النسيان يطوي البابا بنديكتوس بعد سنتين على استقالته

آخر تحديث: الجمعة 27 فبراير 2015 - 2:54 م بتوقيت القاهرة

الفاتيكان - الفرنسية

بعد سنتين على استقالته، سرعان ما طوى النسيان البابا بنديكتوس السادس عشر وبزغ نجم خلفه البابا فرنسيس، الذي أسرت عفويته القلوب والعقول. لكن البابا المستقيل لا يزال في الفاتيكان مرجعا للمتمسكين بمزيد من التقاليد.

وتكشف البطاقات البريدية التي تباع في الأكشاك المتناثرة حول الفاتيكان عن مشاعر الناس. فصورة الوجه الصارم للبابا بنديكتوس نادرا ما تعرض وتباع، فيما تتناثر في كل مكان، صور الابتسامة العريضة والتصرفات العفوية للبابا فرنسيس.

وبعد ظهر 28 فبراير 2013، أقلعت من الفاتيكان مروحية أقلت البابا بنديكتوس السادس عشر إلى المقر البابوي في كاستل جاندولفو جنوب روما.

وكان البابا الألماني، الذي بلغ آنذاك الخامسة والثمانين من عمره، أول حبر أعظم يستقيل منذ سبعة قرون، بسبب تراجع قدرته ـ كما قال ـ على التعامل مع تحديات عالم يشهد تغيرات سريعة. وقد أساء عدد كبير من رجال الدين فهم أبعاد هذا القرار التاريخي.

وبعد ثمانية أعوام على رأس الكنيسة التي شهدت مناقشات صاخبة وفضائح تحرش بالأطفال وفسادا وتهريبا للوثائق السرية، بات البابا بنديكتوس الحارس القديم للعقيدة الذي أنهكته تلك التجاوزات، "البابا الفخري" المنصرف إلى الصلاة في دير قديم على تلة الفاتيكان.

وبعد أسبوعين على استقالة البابا بنديكتوس الشهير ببحوثه اللاهوتية، انتخبت الكنيسة في 13 مارس 2013، رئيس أساقفة بوينوس آيرس، أول بابا من النصف الجنوبي للكرة الأرضية.

وسرعان ما استقطب البابا الجديد الأنظار في جميع أنحاء العالم، بفضل قدرته على التحرر، من خلال بعض التصرفات، من مظاهر الأبهة الفاتيكانية التي كان سلفه شديد الحرص على التمسك بها.

لكن البابا بنديكتوس السادس عشر قطع على نفسه وعدا بالامتناع عن التدخل في شؤون خلفه، وقد أوفى بوعده.

وبوتيرة منتظمة، يخصص وقتا طويلا للقراءة والصلاة ويستقبل مقربين ولاهوتيين وأساقفة وكرادلة ويتنزه في حدائق الفاتيكان ويعزف على البيانو. وحتى يؤكد أنه لم يعد حبرا أعظم، طلب من زائريه الألمان أن يخاطبوه "الأب بنديكتوس" بدلا من "الحبر الأعظم".

ولا يوجه البابا الفخري المعروف بإخلاصه، النقد إلى خلفه. ويجري البابا فرنسيس اتصالات هاتفية به أحيانا، ويدعوه إلى لقاءات، ودائما ما يوجه إليه تحية حارة في الاحتفالات الكبيرة، معتبرا وجوده في الفاتيكان شبيها بوجود "جد في المنزل".

إلا أن البعض اعتبر قراره الإقامة في الفاتيكان بدلا من اختيار دير بافاري، مصدرا لمشاكل قد تحصل في المستقبل.

وتنشر الصحف باستمرار تحليلات طويلة عن "سلطة مزدوجة" وعن "تنافس" صامت بين بابوين تعتبر مواقف إحدهما حاسمة وتقدمية، ومواقف الآخر محافظة. وعمد كلاهما مرارا إلى نفي كل شائعة عن تدخلات.

وقال الخبير الفاتيكاني أندريا تورنييللي: إن "البابا بنديكتوس السادس عشر متحفظ وانطوائي. فعندما يشارك في مناسبات عامة يلبي بذلك دعوة من البابا فرنسيس. لكن ما يحصل غير مألوف أبدا: فالبابا المتقاعد يستقبل زائرين على بعد مئات الامتار من البابا" الحالي.

ويوفر الصمت الظاهري للبابا المستقيل الفرصة الملائمة للذين يلتقونه للاستفادة من هذا الوضع والتعبير بذكاء عن معارضتهم البابا فرنسيس، أيا يكن فعلا الكلام الذي يقوله البابا بنديكتوس.

وينخرط عدد كبير من الكرادلة في هذه اللعبة، وبات البابا المستقيل على ما يبدو أيضا المرجع لعدد كبير من رجال الدين، بمن فيهم كهنة شبان أربكهم ما يعتبرونه غموضا عقائديا خلال حبرية البابا الجديد.

وفي مقابل المبادرات والتصريحات المتنوعة للبابا فرنسيس، يستشهد مسؤولو الكنيسة في روما وإفريقيا والولايات المتحدة وسواها، بكتابات البابا بنديكتوس ويعربون صراحة عن أسفهم لتلاشي تشدده العقائدي ويفخر بعض منهم بصداقته معه.

وعندما ينتقد البابا فرنسيس "الألزهايمر الروحي" و"التحجر العقلي" اللذين يهددان كبار رجال الدين، يحصل من خارج الكنيسة وهوامشها على تأييد يفوق التأييد الذي يعبر عنه المسؤولون في أجهزة الفاتيكان التي تأقلمت مع تحفظ البابا السابق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved