هجمات باريس: نمط جديد من الارهاب

آخر تحديث: السبت 14 نوفمبر 2015 - 8:43 م بتوقيت القاهرة

عقب الهجوم الذي استهدف ادارة مجلة "تشارلي أيبدو" الساخرة في كانون الثاني / يناير الماضي، كان الباريسيون يتساءلون عما اذا كانت مدينتهم مدينة أمينة، ولكن في أعماقهم لم يكونوا يشعرون بأنهم يواجهون خطرا جديا.

ربما اعتقدوا آنئذ أن الاهداف التي اختارها المهاجمون لا تتعدى رسامي كاريكاتير مشاغبين ويهود، وفيما تظاهر الآلاف في يناير تضامنا مع الضحايا، لم يشعروا بخوف حقيقي.

ولكن الأمر مختلف اليوم، فهجمات ليلة الجمعة تؤذن بوصول الشرق الأوسط الى قلب القارة الأوروبية.

كانت هذه الهجمات من الوحشية والسعة والعشوائية التي ارتبطت في اذهان الباريسيين خصوصا والاوروبيين عموما ببيروت أو بغداد، وليس بباريس ولندن.

لا اجابات سهلة

ففي العواصم الغربية - رغم ترددنا في الاعتراف بذلك - كان الارهاب في السابق محدد الاهداف الى حد ما.

فنحن الغربيون كنا ننظر الى الارهابيين بوصفهم اناسا لهم مطالب سياسية محددة وضمائر تسيرها بوصلات اخلاقية من نوع ما.

لذا فالذين كانوا يقتلون في الهجمات في الماضي كانوا على العموم ينتمون لفئات معينة ومعروفة، مع بعض عابري السبيل من عاثري الحظ.

ولكن نمط الارهاب الجديد الذي شهدته باريس الليلة البارحة يبدو ضخما وعدميا ومحبا للموت.

فقتل الآخرين لم يعد بعد اليوم نتيجة عارضة للسعي نحو تحقيق هدف سياسي ما، بل، وحسب تفكير منفذيه، غدا جزءا من خطة كبيرة أمر بتنفيذها الرب ستجلب لهم المجد الأزلي.

وليس هناك من طريقة للرد على هذا المفهوم، ولا طريقة يسيرة للتصدي لهذا النمط من التفكير. ولا تستطيع مجتمعاتنا فعل الكثير لوقف هذه الهجمات لأن كل ما تحتاجه هو عدد من الشباب المؤمنين بهذه الافكار وبضعة قطع من السلاح.

ولهذا يشعر سكان مدننا اليوم - وللمرة الأولى - برعب حقيقي.

تضامن ؟

تشعر الأم بقلق ازاء ابنها المراهق. ربما ينبغي عليه الكف عن ارتياد البارات. اما الزوج، فيشعر بقلق عندما تتأخر زوجته في العودة الى البيت بعد العمل.

بملايين الطرق الصغيرة والتافهة، يتغير سلوكنا. فثمة دعوات لأن يحمل رجال الشرطة الاسلحة حتى خارج اوقات واجباتهم.

هل هذه هي سمات المرحلة المقبلة ؟ مجتمع مرعوب يحمل السلاح في كل وقت ؟

هذا بالضبط هو الذي يريده الذين نفذوا هجمات الأمس.

فهدف هؤلاء الأسمى هو زيادة طغيان الدولة. وبعد ذلك، سيحاولون تنفيذ هجوم آخر يثبتون من خلاله ضعف الدولة. وفي غضون ذلك، يواصل اليمين المتطرف صعوده.

وهذا هو هدف آخر للارهابيين، إذ لن يسعد "داعش" اكثر من تولي مارين لو بان (زعيمة الجبهة الوطنية) السلطة وانهيار المجتمع الفرنسي وتحوله الى فئات تحارب بعضها البعض.

أعقبت الهجوم على "تشارلي" موجة كبيرة من العواطف تكللت بالمظاهرة المليونية التي شهدها ميدان الجمهورية في باريس.

وكان الغرض من المظاهرة هو التعبير عن "التضامن" بمؤازرة الضحايا وذويهم.

وقد تشهد الأيام المقبلة ايضا تعبيرات عن العواطف الجمعية، ولكن البعض سيقولون إن تعبير "التضامن" لم يعد ذا معنى.

فاليوم، الجميع ضحايا، وكيف يتسنى لك التعبير عن "التضامن" مع نفسك ؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved