«ترام وحريتنا وجرامافون».. قوانين البث والتمويل والملكية الفكرية تحاصر «راديو الإنترنت»

آخر تحديث: الخميس 30 أبريل 2015 - 7:08 م بتوقيت القاهرة

نسمة مصطفى

قبل أيام من احتفال جمهور راديو «جرامافون» ببداية السنة الخامسة له، التي توافق يوم 5 مايو، قرر مؤسسو الراديو إعلان نهاية هذا المشروع، الذي وصفوه بأنه «شبه تعليمي غير ربحي».

قرار وقف جرامافون، المختص بإذاعة أغاني وبث حي لبعض الحفلات عبر الانترنت، جاء مفاجئا لكل متابعيه، وبين أسباب مادية وأسباب قانونية ومخاوف من تهديدات بالحبس في أي لحظة، استقر رأي مؤسسيه على التوقف على الأقل حتى تسنح الفرصة بالعودة مرة أخرى في ظروف أفضل.
بدأ الحديث عن غلق الراديو في يناير الماضي، بعد أن تعطل السيرفر لمدة شهر وتم مسح الأرشيف كله لعدم قدرتهم على سداد مبلغ تجديده، فاجتمع فريق عمل الراديو، وكانوا وقتها 8 أفراد، وتشاوروا في قرار غلقه نهائيا.

أوضح أحمد كمال، مؤسس «جرامافون»، لـ«بوابة الشروق»، أنه لم يعد في إمكانهم توفير تكاليف الراديو بعدما توقفت منحة «مؤسسة التعبير الرقمي العربي (أضف)»، والتي استمرت لمدة عام.

يقول كمال، إن الإذاعة في الثلاث سنوات الأولى اعتمدت على التمويل الذاتي من أصحاب المشروع أنفسهم، وكانت تكلفة الراديو سنويا تصل إلى 65 ألف دولار، مقسمة على «سيرفرات البث» وإدارة البرمجيات وغيرهما، لأن الإذاعة تضم 7 راديوهات داخلية «عربي قديم – كلاسيك – الراديو الرئيسي – جاز – روك – راديو الست».

"في السنة الرابعة، قدمت مؤسسة أضف منحة لتمويل المشروع، ولكنها توقفت في أغسطس الماضي، وبدأنا في البحث عن ممولين من دول أجنبية بين لبنان والنرويج، وبعد أن كنا على وشك الوصول إلى اتفاق نهائي مع إحدى المؤسسات تراجعوا، لأن القانون المصري أصبح يهدد حريتهم"، بحسب أحمد كمال.

أشار كمال في هذه الأزمة إلى قانون «التمويل أجنبي»، الذي صدر تعديلات بشأنه عقوبته في المادة «78» من قانون العقوبات، في سبتمبر الماضي، تنص على «توقيع عقوبة المؤبد وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، على كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو ممن يعملون لمصلحتها أو من شخص اعتباري أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أي جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالًا سائلة أو منقولة أو عتادًا أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو في حكمها أو أشياء أخرى أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام».

أزمة أخرى تواجه «جرامافون» وإذاعات الانترنت بشكل عام، وهي «التراخيص»، التي أكد كمال أنهم لم يحصلوا على ترخيص لعدم وجود مقر خاص للراديو ويبثون من منازلهم.

أما عن ترخيص البث، فإن "أي شكل من أشكال البث عبر الانترنت ليس له ترخيص في العالم، لأن الانترنت ليس ملكا لحكومة بعينها، وهذه قناعة لدينا"، مضيفا "تقنيا نحن لا نبث من داخل مصر لأن جميع سيرفراتنا موجودة في جنوب أفريقيا".

«قانون الهيئة الوطنية للإعلام»، الذي نشرت مسودته قبل أيام، لم تكن المادة 16 منه المتعلقة بالبث المباشر سببا رئيسيا في غلق جرامافون، كما تداول البعض.

تنص هذه المادة، بحسب المسودة التي نشرت في وسائل الاعلام، على «حظر قيام أى جهة أو شخص باستخدام أى وسيلة أو جهاز أو تقنية للبث المباشر، أو إعادة البث عبر الأقمار الصناعية، أو الإنترنت، لأى حدث داخل مصر...».

قال كمال: «في جميع الأحوال كنا سنغلق الراديو لعدم وجود أي ضمان للاستمرارية، ولم نقل إن هذا القانون هو السبب، ولكن أردنا في البيان لفت نظر الناس إلى أن هناك قانونا سيتم إقراره يهدد بمادة واضحة وصريحة إذاعات الانترنت، وليس في مصلحتنا أن يتم حبسنا».

بعد 8 سنوات من تأسيسه.. «المصنفات» تتهم «حريتنا» بالمخالفة

في 4 أبريل الجاري، ألقت الشرطة القبض على مدير مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف ومدير راديو حريتنا، أحمد سميح، ووجهت له عدة تهم بعضها متعلق بقانون المصنفات الفنية وحقوق الملكية فيما يخص "الأغاني ونسخ الويندوز التي يستخدمونها".

علقت سمر الحسيني، المدير التنفيذي لراديو حريتنا، على هذه التهم قائلة، لـ«بوابة الشروق»: "على مستوى الملكية الفكرية، فإننا لا نقوم بتحميل الاغاني أو عرضها للتحميل، كل ما نفعله هو إعادة نشر محتوى موجود بالأساس على الانترنت".

أما عن التهمة الخاصة بـ«نسخ ويندوز غير مرخصة»، قالت الحسيني لـ«الشروق»، قدمنا ما يثبت شرائنا لهذه النسخ وأنها أصلية ومرخصة.

قررت النيابة إخلاء سبيل سميح بكفالة 5 آلاف جنيها، لحين فحص الأحراز واستكمال التحقيقات.

وتعليقا على قانون الهيئة الوطنية لإعلام، وصفته الحسيني بأنه "مقيد لحرية الرأي والتعبير والإعلام"، موضحة أنهم عند تأسيس الراديو عام 2007 تواصلوا مع عدد من المحامين الذين أكدوا عدم وجود أي مواد في القانون تنظم البث عبر الانترنت.

كما أشارت المدير التنفيذي إلى أن «البث عبر الانترنت أو البث الرقمي» هو عبارة عن "نشر" محتوى ما على الانترنت، لا علاقة له ببث الموجات في حالة الإذاعات الأرضي والتي تحتاج إلى تراخيص من الدولة.

"في حالة إقرار هذا القانون، يجب أن يقدم الإعلامين وأصحاب إذاعات الانترنت مسودة موازية لتنظيم العمل دون قيود"، على حد قول سمر الحسيني.

«ترام».. داهمته الشرطة رغم وجود ترخيص

واقعة أخرى في 14 فبراير من العام الماضي. حضرت قوات من شرطة المصنفات والشرطة العسكرية وقوات خاصة إلى مقر عمل «راديو ترام» بالاسكندرية، بناء على بلاغ وصفه مؤسسو الراديو بـ«الكيدي» بأن الراديو يعمل بدون ترخيص.

وصل عمر حاتم، مدير الراديو ووقدم لهم صور من تراخيص شركته، التي تتضمن السجل التجاري الصادر عام 2012، البطاقة الضريبية والموافقة الأمنية.

يقول حاتم، لـ«بوابة الشروق» إن توصيف شركته في السجل التجاري هو "شركة دعاية وإعلان مصرح لها بعمل إذاعة على الانترنت باللغتين العربية والانجليزية تبث من مقرها الرئيسي بالاسكندرية، ويكون تربحها عن طريق الاعلانات والدعايا".

كما حصل حاتم على موافقة أمنية عند بداية تأسيس الشركة، لكونها شركة دعاية وإعلان وليس لكونها إذاعة على الانترنت، موضحا "قيل لي إن أي شركة دعاية وإعلان تعمل إلكترونيا تحتاج لموافقة أمنية"، وبالفعل حصلت الشركة على الموافقة الأمنية والتي صرحوا فيها بعمل كل ما هو مذكور في السجل التجاري "بدون أي إضرار بالصحف أو المطبوعات، أي غير مصرح بإصدار أي محتوى صحفي"، بحسب كلامه.

لم ينقص حاتم، بحسب ما قالته شرطة المصنفات لهم، سوى ترخيص من «القرية الذكية»، الذي يتعلق بحقوق الملكية الفكرية وحق أصحاب الأغاني التي تبث.

أبدى عمر حاتم تخوفه من أن يضطروا هم ومعظم أصحاب إذاعات الانترنت لاتخاذ نفس قرار «جرامافون» يوما ما.

"بحثنا وسألنا محامين عن سبل ترخيص إذاعة إلكترونية وهم أكدوا عدم وجود قانون معين ينظم البث الالكتروني أو ما يمنعه، فتعاملنا على أنه شىء مصرح به"، على حد قول حاتم.

وطرح مؤسس ترام عدة نقاط وتساؤلات حول موقفهم القانوني، قائلا: "تقنيا البث يكون من خارج مصر، إلا في حالة بث مباشر لحفلات أو أي حدث، لأن سيرفرات البث موجودة في دول أجنبية وندفع لها مبلغ بسيط شهريا مقابل الحصول على مساحة على الإنترنت تكفي لتشغيل أغاني تعمل طوال اليوم".

وأضاف "لا نجد مشكلة في تقنين وضعنا ودفع رسوم مقابل بث أي محتوى على الانترنت، ولكن المشكلة أن تكون هذه الرسوم في غير قدرة مجموعة شباب، لأن في ذلك الوقت سنضطر لغلق الراديو".

وتساءل حاتم: "هل يمكننا أن نستمر في العمل حتى يصدر القانون رسميا أم لا؟ وما هو المطلوب منّا حتى تستمر الإذاعة دون قلق أو قيود؟".

الدستور يكفل حرية البث الالكتروني.. والقانون لا ينظمه

«قانون الهيئة الوطنية للإعلام» لم يقر رسميا، ولكنه أثار عدة مخاوف عند أصحاب إذاعات الإنترنت.

أحمد خير، المدير التنفيذي لمركز دعم لتقنية المعلومات، رغم تأكيده على أن كل ما يتم تداوله ما هو إلا "مسودة قانون وتغطيات صحفية"، بحسب وصفه، إلا أنه أشار إلى أن "التوجه العام سواء فيما يتم تداوله بشأن مشروع هذا القانون أو مشروع قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات إضافة إلى الخطاب الحكومي المستمر عن مدى خطورة الانترنت ووجوب خضوعه لرقابة يؤكد أن هناك اتجاه للتضييق على الهيئات الرقمية بشكل عام وعلى الانترنت كوسيط لتداول المعلومات".

بتطبيق المادة 16، حال تم إقرارها، على إذاعات الانترنت، اعتبر خير أن تخوفات أصحاب تلك الإذاعات مبررة، "فمحتمل أن يجدوا أنفسهم مجرّمين بالقانون ومتهمين في أي قضية سواء باستخدام صيغة عدم الحصول على موافقة المصنفات الفنية أوالتعدي على حقوق الملكية أو حق الأداء العلني"، على حد قوله، مستدلا على ذلك بواقعتي "حريتنا" و"ترام".

أشار خير، في تصريحات لـ«بوابة الشروق»، إلى أن هناك ما يسمى بحقوق الأداء العلني أو حقوق إعادة بث في الإذاعات الرسمية، يحصل عليها أصحاب الأغاني، "تكون مبالغ قليلة ولكن مجموعها يصبح رقم ليس بسيط يمكن أن ترفع به قضايا كثيرة".

وعن سبب عدم حصول غالبية الإذاعات التي تبث عبر الانترنت على تراخيص، أكد خير أنه رغم وجود المادة 70 في الدستور التي تنص على «حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية, عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمى. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية»، "ولكن القانون المصري لم ينظم ذلك الأمر حتى الآن"، بحسب خير.

المصنفات الفنية تشرح أزمة إذاعات الانترنت

مباحث «المصنفات الفنية» هي الجهة المعنية بتطبيق قانون حماية الملكية الفكرية والتحقيق في البلاغات التي تتهم أي شخص أو جهة بالتعدي على أي مصنف محصن بحقوق الملكية.

المقدم عماد أبو ستيت، الضابط بمباحث المصنفات الفنية، قال لـ«بوابة الشروق» إن بعض إذاعات الإنترنت تواجه أزمة مع المصنفات الفنية لأنها تذيع الأغاني بدون إذن من أصحابها.

وبحسب أبو ستيت، فإن منتِج المصنف، سواء كان أغنية أو غيره، هو صاحبه وله الحق أن يعطيه للإذاعات بمقابل أو بدون وهو الذي يحدد المبلغ، مضيفا "طالما أن هذه الإذاعات تستفيد من الأغنية بصفة تجارية فإن التعدي على حق صاحبها يسمى استغلال تجاري".

وردا على أن هذه الأغاني مطروحة مجانا على الانترنت، قال ضابط المصنفات إن هذه المواقع أيضا مخالفة إذا لم تثبت حقها في عرض المحتوى بإذن كتابي من صاحبه.

واختتم أبو ستيت: "الأغاني الوحيدة غير المحصنة بحقوق الملكية هي أغاني التراث، التي مر عليها 50 سنة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved