل هذه ظواهر «كانت تضغط على الرئيس السادات، وتصنع من حوله حالة من شبه الحصار النفسى، وعلى وجه اليقين فإن ضغوطها عليه كانت شديدة إلى درجة أن حساباته الخاصة أوصلته إلى أنه قد يكون من الأفضل أن يبادر إلى كسر وقف إطلاق النار بادئا العمليات العسكرية، وبالفعل أصدر تعليماته للفريق أول أحمد إسماعيل بالاستعداد للعمل المسلح على الجبهة فى شهر ديسمبر 1972»، وهو ما رفضه إسماعيل الذى كان قد بدأ التنسيق مع الجهة السورية للتخطيط المشترك.

ويتضمن هذا الفصل استعراض لمحاولات البحث عن حل عبر واشنطن، بعضها تم باقتراح من الفريق أحمد إسماعيل، وسافر مستشار الرئيس للأمن القومى حافظ إسماعيل للقاء كيسنجر بموجبها، ولم تصل إلى شىء، ومحاولات أخرى جرت من خلال شاه إيران ولم تصل أيضا إلى نتيجة.

على طريق الحرب

«على طريق الحرب»، هذا هو عنوان الجزء الثانى من «أكتوبر 73 السلاح والسياسة»، ويحوى هذا الجزء 23 فصلا، ينصب مجهودها الرئيسى على الأيام التى جرت فيها حرب أكتوبر، يوما بيوم حتى وقف إطلاق النار، ليس بالتركيز على ما دار على خطوط النار فقط، لكنه يشمل بجانب ذلك ما دار فى العواصم العالمية من قرارات ومناقشات كانت مرتبطة بما يجرى على جبهات القتال.

الفصل الأول من هذا الجزء جاء تحت عنوان «الاستعداد للعاصفة»، ويبدأه «الأستاذ» قائلا: «كان بندول الحوادث، كبندول الساعة، يتحرك إلى أقصى اليمين ثم إلى أقصى اليسار، باحثا عن مخرج لأزمة الشرق الأوسط: بالحل إذا كان ذلك ممكنا. وبالحرب إذا كان ذلك ضروريا.

وفى صيف 1973 بدا أن حركة البندول على وشك أن تتوقف، فعلى امتداد سنوات جرب الرئيس السادات كل فرصة للحل، لكنه لم يصل إلى نتيجة (...) بل لعل الأمور زادت سوءا بامتداد الاتصالات لأن الطرف الأمريكى، والطرف الإسرائيلى قبله، توصلا إلى تحليل مشترك للموقف المصرى مؤداه أن مصر لا تقدر على مخاطرة الحرب. وهكذا فإن خيار الحرب بدا وكأنه قدر مقدور لا يملك أحد منه مهربا، مهما جرب من الوسائل غيره».

ويؤكد الكاتب الكبير على أنه فيما كانت «محاولات الحل تجرى فى القاعات الفخمة للأمم المتحدة أو لوزارات خارجية القوى الكبرى والقوى المعنية، وفى قصور الرؤساء والزعماء، كانت خطط الحرب تبحث فى غرف العمليات وعلى الخرائط وفى مكاتب وزراء الدفاع، ورؤساء أركان الحرب، وقادة الأسلحة والجيوش.

ويشير إلى أن الضغوط التى وقعت على النواة الصلبة للشعب المصرى، بعد نكسة 1967، كانت قد وصلت إلى مرحلة حرجة فى صيف 1973، والقوات المسلحة المصرية كانت فى نفس الحالة تقريبا. ذلك أن الضغوط التى اتجهت إلى النواه الشعبية، كانت هى نفس الضغوط التى اتجهت إلى النواة العسكرية. بل لقد كانت درجة حرارة المفاعل الذى انصهرت فيه القوات المسلحة من سنة 1967 إلى سنة 1973 أكثر سخونة. والشاهد أن هذا الجيش الذى عاش سنة 1967 محنة لم يكن له دخل فى صنعها ما لبث أن استعاد تماسكه بجهد مستميت أعطى له جمال عبدالناصر عمره إذ اعتبره مهمة حياته، وقد استنفدها بالفعل فى سبيل إعادة بناء القوات المسلحة.

تخطيط مبكر

ويواصل «الأستاذ» بأن عبدالناصر «وجد عونا فى الفريق محمد فوزى الذى استطاع أن يعيد الجيش إلى حالة من الانضباط يعد فوضى سبقته، وبعد حالة من الغربة والشتات وجد الجيش فيها نفسه بعد معارك يونيو عام 1967. وفى الوقت الذى كان الفريق فوزى يعيد فيه تنظيم القوات المسلحة. كان الفريق عبدالمنعم رياض، يحاول أن يستقرى العلم والتجربة بحثا عن أسلوب أمثل فى المواجهة ولقد تمكن من وضع الخطوط الاستراتيجية العريضة للخطة «جرانيت» ووافق عبدالناصر وصدق عليها قبل رحيله. وكانت هذه الخطة تقتضى عبور قناة السويس بقوة خمس فرق، والتمسك برءوس كبارى على الضفة الشرقية تكون مواقعها واصلة إلى الطرق الرئيسية الثلاثة التى تقطع سيناء من الجنوب والوسط والشمال.

جمال عبدالناصر وعبدالمنعم رياض ومحمد فوزي في لقاء مع المقاتلين

كانت هناك خطة أخرى إضافية صدق عليها عبدالناصر من قبل، وهى «الخطة 200». وهى خطة دفاعية تحسبت لاحتمال قيام إسرائيل بهجوم مضاد إلى غرب قناة السويس إذا حدث وتمكنت القوات المصرية من عبورها إلى الشرق، ولعلها شهادة لواضعى «الخطة 200». أن هذه الخطة توقعت أن تكون منطقة «الدفرسوار» هى منطقة العبور الإسرائيلى المضاد إذا جاء وقته أو سنحت فرصته».

ويؤكد الكاتب الكبير على أنه «باستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض ثم بخروج الفريق محمد فوزى من وزارة الحربية انتقلت المسئولية من الجيش إلى الفريق محمد صادق، وفى إطار مسئوليته عن القوات المسلحة جرى تطوير خطة «جرانيت (1)». إلى «جرانيت (2)»، وقد اعتبرت هذه الخطة أن «جرانيت (1)» مرحلة أولى من «جرانيت (2)» تليها على الفور عملية أخرى أبعد تصل بالقوات إلى مضايق سيناء لتجعلها نقطة ارتكاز، وهناك تعيد تقييم الحوادث والفرص. وكان الفريق «صادق» من تشككه فى فكرة الحرب المحدودة يطمح إلى ما هو أكثر، ويحلم أحيانا بخط الحدود الدولية، وكان ذلك فوق الطاقة ووراء الإمكانات المتاحة.

ويواصل «الأستاذ»: بخروج الفريق صادق فإن السادات وضع مرشحه الأصلى لوزارة الحربية، وهو الفريق أحمد إسماعيل على رأسها. وكان اختيار إسماعيل اختيارا سليما، فهو من مدرسة نضج اقتناعها بأن القتال أصبح ضرورة سياسية وعسكرية وبالوسائل المتاحة لتحقيق هدف محدود أو محدد تتغير به المعادلة السياسية التى جمدت حل الأزمة، وقد كان مهما أن تكون علاقته بالرئيس السادات علاقة تفاهم وثيق جعل التنسيق بين رئاسة الجمهورية ووزارة الحربية علاقة مرنة تمر منها الأفكار والسياسات والقرارات بسلاسة تحتاجها ظروف المعركة.

وكان الفريق سعد الشاذلى، رئيس هيئة أركان الحرب يمثل عنصر الاستمرار فى قيادة الجيش المحارب، فانتقل من قيادة منطقة البحر الأحمر إلى رئاسة الأركان فى نفس الوقت الذى أوكلت فيه مهام وزارة الحربية إلى الفريق صادق ثم إن خدمته فى نفس الموقع استمرت مع الفريق إسماعيل رغم نفور شخصى بين الاثنين بدأ من الكونغو، حيث كان الشاذلى يقود كتيبة وضعتها مصر تحت علم الأمم المتحدة فى فترة المد الكبرى لحركة التحرر الوطنى فى أفريقيا وفى نفس الوقت كان إسماعيل مكلفا بمهمة للتفتيش على القوات المصرية هناك، ووقع احتكاك بين الرجلين أدى إلى جفوة ترسبت آثارها فى النفوس. ومع ذلك فمن الحق أن الرجلين رغم ما كان بينهما وجدا صيغة للتعاون فى ظرف أحس كلاهما بخطورته. وفى الواقع فإن كلا منهما راح يكمل الآخر، وفى حين أن الفريق إسماعيل كان يمارس مسئولياته بنظرة عامة واسعة، فإن الفريق الشاذلى كانت له مقدرة على الدخول إلى أدق التفاصيل فى وضع الخطط.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك