في ذكرى ميلادها مي زيادة وجبران.. قصة حب أثرت تفاصيلها الأدب العربي

آخر تحديث: الثلاثاء 12 فبراير 2019 - 4:06 م بتوقيت القاهرة

إنجي عبدالوهاب :

لم يحل بين ابنة الناصرة وبين اللغة العربية 9 لغات أعجمية تلقتها وأتقنتها، فبرعت في الأدب العربي وأثرته برواياتها، كما لم تحل قيود المكان ولا الزمان بينها وبين بلوغها مكانة كبيرة وسط أدباء جيلها كرائدة للأدب النسائي؛ ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة تخطو خطواتها الأولى نحو التحرر؛ كان للأديبة مي زيادة صالونًا أدبيًا يسعى لحضوره كبار أدباء جيلها.

وفي ذكرى ميلادها الـ33 بعد المائة الـشروق تستعرض ملامح من حياة الأديبة الناصرية مي زيادة وتسلط الضوء على رحلتها الأسطورية والأديب اللبناني جبران خليل جبران؛ التي تمخض عنها نتاج أدبي رسخ في أذهان محبي الأدب العربي:

عن الأديبة

"تحرر ذو طابع شرقي"، هكذا تميزت ابنة الناصرة؛ فماري إلياس التي اشتهرت باسمها الأدبي مي زيادة، ولدت في 11 فبراير عام 1886، بمدينة الناصرة الفلسطينية، لأم فلسطينية أرثوذكسية وأب لبناني، وانتقلت إلى لبنان لتلقي دراستها الثانوية، ثم إلى القاهرة لتلقي التعليم الجامعي بجامعة القاهرة أعرق الجامعات العربية آنذاك، فدرست الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة.

لم تحل جذورها الشرقية بينها وبين انتزاع مكانة لها بين كبار أدباء عصرها ففي عام 1917 وببلوغها سن الـ27 كان لها صالون أدبي أسبوعي، يعقد كل ثلاثاء، ويحضره، أعلام السياسة ورواد الأدب كـطه حسين وأحمد لطفي السيد، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران وعباس محمود العقاد.

مي وجبران

ذاع سيط الشرقية التي جمعت الرجال في صالون يحوي نقاشات مفتوحة في السياسة والثقافة والأدب، وأحبها بعض أدباء عصرها، بل وكتبوا لها قصائد، كمصطفى صادق الرافعي، وأحمد لطفي السيد، وعباس العقاد، لكن أجدًا منهم لم يتمكن من اجتذابها.

كيف أوقعها أدب جبران في حبه

انطلقت رسالة مي الأولى من القاهرة 1912 وهي في الـ26من عمرها، لتصل إلى جبران في أمريكا، مبديةً إعجابها بإنتاجه الأدبي، لكن مع تحفظها على نظرته للزواج، الذي كان يراه خضوعًا من المرأة للرجل، فبعث له روايته الرومانسية الشهيرة "الأجنحة المتكسرة" كأولى هداياه معربًا عن مبادلتها الإعجاب.

19 عامًا عبر الأثير

سعت الأديبة إلى مراسلة جبران كوسيلة لتطويرها فكريًا، وبمرور نحو 7 سنوات تحول الإعجاب الأدبي المتبادل بينهما إلى علاقة صداقة روحية، لم تنقطع خلالها المراسلات، وفي العام 1921 أرسلت مي لجبران صورتها تلبية لرغبته رؤيتها، فأعادها لها لوحة رسمها بالفحم، لتأخذ علاقتهما منحى آخر وتتحول رويدًا رويدًا إلى علاقة حب، دامت خلالها المراسلات بينهما استمرت نحو 19 عامًا حتى وفاته من دون أن يجمعهما لقاء واحد.

أثرت مي الأدب العربي بأشعار وروايات، كان أبرزها، بين المد والجزر وباحثة البادية، والمساواة، وغابة الحياة لكن رسائلها إلى جبران خليل جبران تعد أبرز ما رسخ في أذهان محبيها، حتى أن بعض الأدباء التاليين لهما كتبوا عن قصتهما.

لم تكن في بداية علاقتهما منطلقة في التعبير عن ذاتها فاتسمت لغتها بالحذر حين دعته للقدوم إلى القاهرة لكنها وصفته بـ"الصديق"؛ الأمر الذي دفعه للتساؤل قائلًا: أهو الخجل أم الكبرياء أم الاصطلاحات الاجتماعية"؟

دفعت مقارنة جبران، مي بالمرأة الغربية التي تنعم بحرية التعبير عن الذات من دون الاكتراث إلى الضغوط المجتمعية مي رويدًا إلى امتلاك القوة للتعبير عن حبها بشكل أكثر وضوحًا؛ بعد مرور نحو 12 عاما على علاقتهما، لم تفكر خلالها في الارتباط من غيره، رغم ما شاع عن علاقات جبران الغرامية بنساء الغرب كماري هاسكل، وميشلين، كما ورد في أحد رسائلهما المنشورة.

من مي إلى جبران 26 فبراير 1924

«"جبران.. لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة. ويفضلون أي غربة وأي شقاء (وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟) على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة.

ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب، أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير، الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟ وكيف أفرط فيه؟ لا أدري.

غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب.
تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة في اسم واحد: «جبران».

– من جبران إلى مي 26 فبراير 1924

نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة.

أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال: يا مي عيدك يوم، وأنت عيد الزمان

تقولين لي أنك تخافين الحب، لماذا تخفين يا صغيرتي؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مد البحر؟ أتخافين مجيء الربيع؟ لماذا يا ترى تخافين الحب؟

لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.

اسمعي يا ماري: أنا اليوم في سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معي في سجني حتى نخرج إلى نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟

لا بأس – على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب.

وسيكون لعيد ماري الأهمية الكبرى عندي. ستقولين لي (كل يوم يوم مولدي يا جبران).

وسأجيبك قائلاً: (نعم، وأنا أعيّد لك كل يوم، وكان لا بد من عيد خصوصي مرة كل سنة).

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved