حوار «الأستاذ» كاملًا.. «هيكل»: كيرى أبلغ الخليج بقرب الاتفاق مع إيران فعجلوا بـ«عاصفة الحزم»

آخر تحديث: الجمعة 10 أبريل 2015 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

الشروق

- هيكل: نعيش عصر صراع الارتكازات.. والمرتفعات الآسيوية حلبة الصراع الآن
* القوة العربية المشتركة من بقايا الصراع العربى الإسرائيلى ولا يمكنها مواجهة «داعش»
* لا يوجد طرف فى اليمن يمكن التفاوض معه.. وهذا البلد أمامه 30 سنة حتى تظهر ملامحه الجديدة
* تأمين الممرات البحرية الكبرى مسألة تتخطى حدود القوى المحلية.. وهناك أسطول أمريكى فى المحيط الهندى وفى البحر الأبيض المتوسط
* كان على السياسة المصرية أن تتخذ بعض المواقع القريبة من الصراع فى اليمن
* الأمراء الشبان بالخليج طبقوا ما درسوه فى الغرب
* السعودية بإمكانها التصرف بشكل منفرد
* الولايات المتحدة قتلت 3000 شخص فى اليمن.. وقدمت الدعم لـ«عاصفة الحزم»
* ليس لدى مانع فى إرسال قوات برية مصرية لليمن بشرط أن تكون قواعد الاشتباك محددة.. لكنى لا أريد للسياسة المصرية أن تخطو بأسرع مما هى مستعدة له
* القوة العربية المشتركة من بقايا الصراع العربى الإسرائيلى ولا يمكنها مواجهة «داعش»
* العلاقات بين الدول شأنها شأن الأفراد فيها التصالح والتفهم والتآمر واللف والدوران وأحيانا المكايدة

واصل الكاتب الصحفى الكبير، محمد حسنين هيكل فى الحلقة الثانية من حلقات حواره الممتد «مصر أين وإلى أين؟» إطلالته التحليلية لمجرى الحوادث فى الشرق الأوسط، بداية من القمة العربية التى انعقدت فى شرم الشيخ، والعملية العسكرية التى تقودها السعودية لدحر الحوثيين فى اليمن والمسماة «عاصفة الحزم»، وتوقف طويلا أمام الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن وقف البرنامج النووى العسكرى الخاص بالأخيرة مقابل الرفع التدريجى عن العقوبات المفروضة على طهران.

وشدد الكاتب الكبير، فى حواره مع الإعلامية لميس الحديدى، على «سى بى سى»، الجمعة، والذى جاء هذه المرة تحت عنوان «الخطر والأمل» ــ على وجود متغير مهم يحدث فى العالم العربى، متمثل فى تقدم الشباب فى منطقة الخليج، لاسيما فى السعودية والإمارات لمراكز صناعة القرار، مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب تلقوا تعليما جيدا فى الغرب سواء على الصعيد السياسى والعسكرى، ويريدون تطبيق ما درسوه فى العلوم السياسية، ومن هنا أرادوا أن يقولوا للولايات المتحدة من خلال «عاصفة الحزم» بإمكاننا الاعتماد على أنفسنا والتصرف بشكل منفرد بعيدا عنك.

وفيما يلى نص الحوار..

ــ لماذا اخترت التجول جغرافيا وسياسيا فى العواصم العربية خلال تلك الحلقات؟
* الأزمة بطبيعتها هى التى تجولت ونحن نتابعها، ففى العادة الأزمات يكون لها مركز أو «سنتر»، وهذه أزمة متجولة، فلا يوجد انحسار للأزمات فى موقع معين وهذه طبيعة العصر.
وأى مراقب يعلم أن مؤتمر القمة العربية بشرم الشيخ وأى مؤتمر سياسى يعقد فى ضوء «عاصفة الحزم»، يواجه مأزقا كبيرا، لأن قرار هذه العملية سبق الاجتماع، فأنت أمام أطراف كثيرة جدا، آثرت أن تفعل ثم تتحدث وهذه مشكلة، فدائما هناك أزمة رؤى واختلاف رؤى وخطاب، واختلاف فعل أو رغبة فى الفعل، أو أزمة ثقة، وهذه هى الصراحة، وأكبر خدمة يمكن أن نقدمها فى هذه اللحظة هو الحديث بصراحة، ومنذ أن بدأ المؤتمر ونحن ننظر إلى ما يدور فيه، ليتأكد إنه فى واقع الامر لم يكن مؤتمرا كما تعودنا، لكنه كان مؤتمر إعلان مواقف وتصرفات، وأن على كل طرف أن يتخذ موقفا منفردا، و«عاصفة الحزم» ببساطة شديدة، تعنى أن هناك أطرافا قررت أنه ليس بوسعها الانتظار إلى مداولات ستدور فى شرم الشيخ وتسفر عن قرارات فاتخذتها مبكرا وتصرفت.

ــ هل تعتقد أن هذه القرارات لم تنتظر القمة العربية؟
* أريد أن أقول لك إنه فى هذه المرة علينا أن ننظر بشكل منصف على جميع الاطراف، أنا أريد أن نتحدث عن ماذا حدث فى القمة؟ حدث شيئان هامان: أولهما أن هناك إجراءات تسليم وتسلم فى القمة لرئاستها من أمير الكويت للرئيس السيسى، والامر الثانى أن العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز وقف وتحدث عن «عاصفة الحزم»، وما قاله بالنسبة لى على إقلاله يشبه عبارة شهيرة قالها الوطنى القبطى الشهير مكرم عبيد، «انقضوا أو انفضوا»، ومكرم باشا كان متميز جدا فى صياغة الشعارات، وبالتالى فالملك سلمان قال: «هذا قرارنا ومن يريد أن ينضم لنا فلينضم، ومن لا يريد فله ما يشاء»، ثم غادر القمة اثناء انعقادها، ونحن بذلك نكون أمام إشارات ورموز لابد أن نفك طلاسمها.

ــ لكن الملك سلمان ومن سبقه كان يلقى كلمته بشكل متقدم؟
* صحيح، وقد يلقى كلمته ثم يبقى ليوم بكامله، لكن فى العادة أليس ملفتا أن الملك قام وقام معه الرئيس اليمنى عبدربه منصور السابق أو الحالى لا أعلم، وفهمت أن الملك سلمان أنهى كلمته وأنهى رسالته وأعطى إشارته ورحل، وأنا مستعد أن أجد الأعذار للملك سلمان، لكن الغريب أن رئيس اليمن غادر والقمة منعقدة من أجل اليمن، وكنت أتصور أنها قضيته، وأن ربما عليه أن يبقى بعض الشىء ولكن لأنه علم أن القرار اتخذ فقرر الرحيل.

ــ أو ربما لأنه راحل مع الملك سلمان فى نفس الطائرة؟
* لا أعلم أنه جاء معه أو بمفرده، فقد جاء بمفرده ورحل مع الملك سلمان، شاهدى الرموز وما وراء الكلام والمعانى وغيرها وحاولى قراءة مواقف الأطراف.

ــ ما هو معنى ذلك؟
* معناه أن هناك أطرافا رأت أن هناك تطورات تعنيهم وتؤثر عليهم بأكثر من غيرهم حتى لو كانوا حلفائهم، وقد قرروا أن يتصرفوا ويخطروا القمة العربية بعدها.

وأعتقد أن هناك رسالة مهمة لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، أولها أننا لم نكن متوقعين حضور جون كيرى، وزير خارجية الولايات المتحدة، وكان هناك شك، لكن كان المتصور أو الطبيعى أن كيرى سيمكث يوم واحد أو نصف يوم اذا حضر، ولكنه مكث ثلاثة أيام ولم نتوقف لقراءة ماذا حدث؟ ولماذا مكث هذه الفترة؟، وأنا أتحدث من معلوماتى كصحفى متابع من بعيد، وأعتقد أن كيرى يريد أن يبلغ قادة الخليج أن هناك تغييرا جوهريا فى السياسة الأمريكية، وأظن أنه أحاطهم علما وأخطرهم بأن المباحثات التى تجرى فى لوزان مع إيران، سوف تصل لنتيجة، وأن الرئيس اوباما يقول للجميع إنه سوف يدخل المفاوضات بقصد تسوية أية مشكلة ويعلم أن المشكلة طويلة ولاتزال معقدة، لكنه سيدخل فى أولى خطوات ذلك من خلال حوار طبيعى.
ضعى فى اعتبارك الحالة النفسية والسياسية والمزاجية لكل هؤلاء الساسة فى الخليج فى تلك اللحظة، وأنا لا ألوم أحدا أو أعاتب أحد، فأنا أرصد كصحفى وهذا شىء يجب على الصحفيين القيام به، أن نرصد ونحلل وندقق فيما نقول.

والرسالة، أن قيادات الخليج التى دخلت فى «مود» أن العدو إيران ومن خلفهم الشيعة، يخوضون المعركة وهم مطمئنون بسبب العقوبات التى تفرضها أمريكا على إيران، وهم بشكل ما يعتبرون ذلك سندا يمكن الاطمئنان إليه فى هذه اللحظة، لكن رفع أوباما هذا السند بالتحدث مع إيران ومحاولة تسوية الخلاف معها، وذلك كان بمثابة الصدمة لكثيرين، وهو ما دفع التطورات فيما بعد إلى أن تستبق التصرفات القرارات.

ــ أى أن ذلك هو ما جعل عاصفة الحزم تستبق القمة العربية؟
* مؤكد، والمفروض أن هذه الدول مجتمعة لترى الخطر القائم فى اليمن، ومن المفترض أن قرارات هذا المؤتمر تعرض من خلال رؤى من السعودية أو مصر ترصد هذا الخطر، وتعلن الإجراءات التى تراها لمواجهته، والتى بدأت قبل المؤتمر من أطراف قررت التصرف وبالقوة المسلحة، إذا أنت أمام طرف وجد بالنسبة له أن حبال الصبر ضاقت، وأنه لم يعد يقبل وقرر أن يتصرف منفردا.

ــ لكن هذا ليس تصرفا منفردا فهناك 10 دول يشكلون تقريبا نصف الدول العربية فى مجلس الجامعة قرروا المشاركة ؟
* عندما أقول طرفا، فهذا لا يعنى أننى أقصد رقما واحدا، لكن نقول إن التحالف طرف، لابد أن نسلم بأن الحديث عن طرف يعكس جانبا بأكمله وليس السعودية بمفردها، وقد قرر هذا الطرف التصرف وجرى المؤتمر وقد تصرف بالفعل، وجاء المؤتمر ليقول «إننا أمام لحظة حقيقية اشعروا بها أو لا تشعروا ونحن سوف نتصرف»، وأنا أعتقد أن بقية مؤتمر شرم الشيخ كانت بمثابة الإجراءات حيث تحدثوا بعدها عن القوة العسكرية.

ــ تقصد القوة العربية المشتركة ؟
* نعم، وأنا أعتقد بأمانة شديدة أن القوة العربية المشتركة لازالت من بقايا الصراع العربى الاسرائيلى، وأنا أتذكر فى عام 1965 وكنت موجودا فى قمة الرباط، وكان الزعماء يتحدثون عن خطر تحويل إسرائيل لروافد نهر الأردن، ولابد أنك قرأت عن هذا وأعلنوا أنهم غير مستعدين، فاقترحت سوريا وقتها ووافق الباقون على إنشاء قيادة عسكرية عربية موحدة، والدول المعنية العربية تجهز هذه القوات وتتواجد على أرضها وتتدخل عند اللزوم وتنسق استخباراتيا، وقد تأسست قيادة موحدة، والغريب أن مبنى هذه القيادة كان يتواجد فيه الرئيس السيسى وقت أن كان مديرا للمخابرات الحربية، فالاقتراح ليس جديدا، وما نواجهه أعتقد انه يحتاج لتصرفات مختلفة، وأرى أن هذا الذى حدث كله يرتبط بشكل وثيق بعملية انتقال السلطة فى السعودية، وعلينا أن نتوقف أمام هذا الانتقال ونفهم أسبابه ونقدرها ونعرف كيف نتصرف حيالها، فانت أمام جيل جديد من الشباب موجود فى المملكة وكذلك فى الإمارات، وينبغى أن نرى ماذا يريد هذا الجيل وأن نتفهمه وأن نتحاور معه.

ــ ما هى التصرفات المطلوبة لمواجهة ما يحدث كبديل للقوة العربية المشتركة وعاصفة الحزم؟
* المسألة هنا مختلفة ففى الماضى، كان لديك جبهة واحدة هى جبهة الصراع العربى الإسرائيلى، وكان هناك هدف مشترك لكل الدول العربية، ولديك أسلحة متفق عليها من الجميع سواء أكنا نتحدث عن قوات برية وسلاح مدرعات وطيران وحرب من نوع مختلف تنتمى للقرن الماضى، لكن اليوم انت أمام عصر تضاريسه مختلفة مناخاته مختلفة وأسلحته يجب أن تختلف، وبمقدار اعتقادى أن «عاصفة الحزم» قد لا تفى بالغرض، أعتقد ايضا أن القوات العربية الموحدة قد لا تحل شيئا، وتحتاجين إلى تفكير مختلف من حيث دراسة مسرح العمليات الموجود أمامنا، فهو ليس الجولان أو سيناء أو النقب كما كان فى الصراع العربى الاسرائيلى أو الضفة الغربية، لكن مسرح العمليات مسرح معقد جدا وهناك انتقال كبير حدث فى العمليات الاستراتيجية فى العالم كله، ونحن لم نتنبه أننا أمام معركة يجب أن نجد لها سلاحا.

ــ لكنك قلت فى الحلقة الماضية إن الخطر والإرهاب يحيطان بالعالم العربى، أفلا ترى أن القوة المشتركة بداية الاتحاد؟
* بالتأكيد هناك اخطار، ولكن دعينى أسألك سؤالا، هل القوة العربية تشكلت فى ضجيج الحرب فى اليمن؟

ــ هناك عشر دول الآن وهى نواة جيدة ؟
* أنا أعتقد أن أفضل شىء فعلته هذه الدول حتى الآن، أنها لم تشتبك بريا، وفى الحلقة السابقة قلت إن السلاح يلعب دورا لكنه لا يحل كل المشكلة، السلاح يلعب دورا فى القوة بمعناها الشامل وفى أداء القوة بالقدر الذى تمكنه وسائله منه، لكن إلى الآن ليست هناك قيادة عربية مشتركة كل ما نراه هو ضرب بالطائرات.

ــ لكن تحالف اليمن يختلف عن القوة العربية المشتركة؟
* أنا أتفق معك، لكن القوة المشتركة أمامها 6 أشهر حتى تكون جاهزة، وأنت أمام مشكلة كبيرة جدا، وعندما نقول إن جزءا كبيرا مما واجهناه فى شرم الشيخ وما قبله عندما قلنا إن هناك أزمة رؤى وأزمة عمل وأزمة اختلاف وسائل وتقديرات، فنحن نتحدث عما كان ينبغى أن يناقش.

صحيح هناك إرهاب لكن لم نعمل حتى الآن على مواجهته، ولا أريد أن نمكث شهرين كما حدث فى مؤتمر فيينا، لكن ادرسى والناس جميعها تفكر وسأقول لك أنا أعتقد أن المحصلة النهائية أننا وجدنا أنفسنا أمام قرارات تفرض نفسها على بعضنا، ونظرة تأمل وترقب تفرض نفسها على البعض الآخر، والإجراءات تأخذ وقتا وهناك أناس لا يستطيعون الانتظار، فإنت أمام مشكلة سرعة الإيقاع فى العالم العربى تدفع البعض لأن يتحرك بسرعة ولا ينتظر.

ــ لكن أنت قلت سابقا أنه عندما تهل الكوارث علينا لا ننتظر؟
* هناك أشياء لا تستطيع الانتظار، ولابد أن نفرق باستمرار ونحن نتصرف بين العاجل والضرورى.

ــ ألم تكن اليمن وأزمة باب المندب وتمدد إيران وسيطرة الحوثيين أمر عاجل ؟
* اليمن فى فوضى ليست جديدة وهذه تداعيات أربعة أو خمسة عقود من أول الثورة اليمنية، حيث كانت فى كهوف القرون السابقة، فالثورة اليمنية واليمن كله بلد يخطو إلى البلد الحديث أو لازال يحاول فى ضوء طموحات، واليمن يعانى إما من صراعات سلطة أو صراعات قبلية أو حروب أهلية محتملة، وفى الثلاث حالات عليك أن تفكرى قبل استخدام قوة السلاح، فى بدائل أخرى سواء بالترتيب أو بالتوازى.

ــ لكن البدائل استنزفت وكانت هناك حوارات كثيرة؟
* كانت هناك حوارات يمنية يمنية.

ــ وحوار الرياض والدوحة لم يأت إليه أحد؟
* أريد أن أقول إن الحوارات ليست مجرد أن نتحاور فقط، فعندما نتحدث عن مواريث قبلية وقرون سابقة ومواقع استراتيجية تتحرك وتنبض ولو عقدنا جلسات حوار هل هذا معناه الوصول إلى اتفاق؟ اليمن أمامه من 20 ــ 30 سنة حتى تظهر لنا ملامحه الجديدة.

ــ ما الحل إذا؟
* أنت تطلبين الحل من صحفى لا يعلم كل حقائق الأمور؟ قد أراه بشكل مختلف، فبعض المرات يكون على الدول المعنية بأزمة معينة أن تتقدم إلى مواقع التأثير ثم تضرب حزاما صحيا على مواقع الخطر وننتظر لنترك تفاعلات ما داخل اليمن لفترة حتى يكون هناك خطط وتصور ورؤى، لكن أنا أعتقد أن السياسة المصرية كان عليها أن تتخذ بعض المواقع القريبة من الصراع، نحن لا نريدها أن تتورط فى شىء، ولكن نريد أن تكون موجودة على الساحة، ونحن أمام مجتمع يتمزق ويجب وضع حزام صحى واق وأن نترك تفاعلاته الداخلية حتى تظهر ونحتشد حولها ونفكر كيف نتقدم؟ وأنت تبحثين فى ذات الوقت عن إمكانيات الفعل أو الفرص المتاحة.

ــ أليست «عاصفة الحزم» هى الكردون الذى تم فرضه لكى نعبر الأزمة ونجلس على مائدة حوار؟
* أن تجلسى على مائدة حوار معناه أن هناك أطرافا واضحة فى اليمن.

ــ هناك أطراف بالفعل؟
* لا

ــ هناك إيران فى اليمن؟
* هذا موضوع آخر ومستعد للنقاش، صحيح هناك شيعة فى اليمن وزيود وقبائل وصراع أهلى وصراع سلطة وحرب أهلية، وفى وقت من الأوقات كان على عبدالله صالح لا يصلح وهادى منصور لا يملك سلطة التفاوض، فنظام منصور كان على وشك السقوط دون أى شىء، وأريد أن أقول لا يوجد طرف فى اليمن يمكن التفاوض معه، كما لا يمكن احتلالها عسكريا والتفاوض من خلال عسكرى كما حدث فى ألمانيا، فاليمن حالة وليس أطرافا.

ــ عودة للقوة العربية المشتركة.. هذا كان حلما عربيا منذ الستينيات.
* لا يوجد حلم فقد تم ولم يصلح بالفعل، ففى الصراع العربى الإسرائيلى كنا أمام طرف محدد وأسلحة تملكينها فى هذه الحرب، والهدف معروف هو فلسطين، لكن الأن أنت أمام من؟.

ــ أمام إرهاب؟
* لا

ــ هل سنقيم حوار مع إرهابيي؟
* لا تتكلمى معه هذا شىء آخر، الإرهاب فى اليمن مختلف فى نوعه عن الإرهاب فى مصر.

ــ لا أقصد اليمن ولكن داعش فى العراق وليبيا.
* ولهذا نتحدث عن القوة العربية المشتركة، فيجب أن تحددى المجال.

ــ نتحدث عن القوة المشتركة بمعزل عن أزمة اليمن.
*سؤالك السابق كان عن القوة العربية القديمة والفارق بينها وبين القوة العربية الجديدة، فالقديمة كان أمامها حرب بوسائل تقليدية وهدف معروفة وجبهة محددة ولدينا خرائط هذا كان موجود، هذا هو الصراع العربى الإسرائيلى، لكن أين الجبهة الآن؟ صعدة مثلا هى عاصمة الحوثيين والحوثى، هناك أدخلى وأحتلى صعدا.

ــ أتحدث عن العراق وداعش فى ليبيا.
* لا لا.

ــ القوة العربية المشتركة ليست لليمن فقط.
*القوة العربية المشتركة لا يمكن أن تواجه داعش، فأين ستذهب إلى سوريا أم العراق الذى تحكمة قيادة شيعية، أرجوكم فهمونى ماذا تريدون ان تقولوا؟ لابد أن تتضح ميادين القتال فى عقولنا أولا؟ فأين سنحارب بالضبط؟ نتحدث عن ماذا فى هذه اللحظة، نتحدث عن اليمن، وموضوع داعش والشام والعراق قضية لها مواصفات اخرى.

ــ القوة العربية المشتركة قيل فى توصيفها أنها قوة دفاع هل يمكن أن تكون قوة دفاع ضد التدخلات الإقليمية؟
* أريد السؤال أن يكون ما الذى أواجهه؟ وكيف أفعل؟ وما هى مقاصدى فى النهاية وما هى أسلحتى؟ فى الاستراتيجيات ونحن نتحدث عنها، ينبغى أن نقول متى أستطيع أن أحدد أهدافى؟ السؤال الذى سأله بوش الأب لكولن باول (وزير الدفاع الأمريكى السابق) متى تعتقد أننا بوسعنا أن نقول إننا حددنا أهدافنا؟ فلا يمكن مواصلة حرب للأبد، لكن ينبغى أن أحدد النقطة التى أقول عندها هنا حققت أهداف الحرب، لكن عندما نتحدث عن قوة 30 ألف جندى أو 100 ألف أو 200 ألف أين سنضعهم بالضبط؟ أين الجبهة؟.

ــ هذا نقاش دائر الآن، لكن إذا حدث اشتباك عربى إيرانى عند باب المندب فماذا نفعل؟
* لا يوجد اشتباك.. الممرات البحرية الكبرى أكبر وأخطر من تولى القوى المحلية حمايتها، وهناك أسطول أمريكى فى المحيط الهندى وفى البحر الأبيض لا يمكن أن تأخذ قرارا بغلق قناة السويس أو باب المندب، لسنا نحن المكلفين به، هناك بعض البوارج الإيرانية والقطعتين البحريتين المصريتين لكن كلها إجراءات. فرانسوا ميتران (الرئيس الفرنسى الأسبق) ذات مرة كنت أسأله وأقول له أنا رأيت بارجة فرنسية تسير صوب لبنان تذهب وتعود فى وقت الأزمة اللبنانية، فقال لى هذه ليست حرب لكن الدول هنا بـ«تشوح» لنا.

ــ استعراض قوة؟
* لالا اللفظ الصحيح «بتشوح»، وهناك فارق بين استعراض القوة، وبين البدائل اللاحقة، لكن كل الأطراف حائرة فى هذا المشهد وهذا شىء طبيعى، عندما يفقد الناس القدرة على الاقناع ويحتاجون للوقت يصبح الكلام بالإشارات يسبق الكلام بالعبارات.

ــ قلت إن كيرى أبلغ الزعماء العرب الموجودين فى شرم الشيخ إنه سيتم التوصل لاتفاق مع طهران قريبا، وقلت أن هذا صدمة.. فلماذا؟
* لم يكن يتصور أحد لفترة طويلة إنه يمكن أن تثمر هذه المباحثات المعقدة عن اتفاق، وضعى فى اعتبارك دائما أن هذه المباحثات مسألة شديدة التعقيد، لكن لابد من ربطها بتطور استراتيجى وأنت سألت لماذا كانت مفاجأة، وأظن شيئين أساسيين، الأول حيث بدت وكأنها تغير مفاجئ فى السياسات، فالكل كان يتوقع أن يكون هناك ما يشبه الاتفاق وإن كان مؤجلا، لكن المظاهرات وإعلان الاتفاق ودفاع أوباما عنه يثير قلق البعض، خصوصا أن أوباما خرج بخطاب فى اليوم التالى ليعطى نصائح لكل الناس فى حواره مع نيويورك تايمز.

وهذا تصادف مع شىء مهم جدا وهو انتقال السلطة فى السعودية، فالملك سلمان تولى الحكم فى المملكة وأنا أعرفه، ليست بيننا علاقة صداقة لكن بيننا علاقة احترام وود متبادل، ورأيته فى شبابنا الباكر وأنا أعمل على تأليف كتاب عن أمن الخليج، ورأيته فى مرات كثيرة وآخر مرة قبل عام ونصف فى سردينيا، ووجدت شخص قادم وخلفه مجموعة من الناس ويرتدى ملابس رياضية، وكان قادما من مركب أمام سردينيا وجاء لتناول الغذاء فى ذات الفندق الذى أقطن به فقلت له سمو الأمير هل أسلم عليك؟ فقال لى: «يا خبر يا أستاذ هيكل اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية»، فقلت له فى ماذا نختلف؟ فقال لى مختلفانن فى ماذا وماذا وماذا وتحدثنا وبالتالى هذا الجيل والملك سلمان ينتمى لجيل الأبناء، وهذا الجيل ورث من الملك عبدالعزيز التقاليد القبلية وكل ما يمكن أن تتعارفى عليه فى المجتمعات التقليدية، وسلمان عندما جاء عين ابنه محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيسا الديوان وليس هو فقط، فأنت هنا تتحدثين عن ظاهرة مهمة جدا وهى انتقال السلطة من الجيل التقليدى إلى جيل جديد وهو جيل الأحفاد.

ــ وهذه أول مرة؟
* ليس ذلك فقط، فهو بالإضافة إلى أنها أول مرة، إلا أنهم أيضا نزلوا إلى مواقع المسئولية، فى الإمارات.. أيضا هناك جيل جيد.. من أين أتى هذا الجيل؟ أتى من مجتمعاتهم، لكن جميعهم ذهب إلى الجامعات الأمريكية ودرسوا علوما سياسية أو علوم عسكرية، ومشبعون بما درسوه وهم يواجهون واقعا مختلفا، وهذه مرحلة لابد من إعطائها حقها من التنبه وجميع العالم العربى يجب أن يعطى هذه اللحظة قدرها من التفهم والتنبه والاعتبار.

هؤلاء الأمراء الشبان غاضبون لأنهم تفاجئوا بما حدث، وهم تصوروا أنهم أمام أوضاع شيعة من خلفهم إيران وهو كلام موروث ومواجهتهم له كانت من خلال الكتب التى درسوها فى العلوم السياسية والعسكرية، فهم يرون أن السعودية يمكنها التصرف بشكل منفرد وأن بوسعها جمع عشر دول حولها، ونقول لهم تعالوا معنا ونحن قادرون على مواجهة أمريكا ونحن إذا فعلنا هذا فسوف تأتى أمريكا رغما عنها خلف مصالحها وخلفنا، ليس ذلك فقط فهناك ما هو أهم، فنحن بهذا نثبت أننا أطراف فى الأزمة.. أوباما وبوش طالبانا بتحمل مسئوليتنا.. وقد كانت هناك دعوة مستمرة فى الغرب باستمرار تقول «قوموا وتحملوا مسئولياتكم» فالشباب هؤلاء لا يريدون ان يتصور البعض أنهم عالة، فقد حان الوقت للتصرف ولا مجال للتردد نحتاج لمعرفة مواقف حاسمة.

ــ وقد حدث بالفعل ووافق الغرب والولايات المتحدة؟
* الغرب موجود وهو ليس لديه مانع أن تتصدرى وهو يترقب ويختار خياراته.. أليست الولايات المتحدة موجودة؟ وقد قصفت بطائرات وهى تراقب ومهتمة جدا.

ــ هل ضربت الولايات المتحدة الأمريكية فى اليمن؟
* ضربت فى اليمن بالفعل، فأمريكا قتلت 3000 شخص قبل الحرب الأخيرة، وعندما جاءت عاصفة الحزم فإن أول شىء فعلوه هو إخلاء مركز به 100 خبير يتولون عملية التوجيه وأريد أن أقول لك إن أحد مواقع التوجيه كانت موجودة فى أحد القصور الرئاسية فى ظل الفوضى فى اليمن، حتى الأمريكان كانوا مشتركين وموجودين ويضربون ولكنهم اليوم يتركونك تتصرفين وهم يراقبون

ــ لكن الولايات المتحدة أكدت أنها لن تشارك ألا بدعم لوجيستى فهل ضربت صواريخ أم لا؟
* لا أعرف؟

ــ وماذا عن عاصفة الحزم؟
* عاصفة الحزم موجهة ضد الإرهاب فى اليمن، والإرهاب هناك موجود قبل عاصفة الحزم بمعنى أن العاصفة قاومت حالة إرهاب قائمة فى اليمن منذ زمن.

ــ هل تعنى أن هذا موجود قبل عاصفة الحزم؟
* قبلها وبعدها، وأريد أن اقول أن مشاركة أمريكا لم يخفها أحد سواء بالمعلومات أو الدرونز (الطائرات بدون طيار) أو بالمخابرات، والحقيقة لم أكن مستريحا لعاصفة الحزم أبدا كاسم فهى كلمتين متناقضتين العاصفة بطبيعتها لا تنضوى على شىء، لكن الحزم يحتاج لرؤى ووضوح من ضمن رغبة الشباب ورغبتهم فى أن يجدوا شىء أنهم أخذوا نفس المسمى «عاصفة».

* قد اختلف معهم كشباب، لكنى مستعد أن أفهم أن هذه حمية شباب مع تغييرات كبرى نحن جميعا لا نراها، نحن نتحدث عن إيران والشيعة، وهذا ليس له علاقة بالأمراء أو القرار، أنا أعتقد اننا نرتكب خطأ تاريخيا منبعه سياسة خاطئة، يكاد يتحول لخطيئة تاريخية بين سنة وشيعة.

ــ هل هذه معركة بين سنة وشيعة؟
* فى جزء كبير منها، دعينا نتحدث ونحن ننظر إلى الموقف نظرة دارسين فى الصحافة المصرية والاعلام المصرى، هناك قفزة حتى فى الصحافة الخليجية، فالمعركة التى يخوضها الخليج يتحدثون فيها عن خطر الشيعة وإيران وهذا لم يخفوه وهذا ظاهر، وأنا أعتقد أن هذا خطر جدا لماذا؟ إذا تذكرت أن الدول الرئيسية فى مشروع النظام العربى ستجدى أن 65% من سكان العراق من الشيعة و55% من سكان لبنان من الشيعة ولابد أن تتذكرى أن سوريا تقريبا ثلث السكان شيعة، واليمن ثلاثة أرباعه من الشيعة، فى الجنوب سنة والجبال كلهم زيود، علينا أن نتدبر فى هذا الصراع، تذكرى مصر فى عصور الاستنارة قامت بأشياء هائلة فى عصر الملك فاروق، وكان لدينا رجل مثل على ماهر، حيث تخيل أن الزيجات الملكية قد تكون مفيدة فى توسيع النفوذ الملكى المصرى، فقبلوا وسعوا ووافقوا أن تتزوج الاميرة فوزية من شاه إيران، والملكة نازلى كانت ستجن وأقنعوا حسانين باشا لإقناعها، قائلا: «يا صاحبة الجلالة هذه أسباب دولة»، وقبلت وقتها، والشيخ المراغى هو من قام بتحرير العقد.
وعليك أن تعلمى أنك مع الشيعة قد تكونين أمام تناقض ثانوى، والصراع مع الشيعة سيؤدى لقسمة فى العالم العربى حتى فى السعودية، فالقطيف فى السعودية والمنطقة الشرقية كلها شيعة.

ــ لماذا لا تقول إنها معركة أمام توسع سياسى لإيران وهى معركة سياسية؟
* هل تريدين أن تقولى ما لم يقولوه؟ هم يقولون إن الشيعة خطر، نحن لدينا أقل من 40 ألف شيعى فى مصر، وهم يتحدثون عن خطر الشيعة فى مصر فهم يتحدثون عن توسع إيرانى.

ــ توسع إيرانى وتصدير للثورة أيضا؟
* ضعى فى ذهنك أن إيران دولة مثل سائر الدول لها طموحات ومطامع، وقد تحتك معى وهذا يحدث فى كل مكان فى العالم، وأنا أعرف أن هناك مصالح محتكة.

ــ لماذا أقبل أن تأتى هذه الطموحات إلى أرضى؟
* لديك طموحات، فقدرى أن الآخرين لديهم طموحات، كيف يمكن التصرف فى العراق وغالبيته شيعة وتأثير إيران عليه كبير، وتأثير الثورات قد لا نقصده لكن قد يحدث، هذا مع العلم أن الدولة الايرانية فى عهد الشيعة هى دولة مثل سائر الدول لديها طموحات ومطامع بقدر ما لديك، وعليك أن تجدى أرضا مشتركة.

ــ لكن الطموحات الخاصة بالدول يجب ألا تتجاوز حدودها؟
* هذا ليس صحيحا أليس غريبا أن تتدخلى فى اليمن؟

ــ لأن الوضع فى اليمن أصبح لا يمكن السكوت عليه، هل ننتظر حتى يصل الحوثيون للرياض؟
* أليس صحيحا أنك تدخلت فى سوريا، علينا أن نعرف أنه ضمن ما جد فى العالم أن الخطوط السياسية القديمة ليست موجودة، وأنت تتحدثين عن العولمة وأول ما فعلته العولمة أنها أزالت الحدود بين الدول، نحن مقبلون على صراعات حتى بين الافراد وهذه الصراعات ينظمها القانون، ومطالبون بإيجاد وسيلة للتفاهم بين هذه الطموحات.

ــ ما البديل ؟
* ألم تجدى بديلا وقت الشاه مع إيران ذاتها بطموحاتها؟ أليس صحيحا أن الشاه كانت لديه مطامع فى الخليج وطلبات، لكن وجدتى بديلا، وباستمرار فإن التناقض هو من طبائع الاشياء فى الحياة، والتناقض هو وظيفة العقل، أنا والآخرون ونحن نتحدث لدينا ارض مشتركة، ونحن نتحدث عندما نعود لمنطق الهدوء ونرى كيف يمكن ايجاد أرضية مشتركة؟

ــ كانت هناك أرض مشتركة، لكن هناك توسعات وإصرار من البعض على العبث بأمن الدول؟
* رقم واحد هذه طبائع الاشياء، فباستمرار عندما يأتى البلد القوى والكبير نسبيا وإيران على عينى ورأسى بلد جيد جدا فى الاقليم وبلد قوى فى إطار اقليم، ولكن ليس على مستوى العالم لكن هى موجودة وقادرة على التأثير فى موقعها والإشعاع، وهى تملك حضارة قديمة راسخة وهناك مسألة مهمة جدا، فهناك دول مستجدة هناك ثلاثة دول فقط لهم جذور غائصة فى هذه الارض هى مصر وتركيا وايران، لكن ما أريد قوله إن الدول القديمة الموجودة وصاحبة الحضارات الراسخة والتى تملك مجتمعات أنتجت ثقافات بشكل مختلف لها تأثير إذا كنا نقول إن هناك جاليات شيعية فى الدول فى كل مكان.

ــ ولماذا أقبل أطماع هذه الدول، ومسئول إيرانى قال نسعى لإقامة إيران العظمى وعاصمتها بغداد؟
* إذا كنت لا تقبلين حاربى.

ــ هذا ما حدث ؟
* أنت تضعيننى فى موقف صعب جدا بأن أدافع عن إيران وهذا ليس عملى، لكن أنا مهتم بها لسبب اساسى، لكن اريد أن اقول كل الدول لها مطامع وهناك تغيير استراتيجى حدث فى العالم كله وهو تغيير بشع ونحن لا نعرف.

ــ لكن لماذا أقبل أن تصل هذه المطامع إلى دارى؟
* اقبليها ويعبر عنها أصحابها، ضعى فى مقدمتها طلباتك ثم توصلى لحل ثم حاربى، لكن الاولى هو البحث عن حل لأن الحرب فى هذه الظروف صعبة، فيمكن أن نبدأها وقد لا يمكن أن ننهيها، هناك تغييرات فى العالم كله جعلت الأمور تفلت منا ومن الناس.

ــ وما هو إطار الحل؟
* أليس صحيحا أننا كنا متفاهمين فى وقت الشاه؟ لابد أن نسلم أن إيران حدث بها تغيير كبير جدا، وأن إيران بشكل ما سواء تأكدت فيها طبيعة الثورة أو طبيعة الشيعة فهذا مقلق، لكن السؤال هل سنذهب أمام المذاهب ونضع مدافع كثير من الدول لها أصول دينية، ولو تعاملنا ووضعنا طوائف أمام طوائف ومذهب أمام مذهب ودين أمام دين سندخل فى منعطفات خطيرة جدا.

ــ لكن هذا ليس صراعا طائفيا؟
* هو صراع قوة وليس سياسة، وإثبات الوجود فى المنطقة أنت تفعليه وهو يفعله، علينا أن نجد أرضية مشتركة إذا كنت وجدت هذا مع إسرائيل ومع أنى غير مؤمن بهذا، ومع ذلك وجدتى مع اسرائيل وقمتى بتسوية مع الاستعماريين، فكيف نتحدث عن حرب دينية فى قلب المنطقة فى القرن الحادى والعشرين؟! ماذا تقولون؟!.

ــ طهران هى العاصمة الثالثة فى المنطقة التى نتوقف عندها خرجت قرارات كثيرة وتدور الأحداث، ودائما يبدو أن هناك تعاطفا منك على مدى العصور مع النموذج الإيرانى؟
* مع إيران وليس النموذج، بالنسبة لى إيران جزء من شبابى وأول كتاب كتبته فى حياتى كان «إيران فوق البركان» وكان عمرى 23 عاما، وعن أزمة مصدق وكنت موجودا هناك لأكثر من شهرين ورأيت الشاه وقتها فى منزل أخته، ثم عدت مرة أخرى إلى هناك وكتبت كتاب «مدافع أية الله» باللغة الانجليزية، وترجم إلى 33 لغة، ومرة ثالثة أو رابعة أو خامسة وأكتب كتابا عن حرب الخليج، وأنا مهتم بالشرق الاوسط، ومنذ شبابى وأنا مهتم أن أعرف الدول الرئيسية فى المنطقة أعرف مصر لأنى مولود فيها وتركيا لأنها حكمتنا، لكن لم أعرف إيران لبعدنا عنها جدا، فقد اهتممت بإيران لسبب او آخر وكان لدى صداقة مع الشاه ومع الخومينى فيما بعد.

ــ كيف يكون هناك صداقة بين النموذجين؟
* لابد أن نفرق بين أننى معجب أو مبهور، وبين اننى مهتم، فأنا مهتم بها لأنها تكمل شيئا فى المنطقة وأنا أريد أن يكون ضمن معارفى وليس لدى تحيزات، فأنا مهتم بالإقليم، أنا ضمن جيل من الصحفيين الذى خرج بعد الحرب العالمية الثانية لإكمال عمله فى الخارج، وقد كنت موجودا فى تغطية الحرب الاهلية فى اليونان وإيران.

ــ لكنهم استمروا فى استفزاز مصر وهناك شارع باسم الاسلامبولى قاتل السادات؟
* المكايدة بين الدول مرات كثيرة تحدث، ولا أوافق على تسمية شارع باسم خالد الاسلامبولى، وقلت هذا الكلام لكل من يعنيهم الامر كلهم، كلما جاءت فرصة لمقابلة أحدهم، لكن العلاقات بين الدول شأنها شأن العلاقات بين الأفراد فيها التصالح والتفهم والتآمر واللف والدوران واحيانا المكايدة، وهذا نوع من المكايدة وهو لا ينبغى.

ــ من الرابحون والخاسرون فى اتفاق لوزان؟
* قولى ماذا وراء هذا الاتفاق؟، هناك تغيير فى الاستراتيجية العالمية ونحن أمام عصر فى منتهى الاهمية أن ننظر إليه، شاهدى الخريطة وشارل ديجول (الرئيس الفرنسى الأسبق) كان يقول لى دائما أنظر إلى الخريطة قبل أن نتحدث فى السياسة، نحن عشنا فى ظل ثلاثة عصور للاستراتيجية العالمية، الاول العهد الاستعمارى وكنا موجودين والاستراتيجية حولنا كانت استراتيجية الجزر، فهناك صراع بين انجلترا وفرنسا والبحر الأبيض ومصالحهم فى أفريقيا، ونابليون يأتى للإسكندرية وفرنسا تهبط على المغرب العربى ومالطة وقبرص إلى الاسكندرية، هذا هو خط الصراع الامبراطورى فى لحظة معينة من التاريخ، ثم انتقلنا إلى خط دفاعى آخر بعد عصر البترول وهو السباق الاستعمارى، حيث إنه ظل يتصرف حتى عصر البترول فهو عهد المضايق وأصبحت الاستراتيجية من الجزر إلى المضايق، فأصبحت هناك ثلاثة مضايق باب المندب وهرموز وقناة السويس وكلها محيطة بشبه الجزيرة العربية، حيث إنه موطن البترول الأساسى، اليوم الاوضاع اختلفت فخط المواجهة الاستراتيجى فى عهد العولمة مختلف تماما، حيث اصبح الصراع معتمدا على العلوم والتكنولوجيا وتراكم رأس المال وغيرها، وأصبح فى واقع الامر بؤرة الصراع تنتقل من البحر الابيض من الجزر إلى المضايق إلى الصين وهى بؤرة الصراع القادمة الاساسية أمريكا والصين، إذا وضعتى هذا فى الاعتبار، فنحن أمام شىء مهم جدا فنحن أمام نقاط الارتكاز وهذا ما ذكرته فى مسألة اليمن عندما قلت نحتل مواقع وننتظر وهى استراتيجية نقاط الارتكاز فى هذه المنطقة، والتى تلقى الحمل على ثلاث دول ايران وتركيا وباكستان هذه هى البلاد المرتفعة والموجودة والمطلة على الصين وبعضها ملاصق لها لكن بها ارتفاعات مشرفة على السهول الآسيوية الواسعة فى الصين، فأنت امام انتقال حقيقى وليس مثل السابق مصر والخليج تبقى لكى أهميتك مستمرة باستمرار سواء على مستوى الجزر او المضايق لكن نقاط الارتكاز اختلفت، وهو عصر المرتفعات الآسيوية المطلة على القارة الآسيوية كلها وتشمل إيران وتركيا وباكستان.

ــ وبالتالى أمريكا أصبح لديها مراكز فى باكستان وتركيا؟
* لديها هناك فى تركيا وباكستان وتسعى إلى عودة ما كان لها من نفوذ فى أيران وهى أكبر خسارة للولايات المتحدة باعترافها، هى خسارة ايران فى الثورة الاسلامية، فإيران كانت مهمة فى مسالة البترول، والآن اصبح الكثيريو لديهم بترول لكن الأهمية الكبرى للولايات المتحدة باتت هى الموقع المتميز فأنت فى عصر المرتكزات.

ــ هل اتفاق إيران مع الولايات المتحدة أخل بموازين القوى فى المنطقة؟
* هو كان صدمة بالتأكيد، وينبغى أن تكون لحظة قلقة عند الناس ــ ولديهم الحق فيها ــ وعليهم أن يبحثوا عن سند وهو الامة العربية، وعلينا ان نبحث سويا المشكلة فكل طرف يريد أن يتصرف وأوراقه أمامه، عليك أن تديرى حوارا، فنحن محتاجين بقوة إلى فيينا ثانية.
هناك موازين قوى غير مرئية مثل خطوط الطول تأخذ فى الحسبان وجود الدول، اذا كان العالم اصبح وحوشا فلسنا اشد الوحوش فى الغابة وليست ايران كذلك، هناك نظام دولى موجود، فالميزان لم يختل لكن هناك صدمة لبعض الناس وعلينا أن نجلس سويا لنحدد أين العمق بالضبط؟ وأين اسباب القوة؟ ما هى المعركة وما هى ساحاتها ومن هم حلفائنا؟

ــ نعود إلى القاهرة العاصمة المصرية هل يمكن أن تكون مصر جزءا من استعادة ميزان القوى فى المنطقة رغم المشكلات التى واجهناها كثيرا؟
* أتمنى تنحية كلمة موازين قوى جانبا، أنت أمام عالم مختلف، صحيح هناك توازنات لكن ضعى فى ذهنك أن جزءا كبيرا من القوة غير مرئى.
مصر تستطيع أن تقوم بدور مهم جدا بعد مرورها بقلاقل معينة، وبعد مشوار مرهق جاء رئيس تحول من رئيس الضرورة إلى رئيس الاختيار، لكن تحوله لم يقلب الحقائق، فالحقائق على الارض تؤكد أن هناك وضعا اقتصاديا واجتماعيا مختلا يحتاج إلى إصلاح وقوى شبابية كثيرة تحتاج لأن تدخل وتشارك، والرئيس دوره تحول لكن الحقائق كما هى، وبالتالى ففى أزمة الخليج جعلت هناك مشكلتين أولها أنك لا ترين أن ما يجرى على أرضك جزء من شىء متغير فى العالم وخطوط المواجهة، والامر الثانى هو «الفريق» وأعتقد أن الرئاسة لم تعبأ طاقة القدرة فى هذا المجتمع ولم تستعملها.

ــ ألا يوجد فريق رئاسى بجوار الرئيس السيسى؟
* أنا لا أحب التدخل، واخشى أن بعض الناس يقولون هو يتحدث لأنه يريد ان يكون مستشارا، وفى سن التسعين بعد العمر الطويل لن أعمل مستشارا لأحد، ليس استكبارا والرئيس السيسى نفسه قال لى انت مستعد لماذا؟ قلت له لست مستعدا لشىء سوى للحديث معك اذا طلبت؟ وقلت له انس العواجيز، لديك شباب فى هذا البلد بلا حدود، استدع أناسا يستطيعون أن يكملوا معك وأنا مدرك حقائق الحياة، فأنا فى هذه السن يعنى «الرحيل» لست خائفا من ذلك لكنها طبائع الاشياء، فأنا اقول إننى أريد فريقا فى الرئاسة قادرا على متابعة تغييرات تجرى على عالم وعلى عصر وهذا لم يحدث، وأمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، والخليج بالنسبة لنا قضية فى منتهى الاهمية، ليس لأنها تعطى أموالا لكن من جهة الموقع الاستراتيجى القريب والقريب من نقاط الارتكاز.

ــ وباب المندب؟
* كل هذا مهم، لكن فرقى بين العاجل والضرورى باب المندب ومضيق هرمز لسنا نحن.

ــ تقصد ان دول الخليج هى العمق الاستراتيجى لمصر؟
* ليس ذلك فقط بل هى الجناح، وأنا أعتقد دائما أن مصر نسر ولديها جناح طائر من جهة الخليج، وآخر من جهة شمال إفريقيا، والخليج مسألة مهمة جدا لأنه منبع ثقافى وامتداد حضارى واقتصادى مهم جدا.

ــ هل نحن متأخرون؟
* نحن لسنا متأخرين، وهناك فرق بين أن تكونى مصممة فهذا يحتاج لنفسك وعزمك يحتاج لخططك، وخططك ليست واضحة وهنا يمكن أن نقول إننا نتحدث ونبدى نوايا طيبة لكن على الارض مازلنا متأخرين.
القضية هى كيف يمكن للسياسة المصرية أن تجد ما يطمئن الخليج؟ وتقتنع به وفى قدرتها، وفى الظروف الموجودة حاليا نحتاج إلى إطالة التفكير، أمشى ولا تقفز، أريد مصر ان تتحرك وأن يتحرك النظام وهو يعرف موقع خطاه، ويجب ان نطمئن جدا فلدينا قوات ونتناقش مع الآخرين فى قواعد الاشتباك.

ــ تقصد قوات برية على الارض؟
* كل شىء ممكن، المهم أن تكونى مشاركة وموجودة، ليس لدينا مشكلة فى التواجد فى حماية حدود السعودية وهناك جزء مهم جدا وهو الطمأنينة، ولا أريد حربا فى اليمن بالتأكيد وأنا أعرف طبيعة اليمن بالتحديد، لكن أريد أن أقول إذا تواجدت لك قوات فالمطلوب هو بعث رسالة طمأنينة تزيد قليلا على رسائل الود.

ــ هل يرسل قوات برية ام لا؟
* ليس لدى مانع فى ذلك، لكن هناك شرطا أن تكون قواعد الاشتباك محددة، ورأيى الشخصى لا أعارض القوات البرية لكنى لا أريد للسياسة المصرية أن تخطو بأسرع مما هى مستعدة له لابد أن تسارع بنفسها فى الاستعداد لأن الكلام والمراوحة فى الكلام قد يثير شكوك لدى البعض لا داعى لها.

ــ هل زيارة وزير الدفاع لباكستان هى خطوة للترتيب؟
* أرجوك ارفعى فكرة الجيش حتى باكستان قالت لن ندخل بريا، والاتجاه الغالب أنهم لن يذهبوا، ولديك مصيبة هوية هناك، فنحن أمام بلد يبحث عن هوية وتاريخ وفى حالة حيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved