خالد محمود يكتب: «طلق صناعى».. العسل الأسود مرة أخرى

آخر تحديث: الأربعاء 3 يناير 2018 - 2:00 م بتوقيت القاهرة

خالد محمود

• الفيلم كوميديا سوداء عن الهوية وطريق الحلم الأمريكى النابض بالأشواك

يكمن سر سينما الإخوة دياب «محمد وخالد وشيرين دياب» فى نهجها المختلف، سواء من حيث جرأة الفكرة وحتمية زمن طرحها، أو التناول وأسلوب السرد والصورة، والتى تضع دائما يدها على جرح، ومن ثم تطرح التساؤلات ليظل المشاهد فى رحلة تحاور مع العمل فور خروجه من قاعة العرض.

وقد شاهدت تجربته الاخراجية الأولى لفيلم روائى طويل «طلق صناعى»، حيث يقدم خالد دياب، فيلما ينتمى إلى الكوميديا السوداء، الممزوجة بالدراما والاكشن، واصل فيها نظرية «العسل الاسود»، التى يبدو فيها ابطاله وقد تملكهم اليأس من مجتمعهم وهم يروون قصصهم، لكن فى النهاية يرتطم اليأس بلحظة أمل قوامها عشق وحب للوطن نفسه يستنهض من جديد.. حيث تبوح اللقطات والجمل الحوارية بانتقاداتها وسخريتها وكأنها بمثابة «طلقات إفاقة» لميلاد آخر حتى ولو كانت صناعية.

القضية الاساسية فى فيلمنا الذى به نوع من الجرأة فى الطرح السياسى الساخر، هى بدون شك الهوية المصرية، وهى السمة الغالبة فى معظم اعمال خالد دياب كسيناريست، فنحن امام قصة الزوج «حسين» أو ماجد الكدوانى وزوجته «حورية فرغلى» حاولا الحصول على تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة مرات عديدة لكن لم ينجحا، وعندما حملت الزوجة فى توأمين قرر الزوج الدخول مع زوجته إلى السفارة الأمريكية فى القاهرة حتى تضع حملها هناك بعد ان يتفقا على اخذ حبوب طلق صناعى تسرع بعملية الولادة، ويحصل المولودان على الجنسية الأمريكية بناء على نصيحة من زوج اخت الزوج المحامى عبدالفتاح «بيومى فؤاد»، والذى اقنعهم بأن هناك قانونا يقول ذلك، وفى السفارة نرى الزوج وهو يطلب من زوجته ان تأخذ الحبوب، حتى يكتمل ما خططا له، لكنها تخبره بأنها لم تستطع ان تأخذها ويتطور الأمر لأن يمسك الزوج سلاح أحد الحراس ويهدد الجميع محتجزا كل من بالداخل من موظفين ومصريين جاءوا بحيل مختلفة بحلم الحصول على تأشيرة الحلم بالسفر إلى أمريكا، ويتكهرب الجو وسط استجداء الزوجة ليتخلى الزوج عما يفعله لكنه يصر على أن تلد على ما يعتبر أرضا امريكية ليحصل المولودان على الجنسية.

ونرى عبر السيناريو الذكى والذى كتبه الثلاثى محمد وخالد وشيرين دياب، وعبر مواقف ساخرة ــ التضارب فى فكر طرفى الانقاذ، الامن المصرى، وأمن السفارة الأمريكية، وصراعهما لحل الازمة التى كبرت بظهور مدير امن القاهرة «سيد رجب» والسفير الأمريكى «نجيب بلحسن» الذى يسعى باتصالاته ونفوذه لعدم تدخل الشرطة المصرية، ولا حتى رئيس الوزراء «عبدالرحمن ابو زهرة»، حتى ينتهى الموقف باستسلام الزوج خوفا على زوجته وبناء على نصيحتها وكلماتها التى تأثر بها، ويفرج عن الرهائن وتلد الزوجة داخل سيارة اسعاف التوأمين ويضع الامريكان احدهما الذى ولد داخل السفارة بحضانة برعاية فائقة، بينما الطفل الثانى يكون خارجها، وبالتالى سيأخذ أحدهما الجنسية والآخر لا، وفى مشهد عظيم الاداء لماجد الكدوانى نراه داخل سيارة الشرطة ينظر للمواطنين الذين تظاهروا حول السفارة مطالبين بمحاكمته وحمايته لا اغتياله، ويقول «انا كده مطمن» وهو المشهد الاهم فى الفيلم والذى يحمل معانى كثيرة.

بدون شك كان تصوير فيكتور كريدى داخل المكان الضيق «ديكور مقر السفارة الأمريكية» مدهشا فى تجسيده حالات الانفعالات والقلق نماذج من البشر ما بين خوف وامل أو حتى ضياع الحلم، مثل مصطفى خاطر الفاشل فى كلية الطب ومى كساب، واخر يدعى المثلية الجنسية، وهناك مسلم يجاهر بأن المسيح يسكن قلبه ويريد السفر لإشهار ديانته، وهو بمثابة تحد كبير بسبب وحدة المكان وقلة تكرار الكادرات والزوايا التى يمكن أن تسقط المشاهد فى الملل وهو ما لم يحدث ونجح المخرج فى ذلك.

علينا أن ننظر للفيلم الذى يطرح قصته على مدى ٩٠ دقيقة، فى زمن حكم الاخوان وبالتحديد عام ٢٠١٣، بحسب الجملة التى وضعت على الشاشة كميقات زمنى للاحداث، وهى الفترة التى دفعت الكثيرين للتفكير فى الهجرة، برؤية فنية وابداعية، وليس برؤية سياسية، والشعور بوجود بعض الانتقادات للحالات السلبية بمصر التى وضع يده عليها فى تلك الفترة، وان الوطن ليس مثاليا، وراءه دون شك حالة نور دافعها عشق وانتماء لوطن عانى اناسه فى تلك الحقبة، حتى لو جاءت بعض المشاهد قاسية وساخرة، فمن قلب الكوميديا السوداء والنقد اللاذع تولد الواقعية بعبثيتها الصادمة، ومن قلب تلك الواقعية تصاغ الأحلام والآمال من جديد، حيث يسخر العمل من فكرة الإصرار على العيش فى «الحلم الأمريكى» النابض بالاشواك، الذى طالما راود الكثير من الشبان ليس فى مصر وحدها بل وفى أى مكان فى العالم، مهما تعددت الأسباب التى تدفعهم للهجرة ونيل الجنسية، وبالتأكيد وصلت الرسالة للمشاهد بفضل الطرح الدرامى البسيط الحبكة السلسة دون تشابك مع فذلكات أو اطروحات رمزية

كان للأداء التلقائى لماجد الكدوانى فى المواقف الدرامية الصعبة بريق خاص، وهو فى كل مرة يزداد ثقلا وتوهجا، وكذلك حورية فرغلى التى قدمت شخصية جديدة بها جرعة من التمثيل الحقيقى، وكعادته شاهدنا سيد رجب ممثلا ذا ثقل، وأضاف نكهة كوميدية خاصة لشخصية مدير الامن، بينما يبقى لكوميديا مصطفى خاطر مذاق خاص فى دور طالب الطب الفاشل الذى يبحث عن الهجرة، وكذلك قدم الفيلم شخصيات اخرى بجرأة، وهنا يأتى اللجوء للكوميديا كمسلك وطريق لتناول القضايا الثقيلة والحساسة حقا.

خالد دياب الذى كتب وشارك من قبل فى كتابة ستة افلام طويلة منها «بلبل حيران، والجزيرة ٢ واشتباك، وعسل اسود»، تشغله دون شك قضية الخلل الذى هز واقع وحلم المواطن المصرى خلال توغل تيار الاخوان وظهورهم على السطح، بجانب صدمات اخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved