القاضية اللبنانية ميراى داود لـ«الشروق»: أسباب منع تعيين المرأة بمجلس الدولة فى مصر «غير مقنعة»

آخر تحديث: الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 8:28 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ محمد نابليون:

- قانون إنشاء محاكم إدارية فى لبنان «حبر على ورق» منذ 17 عامًا.. والاتجاه الآن لتخصيص قضاة إداريين فى بيروت فقط

- يجب أن يحصل الراغب فى التعيين على إجازة معهد الدروس القانونية.. وكثيرًا ما نصدر أحكامًا لا تتلاءم مع توجه الحكومة

- ندخل فى نزاعات مع الحكومة.. وبعض الوزراء يتعاملون باعتبارهم الأعلم بأمور حقائبهم ويلتفون على تنفيذ أحكامنا
دائما ما تكون المؤتمرات واللقاءات القضائية العربية فرصة للتعرف على طبيعة عمل المحاكم فى دول المنطقة، وبصفة خاصة التى تختلف عن مصر فى الإدارة والتعيينات والتنظيم الدستورى، ومنها لبنان، التى تتولى فيها النساء مناصب قضائية مرموقة، بينما تعلو أصوات الحقوقيين وأعضاء لجنة الخمسين فى مصر هذه الأيام لتجديد المطالبة بتعيين المرأة فى مجلس الدولة والنيابة العامة.

وعلى هامش المؤتمر السنوى الأخير لمحاكم القضاء الإدارى العربية، التقت «الشروق» بالقاضية ميراى داود، من مجلس شورى الدولة اللبنانى، التى تحدثت عن طبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية فى بلدها، وطريقة انخراط النساء فى العمل القضائى، وطالبت بأن تسارع مصر لفتح مجال القضاء أمام المرأة التزاما بدستور 2014.. وإلى تفاصيل الحوار:

< لا يعرف المهتمون بالقانون فى مصر الكثير عن النظام القضائى اللبنانى، فما هو مجلس شورى الدولة وما اختصاصاته؟
ــ نشأ المجلس عام 1924 ومر بمراحل مختلفة من التبعية لمحكمة التمييز «القضاء العالى» وحتى أصبح جهة قضائية مستقلة فى مطلع الخمسينيات، ويأخذ المجلس بنظام التقاضى على درجة واحدة، بحيث لا توجد محاكم إدارية ولا إدارية مستأنفة، ومن ثم فلا يوجد سوى المحكمة العليا بمجلس شورى الدولة، والأحكام التى تصدر عنها لا تقبل أى طريق من طرق الطعن العادية، أى لا تقبل الاستئناف، وإنما تقبل طرق طعن غير عادية مثل إعادة المحاكمة أو اعتراض المدعى أو اعتراض الجهة الإدارية المدعى عليها، ويكون ذلك أمام ذات الغرفة «الدائرة» التى أصدرت الحكم.

< إذن فمجلس الدولة اللبنانى يتكون من محكمة واحدة؟
ــ نعم هى محكمة واحدة تنعقد فى بيروت، بغرف «دوائر» مختلفة بحسب اختصاصات المنازعات التى تنظرها كل غرفة منها على حدة، ولذلك فعدد قضاة المجلس ضئيل، بواقع 40 قاضيا فقط، ونحن فى اتجاه لزيادة ذلك العدد، لأننا فى انتظار تخرج 6 أعضاء جدد من معهد الدروس القضائية اللبنانى سيباشرون عملهم وينضمون إلينا، بالإضافة إلى عدد من الدراسين فى الوقت الحالى بالمعهد، وبعدها سيطلب المعهد دارسين جددا.
وأصدرت السلطات القانون رقم 227 لسنة 2000 بتعديل نظام مجلس شورى الدولة، حدد ذلك القانون عدد قضاة المجلس بـ99 عضوا، وكان هذا القانون يتضمن إنشاء محاكم إدارية بالمحافظات تنظرالمنازعات التى تنشأ بين الأفراد والسلطة العامة، إلا أن إنشاء تلك المحاكم كان يتطلب صدور قرار تنفيذى من وزير العدل يضع ذلك النص القانونى محل التنفيذ، ولم يصدر ذلك القرار حتى الآن، وبالتالى لم يتم إنشاء محاكم إدارية وبقى ذلك القانون حبرا على ورق.
وحاليا لا توجد أى نية لتفعيل ذلك النص القانونى، بل بالعكس هناك اتجاه لتعديل نظام المجلس وإلغاء ذلك القانون، وتخصيص قضاة منفردين للمنازعات الإدارية فى بيروت فقط، وحتى الآن لم يتم الإعلان عن طبيعة عمل واختصاصات هؤلاء القضاة. 

< تعيين القضاة فى مصر يكون باختيار المجالس العليا للهيئات والجهات القضائية من بين خريجى كليات الحقوق والشريعة والقانون، فكيف يتم تعيين القضاة الجدد بمجلسكم؟
ــ المجلس يعتمد على خريجى معهد الدروس القانونية اللبنانى فى تعيين القضاة الجدد به، وكان نظام المعهد يتيح اختيار قضاة إداريين جدد من بين أساتذة القانون لهم عدد معين من سنوات الخبرة، أو موظفى الفئة الأولى بالتفتيش المركزى أو بالمجالس التأديبية، وكان هذا النص يطبق بصفة دورية لما يقرب من 30 سنة، لأن وقتها كانت الإمكانيات القليلة تعيق التحاق الدارسين بمعهد الدروس القانونية، لكن حاليا لا يتم تعيين قضاة جدد بالمجلس من الجهات الإدارية.
وتبدأ إجراءات التعيين بإعلان وزارة العدل عن حاجة المجلس لتعيين قضاة جدد بالقضاء الإدارى، يتم بعدها إجراء مسابقة بين المتقدمين بإخضاعهم لاختبارات تحريرية فى مواد القانون العام والقانون الإدارى والتنازع الإدارى والقوانين الضريبية والقانون الدستورى، ويعقب تلك الاختبارات مقابلات تتضمن اختبارات شفوية، وفى حالة اجتيار المتقدم لشغل الوظيفة لكل هذه الاختبارات يلتحق بمعهد الدروس القضائية بصفته قاضيا متدرجا يدرس بالمعهد لمدة 3 سنوات، وخلالها يتدرب بغرف المجلس المختلفة لاكتساب خبرات العمل القضائى بعدها يتم إلحاقه للعمل بتلك الغرف.

< وما عدد دوائر المجلس.. وما هى اختصاصتها؟
ــ مجلس شورى الدولة يتكون من 5 غرف «دوائر»، ويترواح عدد القضاة فى كل غرفة ما بين 10 و12 قاضيا، حيث يسمح للقاضى الواحد بشغل عضوية غرفتين على الأكثر فى تلك الغرف، فأنا على سبيل المثال قاضية بالغرفتين الأولى والخامسة بالمجلس.
وتختص الغرفة الأولى بنظر دعاوى بطلان قرارات رئيس الجمهورية وقرارات مجلس الوزراء والوزراء بشكل عام، والتى لا تدخل فى أى من اختصاصات الغرف الأخرى، وتختص الغرفة الثانية بنظر الطعون على قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة ونزاعات العقود الإدارية، فيما تختص الغرفة الثالثة بنظر دعاوى تراخيص البناء ونظر دعاوى التعويض بشكل عام، وتختص الغرفة الرابعة بنظر دعاوى الموظفين بالدولة بمن فيهم العسكريون، وأخيرا تختص الغرفة الخامسة بنظر الطعون الانتخابية فى البلديات؛ لأن طعون انتخابات المجالس النيابية يختص بنظرها المجلس الدستورى «المحكمة الدستورية» والنزاعات الضريبية وما يسمى بالمصنفات.

< ما طبيعة العلاقة بينكم وبين الحكومة اللبنانية، وهل يدخل المجلس فى نزاعات معها، وإلى أى مدى تلتزم الحكومة بتنفيذ أحكامكم؟
ــ أكيد، تحدث نزاعات بيننا باعتبارنا قضاة إداريين لبنانيين من جهة والحكومة من جهة أخرى، لأن الحكومة تتخذ القرار من منطلق تأدية دورها السياسى، أما القاضى الإدارى فيبت فى مدى توافر المشروعية القانونية فى ذلك القرار، وفى أوقات كثيرة نصدر أحكاما لا تتلاءم مع توجه الحكومة أو أحد الوزراء، ويتسبب ذلك فى حدوث مشكلات يغض خلالها المسئولون الطرف عن تنفيذ الأحكام، أو الالتفاف على تنفيذها بإصدار قرار بوقف تنفيذ القرارات التى يقضى المجلس ببطلانها، ومعاودة إصدار ذات القرارات بصورة أخرى.
ولا يمكننا وصف لبنان بالدولة المثلى، لأنه ما زال لدينا مسئولون يعتبرون أنفسهم الرؤساء فى وزاراتهم، وبالتالى يرون أنفسهم الأعلم بأمور حقائبهم، ويظنون أنهم أدرى من القضاء بكيفية تسيير العمل، ومن ثم تثور مشكلة عدم تنفيذ الأحكام.

< وهل يوجد نص تشريعى يلزم السلطات بتنفيذ أحكام المجلس؟
ــ نعم يوجد نص تعتبر بموجبه الأحكام الصادرة عن المجلس واجبة النفاذ، إلا أنه فى الفقرة الثانية منه يمنح المسئولين سلطة تقديرية فى تنفيذ الأحكام حسبما يتوافق مع سياسات واستراتيجيات الوزارة، وتعد هذه هى الثغرة التى يستغلها المسئولين للتهرب أو التلكؤ فى التنفيذ، ولا يكون أمامنا للحد من هذه الظاهرة إلا إصدار أحكام بتغريم المسئولين على عدم تنفيذهم للأحكام القضائية، إلا أن ذلك يتطلب إقامة المدعى دعوى «غرامة إكراهية» على المسئول.

< هل تتابعون فى لبنان اجتهادات القضاء الإدارى المصرى؟
ــ فى الحقيقة نحن متابعون أكثر لاجتهادات مجلس الدولة الفرنسى، لأن مجلس شورى الدولة اللبنانى نشأ متأثرا بشكل كبير بنشأة مجلس الدولة الفرنسى، ونحن القضاة متأثرون بالفقه الفرنسى، لأننا ندرسه فى الجامعة، ونجد سهولة فى متابعة ما يطرأ من اجتهادات داخل القضاء الإدارى الفرنسى، سواء من خلال الإنترنت، أو من خلال عقد ورش عمل مشتركة مع قضاة إداريين فرنسيين.
إلا أننا ونتيجة المشاركة فى ورش العمل التى ينظمها الاتحاد العربى للقضاء الإدارى، على مدى عام ونصف العام، أصبح لدينا انفتاح على خبرات بعض الدولة العربية. 

< وما أبرز ما لفت نظرك فى مشاركاتك بندوات الاتحاد العربى؟
ــ منذ عام ونصف العام كنت فى ورشة عمل قضائية بالأردن حول تطبيق مبدأ المساواة، وكانت الدعوة التى وجهت لمجالس الدولة العربية للمشاركة فى تلك الندوة تتطلب حضور قاض وقاضية من كل دولة للمشاركة فيها، ولم أجد فى المؤتمر كله سوى قاضيتين فقط إحداهما من الأردن والأخرى من الجزائر، وباقى المشاركين فى الورشة من الدولة العربية كانوا من الرجال، ولما سألت زملائى من مصر عن السبب، ففاجئونى بأنه لا توجد قاضيات بمجلس الدولة المصرى لأنه لا يسمح للسيدات بالتعيين به، مع أنى أعلم أن الدستور المصرى الصادر فى 2014 ينص فى مادتيه 9 و11 على المساواة وتكافؤ الفرص والمساواة بين الراجل والمرأة فى أحقية الحصول على وظيفة، وعلى دور الدولة فى مساعدة المرأة فى الوظيفة القضائية.

< وما تعليقك على هذه المسألة التى تشغل حيزا من النقاش فى مصر منذ نحو 9 سنوات؟
أعتقد أن النص الدستورى يقضى على أى فكرة أو عرف كان سائدا فى السابق، لأن أى نص دستورى يعلو على أى قرار، وأرى أنه من حق السيدات بمصر فى حالة الإعلان عن مسابقة لتعيين قضاة بمجلس الدولة وتضمينها حظر تقدم النساء لها أو منعهم من التقديم فيها أن تثرن هذه المسألة أمام المحاكم، لأن مجرد تكريس الحق بنص دستورى، فهذا يعنى أن المشرع الدستورى يتقبلها.
وفى الحقيقة لم أجد أن مبررات منع تعيين المرأة مقنعة، كبُعد مقار المحاكم عن بعضها وأن الوصول إليها يتطلب مشقة، فعلى سبيل المثال يبعد منزلى الشخصى عن المحكمة التى أعمل بها لكنى أتواجد بها 3 مرات أسبوعيا، ولدى أعمال أخرى أؤديها إلى جانب ذلك فأنا أقوم بالتدريس بمعهد الدروس القانونية ومنتدبة لدى وزارة الاستثمار.. ربما تكون حياتى صعبة لكن لا يمكن اعتبار ذلك سببا فى منعى من تولى الوظيفة أو نجاحى فيها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved