بالصور.. محطات تاريخ القضاء الإداري وإشكاليات قصور التشريعات في مؤتمر «مجلس الدولة» بالجامعة الأمريكية

آخر تحديث: الخميس 20 أبريل 2017 - 4:50 م بتوقيت القاهرة

كتب- محمد نابليون:

نظمت وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية، أمس الأول، مؤتمرها العلمي السنوي الثاني، بالتعاون مع مجلس الدولة تحت عنوان "دور مجلس الدولة في حماية الحقوق والحريات خلال المرحلة الانتقالية"، وذلك بمقر الجامعة الأمريكية بميدان التحرير.

وألقيت في بداية المؤتمر كلمات ترحيب من كل من السفير فرانسيس ريتشاردوني، رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والمستشار محمد مسعود، رئيس مجلس الدولة، والدكتور عمرو سلامة مستشار الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذي أكد أن الجامعة تطلع لمزيد من التعاون مع مجلس الدولة باعتباره جهة قضائية حامية للحقوق والحريات، وأنه كمواطن مصري يشعر بالاطمئنان في ظل الوجود القوي لمثل هذه المؤسسة القضائية الراسخة، وألقت الدكتورة لمياء بلبل المدير التنفيذي لوحدة أبحاث القانون والمجتمع كلمة استعرضت فيها صور التعاون العلمي بين الجانبين.

وبدأت فعاليات المؤتمر بعرض المستشار يحيى دكروري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، لورقة بحثية أعدها حول نشأة مجلس الدولة وتطور اختصاصاته، والتي ميّز خلالها بين أقسام مجلس الدولة القضائية والإفتائية والتشريعية، موضحاً اختصاصات كلاً منها وتطورها بتطور الوثائق الدستورية على مدار قرن من الزمان، وشدد على أن أحكام مجلس الدولة المصري باتت لا تقل أهمية عن أحكام نظيره الفرنسي بل تفوقت عليه في كثير من الأحيان.

وأضاف دكروري أن القاضي الإداري يجب أن يكون سباقاً في ابتداع قواعد جديدة في إطار الدستور والحريات والحقوق الأساسية ليضمن للمواطن البسيط حقه في المنازعات التي تثور بينه وبين الدولة، مشيراً إلى أن هذه القواعد في أحيان كثيرة تأخذ بها السلطة التشريعية فيما بعد وتحولها إلى قوانين أو لوائح، لما في ذلك من تحقيق للمصلحة العامة.

وفي ثاني جلسات المؤتمر التي أدارها الدكتور عمرو عبدالرحمن، أستاذ القانون بالجامعة الأمريكية، ألقى المستشار أحمد أبو العزم، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، محاضرة حول دور قسم التشريع في صياغة ومراجعة ما يعرض عليه من تشريعات، في ظل الالتزام الوارد بالمادة ١٩٠ من الدستور على الجهات التشريعية بعرض جميع مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية على القسم لمراجعتها وضبط صياغتها.

وأشار أبو العزم إلى أن دور قسم التشريع لا يقتصر على ضبط صياغة ما يعرض عليه من مشروعات فقط، وإنما يراجعها من حيث مدى اتفاقها مع مواد الدستور والأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا والتشريعات السارية، لافتا إلى أن أعضاء قسم التشريع اكتسبوا خبرة التمرس والعمل تجعلهم الأقدر على صياغة وإعداد التشريعات، منوها إلى أن هناك اتجاها داخل قسم التشريع لتفعيل دور قسم التشريع المنصوص عليه بلائحة مجلس الدولة خلال الفترة المقبلة، ذلك الدور المتعلق بإعداد تقرير حول مشروعات القوانين اللازم صدورها لعرضه على رئيس الجمهورية.

وفي الجلسة الثالثة التي أدارها الباحث القانوني أحمد حسام، عرض المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة رئيس دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، ملخصاً لورقة بحثية أعدها بعنوان " تكوين القاضي الإداري"، أكد خلالها أن تكوين القاضي الإداري يختلف عن تكوين أقرانه من القضاة، باعتبار أن القضاء الإداري في الأصل هو قضاء إنشائي ‏يبتدع المبادئ القانونية ويطبقها، ومن ثم فإن ذلك يلقي على عاتق القاضي الإدارية مسئولية الاطلاع والمعرفة الدائمة سواء بالمجالات العامة أو بصحيح حكم القانون.

وأكد الشاذلي ضرورة أن يتحلى القاضي الإداري بما أسمه مفهوم "جرأة التصدي" لما يُعرض عليه من دعاوى فيضع ما يراه مناسبا من مبادئ قضائية ويقارنه بما سبق إرسائه من مبادئ، دون أن يتسم أداؤه بالشطط والخروج عن المألوف.

وذكر الشاذلي خلال كلمته أمثلة كثيرة لأحكام مجلس الدولة التي تصمنت مبادئ قضائية جديدة انتصرت خلالها للحقوق والحريات، لافتاً إلى أنه من بين تلك الأحكام ما حولته الجهات الإدارية لقرارات تشريعية، ضارباً المثل بالأحكام التي أصدرتها محاكم مجلس الدولة بتنظيم الإفراج الشرطي لبعض المحبوسين، مؤكداً أنه قبل عام 2002 كانت وزارة الداخلية تعتبر مسألة الإفراج الشرطي سلطة مطلقة بيد وزير الداخلية يطبقها على من يشاء ويحبسها عمن يشاء، إلى أن صدر في ذلك العام حكم لمحكمة القضاء الإداري باعتباره الإفراج الشرطي قرارا إداريا لابد تلتزم الوزارة بإصداره لمن يستحق، ووضعت المحكمة شروطاً لتطبيقه متفقة مع صحيح حكم القانون.

وفي الجلسة ذاتها عرض المستشار د. محمد حسن، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس الأمانة الفنية لشئون الأعضاء ولمجلس الخاص، لورقة بحثية أعدها حول دور أحكام مجلس الدولة في حماية حرية العقيدة، مؤكداً أن محاكم مجلس الدولة أصدرت العديد من الأحكام الداعمة لحرية الإنسان في تبني عقيدته، لافتاً إلى أن تلك الأحكام فرّقت ما بين حرية العقيدة والدفاع عنه والتي أولتها اهتماما بالغا باعتبارها حرية مطلقة، وبين حرية ممارسة الإنسان لشعائر تلك العقيدة بما لا يهدد سلامة النظام والأمن العام.

واستشهد حسن في ورقته بنماذج عديدة أيضاً لأحكام مجلس الدولة، التي صدرت في ذلك السياق، ومن بينها حكم القضاء الإداري الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا، بوضع "شرطة" بخانة الديانة ببطاقات الرقم القومي للبهائيين، وحكم السماح للمنتقبات بدخول الجامعة الأمريكية، كما استعرض عددا من الأحكام الخاصة بحرية بناء الكنائس والمساجد التي تصدت لتعسف جهة الإدارة في التصريح للأقباط ببناء الكنائس رغم استيفاء الشروط العشرة المقررة لبنائها، مما كان له أثر مباشر في صياغة قانون دور العبادة الجديد.

وفى الجلسة الرابعة التي أدارها الباحث القانوني مصطفى شعث، عرض المستشار د. محمد ماهر أبو العينين، نائب رئيس مجلس الدولة رئيس الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا، تلخيصاً لورقة بحثية أعدها بعنوان "نحو اتجاه مثالي لقضاء الحقوق والحريات" تحدث فيها عن بعض المشاكل الهيكلية والبنيوية التي تعوق حصول المواطنين على حقوقهم بسهولة من القضاء، كعدول بعض الدوائر عن مبادئ سابقة لها، واستغراق وقت طويل لتوحيد المبادئ القضائية من قبل دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا.

وأشار أبوالعينين إلى وجوب اعتناق مبدأ جديد هو "الأمن القضائي" المطبق في بعض الدساتير والأنظمة الحديثة كالمملكة المغربية، والذي يضمن من خلاله حصول جميع الأشخاص المتماثلين في المركز القانوني على حقوقهم تلقائياً بمجرد صدور حكم لصالح شخص واحد منهم، مؤكداً أن تطبيق هذا الاتجاه الجديد سيساهم في تسريع إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة.

ثم قدم المستشار د.محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة عضو الدائرة الأولى بالإدارية العليا، دراسة عن دور القاضي الإداري في حماية حقوق المرأة والطفل في المجالات الصحية والاجتماعية والتعليمية، وقدم شرحاً مدعماً بمقاطع فيديو توضيحية لدراسة تطبيقية لعدد من الأحكام الصادرة من القضاء الإداري في الفترة الانتقالية بما تضمنته من مناشدات لتطوير التشريعات الحاكمة لهذه المجالات، وبصفة خاصة لعلاقة حضانة الأم والأب للابن القاصر، والتأمين الصحي للمواطنين غير القادرين.

وذكر خفاجي أنه أصدر نحو 2000 حكم قضائي بإلزام جهات الدولة بعلاج الأطفال، و6 آلاف حكم بإلزام الدولة بعلاج المواطنين البالغين غير القادرين، مشيراً إلى أن النصوص الدستورية التي تضمن حماية المرأة والطفل ومساواة المرأة بالرجل قائمة، لكن العبرة بالتطبيق، حيث يضطر آلاف النساء والأطفال للجوء للقضاء للحصول على حقوقهم، في مجالات الحضانة وإثبات النسب والعلاج والتعليم، وهنا يلعب القضاء الإداري دوراً مهماً في تطبيق روح النصوص الدستورية.

وخلال الجلسة الخامسة التي أدارها محمد بصل رئيس القسم القضائي بجريدة "الشروق"، قدم الرئيس الأسبق لمحاكم القضاء الإداري وقسم التشريع المستشار عادل فرغلي، عرضا لورقة بحثية أعدها بعنوان "دور أحكام القضاء الإداري في حماية المال العام" تضمنت دراسة نقدية لبعض الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري ببطلان خصخصة بعض الشركات كـ"طنطا للكتان" و"شبين للغزل"، مؤكدا أن عمليات خصخصة تلك الشركات تمت بشكل قانوني ومتفقة مع توصيات وضعتها الأمم المتحدة بخصوص ذلك، وعلى الرغم من ذلك أبطلت محاكم القضاء الإداري عقود بيع تلك الشركات، وأخذت بتعريف واسع لشرطي الصفة والمصلحة، وقبلت الدعاوى بعد أكثر من 6 سنوات على صدور القرارات.

ودعا فرغلي لإعادة النظر في المبادئ التي تضمنتها هذه الأحكام، معتبراً أنها لعبت دوراً سلبياً في جذب المستثمرين، مطالباً في الوقت نفسه بمحاسبة الفاسدين أينما كانوا، قائلاً: لا أدافع عن كل صفقات بيع شركات القطاع العام، فأنا أعلم أن عدد من تلك الصفقات شابها فساد وأؤيد وجهة نظر مجلس الدولة في إبطال بعض عمليات البيع"، مشيراً إلى أن المجلس لعب دوراً حيوياً فيما مضى لضمان حق الملكية للمواطنين والمستثمرين بإصداره أحكاماً ببطلان المصادرة والحراسة.

ثم تحدث المستشار د.محمد الدمرداش، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الدائرتين الأولى والسابعة بهيئة مفوضي الدولة، عن الدور الذي لعبه المجلس في تنظيم العمل الأهلي وضمان حرية الجمعيات والتنظيمات الأهلية المختلفة في ممارسة أنشطتها في ظل التطور التشريعي الذي طرأ على هذا المجال، منذ ما قبل تنظيم القانون المدني للعمل الأهلي وحتى صدور قانون عام 2002 وصولاً إلى موافقة البرلمان مؤخراً على مشروع قانون جديد للعمل الأهلي وعدم إصداره حتى الآن، طارحاً تساؤلات حول الموقف الدستوري لهذا المشروع بعد فوات المواعيد الدستورية لاعتراض رئيس الجمهورية عليه أو إصداره بأغلبية الثلثين بعد الاعتراض.

وأوضح الدمرداش أن القضاء الإداري كان في كل هذه المراحل سياجاً لحرية العمل الأهلي، وأنه سبق التشريعات في العديد من الحالات لضمان ممارسة الجمعيات والأفراد لحقوقهم، منذ تصديه لقرارات حل بعض الجمعيات والأندية ذات الانتماءات السياسية في الأربعينيات، وصولاً إلى أحكامه الأخيرة التي ألزمت الحكومة بالموافقة على صرف التمويل الأجنبي المشروع الوارد لجمعيات بارزة مشهرة وفق القانون ولها نشاط حقوقي واسع كجمعية "كاريتاس".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved