«أبو الريش»مأساة طبية لـ800 ألف طفل سنويًا - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:56 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أبو الريش»مأساة طبية لـ800 ألف طفل سنويًا

«أبو الريش»مأساة طبية لـ800 ألف طفل سنويًا - تصوير: خالد فؤاد
«أبو الريش»مأساة طبية لـ800 ألف طفل سنويًا - تصوير: خالد فؤاد
خالد فؤاد
نشر في: السبت 30 أغسطس 2014 - 4:42 م | آخر تحديث: السبت 30 أغسطس 2014 - 4:42 م

- مدير إدارة المستشفيات الجامعية: غير مقبول وجود مستشفى واحد لعلاج الأمراض النوعية للأطفال

- الأطفال المرضى على دكك التنفس الصناعى.. والرشوة سبيل الحصول على تذكرة

- المستشفى بلا عناية مركزة أو رقابة.. والأهالى يقومون بدور الأطباء والممرضين

المسافة إلى مستشفى أبوالريش لعلاج الأطفال، لا تستغرق بضع دقائق من قلب العاصمة، لتكون الزيارة شاهدة على تدهور الرعاية الصحية بمستشفى أبوالريش الجامعى التخصصى للأطفال، وضعف الرقابة، وسوء المعاملة، والإهمال الجسيم الذى يتعرض له أطفال مصر.

يقبل عليها المواطنون من جميع محافظات الجمهورية، ممن يسعون لعلاج أبنائهم بأسعار مخفضة، ويعلم كثير منهم حجم الإهمال بداخله، ولكن «المضطر يركب الصعب»، وفقا لأحد آباء المرضى.

«الشروق» رصدت فى تحقيق ميدانى من قلب مستشفى أبوالريش، بالصور والفيديوهات، تجاوزات جسيمة فى حق المرضى من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد و7 سنوات، والإهمال الواضح على كافة أنحاء المستشفى، بداية من وضع الأجهزة الطبية خارج غرف الرعاية المركزة، ومرورا بعدم تواجد الأطباء فى مواعيد عملهم، حيث تنتظرهم أسر المرضى بالساعات دون الكشف على أبنائهم، وانتهاء بحالة الفوضى التى تملأ أرجاء المستشفى.

فوضى الرعاية المركزة

فى أبوالريش لا وقت للشكوى من الإهمال، ولا مجال للحديث عن أجهزة الرعاية المركزة المتراصة فى الصالة الرئيسية لاستقبال المرضى. يستخدم أهالى المرضى أجهزة التنفس الاصطناعى لأطفالهم بدلا من الممرضات ودون إشراف أطباء.

نقص الدعم المادى، كما يؤكد أطباء بالمستشفى، هو أهم أسباب الإهمال الحكومى فى المستشفى.. هنا لا توجد أصلا غرف للرعاية المركزية. الرعاية تكون فى بهو المكان فقط، أمام أعين المارة وفى الطرقات.

هنا أيضا يندر وجود ممرضات أو أطباء استقبال، لذا تقوم الأمهات بتركيب جهاز التنفس الاصطناعى لابنائهم بأيديهن.

على دكك خشبية فى صالة الاستقبال، تجلس عدة سيدات وأمامهن أجهزة التنفس الصناعى، يرعون أطفالهن دون أى تواجد طبى أو حتى متابعة لتلك العملية.

تكدس أمام المستشفى

أمام الباب الرئيسى للمستشفى، يقف شاب ثلاثينى، وهو صراف، مهمته قطع التذاكر للمرضى، بكثير من الشكاوى يقطع آباء وأمهات المرضى التذاكر، فى مشهد اعتيادى للتكدس أمام بعضهم بلا طوابير، يحاول كل منهم تجاوز الآخر، ليسرع بالحصول على التذكرة، يعبر أحدهم ثم يعطى للموظف بضعة جنيهات زائدة على سعر التذكرة ليقطع له التذكرة فى الحال.

يقول الحاج محمد السيد، المقيم فى محافظة المنوفية، ووالد طفل يسعى للكشف عليه: «لازم نرشى الموظفين، واللى معهوش فلوس يقف بالساعات عشان يدخل».

يضيف السيد بمزيد من الإحباط: «البلد اتباعت من زمان.. اتباعت لناس مش مننا.. ناس ما تخفش ربنا.. ناس مش حاسة بينا.. تركوا لنا العذاب وعاشوا هما فى راحة البال».

الحاج سيد يرى أن سبب الفساد داخل «أبو الريش»، يرجع إلى عدم معرفة المسئولين بما يدور بداخلها، يقول: «لو وزير الصحة حصل لابنه حاحة هيوديه مستفشى خاص، مش هيجيبه هنا.. يبقى إزاى هيشوف العذاب ده».

فى بهو المستشفى، تحمل أم رضيعها، على ذراعيها، وعلامات الحزن واليأس على وجهها، فاقدة الثقة فى كل ما حولها، تجلس على دكة خشبية، تنظر إليه، تخاطبه بنظرات ممزوجة باليأس والحزن، «ربنا هيشفيك وإن شاء الله هتقوم بالسلامة» كما لو كان يسمعها ويعقل ما تقوله.

تنظر لمن حولها، فترى فيهم نفس الحال، يبدو على كثير منهم أنهم قدموا من محافظات غير القاهرة، تبدو مشقة السفر على وجوههم، فتهدأ السيدة وتقول: «البلد كلها على هذا الحال.. أطفالنا هنا.. يبقى أكيد كلهم لن يموتوا.. بكره محمد يكبر.. ويبقى راجل أد الدنيا.. يحمينى ويراعينى ويدافع عنى».. كلمات تصبر بها نفسها، وهى تتحدث إلى سيدة تجاورها.

علاج تلف خلايا المخ

أم محمد، إحدى سيدات الصعيد، من محافظة سوهاج، أتت هنا بعد أن أنجبت طفلا يعانى من نقص كمية الأكسجين التى يحتاجها جسمه فور ولادته، ما أدى إلى تلف فى خلايا المخ، تقول: «قال لى الناس إن هذه المستشفى الوحيدة التى تعالج الأمراض عند الأطفال، وأتيت إلى هنا بصفة مستمرة أملا فى الشفاء، لأنهم حذرونى من إهمال علاجه، حتى لا يتضاعف المرض ويتطور إلى حدوث شلل فى المخل وتخلف عقلي».

معاناة «أم محمد» ليست فى مئات الكيلومترات التى تقطعها بين الحين والآخر ذهابا وإيابا حاملة ابنها على صدرها، بل فى تأخر العلاج ونقص المعدات والأجهزة والإهمال الطبى بالداخل.

قاذورات فى المستشفى

على أطراف الساحة الرئيسية فى المستشفى، دكك خشبية متعددة، تستند كل منها على أربع أعمدة، بعضها محطم أو يكاد يتحطم، ويجلس أهالى المرضى على الأرض التى تملؤها القاذورات وبقايا الأغذية، وتنتشر فى الساحة الروائح الكريهة الناتجة عن بقايا الأطعمة.

يخرج الموظف من الغرفة، حاملا تذاكر المرضى، يتحدث بصوت مرتفع، مناديا على ما تحمله أوراقه من أسماء، يتجمهر حوله العشرات، يخيم الصمت على أرجاء المكان ويبقى صوت الموظف مرتفعا، يتخلله صراخ أطفالهم.

يأخذ كل مريض تذكرته فى يده، يحرص على الاحتفاظ بها ساعات طويلة، حتى يأتى دوره لتبدأ رحلة العلاج، وأخذ الجرعة للطفل التى تستغرق ساعات طويلة.

رحلة العلاج - بحسب منال التى تقيم بمحافظة بنى سويف، تعتمد على خبرة « الأم»؛ لأنها هى من تقوم بإعطاء طفلها الجرعة باستخدام الأجهزة الطبية المختلفة، التى من المفترض أن يستخدمها الأطباء، ولكن نظرا لعدم توافرهم بما يكفى، مع وجود مئات الأطفال داخل المستشفى، تقوم « الأم» بأعمال الطبيب.

منال لديها طفل لم يتجاوز عمره خمسة أعوام، وهو أحد المبتسرين، ويعانى من نقص المناعة، مما جعلها تأتى للمستشفى بصفة مستمرة، أملا فى شفاء ابنها.

نقص الأطباء

على أطراف ساحة الانتظار بالمستشفى، أجهزة معلقة على الحائط، يتخلل كل جهاز فتحة بها أنبوبة بلاستيكية، يتجاوز طولها المتران، لمعالجة ضيق التنفس لدى الأطفال، وهى أجهزة لا تستخدم إلا داخل غرف الرعاية بواسطة الأطباء.

أسفل الأجهزة، مقاعد خاصة بالآباء والأمهات، يقف الجميع فى صفوف متراصة حتى يأتى دوره، تمسك الأم الأنبوبة بيدها لتضعها فى فم ابنها، يأخذ شهيقا وزفيرا لدقائق معدودة، لا تعلم مدى صحة ما تفعله، ولكنها لا تجد أمامها إلا تلك الوسيلة.

وفقا لطبيب مناوب يعمل بقسم جراحة المخ والأعصاب بالمستشفى، فأجهزة التنفس الاصطناعى، التى تتواجد فى الصالة الرئيسية للمستشفى وتستخدمها أمهات الأطفال تحتمل تأثيرات ضارة عليهم، لأن هذه الأجهزة يجب استخدامها تحت إشراف طبى كامل، لتحديد وقت وضع الطفل على التنفس الصناعى، حيث إنه لو زاد على الحد المسموح به، قد يسبب أضرارا تصل إلى حد الوفاة.

وحسب تأكيد الطبيب، فنظرا لأن المستشفى هى الوحيدة التى تستقبل الأطفال الذين يعانون أمراضا معينة، أهمها جراحات المخ والأعصاب للأطفال وضعف خلايا المخ وضعف عضلة القلب، وتعانى نقصا فادحا فى أطقم الأطباء والتمريض، يقوم أولياء الأمور بدور الممرضين.

داخل غرف الرعاية المركزية، الأبواب مفتوحة على مصراعيها، صراخ وعويل.. عشرات الأطفال، منهم من يتساوى بالأرض، ومنهم من يرقد على قدميه، وأم تقوم بتهوية ابنها باستخدام «كرتونة»، وأخرى تشكو لذويها من سوء المعاملة.

ولم يخل المشهد، من الأجهزة الملقاة على الأرض، تحيطها القاذورات من كل اتجاه، وسط غياب طبى كامل، فوسط عشرات المرضى لا يوجد سوى طبيبين.

الحل فى يد «الميزانية»

هذه المشاهد والمشكلات، وضعتها «الشروق» أمام الدكتور إبراهيم عبدالعاطى، مدير الإدارة المركزية لمستشفيات جامعة القاهرة، ولم يبد عليه أى ندهاش أو استياء من نتائج التحقيق الميدانى.

ويرى «عبدالعاطي» مشكلات نقص الأطباء وأطقم التمريض وعدم الاهتمام بغرف الرعاية المركزة، نتاجا طبيعا لما يعانيه المجتمع من أزمات حقيقية سواء على مستوى الاقتصاد أو التعليم، «باعتبار أن إصلاح المنظومة الصحية ترتبط بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى البلد».

ويستنكر عبدالعاطى وجود مستشفى واحدة مركزية لعلاج الأطفال فى مصر، تستقبل المواطنين من جميع أنحاء الجمهورية، متسائلا: كيف يمكننا علاج ملايين الأطفال فى مكان واحد؟

ويطالب عبدالعاطى أجهزة الدولة بالتصدى لتلك الأزمة، والعمل على إنشاء مستشفيات مجهزة بكافة المعدات والأجهزة الطبية فى محافظات مختلفة على مستوى الجمهورية، حتى نتمكن من تقديم خدمة مميزة للمواطنين.

أما الدكتور أحمد طارق، نائب مدير مستشفى أبوالريش اليابانى، فيرى أن الأزمة الحقيقة لم تكن فى نقص المعدات والأجهزة الطبية، أو عدم استيعاب المكان لكافة الأعداد الهائلة التى تقبل عليه، وإنما فى نقص الأطباء والممرضات فى المستشفى، فهناك حالة من النفور والرغبة فى الابتعاد عن المستشفى، وهذه الأزمة ليس لأحد دخل فيها، معتبرا أن كافة الأجهزة الطبية كافية لسد حاجة المرضى وليس كما يزعم البعض.

ويرى طارق، أن الرعاية الطبية فى مستشفى أبوالريش اليابانى أفضل من مستشفى المنيرة المقابلة لها بكثير، لأن الأولى بناها اليابانيون عام 1983 وكانت نواة حقيقية لعلاج الأطفال فى مصر، أما الثانية فبناها المصريون وأهملتها أجهزة الدولة.

واعتبر طارق أن استيعاب المستشفى لما يقرب من 800 ألف طفل سنويا، ومساهمتها فى تقديم خدمة جيدة لهم، يعود إلى الرغبة الحقيقية فى النهوض بمستوى الرعاية الصحية المقدمة للأطفال فى مصر.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك