فيديو.. النص الكامل لكلمة «السيسي» خلال لقائه مع قادة وضباط القوات المسلحة

آخر تحديث: الأحد 14 يوليه 2013 - 4:43 م بتوقيت القاهرة
حاتم الجهمي

وجه الفريق أول السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، رسالة إلى الشعب المصري، خلال لقائه عددا من قادة وضباط القوات المسلحة، حيث قال "مصر كلها تقف اليوم عند مفترق طرق، وأمامنا جميعا بتوفيق الله ورعايته أن نختار فليس هناك من يملك وصاية على المواطنين أو يملي عليهم أو يفرض مسارا أو فكرا لا يرتضونه بتجربتهم الإنسانية والحضارية، واستيعابهم للدور التاريخي الذي قام به وطنهم عبر العصور، وإسهامه الحي والحيوي في حركة التقدم، رغم كل العوائق والمطامع والمشاق والصعوبات التي قابلته واعترضت طريقه، وحاولت تعطيله.

نص الكلمة..

اختارت القوات المسلحة المصرية بكل أفرادها وقياداتها وبلا تحفظ أن يكونوا في خدمة شعبهم والتمكين لإرادته الحرة لكي يقرر ما يرى، لأن إرادته هي الحكمة الجماعية لعلاقته مع نفسه ومحيطه وعالمه وعصره، وأن القوات المسلحة المصرية عرفت وتأكدت وتصرفت تحت أمر الشعب وليست آمرة عليه، وفي خدمته وليست بعيدة عنه، وأنها تتلقى منه ولا تملي عليه.

 

إذا كانت الظروف قد فرضت على القوات المسلحة أن تقترب من العملية السياسية، فإنها فعلت ذلك لأن الشعب استدعاها وطلبها لمهمة أدرك بحسه وفكره، وبواقع الأحوال إن جيشه هو من يستطيع تعديل موازين مالت وحقائق غابت ومقاصد انحرفت، والقيادة العامة للقوات المسلحة لم تسع إلى هذه المهمة، ولا طلبتها، وكانت ولا تزال، وسوف تظل وفية لعقائدها ومبادئها مع شعبها، ملتزمة بدورها لا تتعداه ولا تتخطاه، فمكان القوات المسلحة في العالم الحديث واضح وجلي، وليس من حق أي طرف أن يدخل به إلى تعقيدات لا تتحملها طبائعه.

 

القوات المسلحة ومنذ الإشارة الأولى لثورة يناير 2011 عرفت مكانها، والتزمت بحدوده، رغم أن المشهد السياسي كله كان شديد الارتباك، سواء بسبب ما وقع للوطن في سنوات ما قبل الثورة أو ما صاحب الثورة نفسها من مناخ الحيرة والاضطراب، مما وقع للثورات في أوطان أخرى وفي أزمنة بعيدة وقريبة، وكانت ظواهر ذلك المناخ مفهومة ومقبولة. كما أن تفاعلاتها وإن بدت متجاوزة في بعض الأحيان، إلا أنها كانت تدعو إلى القلق والحذر في نفس الوقت، لكن الحقائق لم تكن ممكنة تجاهلها، وأهمها أن الاقتصاد المصري سواء بالمطامع أو بسوء الإدارة أو بعدم تقدير حقوق أجيال قادمة وصل إلى حالة من التردي تنذر بالخطر، وفي ذات اللحظة فإن الأحوال الاجتماعية والمعيشية لغالبية الشعب تعرضت لظلم فادح، بحيث وقعت توترات مجتمعية صاحبها سوء تقدير وسوء تصرف وسوء قرار، وقد تعثرت نوايا الإصلاح لأسباب متعددة ثم جرى أن المستوي الفكري والثقافي والفني الذي أعطى لمصر قوة النموذج في عالمها تأثر، وتراجعت مكانتها في إقليمها، وتراجع بالتالي دورها في مجتمع الدول.

 

لست أريد أن أتوقف طويلا أمام الماضي، وأوثر أن أقارب الحاضر والمستقبل؛ لأن ذلك ما نستطيع أن نختار فيه ونتصرف علي أساسه بما يريده الشعب وما يطلبه، وهنا فإن قوي هذا الشعب كافة، تقف الآن عند مفترق طرق. لقد ثارت قوي الشعب في يناير 2011 ثم وجدت أن ما وصلت إليه الثورة لا يتناسب مع ما قصدته وسعت نحوه، وفي أبسط الأحوال إنها اعتبرت أن آمالها أحبطت وأن مقاصدها انحرفت، وأن رؤاها للمستقبل نزلت عليها عتمة وظلمة لا تقبلها طبائع عصور التنوير والمعرفة والكفاءة.

وفي كل هذه الأحوال فإن القوات المسلحة كانت تتابع موزعة بين اعتبارين، الأول اعتبار دورها الذي قبلته وارتضته والتزمت به، وهو البعد عن السياسة، والثاني اعتبار القرب من المسئولية الوطنية، سواء بالمبدأ أو بخشية أن تفاجئها ضرورات القرار السياسي في يد من يملك السلطة، يكلفها بمهام لا تتوافق مع ولائها لشعبها وحقه وحدة في توجيهها وتحديد موقعها.

 

وعندما وقعت انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة وجاءت إلي السلطة بفصيل سياسي وبرئيس يمثله، فإن القوات المسلحة رضيت مخلصة بما ارتضاه الشعب، مخلصا، ثم راح القرار السياسي يتعثر، واعتبرت القوات المسلحة أن أي تصويب أو تعديل ليس له إلا مصدر واحد وهو شرعية الشعب لأنه من يملك هذا القرار.

 

وبرغم ذلك فإن القوات المسلحة ممثلة في قيادتها وجدت أن عليها واجب النصيحة تقدمها بمقتضيات الأمانة الوطنية، وقد فعلت، ولست أرضى أن أكرر عدد المرات التي أبدت فيها قيادة القوات المسلحة رأيها في بعض السياسات وفي كثير من القرارات، ولست أريد أن أعدد المناسبات التي أبدت فيها تحفظها على الكثير من التصرفات والإجراءات مما فوجئت به.

 

وفي كل الأحوال فإنها ظلت ملتزمة بما اعتبرته شرعية الصندوق، رغم أن هذه الشرعية راحت تتحرك بما تبدي متعارضا لأساس هذه الشرعية وأصلها وأساسها، وأصلها أن الشرعية في يد الشعب يملك وحده أن يعطيها، ويملك أن يراجع من أعطاها له، ويملك أن يسحبها منه إذا تجلت إرادته، بحيث لا تقبل شبهة ولا شكاً.

 

ولقد آثرت القوات المسلحة وهي تختار أن تترك الفرصة للقوي السياسية كي تتحمل مسئوليتها، وتتفاهم وتتوافق؛ لكي لا يقع الوطن في هوة استقطاب سياسي تستخدم فيها أدوات الدولة ضد فكرة الدولة، وبالتعارض والتراضي العام الذي يقوم عليه بنيانها، فإن الأطراف المعنية عجزت رغم فرصة أتيحت لها، وأجل إضافي أفسح لها مجال الفرصة، لم تستطع أن تحقق الوعد والأمل ومنذ اللحظات الأولى للأزمة.

 

وقبل أن تقوم القوات المسلحة بتقديم بيانها الذي طرحت فيه خارطة المستقبل، فإن القيادة العامة للقوات المسلحة أبدت رغبتها في أن تقوم الرئاسة نفسها بعملية الاحتكام إلى الشعب، وإجراء استفتاء يحدد به الشعب مطالبه ويُعلي كلمته، وقد أرسلت إلى الرئيس السابق محمد مرسي مبعوثين برسالة واحدة واضحة، ومن بين المبعوثين رئيس وزرائه وقانوني مشهود له وموثوق فيه، برجاء أن يقوم بنفسه بدعوة الناخبين إلي استفتاء عام يؤكد أو ينفي، وقد جاءها الرد بالرفض المطلق، وعندما تجلت إرادة الشعب بلا شبهة ولا شك ووقع محظور أن تستخدم أدوات حماية الشرعية، بما فيها فكرة الدولة ذاتها ضد مصدر الشرعية، فإن الشعب، وبهذا الخروج العظيم، رفع أى شبهة وأسقط أى شك.

 

ولأن الشعب الذى قلق من أن تستخدم فكرة الدولة وأدواتها ضد حقوق الشعب وآماله فإن القوات المسلحة كان عليها أن تختار، وفى الحقيقة فإن مساحة الاستقطاب وعمقه ومخاطره إلى جانب عجز أطرافه عن الإمساك بمسؤولياتهم، فرض على الجميع ما لم يكن الجميع مهيأ له أو جاهزا لتبعاته، وهكذا التزمت القوات المسلحة بهدف واحد، وهو أن تؤكد شرعية الشعب، وأن تساعده على استعادة الحق إلى صاحبه الأصيل بامتلاك الاختيار والقرار، وهكذا وقفنا- الشعب بكافة طبقاته وطوائفه وكل رجاله ونسائه وبالتحديد شبابه، والجيش الذى يملكه الشعب، وفكرة الدولة وجهازها، وأطراف العمل السياسى وفصائلها وطلائع الفكر والثقافة والفن- وقفوا جميعا على مفترق طرق جديدة وأمام ضرورة الاختيار والقرار مرة أخرى، وفى ظروف شديدة الصعوبة والتعقيد، وكلها مما لا يحتمل الخطأ أو سوء التصرف مهما كانت الأعذار.

 

إن القوات المسلحة تصورت أن تكمل اقترابها من ساحة العمل الوطنى وليس السياسى، فطرحت خريطة مستقبل قد تساعد على ممارسة حق الاختيار الحر، وكانت هذه الخريطة التي تشرفت بعرضها أمام الشعب، ووسط حضور ممثلين لقواه، وخصوصا الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، مجرد إطار مقترح لطريق آمن للخروج من المأزق ولمواجهة المسئوليات الكبرى المطلوبة للمستقبل، وهى لسوء الحظ ثقيلة ومرهقة وخطرة أيضا، لكنها جميعا مما يتحتم مواجهته وقبول تحديه والنزول على مسئولية مواجهته بجسارة وكفاءة وأمل.

 

وقد تمثلت خطوات خريطة المستقبل في إجراءات تكفل حيدة السلطة فى انتداب رئيس المحكمة الدستورية العليا فى القيام بمهام رئاسة الدولة خلال ممارسة حق الاختيار والقرار للشعب- وللشعب أولا وأخيرا.. إن كل قوى الوطن لا تريد الصدام أو العنف، بل تدعو إلى البعد عنهما، وأن تدرك كل القوى بغير استثناء وبغير إقصاء أن الفرصة متاحة لكافة أطراف العمل السياسي ولأي تيار فكري أن يتقدم للمشاركة بكل ما يقدر عليه من أجل وطن هو ملك وحق ومستقبل الجميع.

 

إن العالم العربى المحيط بمصر والعالم الأوسع الذي يتابع حركاتها والقوى الدولية العارفة بأزمتها تقف مبهورة أمام ما قامت به قوى الشعب المصري، وبخاصة شبابها، في إعطاء نفسه حق الاختيار من جديد وحق القرار لا يخرج من يده وحق المستقبل يصنعه برشده وبجهده وبرضا الله وبتوفيقه.

 

إن مصر كلها راضية باهتمام العالم بما يجري فيها، وهي تريد هذا الاهتمام وتطلبه، وهي تنادي أمتها العربية أن تطمئن إلى أن مصر حاضرها، حيث تتوقع الأمة أن تراها، وتنادي قوى العالم الكبرى أن تعرف وتثق في أن مصر موجودة دائما في صف الحرية والعدل والتقدم طالبة لعلاقات وثيقة راغبة في سلام، تعرف أنها في أمانة تستطيع أن تبني مستقبلاّ، وتنادي جميع شعوب الدنيا وبالذات في آسيا وأفريقيا أن تثق في أن مصر قائمة بدورها، لا تتخلف عنه، ولا تتراجع في مسئوليتها نحو مجتمع الأمم والثقافات، مدركة أنها حضارة إنسانية واحدة، وإن تنوعت مصادرها وتعددت ينابيعها.

 

إن شعب مصر يدرك بعمق لا حدود له وبمسئولية نابعة من مواريث وطموحات عزيزة أنه أمام مفترق طرق وموقف اختيار وقرار ومسار لابد له أن يعود ليسهم في حركة التاريخ من جديد، كتب الله لتوفيق لشعب مصر وجيشه، ورعى خطاه، وألهم اختياره الحر؛ لأن العبء جسيم والمخاطر كامنة وحادة والخروج من المأزق والأزمة وتحقيق الأمل أكثر من مطلوب وأكثر من قريب؛ لأنه مصير وحياة.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved