خالد محمود يكتب: برلين تعيش نشوة السينما.. وتوجه رسالتها السياسية للعالم

آخر تحديث: الأحد 25 فبراير 2018 - 9:36 ص بتوقيت القاهرة

• 8 أفلام تستعرض التغييرات التى طرأت على أوروبا بعد الهجرة

• وزير الثقافة الألمانية: يجب الا نخاف.. وكوسايك: السينما شاهد على ما يجرى

• «عبور» رومانسية ما بعد أهوال الحرب.. و«بين الممرات» يعود بالواقعية السحرية

تعيش برلين حقا نشوة السينما.. فمهرجانها الدولى الكبير استعرض فى دورته الـ68 أكثر من 400 فيلم تمثل تيارات عديدة من مختلف أرجاء العالم، الجمهور العاشق للسينما يلتف حول دور العرض مصطفا فى طوابير طويلة لحجز التذاكر، فنسبة الاقبال تجاوزت نصف المليون مشاهد.. الكل يتحدث عن السينما ومخرجيها الكبار ونجومها.. الكل لديه حالة شغف بمفاجآت الافلام وما تطرحه من قصص وحكايات وأساليب فنية.

ألمانيا تعتبر مهرجانها الكبير بوابة حقيقية لنظرتها نحو التغير الذى تنشده سياسيا وثقافيا فى أوروبا، هى بانتقائها لمجموعة افلام تحمل قضايا مؤرقة يعيشها العالم توصل رسالتها السياسية وتتبناها مثلما تفعل فى قضايا الهجرة غير الشرعية والهوية والحريات، حيث تعرض فى هذا الاطار وحده 8 أفلام تستعرض التغييرات التى طرأت على أوروبا بعد الهجرة، مثل الفيلم الوثائقى «المطار المركزى تمبلهوف»، الذى أخرجه البرازيلى كريم آينوز، يسلط الضوء على حياة اللاجئين الذين يعيشون فى المطار الشهير فى العاصمة الألمانية الذى بنى من قبل الحكومة النازية.

وفى حديثه عن قصة الناس يفرون من فظائع الحرب وإيجاد المأوى فى حظائر تمبلهوف، يقول أينوز: إنه سعى لعمل فيلم عن البشر، وعن التضامن. وكان أيضا محاولة لتقديم جانب آخر إلى القصة التى يجرى تصويرها فى وسائل الإعلام. ووصفها بأنها «التغطية الإعلامية الهستيرية لأزمة اللاجئين فى أوروبا، وانه كلما جاء المزيد من الناس اصبحت أكثر هستيريا وجنونا، حيث بات الشعور بالذعر سيد الموقف.

قدم اينوز بشرا حقيقيين من قلب المأساه، وقال: «كنت محظوظا بما فيه الكفاية لجود أناس يروون قصصهم ونتبادلها معا وقلت للمشاهد: «هؤلاء هم البشر، كما تعلمون».

المفارقات تمثل كل شىء فى الخط الدرامى فى الفيلم، ورويت الحكاية إلى حد كبير من خلال السرد البصرى، وقد استخدم موقع المطار التاريخى كفضاء عام، وكمدينة ايضا، بينما كان الخط الاحمر هو حقا عن شخصين يركز عليهما الفيلم، صبى يبلغ من العمر 18 عاما من سوريا ورجل يبلغ 35 عاما من العراق، والذى اضطر إلى الفرار من الحرب قبل أن يتمكن من التخرج فى كلية الطب، ويحاولان بطريقة ما أن يعيشا الحياة، ولكل منهما وجهة نظره.

جاء فيلم «إلدورادو» السويسرى الذى أخرجه ماركوس إمهوف، ليروى قصة إنقاذ لاجئين من قبالة السواحل الليبية ونقلهم إلى إيطاليا، والذين ينتظرون فى مخيمات الإيواء، ويتعرضون لخطر الترحيل أو الاستغلال، بسبب عملهم بشكل غير قانونى.
وبحسب مدير المهرجان، ديتر كوسليك: «إنه يكثر الحديث الآن فيما يفعله اللاجئون بعد وصولهم إلى أوروبا، والتساؤل حول المستقبل الذى ينتظرهم، والسينما شاهد كبير على ما يجرى».

وقد دعت وزيرة الثقافة الألمانية مونيكا جروترس إلى تغيير ثقافى مؤثر، قائلة: «يجب أن ينتهى زمن الصمت.. يجب ألا نخاف من التغيير».

واقعيا السينما الالمانية تحظى بحضور قوى فى مهرجان برلين هذا العام مهرجان، ففى المسابقة وحدها تنافست أربعة أفلام من بين 19 فيلما سعت للفوز بالدب الذهبى والفضى الذى يطمح اليه الجميع، وهى تعبّر عن تنوع كبير فى السينما الألمانية منها فيلم «ترانزيت» او «عبور» للمخرج كريستيان بيتزولد، وفيلم «بين الممرات» للمخرج توماس شتوبر، و«3 أيام فى كويبيرون» لإميلى عاطف، و«أخى اسمه روبرت وهو أحمق» لفيليب جرونين.

«عبور» فيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة أنّا زيجرز، والتى كتبتها فى المنفى، حيث يَعرِض المخرج كريستيان بيتزولد لحياة أحد كتاب المنفى الالمان الفارين من قبضة الجيش فى فترة حكم النازى أثناء احتلال مارسيليا عام 1940، ومحاولة هروبه.

الفيلم، الذى تشارك فى انتاجه فرنسا، يعود بنا إلى أهوال الحرب العالمية الثانية، عندما يغادر الشاب جورج «فرانز وجوفسكى» باريس إلى مارسيليا فى اللحظة الاخيرة بعد الغزو النازى، وبعد ان يتورط فى جريمة قتل، وينتحل هوية شخص آخر هو كاتب يدعى «ويديل»، الذى تحتوى حقيبته على مخطوطات وبعض الرسائل، وتأمين السفارة المكسيكية للحصول على تأشيرة هجرة، والغريب ان مارى «بولا بيير» زوجة الكاتب الشابة نفسها توافق، بل وتشجع جورج على انتحاله لشخصية زوجها كونها يائسة من العثور على زوجها فى عداد المفقودين، حيث ظلت تنتظر وصوله من ألمانيا، وتتمسك بحلم الهجرة إلى المكسيك، وحينما تتعقد الأمور، يبدأ فى الوقوع فى الحب معها.. فى قصة شديدة الرومانسية، فقد ألقى بنفسه فى الاهوال من أجلها، ومساعدتها على السفر، فيولد الحب شيئا فشيئا بسبب مشاعر الحرمان والعطف.

فى الفيلم نرى محادثات كثيرة بين اللاجئين فى اروقة فندق صغير، وغرف الانتظار فى القنصليات والمقاهى والحانات فى الميناء الكل يبحث عن مفر لهجرة جديدة ببطاقات هوية اخرى، ولن يسمح بمغادرة هذه المدينة الساحلية الا بتصريح دخول من بلد آخر.

صور الفيلم فى مرسيليا المعاصرة، حيث أراد المخرج ان تتحرك تلك الشخصيات من الماضى إلى الحاضر وهكذا، حيث يجتمع اللاجئون اليوم فى نفس الازمة مهما اختلفت الاسباب، التاريخ يلتقى الحاضر، وجميع قصصهم تتضافر لخلق مساحة عبور ابدية واحدة لنهاية ربما تكون اسعد، وجاء ذلك عبر السيناريو والحوار كتبه بيتزولد بنفسه شديد الشفافية فى خطوطه سواء الرومانسية او السياسية، دون الخوض فى جرأة التفاصيل، فالحبكة كانت تسير وفق نعومة مجريات بطلها جورج «فرانز روجسكى»، الذى ينافس على جائزة افضل ممثل، وايضا مصير باقى شخصياته «مارى وريتشارد»، لكنه نجح ايضا فى إضفاء بعض لحظات التوتر.

وقال بيتزولد إن الرواية تحمل جزءا واقعيا كبيرا يمثل جزءا من حياة الكاتبة، مؤكدا أنها ستغنى عن بعض الأمور السياسية الموجودة فى الرواية لأنه ليس له أى قيمة من تقديمها الآن.

فى الفيلم الالمانى الثانى «بين الممرات» يفتح المخرج توماس ستوبر نافذة على عالم الرومانسية الخاص لأحد العمال العاديين فى «لايبزيج» احدى المقاطعات الشرقية، وكذلك يغوص فى تحليل الاشياء، والواقع، والرغبات والأحلام التى تتكشف فى صور شديدة العمق، حيث نرى ان كل يوم يمر من الزمن يتم تحويله إلى ساعات من الواقعية السحرية التى تتجاوز قصص العطاء والحب، وصولا إلى مفهوم جديد للامل لحياة غير واضحة المعالم، مليئة بممرات لا نهاية لها، وذلك من خلال العلاقات المتشابكة بين مجموعة شخصيات الفيلم كريستيان الذى يعمل على تنظيم الارفف داخل سوبر ماركت، ويجسده فرانز روجوسكى، وماريو ن، وبرونو، الذين يكافحون من أجل أفراح صغيرة فى الحياة، فنجد الذين يعملون فى سوق الجملة فى الفيلم يمثلون المجتمع الذى يكافح بالمثل.

فرانز روجوسكى فى تجسيدة شخصية المسيحى كان ملهما بمعانٍ كثيرة ارادها المخرج، وحسب تعبيره: «هذا أمر مهم حقا»، فهو لديه ماضٍ مضرب، لم يتحدث كثيرا فى النصف الأول من الفيلم، وقال المخرج ستوبر: «أنت بحاجة إلى ممثل يمكنه التعبير عن الأشياء بنظرة عينيه، ليمكنك أن تفعل شيئا مؤثرا».

وكذلك شخصية ساندرا هولر التى جسدت دور ماريون، فهى تحمل كل صفات الممثلة العظيمة التى تناسب تلك الشخصية، «إنها امرأة قد لا تؤثر فيك للوهلة الأولى، ثم تنفجر ابداعا عقب انفجار مشاعرها ومشاكلها العاطفية، الفيلم يمثل عودة ستوبر إلى الشاشة الكبيرة بعد فوزه بجائزة تورونتو عام 2015 عن فيلمه «القلب الثقيل».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved