7أيام مع علماء «نوبل» على أرض الجمال فى ألمانيا

آخر تحديث: الأحد 29 يوليه 2012 - 3:38 م بتوقيت القاهرة
داليا العقاد

داخل جزيرة صغيرة جدا، بالغة الخضرة والجمال، فى جنوب غرب بافاريا بألمانيا، اجتمع 27 عالما من علماء نوبل هذا العام، إلى جانب 600 من شباب الباحثين، بحضور بعض الرؤساء والوزراء ورجال الصناعة، فى لقاء يحمل رقم 62، وهو لقاء يتم تنظيمه كل عام عقب سنوات من الحرب العالمية الثانية.


 

ووراء الجزيرة قصة تاريخية تعود أحداثها إلى عام 1951، حيث سعى الألمان إلى الخروج من العزلة التى فرضت عليهم بعد الحرب العالمية الثانية، ونجح مجموعة من الأطباء الألمان آنذاك فى كسر تلك العزلة بتنظيم مؤتمر دولى، وشارك فى تلك الجهود النبيل لينارت بيرنادوته الذى كان يمتلك الجزيرة وقتها، ورغم مرور سنوات طويلة وخروج الألمان من العزلة، حرصت الجزيرة على استمرار جذب علماء نوبل وشباب العلماء كل عام، ليتحاوروا ويتباحثوا فى كل المجالات العلمية.

 

وعلى هامش المؤتمر الذى عقد الشهر الماضى، تحاورت «الشروق» مع 3 من علماء نوبل من جنسيات وأعمار مختلفة، حصلوا على الجائزة فى مجال الفيزياء، ورغم أنهم لم يزوروا مصر من قبل، إلا أنهم قدموا نصائح ثمينة فى التحول الديمقراطى الذى نشهده حاليا، وكيفية بناء نظام علمى قادر على تحقيق نهضة علمية حقيقية.

 

«هول» معجب بالبرادعى

 


 

 

 

جون هول عالم أمريكى، 78 عاما، حصل على جائزة نوبل عام 2005 فى مجال الفيزياء، بالمشاركة مع العالم الألمانى تيودور هينش والأمريكى روى غلاوبر، وقد عمل هول فى جامعة كولورادو، وهو عضو فى أكاديمية البحث العلمى وله أكثر من 230 بحثا علميا، ويملك 10 براءات اختراع.

 

تقول الأكاديمية الملكية السويدية عنه: « قام جون هول وتيودور هينش بقياس الموجات بدقة لا متناهية، وأتاحت تقنيتهما فى القياس ابتكار الساعات شديدة الدقة، وتطوير تكنولوجيا التحكم بواسطة الأقمار الاصطناعية»، وكان معلوما منذ القرن الـ19 أن الضوء هو إشعاع كهرومغناطيسى على غرار الموجات الإذاعية، لكن الأبحاث الأخيرة أظهرت أن الضوء له طبيعتان فهو يتكون من موجات وجزيئات.

 

وردا على سؤال «الشروق» حول كيفية تشجيع الشباب على تعلم العلوم فى مصر، قال هول إن هذا يتطلب إصلاح مؤسسات التعليم وإحداث تغيير جذرى فى سلوك الشباب عبر إحداث الوعى الكافى بأهمية العلم، ودعا أن يبدأ هذا التغيير من أسفل، ويعنى بذلك المراحل الأولى للتعليم منذ الحضانة إلى أعلى، ويقصد به التعليم الثانوى العام والفنى ثم الجامعة.

 

 وتفهم هول قلة الدعم المالى وتأثيره على عدم تقديم تعليم جيد فى المدارس والجامعات، غير أنه قال: «تدريب المعلمين على طرق بسيطة للشرح مثل نظام التعلم بالممارسة Learn by doing، قادر على التغلب على هذه المشكلة».

 

وحول رأيه فى الجدل الدائر بين العلماء فى مصر «من أين نبدأ؟ بالاهتمام بالعلوم الأساسية أم من حيث انتهى إليه العلم والتكنولوجيا؟»، يرى هول أن الباحثين فى مصر ينشرون أبحاثا عديدة رائعة فى مجال العلوم الأساسية، مستدركا: «لكنها لا تتناسب مع عدد العلماء الموهوبين الأذكياء فى مصر، ولا بد من الاهتمام بتلك الأبحاث، كما أنه من المهم أن يهتم العلماء بكل ما استحدث من علوم كل فى مجاله».

 

ويشير هول إلى قدرة مكتبة الاسكندرية على أن تحتل قمة الأماكن العلمية فى العالم، عبر ابتكارها العديد من المشروعات المشجعة على البحث والتفاعل مع الجامعات، بشرط تزويدها بكافة الامكانيات لإحداث هذا التأثير»، مشيرا إلى أنه كتب خطابا إلى مدير المكتبة يتضمن هذا الكلام، من أجل حثه على فعل المزيد نحو تطوير المكتبة وجعلها اشعاعا ثقافيا وعلميا فى مصر وفى العالم.

 

قال: «مصر تمتاز بحضارتها القديمة العريقة، وأدعو إلى الاهتمام بالعلماء وتوفير المناخ العلمى الجيد، مع أهمية تحقيق الاستقرار والتنمية، وأنا متابع لأحد الأشخاص المؤثرين لديكم فى مصر وهو الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية، ومن المصادفة أنه حصل على جائزة نوبل فى السلام فى نفس العام الذى حصلت فيه على الجائزة عام 2005»، وتابع: «استمتعت جدا بالحديث معه حول مفهوم الاستقرار والسلم الدولى، والدور الذى لعبه فى الملف النووى فى إيران، وأهمية استغلال الطاقة النووية فى الأغراض السلمية».

 

وبالنسبة للجدل الدائر الآن بين الطاقة النووية والطاقة المتجددة وبأيهما نبدأ، قال هول: «من المهم إيجاد بدائل لتوفير الطاقة الرخيصة، مهما كانت البدائل، وهذا يحتاج إلى أن يلتف المصريون حول مشروع قومى لبنائه بشكل صحيح».

 

«شميت» يخطط لزيارة مصر

 


 

 

 

 

العالم الاسترالى بريان شميت، 45 عاما، صاحب أقوى سيرة ذاتية فى العالم، حصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 2011، بالمشاركة مع العالمين الأمريكيين سول بيرلموتر وآدام ريس، بعد اكتشافهم «التوسع المتسارع للكون»، وذلك عبر مراقبتهم لانفجار نجمات بعيدة جدا معروفة باسم «سوبرنوفا»، وقد أحدثوا تحولا فى علم الكون.

 

أراد شميت أن يكون عالما فى الأرصاد الجوية، ولكنه سرعان ما حول نظره إلى النجوم، وحصل على البكالوريوس فى الفيزياء وعلم الفلك من جامعة أريزونا فى 1989، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة هارفارد فى 1992، ثم على الدكتوراه فى العام الذى يليه، ويترأس حاليا مشروع التليسكوب العملاق «سكاى مابر» أو SkyMapper، ويتضمن أضخم كاميرا رقمية فى العالم لرصد النجوم والمجرات ــ 268 مليون بكسل ــ وبحساسية تعادل مليون مرة قدرة العين البشرية على الرصد.

 

شميت كان لديه قصه نجاح يريد أن ينقلها للشباب فى مصر، تلخصت فى قدرته على العمل العلمى الجاد بمنتهى الإتقان، وتجاوز الأخطاء والتعاون فى فريق عمل.

 

يقول: «أخطط يوما ما لزيارة مصر»، ويضيف موجها كلامه للشباب المصرى: «النجاح يحتاج صبرا وإصرارا، وهناك تغيير مهم حدث بسقوط النظام، ولكن لديكم مرحلة أطول من العمل لأن التغيير نحو التنمية والبناء سيمضى ببطء»، وتوقع شميت أن تحقق مصر تقدما خلال 10 سنوان إذا تمكن الشباب من تطبيق هذا النموذج القائم على العمل، فيما حذر الشباب من عدم الصبر، لأن هذا سينتج عنه الإحباط، وأخيرا سيؤدى إلى الفشل.

 

ويرى شميت أنه يواجه تحديا أكبر بعد حصوله على نوبل، قائلا: «المسئولية الآن أصبحت أكبر، ومن الضرورى أن أقلل من أخطائى وأن استمر على نفس المستوى، خاصة بعدما زاد عدد الأشخاص الذين يسمعون أحاديثى».

 

يضيف العالم الذى يشارك فى مؤتمر علماء نوبل فى لينداو للمرة الأولى: «أنا سعيد بالتحاور مع الباحثين الشباب هنا، وبعد أن ألقيت محاضرتى وجهوا لى أسئلة اعتبرتها الأصعب منذ أن حصلت على جائزة نوبل»، ودعا شميت الشباب بأن يكون لديهم شغف بالعلوم وليس فقط بتعلم العلوم، بشرط أن يوازنوا بين ساعات عملهم فى المعمل وبين ممارستهم لحياتهم الطبيعية، وأضاف: «أنا لا أقضى وقتى كله فى المعمل، لدى أوقات أسترخى فيها مع أسرتى».

 

وحول مدى إسهام ألبرت أينشتاين، صاحب أشهر نظريات الكون المعروفة باسم النسبية العامة، فى أبحاثه قال شميت: «كل أبحاثى قامت على أعمال آينشتاين، واعتقد أنه سبق عصره فى النظريات التى وضعها، وهذا لا ينفى انه ارتكب أخطاء كأى شخص آخر».

 

وحول مستقبل علم الفلك، يتوقع شميت العديد من المفاجآت فى هذا العلم، قائلا: «من المهم أن نكون قادرين على أن نفكر بإبداع وابتكار، وأن نصرف المزيد من الأموال على هذه النوعية من الأبحاث».

 

نصائح «ألبرت فير» لدعم البحوث فى مصر


 

 


 

الفرنسى ألبرت فير حصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 2007 بالمناصفة مع الألمانى بيتر جرونبرج، وجاء فى مسوغات حصولهما على الجائزة أنهما اكتشفا بشكل منفصل تأثيرا فيزيائيا جديدا يعرف بالمقاومة المغناطيسية الضخمة أو GMR.

 

وسمحت هذه التكنولوجيا بابتكار رءوس حديثة لقراءة المعلومات المخزنة على الأقراص الصلبة فى أجهزة الكمبيوتر، وعمل ثورة فى صنع أقراص صغيرة للغاية، وزيادة المساحة التخزينية، ونقلت بهذا الكمبيوتر إلى عصر الجيجابايت، وأدت إلى تطوير أجهزة الفيديو وأجهزة الاستماع إلى الموسيقى عبر ملفات MP3 والفيديو جيم، فأصبحت صغيرة الحجم وقادرة فى نفس الوقت على تخزين كمية أكبر من المعلومات، بخلاف انخفاض سعرها.

 

يعمل فيرت، 74 عاما، كباحث فى جامعة بارى سود Paris Sud بجنوب باريس، يقول فى حواره مع «الشروق» إنه لم يكن يتوقع أن تؤدى أبحاثه إلى هذه النتائج المذهلة على المستوى العلمى والاقتصادية، حيث بدأ أبحاثه منذ عام 1980، وتكلل بالنجاح عام 1988، ولكن دون أن يحظى البحث بالاهتمام الكافى، حتى جاء عام 1990، وبدأت بعض الشركات العالمية فى الاهتمام به مثل طومسون CSF، وفيليبس وسيمنس، وحظت مشاريعه باعتراف الاتحاد الدولى للكيمياء والفيزياء التطبيقية، وبعدها بدأ فى حصد العديد من الجوائز الدولية.

 

وردا على سؤال حول مشكلة الدعم المالى التى تواجه البحوث العلمية فى الدول النامية، يقول فيرت: «يجب تغيير نظرة الأنظمة للبحوث العلمية فى الدول النامية، ويجب ضخ المزيد من الاموال فى مجال البحث العلمى»، موضحا أنه من طبيعة البحوث أن تتأخر نتائجها، ولكنها فى النهاية تأتى بثمار كبيرة على المدى الطويل، وعلى المستوى الصناعى والتكنولوجى.

 

وحول رأيه على إنفاق دولة مثل مصر 1% فقط من إجمالى الدخل على البحوث، قال إنه يتفهم المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر، ولكن يجب زيادة ميزانية البحث العلمى بما لا يقل عن 2%، مشيرا إلى دول عديدة مثل كوريا والصين، نجحتا فى الوصول إلى حلول عملية وتطبيقية للأبحاث، وأثر هذا على تقدم الصناعة والاقتصاد بسبب ضخ المزيد من الأموال على الأبحاث، ودعا إلى أهمية مشاركة القطاع الخاص مع الحكومى فى الصرف على الأبحاث.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved