هل خذل الغرب ليبيا؟

آخر تحديث: الجمعة 23 يناير 2015 - 11:30 ص بتوقيت القاهرة

BBC

هل تشهد ليبيا فجرا جديدا يلوح في الأفق، وفرصة جديدة للكرامة؟ أم أن الفجر والكرامة أصبحا مصطلحين خطابيين، في إشارة للانقسامات المدمرة بين الجماعتين المسلحتين المتصارعتين؟

وإذا لم تفض محادثات السلام الأخيرة إلى نتيجة، ففي الغالب ستغرق البلاد أكثر في براثن الصراع الطائفي والحرب الأهلية.

ووسط هذه الفوضى، يتوغل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.

في غضون ذلك، تعيش أوروبا حالة من القلق بخصوص أفكار الجهاديين العائدين من سوريا، وتتأمل الوضع في ليبيا وتفكر في المصير المنتظر.

فقد قالت السفيرة الأمريكية، ديبورا جونز، والمقيمة في مالطا بعد مقتل السفير الأمريكي السابق في بني غازي: "عادة ما كان الليبيون شديدي الحرص على مواردهم وسيادتهم. لذا، لابد أن يحاصروا المسلحين ويبعدوا من يريدون استنزاف الموارد، ممن تختلف نواياهم عن ثوار 17 فبراير/شباط".

وتقول جونز إنها متفائلة كدبلوماسية بشأن محادثات السلام المنعقدة في العاصمة السويسرية جنيف. وقد تكون هذه النظرة دبلوماسية، إلا أن هناك بعض شواهد لهذا التفاؤل.

فقد حققت المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض التقدم، ومن المقرر استكمالها. وأعلن طرفا الصراع الرئيسان وقفا لإطلاق النار.

الحياة صعبة

لكن المتشائمين يشيرون الى أن احد الاطراف الرئيسية في هذه الحرب الأهلية لم يحضر المحادثات في جنيف اساسا.

ويمكن للمتشائمين أن يشيروا الى عناوين الاخبار، مثل "حرق مركز تسوق في طرابلس"، و"اختطاف مسؤول تنفيذي كبير في وزارة النفط"، و"استمرار القتال"، و"اصرار أحد الاطراف على أن المحادثات المستقبلية يجب أن تعقد في ليبيا، وليس في جنيف". وكل تلك العناوين في يوم واحد.

ويشير الأكاديمي الليبي، محمد الجارح، إلى الأوضاع القاتمة في طبرق، حيث يقيم، من انقطاع للكهرباء، وغياب الانترنت، ونقص في وقود السيارات ووقود الطهي.

ويرى الجارح أن الأمور وصلت إلى هذه الحالة لأن الديمقراطية لم تأخذ مجراها بعد سقوط القذافي، "فهناك أزمة شرعية في ليبيا. والناس يقبلون بالعملية الديمقراطية فقط في حالة فوزهم، ويقبلون حكم القانون فقط إن كان في صفهم".

وتابع: "لذا، لدينا حكومتان تتصارعان على الشرعية، وبرلمانان، ورئيسان للوزاء، مما خلق مساحة لظهور الجماعات المسلحة التي تقوم بدور مؤثر. والمقلق أن الجماعات الإرهابية؛ الدولة الإسلامية وأنصار الشريعة، تستفيدان من أوضاع البلاد"هذه.


مسلح ليبي على دبابة

أعلن طرفا الصراع الرئيسيان وقف إطلاق النار، ويصر أحدهما على عقد الجولة التالية من المحادثات في ليبيا.

صراعات منفصلة

من الواضح أن هناك حكومتان تتقاتلان، وتدعم كل منهما الميليشيات الخاصة بها. لكن البعض يقول أن ثمة حربين أهليتين منفصلتين، فالجيش يحارب ميليشيات الإسلاميين في الشرق، بينما يدور صراع أكبر في الغرب.

وكان الدكتور جمعة القماطي - أحد المنادين بتطبيق الديمقراطية في ليبيا منذ 30 عاما - يتظاهر أمام المكتب الشعبي الليبي في بريطانيا عندما أطلق عليه الرصاص من الداخل، مما تسبب في وفاة الشرطية يفون فليتشر.

وبعد الثورة الليبية، كان القماطي هو المنسق بين الحكومة البريطانية والمجلس الانتقالي الليبي.

وعن الصراع الدائر بين الفصائل، قال القماطي: "عملية الكرامة يقودها اللواء خليفة حفتر، أحد زملاء القذافي الذين ساعدوا في الانقلاب منذ 45 عاما، ثم افترقا. وهرب حفتر منذ حوالي 20 عاما، ثم عاد ويريد أن يسيطر على الحكم".

وأضاف: "يدعي حفتر أنه يحارب الإرهاب، لكنه يريد القضاء على كل معارضيه وفرض إرادته بالقوة. لهذا يعارضه الناس لأنهم يرون أنه يريد الرجوع بنا إلى الحكم العسكري وسطوة العسكريين".

وهذا الجانب هو من تعترف به الحكومات الغربية، وغالبا ما تنظر إلى من يختلف معها كمسلحين ومتطرفين.

لكن القماطي لا يرى أن الأمر بهذه البساطة، "فعلى الجانب الآخر، فجر ليبيا عبارة عن ائتلاف للكثير من الميليشيات من المدن والبلدات المختلفة من غرب ليبيا. بعضهم إسلاميون، والبعض الآخر ليسوا إسلاميين بالمرة. وهم يرون أن هناك ثورة مضادة، ويريد حفتر أن يعود بنا إلى القمع والاستبدادية".

ومن الفجاجة تقسيم أطراف الصراعات الأهلية إلى طيبين وأشرار، والأمر يصبح أكثر تعقيدا في ليبيا.

لا رواية بسيطة

مخرج الأفلام الوثائقية الأمريكي، مات فان دايك، يعد نفسه من الثوار استبدل الكاميرا ببندقية، وانضم للقتال ضد نظام القذافي. لكنه يقول إن حالة التضامن السابقة انهارت تماما.

ويقول فان دايك: "في عام 2008، كونت الكثير من الصداقات الجيدة في ليبيا. وعندما بدأت الثورة، انضممت إليها لمساعدة أصدقائي على الإطاحة بالقذافي. وكلهم الآن يائسون لما انتهت إليه الأمور في ليبيا بعد الثورة".

وأضاف: "لدي أصدقاء على طرفي الصراع الآن، بعضهم مقتنعون أنهم يحاربون أنصار القذافي، والآخرون مقتنعون أنهم يحاربون الإسلاميين. وكل من الطرفين يصر على أنه الصواب. لكن أعتقد أن الطرفين على خطأ".

ويبدو وكأن الكثير من الوقت قد مر منذ زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لبنغازي عام 2011، والتي قال فيها لليبيين إنهم منارة للعالم.

وكان التصور آنذاك هو حدوث تدخل غربي للإطاحة بديكتاتور علماني، كان يواري مشكلات بلاده بوحشية. ولم يتوقع أحد حدوث مشاكل.

مسلحون ليبيون

يرى البعض أن الغرب أدار ظهره لليبيا، وتركها بدون مؤسسات، أو دستور، أو خبرات في إدارة الدولة.

غياب الشراكة الغربية

ومنذ مقتل السفير الأمريكي في بنغازي، يتعاون القليل من الدول الغربية مع ليبيا، وهو الأمر مخيب لامل بعض من الليبيين، من بينهم القماطي.

ويقول القماطي: "بعد انتهاء أحداث الثورة، انسحب الغرب وترك الليبيين لوحدهم. وكان هذا التصرف خاطئا لأن الليبيين لا يعرفون كيف يتفقون، ويتوصلون إلى اجماع، ويبنون دولة من الصفر".

وأضاف: "لقد ورثنا ليبيا بلا مؤسسات، وبلا دستور، وبدون خبرات في إدارة الدولة، وانسحب المجتمع الدولي من المشهد بمنتهى البساطة. كان هذا خطأ. والآن يحاولون العودة لأنهم لا يتحملون تجاهل ليبيا".

وأخبرني النائب البريطاني المحافظ، دانييل كافشينسكي، رئيس مجموعة ليبيا، إنه كان المؤيدين للتدخل العسكري في ليبيا، "لكني حزين أننا لم نتمكن من مساعدة الشعب الليبي على تحقيق الأمن وخلق وضع طبيعي".

مئة قذافي جديد

وأضاف كافشينسكي ان أصدقائه الليبيين يقولون إنهم تخلصوا من القذافي، وخلقوا مئة قذافي آخرين. ويرى أن المشكلة تكمن في تحرك السياسيين الغربيين تجاه الأزمة التالية وتركهم الازمات السابقة. "آمل ألا ينسى رئيس وزراءنا واجبنا ومسؤوليتنا، بعد أن تدخلنا وأنفقنا مئات الملايين".

وتقول السفيرة جونز إن المحادثات شديدة الأهمية، "فقد وصلنا إلى نقطة أصبح الخيار الوحيد فيها هو المشاركة الجادة في الحوار، وإلا تواجه البلاد خطر الحرب الأهلية والتفكك".

وأضافت: "أرفض فكرة أن الغرب أدار ظهره لليبيا. التدخل العسكري وحده ليس كافيا، والمزيد منه لم يكن ليناسب المشكلة الأساسية، وهي غياب التناغم السياسي".

وترى إدارة أوباما، من الخبرات السابقة في العراق وأفغانستان، أن المهمة الاستعمارية السابقة لبناء الدولة تفوق قدرات ورغبات الغرب.

لكن تصور جونز لا يضعف من وجهة النظر الأخرى بأنه كان من الواجب منع القتل الجماعي، وأن الدول الفاشلة خطر على باقي العالم.

وما زالت السياسة الخارجية في باريس وواشنطن ولندن واقعة بين خيار الحرب السهل، والخيار الأصعب بإحلال السلام. وليبيا هي دليل جديد على ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved