عائلات طاقم طائرة مصر للطيران المنكوبة: 6 أشهر من الحزن وسوء المعاملة والشروط التعسفية

آخر تحديث: الإثنين 5 ديسمبر 2016 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

تحقيق ــ وفاء فايز

والد مساعد الطيار الراحل محمد ممدوح: رفضت «مخالصة نهائية» تمنع رفع دعاوى ضد المتسببين فى الحادث أو طلب التعويض
والد الضحية المضيفة سمر صفوت: خلافنا مع الشركة ليس ماديًا.. «وإيه اللى يضايق مصر للطيران لو رفعت قضية ضد الشركة الأجنبية»
المستشار القانونى لعائلات الضحايا: الشركة المالكة للطائرة خلطت بين التعويض والتأمين.. وقررت الصرف بالجنيه رغم أن البوليصة بالدولار
أكثر من 6 أشهر من المعاناة والألم مرت على أسر ضحايا طائرة مصر للطيران المنكوبة القادمة من باريس إلى القاهرة، والتى تحطمت فوق مياه البحر المتوسط، فى 19 مايو الماضى، وراح ضحيتها 66 شخصا، من بينهم 7 من طاقم الطائرة و3 أفراد أمن وطفل ورضيعان، ورغم فداحة مصاب عائلات الضحايا؛ إلا أن مشكلاتهم لاتزال مستمرة.
وتحدث بعض أفراد أسر ضحايا الطائرة المنكوبة لـ«الشروق» وقالوا إن أزماتهم بدأت منذ تجاهل أجهزة بالدولة لمساعدتهم فى إنهاء إجراءات استخراج شهادات الوفاة، فضلا عن عدم تواصل مسئولى وزارة الطيران معهم منذ وقوع الحادث وحتى الآن لإطلاعهم على أية معلومات تتعلق بأسباب وقوع الحادث، فيما لم يتمكنوا من صرف قيمة التعويض العاجل تنفيذا لاتفاقية «مونتريال» للنقل الجوى، وانتهاء بإصرار شركة مصر للطيران على توقيع أسر ضحايا طاقم الطائرة على مخالصات نهائية لصرف قيمة التأمين، والتى تجبرهم على التنازل عن حق اللجوء إلى القضاء ضد أى طرف سواء كان جهة أو شخصا وحاليا أو مستقبلا، كشرط لتسلم قيمة التأمين.
وقال والد الضحية مساعد طيار محمد ممدوح، إنهم فؤجئوا خلال صرف قيمة التأمين، بأن شركة مصر للطيران تلزمهم بالتوقيع على إقرار مخالصة نهائية، تضمنت بعض القيود «التعسفية» والتى تحرمهم من الحق فى رفع أى دعاوى قضائية ضد المتسبب فى وقوع الحادث والمطالبة بأية تعويضات.
وشدد ممدوح فى حديثه لـ«الشروق»، على أن اعتراضه على التوقيع ليس بسبب مبلغ التأمين، بل إنه يرفض حرمانه من محاسبة الجانى والمسئول عن وقوع الحادث، وعدم اتخاذ أية اجراءات قانونية ضده، مشيرا إلى أنه رفض التوقيع على اقرار المخالصة بسبب ذلك، قائلا: «اجيب حق ابنى بعد كده ازاى فى اللى عمل كده؟».
وأشار ممدوح، إلى أنه لا يعتبر أن هناك خلافا بينهم كـأسر للضحايا وشركة مصر للطيران، ولكن إجبار الأخيرة لهم بالتوقيع على إقرار مخالصة نهائية يعد بمثابة إهدار لحقوق أسر الضحايا، لافتا إلى أنه لن يوقع على وثيقة التأمين بسبب صياغتها غير المقبولة من ناحيته، مطالبا بأن يتم صرف قيمة التأمين والتعويضات بسهولة دون وضع قيود وشروط، حسب قوله.
وقال ممدوح: « ابنى محمد كان متفوقا فى دراسته، وحصل على العديدد من الميداليات فى الغطس والجودو، وكان عاشقا للطيران منذ الصغر، وصمم على الالتحاق بمعهد الطيران بإمبابة، حتى تم تعيينه كابتن طيار تحت التدريب فى شركة مصر للطيران، وأصبح طيار مساعد» ويستكمل الأب فى أسى: «بعد وفاة محمد لم يتبقى لى شىءسوى اخته، وموته كسر ظهرى».
عز الدين صفوت، وهو والد الضحية سمر التى كانت تعمل مضيفة طيران بشركة مصر للطيران وراحت ضمن ضحايا الطائرة المنكوبة، تعرض هو الآخر لمشكلة التوقيع على إقرار المخالصة، ويقول: «الشركة طلبت منى التوقيع على إقرار مخالصة نهائية لصرف مبلغ التأمين دون الاطلاع على وثيقة التأمين نفسها، رغم أحقيتى فى الاطلاع عليها».
وأضاف، أن خلافهم مع شركة مصر للطيران ليس بسبب المبلغ أو أية أمور مادية، ولكن بسبب ما اعتبره «سوء تعامل» مع أسر ضحايا طاقم الطائرة سواء فى شركة مصر للطيران أو مصر للتأمين، ووضع شروط وصفها بـ«غير القانونية» لإهدار حقوقهم.
وتابع صفوت لـ«الشروق»، أن أسر الضحايا تقدموا بشكوى لهيئة الرقابة المالية ضد «مصر للطيران» وإقرارها المطلوب التوقيع عليه لصرف قيمة التأمين، إلا أن أحد المسئولين بالهيئة رد عليهم بشكل غير لائق قائلا لهم: «أنتوا زعلانين ليه فى ناس تانية غيركم صرف بوليصة التأمين».
وأشار إلى أن من وافقوا على صرف قيمة التأمين والتوقيع على المخالصة، هم عائلتان فقطل نظرا لظروفهما المادية ووجود أطفال فاضطرا للقبول، لافتا إلى أن هناك خمسا من أسر ضحايا الطاقم رفضوا التوقيع.
وقال صفوت، إن شكواهم لهيئة الرقابة المالية، كانت ضد كل من شركتى مصر للتأمين ومصر للطيران لحل أزمتهم فيما يتعلق بصيغة المخالصات المطلوب التوقيع عليها، وأضاف أن الهيئة ردت على أسر الضحايا، بأن شركة مصر للتأمين سددت التعويض كاملا لشركة مصر للطيران، وأنه بالنسبة لما تضمنته المخالصة المعدة من قبل شركة مصر للطيران، فليس لشركة مصر للتأمين أى دخل فى إعداد هذه الصيغة لعدم وجود أى صفة لها»، بحسب رد الهيئة الذى أطلعت عليه «الشروق».
وأشار عز الدين، إلى أن شركة مصر للطيران، أضافت عبارة وصفها بـ«المطاطية» فى إقرار المخالصة النهائية تتضمن عدم رفع أى دعاوى قضائية ضد الشركات أو أى «شخص أخر»، وهو ما لا يعطيهم الحق فى مقاضاة المتسبب فى وقوع الحادث، قائلا: «إيه اللى يضايق شركة مصر للطيران ويضرهم لو رفعت قضية على الشركة الأجنبية فى حال ثبوت اهمالها مثلا».
وأوضح عز الدين، أن ما أثارته وزراة الطيران المدنى عن مساعدة أسر ضحايا طاقم الطائرة فى استخراج شهادات الوفاة غير صحيح، قائلا: «إدارة الأزمات التابعة لوزارة الطيران لم تساعدنا فى أى شىءمنذ وقوع الحادث ووزارة الداخلية هى التى استخرجت لنا شهادات الوفاة الخاصة بالضحايا».
«زوجتى فى حالة سيئة ربنا مايوريها لحد»، كانت هذه كلمات هانى فرج والد الضحية يارا، والتى كانت تعمل مضيفة للطيران، واشار إلى أن اعتراضه على عدم صرف بوليصة التأمين ليس بسبب قيمتها المادية، ولكن بسبب سياسة شركة مصر للطيران فى صرف التأمين والتعويض لهم، وحرمانهم من رفع دعاوى قضائية ضد المتسببين فى وقوع الحادث.
وأبدى فرج، ضيقه من عدم تواصل لجنة إدارة الأزمات بوزارة الطيران مع أسر الضحايا، وإطلاعهم على أية معلومات تخص التحقيقات فى حادث تحطم الطائرة، مشيرا إلى أن المتحدث الرسمى للوزارة، لفت إلى إصدار 24 تقريرا عن الحادث بينما لم يطلع أحد من الأهالى على أى من هذه التقارير.
وحصلت «الشروق» على صورة من إقرار المخالصة النهائية (المشار إليها فى حديث الأسر)، لوثيقة الحوادث الشخصية رقم 2021/2015، للمدة من 16 ديسمبر 2015 إلى 15 ديسمبر 2016، بتاريخ حادث الطائرة 19 مايو الماضى، والتى تشترط شركة مصر للطيران توقيع أسر ضحايا طاقم الطائرة لصرف قيمة بوليصة التأمين، ونصت المخالصة على الآتى: «أقر أنا (.........) بأننى تسلمت قيمة نصيبى من التعويض المستحق عن حادث تحطم الطائرة A320، وذلك طبقا لإعلام الوراثة».
وأضاف: «أقر بإبراء ذمة الشركة القابضة لمصر للطيران وشركة مصر للطيران للخطوط الجوية، وشركة مصر للتأمين بصفتها الشركة المؤمنة على الطيارين وأفراد الضيافة الجوية والمهندسين الجويين فيما يختص بوثيقة الحوادث الشخصية، وأتعهد بعدم إقامتى دعاوى قضائية حاليا أو مستقبلا ضد الشركة القابضة لمصر للطيران وشركة مصر للطيران للخطوط الجوية، وشركة مصر للتأمين أو أحد العاملين لديهم أو أى شخص آخر، للمطالبة بأى تعويضات عن أضرار سواء مادية أو معنوية بسبب الحادث فيما يختص بوثيقة الحوادث الشخصية».
وتابع: «يعد هذا الإقرار تنازلا منى عن أية دعاوى قضائية مقامة ضد الشركات المذكورة سابقا، كما أقر بأن قيام شركة مصر للطيران الخطوط الجوية بصرف المبلغ المذكور ليس اعترافا أو إقرارا منها بأية مسئولية عن الحادث المشار إليه والأضرار الناتجة عنه أيا كان مصدرها، وأن هذا الموقف معتاد من الشركة لحسن معاملتها موظفيها».
المستشار القانونى لأسر ضحايا طاقم طائرة مصر للطيران، ياسر فتحى، قال لـ«الشروق» إن مخالصة شركة «مصر للطيران» المطلوب التوقيع عليها، لصرف قيمة بوليصة التأمين تضمنت شروطا «تعسفية» ــ حسب وصفه ــ وتتضمن التنازل عن الحق فى التعويض سواء كان ذلك فى مواجهة شركة مصر للطيران أم الشركة المصنعة للطيارة أو أية أطراف أخرى مرتبطة بالحادث، مشيرا إلى أن هذا الشرط هو قيد على حق أسر الضحايا فى التعويض، ويعوق قبولهم بالموافقة على صرف قيمة التأمين.
وأضاف فتحى، أن الإقرار والمخالصة المطلوب التوقيع عليها، تحرم أسر الضحايا أو غيرهم من رفع أية دعاوى قضائية ضد الجهة المتسببة فى وقوع الحادث حال معرفتها.
ولفت إلى أن قيمة التأمين المذكور فى المخالصة تقدر بالجنيه المصرى، رغم أن وثيقة التأمين بين شركتى مصر للتأمين ومصر للطيران بعملة الدولار، مشيرا إلى أن جميع شركات التأمين فى العالم تتعامل بالدولار أو اليورو أو العملة الوطنية مقدرة بالدولار وليست بالجنيه.
وأعتبر المستشار القانونى لأسر الضحايا، أن هناك أحد المستفيدين من صرف التعويض بالجنيه سواء كانت شركة مصر للطيران أو مصر للتأمين من صرف وثيقة التأمين لأسر الضحايا بعملة غير عملتها الأساسية، مشيرا إلى أن كلتا الشركتين لا يحق لهما تغيير نوع عملة التعويض، وذلك لأن قيمة التأمين المحددة فى الوثيقة بعملة محددة والمستفيد الوحيد من سعر هذه العملة أو المضار منها هو المؤمن لصالحه.
ونبه فتحى، إلى أن أسر الضحايا لم يطلعوا على وثيقة التأمين، متسائلا «لا أحد يعرف كيف تم تحديد قيمة تأمين المتوفى، وعلى أى أساس تم تحويل قيمة التأمين بالدولار إلى الجنيه المصرى، ولماذ انفردت «مصر للطيران» بتحديد سعر الصرف».
ونفى فتحى أن يكون التأمين المحدد لأسر الضحايا فى المخالصة المطلوب التوقيع عليها «تأمين ضد الحوادث»، قائلا: «التأمين المذكور فى الوثيقة ليست له علاقة بالتأمين ضد الحوادث، وإذا كانت هناك علاقة لكان تم صرفه أيضا لركاب الطائرة وليس طاقم الطائرة فقط».. وتابع: «التأمين المذكور فى المخالصة مرتبط بالعلاقة بين المتوفى وشركة مصر للطيران، وصياغة المخالصة النهائية تتضمن قيودا غير قانونية لأسر الضحايا، وتخلط بين التأمين والتعويض، رغم اختلاف كل منهما عن الآخر».
وأوضح فتحى، أن التعويض حق للأحياء المتمثلين فى أسر الضحايا، بسبب الأضرار التى وقعت عليهم بوفاة المتوفى، مضيفا أن الملزم بدفع التعويض هو من ارتكب الفعل العمدى أو الخطأ الذى أدى إلى وقوع الحادث، والذى يعتبر غير محدد حتى هذه اللحظة.
وأشار إلى أن هناك قوانين وقواعد منظمة يتم العمل بها لحين معرفة من المتسبب فى وقوع الحادث منها، اتفاقية «مونتريال للنقل الجوى»، والتى وقعت عليها مصر، وتنص على أن: «الناقل الجوى (المتمثل فى شركة مصر للطيران) ملزم بأن يؤدى قيمة التأمين للمؤمن عليه، ويدفع مبلغا وقدره 25 ألف دولار عاجلا لأسرة كل متوفى، على أن يتم خصم المبلغ من إجمالى التعويض بعد تحديد الملزم به وقيمته».
وأشار إلى أن شركة مصر للطيران لم تلتزم بتنفيذ الاتفاقية، ولم تسدد لأسر الضحايا مبلغ الـ25 ألف دولار أيضا، وشدد على أسر ضحايا طاقم الطائرة لا يشغلهم قيمة التعويض أو التأمين ماديا، ولكن ما يثير استياءهم هو اجبار شركتى مصر للطيران ومصر للتأمين على أن يكون صرف قيمة التأمين مربتطا بتوقيع إقرار ومخالصة نهائية والخلط بين قيمة التأمين والتعويض، وحرمانهم من المطالبة بالدفاع عن حق المتوفيين ورفع دعاوى قضائية على المتسبب فى وقوع الحادث وهو أمر لا يمكن قبوله.
وقال فتحى: «أسر الضحايا فقدوا ما لم يعوض، ويجب أن يكون التعامل معهم باحترام وشفافية، ولماذا لايتم إطلاعهم على مستجدات التحقيقات فى الحادث؟ خاصة وأن منظمة (الإيكاو) الدولية للطيران المدنى، والتى تعتبر مصر عضوا فيها، لها قواعد معينة يتم العمل بها مع الحوادث، ومنها إلحاق جهة بجانب لجنة التحقيق لإطلاع أسر الضحايا وذويهم أولا بأول على أية معلومات بشأن الحادث بشرط ألا تضر بالتحقيق، ومنذ وقوع الحادث لم يحدث أى اتصال بين اللجنة وأسر الضحايا».
وأضاف: «على عكس ما جرى مع المصريين، اتفقت شركة مصر للطيران مع شركة أجنبية متخصصة فى العلاقات العامة لإدارة العلاقات مع أسر الضحايا من المتوفيين الأجانب، ووجهت لهم اهتماما كبيرا، كما دفعت شركة مصر للطيران مبلغ الـ25 ألف دولار لكل أسر ضحايا الأجانب، ولم تقم بذلك مع المصريين».
واقترح فتحى، عدة حلول للتعامل مع مشكلة أسر ضحايا طاقم الطائرة منها، أن تقوم شركة مصر للطيران بأداء واجبها بالتعامل مع أسر الضحايا من خلال لجنة إدارة الأزمات بإطلاعهم على وثيقة التأمين ونماذج إيصالات تسلم لقيمة وثيقة التأمين ومنحهم فترة زمنية محدودة لمراجعة الأمر، بالإضافة إلى إلزام شركة مصر للطيران بإلزام «مصر للتأمين» بسداد قيمة التأمين بالعملة الواجب السداد بها.
ودعا فتحى «مصر للطيران» إلى إطلاع أسر الضحايا على المستجدات فى تحقيقات الحادث بصفة دورية محددة التاريخ، ومساءلة الموظفين المسئولين فى شركتى مصر للطيران ومصر للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية عما اعتبره معاملة غير لائقة مع أسر ضحايا طاقم الطائرة.
وأشار فتحى، إلى أن شركة مصر للطيران أضافت كلمات مطاطية منها عدم رفع دعاوى قضائية ضد الشركة وأى شخص آخر، وهو ما يعنى اطلاق براءة الذمة لتشمل المصنع والمطار والشركات الخادمة، وتبرئة الكل بدون استثناء قبل معرفة نهاية التحقيقات، مؤكدا أنه سيتم التقدم بشكوى للرئيس عبدالفتاح السيسى، لتوضيح جميع الحقائق له، وعدم قيام الهيئة العامة للرقابة المالية بأداء دورها لحل مشكلة أسر الضحايا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved