«الشروق» تكشف حقيقة اختطاف 35 مصريًا من قرية الميمون بـ«ليبيا» - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:51 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تكشف حقيقة اختطاف 35 مصريًا من قرية الميمون بـ«ليبيا»

تحقيق - عزة مغازى وخالد فؤاد:
نشر في: الجمعة 27 فبراير 2015 - 12:04 م | آخر تحديث: الجمعة 27 فبراير 2015 - 12:04 م

أحد العاملين بـ«ليبيا»: "الشرطة الليبية احتجزتنا حتى توفير خروج آمن لنا ولا صحة لاختطافنا على أيدى داعش"

الأهالى: لا نوم لا أكل لا راحه حتى عودة أبنائنا

أحد العائدين: " لو علمت بمنح مصر 100 ألف جنيها لأسر الضحايا لسلمت نفسى هناك لداعش بدل الفقر"

قرى تختلف فى شكل بنيانها، ومستوى الخدمات بها لكنها تتشابه فى حالة الخوف والفزع، هذا ما تشاهده مجرد أن تطأ قدماك قرى الميمون بمحافظة بنى سويف، والعور والسوبى والجبالى وبنقريوس بالمنيا.

أباء تمسك هواتفها المحمولة، وتنظر كل دقيقة على الهاتف ربما مكالمة من ابن، أو أخ، تطمئن قلوبهم بعد نحر 21 مصريا فى ليبيا على أيدى تنظيم داعش الإرهابى.
قرى يكسوها القلق، والخوف، وبكاء أمهات لا ينقطع لحظة كل واحدة منهن تنتظر وصول فلذة كبدها، امتنعن جميعهن عن الأكل بعد مشاهدة فيديو ذبح الـ21 مصريا على شاشات التلفاز.

"الشروق" ترصد معاناة القرى التى يعمل أكثر من 60 فى المائة من أبنائها بـ "ليبيا" من أجل لقمة العيش، الفقر هوالقاسم المشترك بينهم، حمل كل شاب منهم همومه على عاتقه، بل أيضا هموم وحاجه ذويهم لذلك قرر العمل فى ليبيا لتوفير احتياجاتهم.

الطريق إلى قرية الميمون، الكائنة بمركز الواسطى، محافظة بنى سويف، ليس مفروشا بالرمال والورود، فالشوراع والحارات الضيقة، تحيط بك من كل إتجاه، إضافة إلى الطرق غير الممهدة، والأرصفة غير المتساوية، والمطبات التى يملؤها غبار سير الأهالى وصغار المزاعين بالقرية.

بعد مسافة اقتادتها "الشروق" قاربت الـ100 كيلو، لتصل إلى قرية الميمون، التى ليس لها أى معالم تخبرنا بالوصول إليها، سوى بعض إرشادات أبنائها، ناحية مدخل المحافظة، بالتلويح بأبصابعة بالسير يمينا أو يسارا.

على أعتاب القرية، يصوب لنا الشاب العشرينى نظراته بتفحص وتدقيق، بعد أن استشعر غربتنا، لنلقى عليه التحية، ونبادره بالسؤال عن أهالى أبنائنا المحتجزين فى ليبيا، ونطلب منه مساعدتنا فى الوصول إليهم، بعد علمه بأننا فى مهمة صحفية.

يطوف معنا الشاب العشرينى حارات القرية الضيقة، وحشائش الأغنام التى تحيطنا من كل إتجاه، وعربات الكارو التى تسير من حولنا، والطيور التى تسير بجانبنا، تأكل مما رزقها الله.

على حافة الشارع، عدد من الرجال يجلسون على منضدة، مبنية من الطوب الحجرى، مفترشة بقطع من القماش، يواسون بعضهم البعض وينتظرون الفرج بمهاتفة أحد أبناء القرية لكى تطمئن قلوبهم، لايظهر من ملامحهم سوى أعينهم، التى يغلب عليها الحزن واليأس من عودة ذويهم.

نقترب منهم ونعرفهم بأنفسنا، لنؤكد لهم أننا قطعنا تلك المسافة لمساعدتهم فى الوصول إلى أبنائهم والاطمئنان عليهم، ليقاطعنا أحدهم، مردداً: ولادنا هيموتوا ومحدش سأل فيهم، غايبين عننا من شهور ومحدش فى الدولة اتحرك.

يصرخ الحاج أحمد السيد، على فقدان ابنه الذى يعمل بحرفة "نجار مسلح"، فى مدينة سرت الليبية، وانقطع الاتصال به منذ عدة أسابيع، بعد أن كان يهاتفهم يوميا للاطمئنان على أحوالهم.

ويستطرد: ابنى لديه ثلاث بنات وزوجة، وسافر بلاد الغربة، وتركهم لنا لتربيتهم ورعايتهم، على أن يرسل لنا أموالاً كل شهر، وزيارة كل ثلاثة أشهر، وبعد ما رأينا مشهد ذبح أخوانا هناك، تأكدت أن ابنى مات، ليس ابنى فقط، ولكن ابن عمه، وأحد جيرانه، اللذان غادرا إلى بلاد الغربة، لأنهم أيضا أنقطع الاتصال بهم، ولم نصل لأحدهم حتى الآن.

تنهمر زوجته فى البكاء بمجرد حديث الأب معنا، حامله ابنته على سواعدها، التى تصرخ كما لو كانت تشكو غياب والدها، فى مستهل حديث الزوجة، طالبت الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتدخل الفورى لإنقاذ زوجها، قائلاً: فين الحكومة والمسؤولين اللى مش قادرين يرجعونا ولادنا لحد دلوقتى.

واشتهرت قرية الميمون، بالكثافة الإخوانية بها وسيطرة جماعة الأخوان عليها، منذ سنوات ما بعد الثورة، حيث دارت اشتباكات عدة مع قوات الأمن بعد اتهامهم بحرق مركز شرطة الواسطى.

والتقت "الشروق" أحد أهالى القرية، الذى أعرب عن رفضه للضربة التى وجهتها الدولة لليبيا، لأنها لم تراعِ أبنائنا العاملين بها، والذين تجاوز عددهم المليون عامل.

يسير الحاج أحمد على قدميين ثابتتين وسط الطريق بصحبة أحد جيرانه، مردداً كلمات: إن شاء الله ابنى راجع، والله راجع، الحمد لله، الحمد لله، أملى فى ربنا كبير، تقف قدم الحاج أحمد بمجرد رؤيتنا، قائلاً: أبنى راجع، أتصل بيا النهارده، وقال لى إنه موجود السجن الليبى، وبيعاملوه معامله محترمة، وبياكل وبيشرب الحمد لله.

وأضاف: اتصال أبنى لم ينقطع منذ أن غادر إلى ليبيا، وبعد ذبح أخونا هناك على أيدى تنظيم داعش الإرهابى، ورأينا بأعيننا هذا المشهد المأسوى، قمت بالاتصال بأبنى وكان تليفونه مغلقا، وقتها شعرت بأنه أخُتطف على يد تنظيم داعش وقتلوه، واستمر الاتصال منقطع بيننا لمدة 8 أيام إلى أن أتصل بى اليوم، وقال: إنه محتجز داخل السجون الليببة، تمهيدا لعودته إلى مصر.

يصمت لحظات ثم يعاود الكلام متسائلاً: تفتكر يا استاذ أبنى راجل والشرطة الليبية حتسيبه، طيب هما ليه محتجزينه، وامتى حيسبوه، طيب هما لو حيقتلوه، إزاى بيعاملوه كويس كده ويحترموه، أسئلة كثيرة تكاد تفتك عقل الحاج أحمد، خوفا على ابنه.

ملامح المنازل خير دليل على التغيرات التى حدثت فى القرية حيث المبان المرتفعة، وذلك بعد سفر أبنائهم إلى ليبيا لتوفير احتياجات أسرهم.

الحاج "ربيع البطشى"، الرجل الستينى مثله كمثل أى شخص بالقرية سافر ابنه وأخوه للعمل فى ليبيا فى تركيب "السيراميك"، مؤكدا أن أبناء القرية الذين يعملون فى ليبيا هم من قاموا ببناء هذه المنازل.

حكى الرجل الستينى أن ابنه وابن عمومته فى ليبيا منذ 5 سنوات يعملون فى تركيب "السيراميك"، ويرسلون كل ما يحصلون عليه من رواتب إلى أسرهم، ومنهم من خرج بعد أن عمل "أجرى" لدى أحد أعيان البلدو لا يتعدى أجرهم الـ25 جنيها، التى تكفى احتياجات أسرتهم، لذلك قرروا السفر من أجل لقمة العيش.

ويروى البطشى وعيناه ممتلئة بالدموع التى حاول حبسها قلقا على ابنه، وأبناء قريته أنه منذ أسبوع انقطعت الاتصالات عنهم وهواتفهم أغلقت، ولكن يوم الخميس الماضى اتصل عليهم مؤكدا لهم أنهم محتجزون داخل قسم شرطة طرابلس لتوفير وسيلة خروج آمنة لهم حتى لا يقعوا فريسة لأى جماعة مسلحة.

بينما جلست الزوجه تبكى، وهى تشاهد معاناة المصريون العائدون من ليبيا عبر التلفاز، وتبكى خوفا على زوجها فى منزل يبدو عليه البساطة..لا تستطيع أن تمسك الزوجة، وتدعى "حنان " دموعها وتحكى أن زوجها محمد إسماعيل سافر منذ أربعة أشهر إلى ليبيا ويعمل فى مهنة المحارة وقالت: "زوجى كلمنى فى المحمول، وهو يبكى خوفا من عدم رجوعه ورؤية ابنه مروان وابنته جودى.

وتقاطعها الحديث أخته التى أكدت أن سبب خروج محمد للعمل خارج مصر هو فقر أسرتهم، وقالت: والدى يعمل فى تجارة الطيور بعد أن سافر أخى الأكبر، واستطاع أبى تأسيس مشروع لتجارة الطيور.

امرأة تبكى بشدة وتؤكد عدم تناولها الطعام منذ أن رأت ذبح الـ21 مصريا فى ليبيا، وتدعى الله ألا ينال ابنها نفس مصيرهم. بينما يلهو ويلعب طفل أمامها على دراجته، التى أرسلها له والده من ليبيا دون أن يدرك اللحظات العصبية، التى تعيشها أسرته بسبب غياب والده.

قبل خروجنا من القرية تجمع عدد من الأهالى وأكدوا أن وزارة الخارجية أرسلت إشارة إلى مديرية أمن بنى سويف تفيد أنه تم تحديد مكان احتجاز 24 مصريا من قرية الميمون، وسيتم ترحليهم إلى مصر خلال أيام معدودة.

"الشروق" جابت داخل القرية التى يُقال عنها إن معظم سكانها ينتمون إلى تنظيم الإخوان، وأكد شاب كان يقف أمام منزله، وهو عائد من ليبيا منذ شهرا قبل ذبح المصريين أن القرية بها إخوان يخرجون كل يوم جمعة فى مسيرات، لكن لا توجد أى خلافات بين أهالى القرية، ومن ينتمون إلى التنظيم الإرهابى.

وفى أحد الشوارع قابلنا امرأة فى بداية عقدها الثالث، والتى رفضت الحديث معنا بعد سؤالها عن وجود عناصر إخوانية بالقرية أكدت أنهم موجودون بكثرة فى القرية، وذهبت مسرعة فى طريقها حتى لا تدلى بأى تصريحات.

وقامت "الشروق" بالاتصال بربيع المحتجز داخل السجون الليبية، الذى أعرب فى بداية حديثه لنا، عن تأكيد السلطات الليبية على عودته إلى الأراضى المصرية بالتنسيق مع وزارة الخارجية، وحرصها المطلق على عودته، ولكنها لم تحدد ميعادا محددا.

وعن واقعه احتجازه، قال ربيع: أعمل فى مدينة طرابلس "مبيض محارة" وبعد الفوضى التى شهدتها البلاد استقررنا فى منزلنا خشية الاختطاف والقتل، وفوجئنا بقوات من الشرطة الليبيبة تهاجم منزلنا وتقبض علينا واقتادتنا إلى مكان غير معلوم، وعلمنا بعدها أنه السجن الليبى، ورفضت الإفصاح بأى معلومات أخرى عن موعد ترحيلنا، مؤكدة سلامتنا من أى اعتداء أو أذى، وحتى الآن لم أعلم متى سنرحل إلى مصر.

وأشار ربيع إلى رد الفعل الليبى عقب الضربة الجوية التى وجهها الرئيس السيسى لليبيا، قائلاً: بعدها شعرت بفخر واعتزاز، ووجدت ترحيباً مبالغاً فيه من السلطات الليبية فى معلمتنا باحترام وتقدير.

على بعد 120 كيلو متراً المسافة بين قرية "الميمون"، ومحافظة المنيا التى خرج أبناؤها بحثا عن لقمة العيش.. قرى يكسوها الحزن النساء جميعهن ترتدين الملابس السوداء.. الفقر هو القاسم المشترك بين فى خروج هؤلاء إلى ليبيا.

مجرد أن تسأل المارة أين تقع العور؟ تأتى الإجابة بعدم معرفتهم لكن عندما تذكر القرى التى ذبح أبنائها قتل الكل يرد فى سمالوط.

بدأت "الشروق" جولتها من القرى المجاورة للعور فى قرية "السوبى" وجدنا منزلاً كبيراً يقف أمامه رجل عجوز، وأبناؤه، وزوجته بعد أن أشيع فى البلد عن وصول ميكروباص، محملاً بـ12 شابا من أبناء القرية عائدين من مدينة سرت الليبة.

الأم فى لهفة ابنى انقطعت عنه الاتصالات منذ 5 أيام، ولا أعلم عنه شيئا، ويدعى أسامة هانى، قائلة: "بموت كل لحظة لما بسمع أن فى حاجة حصلت فى ليبيا، ونفسى اطمن على ابنى فقط إنه عايش".

وتتدخل امرأة أخرى للحديث، قائلة: "اتصلنا بالأرقام وطلبنا حد يساعدنا ومحدش رد علينا".

وتلوح الأم المكلومة فى إشارة منها إلى عزاء أحد الأقباط الذين تم ذبحهم، قائلة: كل ما أشوف سرادق العزاء دى قلبى بيقف من الخوف على ابنى".

وأكدت بسمة هانى شقيقة العامل المصرى أن أخاها هاتفها منذ 5 أيام، وأكد أنه بخير، ويعمل فى ليبيا عامل بناء، وأكد لها أنه بخير، لكن منذ أن هاتفها انقطعت الاتصالات عنه وكان فى حديثه قال لها إنه سوف يأتى مصر خلال أسبوع.

وفى الشارع المجاور لهم تجلس أسرة فى الشارع رغم صعوبة الجو والهواء الشديد فى انتظار وصول ابنهم الذى أكد لهم أنه خلال ساعات سوف يكون فى منزله.

وقال والده: "بقالى يومين ما دوقتش طعم النوم ولا الأكل بسبب القلق والخوف على ولدى".

وقال عبدالغفار الرجل الذى يبلغ من العمر 62 عاما إن ابنه سافر لمساعدة أسرته، ولتكوين نفسه للزواج بعد أن بلغ من العمر 32 عاما ولم يتمكن من الزواج بسبب مساعدتى فى تربية أشقائه.

ترعة بها روث الحيوانات يتم تصريف الصرف الصحى بها يعتليها كوبرى نحو 5 أمتار لنقل المارة إلى الجانب الآخر من القرية.

لا توجد مواصلات سوى سيارات صندوق نصف نقل متهالكة تنقل المارة فى العراء ودون تغطية صندوق السيارة.

أم تصرخ بشده قائلة: "الفقر ذل ولادنا هربوا عشان يجيبوا لنا ناكل ودلوقت لو ماتوا مين هيأكلنا ويشربنا".

وحكت أم مصطفى الذى سافر ابنها منذ 14 شهرا رغم حصوله على مؤهل عال فإنه يعمل نقاشا لمساعدة والدته فى تربية أشقائه الخمسه بعد وفاة والده.

أكدت ان ابنها اتصل بها أمس، وأكد أنه بخير ويعمل فى منزل لأسرة ليبية، ويعاملونه معاملة حسنة.

على طول الترعة التى تقسم بين شرق وغرب هذه القرى تقع قرية "بنقريوس" التى يعمل 37 من أبنائها فى مدينة "سرت" بـ ليبيا أكد أسامة محمد إبراهيم لشقيقه عبر الهاتف أن الحكومة الليبية احتجزتهم فى أحد المبانى، ولا توجد أى طريقة شرعية لخروجهم فى ظل المخاوف التى يعيشها المصريون هناك.

وأكد شقيقه الكفيف أن والدته تدهورت حالتها الصحية بسبب الخوف على ابنها خاصة بعد أن أكد لهم شقيقه أن أحد أبناء الجيران مختفٍ منذ شهرين، ولم يعلم أحد عنه شيئا وهاتفه مغلق.

وعندما ذهبنا إلى أسرته رفضت الحديث معنا خوفا أن يأذى ابنهم، وطلبوا منا عدم نشر اسمه، ولكن مساعدتهم بإبلاغ المسؤولين عن تغيب ابنهم ولا أحد يعلم عنه شيئا.

وفى قرية "الجبالى" يعمل 200 من أبنائها فى ليبيا عمال "محارة" أكد خلف أحمد عوض الذى عاد من ليبيا أنه يعمل فى طرابلس منذ سنتان، وروى لـ"الشروق" الأيام المفزعة التى عاشها هناك منذ اختطاف الـ21 مصريا فى ليبيا، وقال: «رجعنا مصر لكن هنموت من الجوع ومحدش هيسأل فينا».

وأكد فى غضب منه للأحوال التى تعيشها قريتة أنه لم يعلم أن الحكومة منحت لكل أسرة شاب ذبح 100 ألف جنيه، قائلاً: «لو أعرف لجلست هناك حتى الموت محدش حاسس بالفقرا إحنا بنموت لما مش بنلاقى نأكل ولادنا واشتغلنا أجرية واتذلينا".

وبعد أن هدأ قليلاً طالب الحكومة بالنظر إلى هذه القرى ومساعدة أبنائها العائدين، الذين لا يملكون أى دخل.

اقرا ايضا:

انقطاع الاتصالات مع ليبيا يربك الأسر المصرية

«النقل الثقيل».. يغامر بين مصر وليبيا



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك