وكيل الأزهر: الإسلام خاض حروبا ضروسا كان أشدها التطرف والغلو في الفكر

آخر تحديث: الأحد 18 ديسمبر 2016 - 3:42 م بتوقيت القاهرة

كتب: خالد موسي

قال عباس شومان وكيل الأزهر، إن "الإسلام خاض حروبا ضروسا اختلفت مسمياتها وأشكالها إلا أن التطرف والغلو في الفكر كان أشدها، واتخذ الغلاة والمتطرفين في ذلك طريقين متناقضان، أحدهما يقف في صف العداء المعلن للإسلام والتعصب ضده، والثاني يمثله بعض المسلمين الذين يقودهم الحرص المفرط، والتعصب الأعمى إلى حمل أفكار تضر الإسلام أكثر مما تنفعه، وتجر عليه الويلات الجسام، جراء الانغلاق، وقصر النظر، وضيق الأفق".

وطالب شومان، خلال كلمته في افتتاح الملتقي الثالث لمنتدي تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، اليوم الأحد، أن يقف علماء الأمة وقفة قوية لمواجهة هذه التيارات؛ لأنهم يحملون على عواتقهم مسؤولية كبيرة تجاه التصدي للغلو والتطرف، من منطلق الأمانة التي يحملونها، فالذين يعملون لا يستوون مع غيرهم، والطامة الكبرى تقع إذا انخرط بعض العلماء في بوتقة المغالين والمتطرفين، سواء في الدعوة وأساليبها أم في الفتوى وتداعياتها.

كما شدد على ضرورة التزام علماء الأمة ودعاتها بالمنهج الوسطي في شؤون حياتهم كلها، "فلا إفراط ولا تفريط، فيجب عليهم أن يبرزوا مبادئ الإسلام وخصائصه وسماته؛ فغياب الوسطية والصبر والحلم في الدعوة إلى الله، واستخدام الأساليب الحكيمة فيها من أهم أسباب انتشار الغلو والتطرف في المجتمعات".

وأشار إلى أن "بيان مبدأ اليسر والسماحة في الإسلام من أهم الأمور التي تعالج ظاهرة الغلو والتطرف، ولا بد من تضافر جهود المسلمين جميعًا على مختلف مراكزهم ومسؤولياتهم، وبخاصة العلماء منهم على محاربة الغلو والتطرف بالتحذير الدائم منه، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يحملها المتطرفون، ويظنون أنهم يحسنون صنعًا بالعمل وفقها، ولا بد من إعلان المواقف الواضحة ضد التطرف والغلو إلى جانب المطالبة برفع الظلم والقهر عن الناس؛ لأنهما من أبرز مسببات تلويث البيئة بالغلو والتطرف".

كما أكد وكيل الأزهر، أن "أيامنا هذه نجمت فيها ناجمة شر وبادرة فساد تجلت في شرذمة غير قليلة من أناس قلَّ في الدين فهمهم، وعَظُم في مجتمعات المسلمين أذاهم؛ فراحوا يسفكون دماء الأبرياء، ويروِّعون قلوب الآمنين، وباتوا يعتدون على حرمات الله في الأموال والأعراض والحريات، ودلَّسوا على الناس ولبَّسوا عليهم الكثير من المفاهيم المغلوطة محاولين من خلالها الترويج لأفكارهم المسمومة متخذين من استقطاب الشباب في أنحاء العالم وسيلة لأهدافهم الخبيثة".

وتابع: "من هذه المفاهيم المغلوطة التي لبَّسوها على الناس، مفهوم الخلافة؛ حيث يزعم هؤلاء المدَّعون أن الحكم الذي ينبغي أن يعترف به الناس دون سواه هو ما يكون على غرار الخلافة الإسلامية التي سادت في عصور تاريخية سابقة، وأن علينا أن نثور على الأنظمة السائدة في مجتمعاتنا الإسلامية في هذا العصر لنسقطها ونعيد نظام الحكم الإسلامي الأوحد في زعمهم، وهو نظام الخلافة".

وقال وكيل الأزهر، في كلمته: "لقد أثبتت أفعال هؤلاء الأفاكين وأقوالهم أن ما يزعمونه ليس إحياء لدولة الخلافة، ولكنه حيلة لاستقطاب الشباب من كل أنحاء العالم؛ حيث يقدمون لهم الإغراءات التي تجعلهم وقودًا لنار مستعرة من أجل الاستيلاء على الأموال والثروات باسم الإسلام وباسم الخلافة التي يدَّعونها، ومن أجل تكريس هذه الدعوى الباطلة حكموا على كل من يخالفهم بأنهم كفار مرتدون؛ لأنهم لم يبايعوا الخليفة الذي يدينون له بالولاء والطاعة العمياء ويخضعون لسلطانه المزعوم، ومن ثم كانت دماء مخالفيهم وأموالهم حلالًا لهم".

وأوضح أنه "لا يخفى على المتفقهين فضلًا عن الفقهاء أن كل هذا ضرب من الهذيان، وتمسك بخيوط هي أوهى من بيت العنكبوت؛ فلا حجة لدى هؤلاء المدَّعين من كتاب أو سنة أو منطق صحيح، وإنما هو الهوى والسعي في مسالك الشيطان والعياذ بالله تعالى؛ ذلك أن الخلافة رمز للسير على منهاج النبوة العادلة، فمن خرج عن منهاج النبوة وسفك الدماء، واستحل أموال الناس بغير حق، واسترق الرجال وسبى النساء، فلا يصح أن يُسمع له في دعواه؛ لأن الدعوى التي لا توافق مقتضى الشرع ومتطلبات الواقع ومستجداته دعوى باطلة لا تستند إلى أركان، وقديمًا جهر المنافقون بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لما كانت شهادتهم مخالفة لمقتضى الإيمان نعتهم الله عز وجل بالكذب، فقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ".

واختمم كلمته، بقوله: "لقد أخذت الخلافة أو الإمامة في الدولة الإسلامية قدرًا كبيرًا من اهتمام الأمة قلَّ أن حظيت بمثله مسألة من المسائل، فكان من نتاج ذلك أن حدث نزاع فكري وسياسي حاد بين طوائف الأمة الإسلامية المختلفة, كان محوره الهوية الدينية للدولة المسلمة، ولا شك أن الهوية الدينية في الإسلام لا يحددها النظام السياسي السائد، بل يحددها المسلمون من خلال عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم، ونظام الحكم في الدولة الإسلامية هو النظام الذي تتوافق أكثرية المسلمين على الاحتكام إليه والولاء له، وتُستمد شرعيته - كما في سائر نُظم العالم - من هذه الأكثرية، وفي الأنظمة التي سادت في ديار الكثرة الإسلامية في الأزمنة المعاصرة جرى الإجماع على الاحتكام إلى المواطنة التي تعني التساوي في الحقوق والواجبات، ومنها الحق في اختيار الحاكم بالانتخاب الحر المباشر، فلا يوجد في الإسلام ما يوجِب نظامَ حكمٍ معينًا، وإنما الواجب أن تكون الدولة المسلمة ملتزمة بتطبيق شرع الله عز وجل".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved