هشام مطر لمجلة «إنترناتسيونالى» الإيطالية: بعد سقوط نظام القذافى كنت مقتنعًا بأن حياتى ككاتب انتهت

آخر تحديث: الثلاثاء 18 أبريل 2017 - 10:42 م بتوقيت القاهرة

كتبت - مروة محمد:

- الروائى الليبى: بداية رواية «العودة» كانت مجرد طلب من مجلة «نيويوركر» للكتابة عن تجربة عودتى إلى ليبيا
كشف الكاتب والروائى الليبى هشام مطر كواليس كتابة روايته «العودة» الحائزة على جائزة «البوليتزر» الأمريكية المرموقة لعام 2017، موضحا أن فكرة الرواية جاءته إثر تلقيه طلبا من مجلة «نيويوركر» الأمريكية للكتابة عن عودته إلى بلاده بعد أكثر من 3 عقود قضاها فى الخارج، غير أنه لم يبد أى رد، ظنا منه حينها أن حياته ككاتب قد توقفت.

وقال مطر فى مقابلة مع مجلة «إنترناتسيونالى» الإيطالية الأسبوعية بعد فوزه بالجائزة إن «مجلة نيويوركر كانت قد طلبت منه كتابة جزء عن عودته إلى بلاده ليبيا، ولكنه لم يكن يعلم ماذا يفعل فى هذا الأمر، ذلك أنه حين عاد إلى ليبيا كان قد توقف عن الكتابة لمدة ثلاثة شهور».

وأضاف مطر: «لم أكتب ولا حتى خطابا.. لم أكتب شيئا.. كنت مقتنعا بأن حياتى ككاتب قد انتهت.. ولكن بعد طلب المجلة منى الكتابة، أخذت بعد ذلك أول جملتين من أفكارى، هما أيضا أول جملتين من كتابى (العودة).. ببساطة شديدة أنه سجل يتحدث عنى.. مع من أكون وفى أى وقت؟..لا شىء آخر».

وتابع: «ثم فكرت: كيف ستكون الجملة القادمة؟ إنها المساحة التى يجب فيها أن تكون مخلصا للأحداث، ولكن فى نفس الوقت عليك أن تفسح الطريق للخيال، حتى تهب لهذه التفاصيل الحياة».

وبسؤاله عن والده جاب الله مطر وما حدث له، قال الروائى الليبى إن «والدى كان قائدا لحركة منشقة فى ليبيا..كان يحلم بليبيا مختلفة جدا عن ليبيا القائمة، كانت رؤية مختلفة تماما عن الواقع، وبالتالى كان هناك صدام واضح بين رؤيته والواقع».

وأضاف: «بعد عامين من اختفائه، تلقينا خطابا مكتوبا بخط يده من سجن أبو سالم، وهو سجن شهير جدا كانوا يعتقلون فيه السجناء السياسيين فى العاصمة طرابلس.. أطلقوا على الخطاب اسم (المحطة الأخيرة)»..، مشيرا إلى أن «الخطاب كان يحكى بالتفصيل ما حدث خلال 24 ساعة.. تحفظوا على منزله ووضعوه فى طائرة متجهة إلى طرابلس».
وتابع: «كان خطابا غير عادى، لقد أشرت إليه فى كتابى.. إنها وثيقة لا تصدق.. كان أبى حاضرا بداخلها بكل تفاصيله: معرفته، دعابته، إرادته، يأسه، كل شىء عنه».
وبسؤاله عما حدث فى يونيو 1996، قال مطر: «إنه اليوم الذى أعدمت فيه السلطات نحو 1270 سجينا سياسيا..فى يوم واحد فقط جمعتهم وأطلقت عليهم النار فى ساحة السجن.. هناك إمكانية أن يكون أبى واحدا منهم»، مضيفا: «فى اليوم الذى تم فيه إعدام هؤلاء السجناء كتبت مقالا صغيرا فى مفكرتى».
وذكر الروائى الليبى شفاهة وبدقة نص ما كتبه، قائلا: «لم أتمكن من الاستيقاظ قبل الظهر..لا يجب على أن أتحدث عن المشكلات المادية بعد الآن..أعتقد أننى سأعود للمتحف الوطنى، يمكننى إذن الاطلاع على لوحة إعدام الامبراطور ماكسيمليان (سلسلة من اللوحات بريشة الفنان الفرنسى إدوار مانيه تصور الاعدام رميا بالرصاص للامبراطور ماكسميليان حاكم الامبراطورية المكسيكية الثانية)».
وأضاف: «كان علينا إذن اختيار لوحة من المتحف الوطنى، إذا دخلنا المتحف فى تلك اللحظة، سنجد اللوحه اللتى تعبر بدقة عن حقيقة مذبحة سجن أبو سالم.. استحالة التعرف على أسماء القتلى..كل أجزاء التاريخ الناقصة.. سنختار لوحه إعدام ماكسيمليان.. إنها تجسيد للإعدام السياسى.. ولكنها أيضا لوحة تم اقتطاعها بعد وفاة مانيه حتى تحصل على مبيعات أكثر».
وعن شعوره بعد عودته إلى ليبيا عام 2011، قال مطر: «تجربتى (العودة) هى نوع من عدم اليقين، قادنى إلى أن أسأل نفسى، هل من الممكن أن أعود لشىء ما؟..فى الحقيقة الضوء فى ليبيا رائع، كنت دائما على اعتقاد أن كل بحر مع أنه جميل، فهو نوع من الخيال..البحر الحقيقى الوحيد كان البحر المتوسط فى فترة طفولتى، لا يوجد بحر غيره بالنسبة لى».
وأضاف: «قاومت دائما هذه المشاعر، ولكن عندما كنت هناك ألاحظ على الأقل أن الضوء لا يصدق..كان للضوء مظهر مادى، كأنه مثل الأشياء الملموسة..عند المشى من الظل إلى النور تشعر وكأنك داخل شىء مادى!».
وتطرق الروائى الليبى خلال المقابلة مع مجلة «إنترناتسيونالى» إلى الاستعمار الإيطالى فى ليبيا، قائلا: «نشأت ولدى وعى عميق بالأضرار التى أحدثها الاستعمار الإيطالى فى ليبيا.. ليس فقط مع وصول موسولينى و جراتسيانى (المسئول العسكرى الإيطالى الذى قاد القوات الإيطالية فى أفريقيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية)، ولكن من قبل ذلك».
وأضاف: «أنا أتحدث عما فعله الإيطاليون فى طرابلس خلال الفترة من 1911 حتى 1915..أتحدث عن ذلك فى كتابى..أتحدث عن اللامبالاة الغريبة التى يبديها الإيطاليون فيما يخص جزءا مهما من التاريخ.. إنه إحساس سيىء للغاية».
وتابع: «إذا كنت مهتما بالتزام صادق فى الوقت الحاضر، إذا كنت مهتما بما تعنيه كلمة إنسان فى الوقت الحاضر، سواء كنت إيطاليا أو ليبيا، عليك أن تواجة هذه القصة رغما عنك»...
ومضى قائلا: «إيطاليا كانت تعتبر ليبيا امتدادا لأراضيها الجنوبية، لذا قامت الحكومة بمنح الأراضى لجزء من السكان فى الجنوب، لاسيما المزارعين الفقراء، وحاولت القيام بالتطهير العرقى للسكان العرب، ما نتج عنه القضاء على نحو 45% من سكان برقة ونسبة كبيرة من الماشية، فى بلد كانت الماشية مصدر رزقه الأول».
وحول ما إذا كان يصنف نفسه «كاتبا ملتزما»، أجاب مطر: «لا.. لأنه إذا حاولت استخدامها (الكتابة) من أجل شى محدد، سيجعلك الأدب محطا للسخرية.. أنا مخلص لعملى فقط، أريد أن أكون حرا بقدر الإمكان».
وأضاف مطر: «أنا لا أثقل كاهلى بأى التزام.. قد يبدو غريبا أن أتحدث كثيرا عن ليبيا.. قد يظن البعض أنى كاتب ملتزم يخضع لما عليه من التزامات، ولكنى لم أكن كذلك أبدا.. لا أحد يستطيع أن يمارس الأدب تحت وطأة التزام ما!».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved