في الذكرى 47 لتجلسيه.. كمال زاخر يكتب: البابا شنودة ولحظات فارقة

آخر تحديث: الخميس 15 نوفمبر 2018 - 2:50 م بتوقيت القاهرة

أزعم اننى اقتربت بقدر من شخص وشخصية قداسة البابا شنودة الثالث عبر دوائر متعددة، اقتراب لم يذهب إلى الاستغراق، ولم يخرج إلى التربص، تدرج من الانبهار إلى طرح التساؤلات، ترجمته فى العديد من المقالات، ورصدت بعضه فى صفحات كتابي "العلمانيون والكنيسة" عام 2009، ثم كتاب "قراءة فى واقعنا الكنسي" عام 2015، وكان من تداعياته سلسلة مؤتمرات التيار العلماني القبطي 2006 ـ 2010.
ومع الأيام تزداد قناعتي بأن هذا الرجل لم يكتشف بعد، شأنه شأن كل الشخصيات التى كان لها حضورًا فاعلًا فى تاريخ الوطن، ربما يتأخر التحليل الموضوعي والهادئ بفعل طبيعة المرحلة التى حضروا فيها، والتفاعلات الحادة التى تميزها، والتى يسيطر عليها الانفعال والانحيازات المتباينة، والقراءات المتعددة للحدث الواحد، لذلك يتعاظم دور شهادات المعاصرين لها والمشاركين فيها.
وقد توقفت كثيرًا أمام لحظة دخول نظير جيد ـ قداسة البابا شنودة فيما بعد ـ الدير قاصدًا الرهبنة فى غضون عام 1954، والتى تزامنت مع ملاحقة البوليس السياسي لجماعة الأمة القبطية، عقب تقدمها بمذكرة للجنة وضع دستور جديد للبلاد برئاسة الفقيه الدستوري الفذ عبد الرزاق السنهوري، والتى تضمنت رؤية لوضع الأقباط حينها وتطلعاتهم وحقوقهم، والتى لم تجد قبولًا لدى السلطة الحاكمة.
ولم يكن نظير جيد عضوًا بتلك الجماعة، لكنه استوعب درسها، ويأتي دخوله للرهبنة غير بعيد عن خبرة جماعة مدارس الأحد التى كانت تدعو لتصحيح مسار الكنيسة بالعودة إلى القواعد المؤسسة والالتزام بقوانين الآباء، وكان نظير جيد الدينامو المحرك لها.
لكنه اصطدم بالكنيسة العميقة التى ترفض أن يكون للعلمانيين دور فى ادارة شؤونها، عندما اجتمعت إرادة مدارس الأحد على الدفع بمؤسسها حبيب جرجس للرسامة مطرانًا للجيزة، 1948، لكنها واجهت اصطفافًا لا يلين للمجمع المقدس يرفض هذا الترشح ويصر على قصر الاختيار على الرهبان لتشتعل صفحات مجلة مدارس الأحد بمقالات نارية، محتشدة بالأسانيد والدفوع الكتابية والتاريخية التى تدعم ترشح علماني لموقع الأسقفية بل والبطريركية أيضًا.
ويبقى السؤال هل ثمة علاقة بين فشل محاولتي دفع الكنيسة للتصحيح رغم تباينها، سواء تجربة فرض رؤية جماعة الأمة القبطية عنوة فيما عرف باختطاف البابا يوساب الثاني، عشية احتفالات الذكرى الثانية لثورة يوليو 1954، أو قبلها المطالبة بإعمال القانون الكنسي 1948، وبين الولوج فى طريق الرهبنة "الحل الثالث" المبنى على أن الرهبنة باب التغيير الرسمى الوحيد، وهل أدرك الشاب نظير جيد مبكرًا أن ترجمة رؤيته ورفاقه فى إصلاح الكنيسة لن تتحقق إلا من خلال الرهبنة؟، والتى وجدت هوى يتفق وميله للنسك والزهد فى العالم كما عبر فى تجاربه الشعرية، أسئلة تنتظر أبحاث المؤرخين.

------------
* الكاتب: مؤسس التيار العلماني القبطي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved