«الشروق» تنشر نص خطاب «دكروري» إلى «السيسي»: المسألة أعمق من المنصب

آخر تحديث: الثلاثاء 25 يوليه 2017 - 11:15 ص بتوقيت القاهرة

كتب - محمد بصل:

• كنت ومازلت وسأظل ابنًا بارًا لهذا البلد مهما لحقني من ظلم.. وأطلب اعتبار القرار 347 منعدمًا

• التظلم ليس لشخصي بل لمنظومة العدالة باعتبارها جزءًا جوهريًا وفاعلاً من النظام العام

• الدستور اعتنق مبدأ الأقدمية المطلقة في تشكيل محكمة رئيس الجمهورية وإدارة الهيئة الوطنية للانتخابات

• الأقدمية المطلقة هي المعيار الوحيد الواجب اتباعه عند التساوي في درجة الكفاية والصلاحية

• لا أطيق البعاد عن منصة القضاء.. والقاضي مقيد بما يعرض عليه من وقائع ووثائق بعيدًا عن أي أصداء خارج قاعة الحكم

حصلت «الشروق» على نص التظلم الذي تقدم به المستشار يحيى دكروري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ للشكوى من تخطيه في تعيين رئيس مجلس الدولة الجديد بالقرار الجمهوري 347 لسنة 2017.

ويعتبر هذا التظلم الخطوة الإجرائية الأولى لإقامة طعن أمام المحكمة الإدارية العليا ضد هذا القرار وما ترتب عليه من آثار.

وشدد «دكروري»، في كلماته، على أن ما دفعه لمخاطبة رئيس الجمهورية بهذا التظلم على غير عادة القضاة هو تعرضه للظلم، وأن الهدف من التظلم ليس تحقيق فائدة شخصية بل للحفاظ على منظومة العدالة، باعتبار نظامها المؤسسي جزءًا فاعلًا وجوهريًا من النظام العام.

ووصف «دكروري» المنصب بأنه ليس منحة من أحد أو مجرد حق لأحد، بقدر ما تسمو مسئولياته في أعبائها أمام الله والوطن والشعب.

وفيما يلي نص التظلم:

«فخامة السيد الرئيس/ عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

لم يكن القاضي معتادًا حتى في الأدبيات أن يلجأ إلى مخاطبة رؤساء الدول تحت أية ظروف ضاغطة أو ملحة، لأن مخاطبة الرؤساء لها طقوسها وساحتها، وهي بالقطع بعيدة عن مهنة رجل العدالة، والقاضي ينظر إلى مقام الرئاسة بأن له معاييره التي لا تهتز، كما أن القاضي في قناعاته أيضاً وبذات المقدار له قواعده وضوابطه ومعاييره التي لا ترتعش».

«إن ما يدفع القاضي أن يمسك بالقلم ليخاطب رئيس الدولة على غير المتعارف عليه في الأمور العادية هو حكم القانون الذي بموجبه يسطر تظلماً عندما يقع عليه ظلم، وما أصعب على النفس أن يشعر القاضي بهذا الظلم، لأن مناط مسئوليته أن يرفع الظلم باسم الشعب عن كل الشعب».

«فعندما يمسك القاضي بالقلم ليكتب تظلما فهو ليس لشخصه، ولكن لمنظومة العدالة ذاتها، فالظلم عليه يمس النظام المؤسسي باعتباره جزءاً جوهرياً وفاعلاً من النظام العام، والمسألة أعمق من المنصب، فهو ليس منحة من أحد أو مجرد حق لأحد بقدر ما تسمو مسئولياته في أعبائها أمام الله وأمام الوطن وأمام الشعب الذي تصدر الأحكام باسمه وأمام التاريخ الذي يرصد ويوثق».

«وإن الأمر يتعلق بمكانة مجلس الدولة الذي أشرف بالانتساب إليه، فرئيس مجلس الدولة هو رئيس المجلس الخاص الذي يدير شئون قلعة العدالة العظيمة، والمشكل من شيوخ القضاة الذين يأتون بالأقدمية كقاعدة عامة مستقرة لا يمكن الإخلال بها، وهي قاعدة يجب أن تلازم الرئيس كما تلازم الأحدث منه».

«فخامة الرئيس.. لقد أصدرتم قراركم الرقيم 347 لسنة 2017 بتاريخ 19 يوليو 2017 بتعيين زميل فاضل أحدث مني لرئاسة مجلس الدولة، تخطيًا لي في سابقة لم تحدث منذ ما يزيد على 70 عاماً، أي منذ إنشاء مجلس الدولة عام 1946؛ وذلك دون مبرر واضح أو مقتضى مقبول يؤدي إلى ذلك، وبالمخالفة لقاعدة الأقدمية التي اضطرد واستقام عليها التنظيم القضائي وباتت هي القاعدة الأساسية التي قام عليها منذ أبد الدهر، وهدمها يؤثر بلا شك في حسن سير العدالة».

«وجاء الدستور المصري الذي أقره شعب مصر العظيم في يناير 2014 بالفقرة الثالثة من المادة 159 منه مؤكداً على قاعدة الأقدمية كمعيار وحيد في القضاء، عندما نصت على تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، واختتمت بأنه إذا قام مانع لدى أحد الأعضاء حل محله من يليه في الأقدمية».

«كما أكدت ذلك أيضاً المادة 209 من الدستور عندما ناطت بأقدم أعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات من محكمة النقض رئاسة الهيئة».

«ومن ثم فإن مخالفة قاعدة الأقدمية تجعل القرار مخالفاً للدستور ومن باب أولى للقانون؛ حيث استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن السلطة المنوط بها هذا الاختيار ليست طليقة من كل قيد، إنما تجد حدها الطبيعي في هذا المبدأ العادل المتمثل في عدم جواز تخطي الأقدم واختيار الأحدث، إلا إذا كان الأخير ظاهره الكفاية والتميز وأن يستمد ذلك من أصول ثابتة في الأوراق، أما عند التساوي في درجة الكفاية والصلاحية فيجب اختيار الأقدم، فالقواعد التي تلجأ إليها السلطة القائمة على الاختيار يجب أن تكون متفقة مع أحكام القانون وأن تلزم حدود الحق إذا ما توافرت مقوماته بحيث لا تنقلب ستاراً على الحق يطويه ويهدره، وبغير هذا تصبح السلطة القائمة على الاختيار عرضة للتحكم والأهواء، فالقاعدة المستقرة إذن أنه عند التساوي في الكفاية يفضل الأقدم، بحيث لا يُتخطى الأقدم، وإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه يكون الاختيار فاسداً وأيضاً القرار الذي اتخذ على أساسه».

«فخامة الرئيس.. إنني كقاض لا أطيق البعاد عن منصة القضاء طالما أنا داخل هذا المجلس، ويشهد الله أنني تخرجت من مدرسة الاستقامة القضائية التي لا تعرف الهوى، وأنني دائماً على استعداد لتحمل تبعات أي قرار قضائي اتخذته من فوق المنصة وأتحمله عن طيب خاطر، برضاء داخلي وسلام مع النفس، لأن ضمير القاضي لا يتردد أو يتلعثم أمام كلمة حق ينطقها، فهو مقيد بما يعرض عليه من وقائع ووثائق، بعيداً عن أي أصداء خارج القاعة، وبعد مداولة بين جميع القضاة الذين تشملهم المحكمة تضفي على النتيجة العدالة والاطمئنان والثقة والقناعة، فكل حكم يصدره القاضي ليس رأياً شخصياً أو رؤية خاصة».

«فخامة الرئيس.. وإن كان يصعب علي أن أطلب، لكن هذا هو القانون الذي لا مجاملة فيه، وأقسمنا جميعاً على احترامه، أطلب اعتبار القرار المتظلم منه رقم 347 لسنة 2017 الصادر في 19 يوليو 2017 بتعيين رئيس لمجلس الدولة متخطياً لي؛ منعدماً لتصادمه مع قواعد دستورية وقانونية راسخة لا تعرف التأويل أو التفسير منذ فجر التاريخ وأحقيتي في رئاسة مجلس الدولة باعتباري أقدم الأعضاء بالمجلس».

«وختاماً، فإن من يكتب إلى فخامتكم أحد أبناء شعب مصر وقاضي وطني أدى واجبه على أكمل وجه وأرضى ربه وضميره، وكان ومازال وسيظل -مهما لحقه من ظلم- ابناً باراً لهذا البلد الأمين مدافعاً عن حقوق شعبه الطيب».

«حفظ الله مصرنا من كل شر أو سوء، ووفقكم وسدد خطاكم لما فيه الخير والحق والعدل لشعبها الأبي. المستشار يحيى أحمد راغب دكروري النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، وأقدم أعضاء مجلس الدولة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved