حمدي قنديل في «مذكراته»: تعاونت مع جارى الشيوعي في توزيع المنشورات بمسجد السيد البدوي

آخر تحديث: الأحد 26 يناير 2014 - 8:57 ص بتوقيت القاهرة
إعداد ــ إسماعيل الأشول

من ميلاده وحتى وقتنا الراهن.. وبين حكاياته مع أهل السياسة والفن والإعلام تدور مذكرات الإعلامى الكبير الأستاذ حمدى قنديل الصادرة عن دار «الشروق» بعنوان «عشت مرتين».

قنديل الذى يقول إنه عاش مرتين لا يقصد بذلك حياة اليقظة وحياة المنام، فحياة اليقظة وحدها تكفى وتزيد، على حد تعبيره فى مقدمة مذكراته التى يوضح خلالها: عشتها طولا وعرضا، أخذا وردا، فيها الأسى والانكسار والفشل، وفيها الصمود والحلم والإنجاز، وفيها من المفاجآت والمفارقات ما يعجز عن ابتداعه عتاة المؤلفين. مضيفا فى مقدمة مذكراته: أعترف بتناقض فى شخصيتى يُقال إن ذلك هو الذى يميز مواليد برج الجوزاء، يجمع بين التفتح على الدنيا وبعض جذور محافظة، ذلك أننى أقدر المرأة وأفخر بها، لكننى أحاول أن أحميها من التلصص واللغو، لذلك لا أعتقد أن كتب المذكرات هى المكان المناسب للخوض فى حكايات النساء، وإن كان ذلك قد أصبح على ما يبدو حقا مكتسبا للقارئ. وبنبرة ساخرة يتحدث عن معرفة الرجل بالمرأة فى المقدمة ذاتها، فيقول: لو خيرت لاقتفيت أثر صديقى رجل الأعمال ممدوح عبدالغفار الذى فاجأنى منذ نحو عشرين عاما بكتابه الأول والأخير، وكان عنوانه بالإنجليزية WHAT MAN KNOW ABOUT WOMEN، أى «ما الذى يعرفه الرجال عن النساء؟» كان الكتاب ضخما وغلافه أنيقا للغاية، فى صفحته الأولى كانت المقدمة سطريْن: «هذا الكتاب ألفه رجل ذو رؤية.. وضع خلاصة تجاربه فى الحياة مع النساء وسلوكهن وأخلاقهن فى هذا الكتاب النافذ البصيرة».. وعندما بدأت أتصفح صفحاته المائتين، كانت كلها بيضاء من أول صفحة حتى آخر صفحة. ويختتم بالقول: لا أدرى فى النهاية إذا ما كان الذى يحتويه الكتاب هو الذى توقعه القارئ، وإذا ما كانت قد وصلته الرسالة التى وددت أن تصل إليه: أن يحس عندما يضع الكتاب جانبا أنه أكثر قوة ومناعة ضد غوائل الزمن، وأكثر قدرة على الحلم باليوم الجميل الآتى، أما بالنسبة لى فقد أحسست عندما انتهيت من الكتابة بكثير من الرضا؛ ذلك أننى أيقنت الآن أن الذكريات لا تعنى شيئا إلَّا لو شاركنى فيها الآخرون.

1936ـــ 1952

جذور أسرة أبى ترجع إلى بلدة كفر عليم فى ريف محافظة المنوفية، وكذلك أمى التى أتى أجدادها من أبيها (عائلة حلاوة) من البلدة نفسها، أما أجدادها من أمها (عائلة الفقى) فهم من بلدة طنبشا المجاورة، وهكذا فأنا منوفى أبا وأما، ولست أدرى ما إذا كنت قد ورثت عن المنايفة طباعهم التى يتحدث عنها الأدب الشعبى، وأشهرها البخل، ولكننى سأبادر، كما هو متوقع، إلى نفى هذه التهمة.

الثابت على أى حال أن المنايفة يقبلون على التعليم، وتقول الإحصائيات إن فى المنوفية أكبر نسبة من المتعلمين مقارنة بعدد السكان.

كان الاثنان أولاد خالة، ومع ذلك فقد تزوج أبى من أمى برضاها بالرغم من فارق السن بينهما الذى يبلغ 25 عاما، وأظن أن زواجهما كان مستقرا إلى حد كبير.

فى بيتنا فى الوايلى ولدت طفلتهما الأولى سوزان فى عام 1935 ولكنها سرعان ما ماتت، وجئت بعد ذلك بعام، وسمونى محمد حمدى.

أخى الأصغر هو عاصم قنديل، المحامى الآن، وهو آخر العنقود كما يقال، أما ماجد، اللواء المتقاعد الذى قضى عمره فى سلاح المدفعية، فقد ولد بعد ولادتى بعامين، وبعده بعامين أيضا ولدت ميرفت، وهى ربة أسرة متزوجة من لواء الأسلحة والذخيرة المتقاعد صالح صالح، وبعد عامين آخرين جاءت شقيقتى مآثر، التى عينت معيدة بقسم اللغة الإسبانية فى كلية الألسن، ثم حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه فى إسبانيا، وهناك بدأت حياتها كمترجمة فورية حتى تقاعدت قبل سنوات، أما ميرفت التى تصغرنى بأربعة أعوام فهى تعاملنى كأمى.

أنجبت ميرفت ومآثر أولادا وبنات، أما أنا وماجد وعاصم فلم ينجب ثلاثتنا، والحمد لله أننا راضون بما قسم الله لنا.

عشنا جميعا أيام صبانا فى طنطا التى انتقل إليها والدى مدرسا للغة العربية فى مدرسة طنطا الثانوية للبنات، وكنا نسكن فى بيت من ثلاثة طوابق فى 16 شارع الفاتح، كان بيتنا مثل كثير من البيوت المصرية يعرف ربنا، ويعمر المساجد ويعمِّر فى الأرض ويعامل الناس بالحسنى.

كان أبى يسمح لى، بل يطلب منى أحيانا، قراءة جريدة المصرى، وكانت هى الجريدة الوحيدة التى يشتريها كل يوم، قرأت جريدة الاشتراكية فى بيت صديق كان والده يشتريها بانتظام، فأصبحت أبحث عنها أنا الآخر بين الحين والحين، وأظنها أثرت كثيرا فى توجيه ميولى، بل واستفزتنى إلى أبعد حد عندما قرأت فيها مقال أحمد حسين الشهير رعاياك يا مولاى.

كان المقال ممتدا على صفحتين تصدرته صورة لطفل حافى القدمين مهلهل الملابس وصور أخرى لنساء ورجال تنطق أحوالهم بالبؤس فى أزقة القاهرة وأعماق الريف، وذُيِّلَ المقال بتوقيع المخلص: أحمد حسين.

كانت دراستنا مستقرة، ولم يرسب أحدنا فى عام من الأعوام، ولا أذكر أننى رسبت فى مادة سوى مرة واحدة عندما كنت فى مدرسة طنطا الابتدائية للبنين، وعندما جاءت الشهادة بدائرة حمراء فى اللغة الإنجليزية خلع والدى حزامه وضربنى به مرة واحدة كانت هى الأولى والأخيرة، التى ضربنى فيها، أنا أو واحد من إخوتى فى حياته.