كمال رمزى يكتب من الجزائر: مهرجان وهران للفيلم العربى يسترد عافيته

آخر تحديث: الثلاثاء 30 يونيو 2015 - 11:06 ص بتوقيت القاهرة

الشروق

«بتوقيت القاهرة».. فى عيون جزائرية

السينما السورية متمسكة بالحياة والحضور
ما أبعد اليوم عن البارحة.. نفضت «وهران» توترها، تجهمها، حزنها، إبان سنوات «العشرية السوداء»، لتغدو، بمهرجانها السينمائى الدولى، مدينة عصرية، متحضرة، جادة، معتدلة المزاج، تجاوزت الأحداث الدامية التى كانت تصبغها، حقيقة، باللون الرمادى المترب.. الآن، يلمس الزائر تغيرات تشمل حركة المرور المتدفقة، بالترام الجديد، الأنيق، المنتظم التوقيتات. الشوارع نظيفة، المحال عامرة بالأضواء والبضائع. المقاهى امتدت على طول شاطئ البحر. اختفت تجمعات الشباب العاطل عند النواصى، وأعيد ترميم وطلاء وتجهيز دور العرض المحترقة، المدمرة، استعدادا لاستقبال الدورة الثامنة للمهرجان.. تطورات المدينة المنتشعة بالوعود والثقة، يثبت قدرة الشعوب على البناء والاحتكام للعقل، عقب فترات التخريب والجنون.

نشاطات.. زائدة
كأن القائمين على المهرجان، أرادوا الثأر من سنوات الارتباك والتوقف، فاندفعوا، بحماس، إلى إقامة نشاطات أكبر مما تتحمله طاقة المهرجان.
إلى جانب مسابقة الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، والتسجيلية، وهى العناصر الجوهرية فى كل المهرجانات، أضاف «وهران» ملتقى «الرواية والسينما» أو «من القلم إلى الشاشة»، الذى شارك فيه نخبة من مبدعى الأدب ودارسيه: واسين الأعرج، صنع الله إبراهيم، محمود الغيطانى، إبراهيم نصر الله، وحيد الطويلة، وآخرون، قدموا، تأملات عميقة، فى العلاقات المتبادلة، بين الرواية والعمل السينمائى، تستحق الرصد فى كتاب لم يصدر، ذلك أن المهرجان اكتفى، من دون مبرر، بطبع وتوزيع كراسة صغيرة، لا تتجاوز الخمسين صفحة، تتضمن ملخصات مبتسرة، بشهادة أكثر من ثلاثين كاتبا مرموقا.
على عجل، جاء تكريم طابور من الغائبين، الراحلين: آسيا جبار، فاتن حمامة، فتيحة بربار، قصى صالح درويش.. ونظرا لضيق الوقت، لم يتجاوز الاحتفاء بهم سوى يوم واحد، وبالتالى، لم يتعرف الجمهور على القيمة الحقيقية لكل منهم.
بالمثل، من الممكن القول بأن الاحتفال بمرور أربعين عاما على انتزاع «وقائع سنوات الجمر» لسعفة «كان» الذهبية، جاء أقل من حجم الإنجاز التاريخى، وصاحبه محمد الأحضر حامينا، الذى أسندت له الرئاسة الشرفية لهذه الدورة.. أظن لو أن المهرجان أصدر كتابا توثيقيا عن المخرج، يتضمن مختارات من المقالات والدراسات، عنه، وعن أفلامه، وعن «سنوات الجمر» لكان الأمر جديرا بالإشادة.

الأفلام
بعيدا عن حمولة المهرجان الثقيلة، بما فى ذلك بانوراما السينما التركية، ضيفة «وهران» الرسمية، حيث لم يحضر أحد من الفنانين الأتراك، ولم يصدر كتالوج بالأفلام التى سيتم عرضها، مما جعل الصحافة الجزائرية توجه نقدا لاذعا لإدارة المهرجان.. بعيدا عن أى سلبيات، يمكن القول بأن «وهران» نجح فى استقطاب «١٨» فيلما عربيا طويلا، مهما، بعضها شارك فى مهرجانات سابقة، مثل «ذيب» للأردنى ناجى أبو نوار، وهو فيلم جميل، يتسم بأسلوبه الخاص، لكن المرء يتخوف على مستقبل صاحبه الذى يتابع نجاحه، من بلد لآخر، منذ سنتين، من دون البدء فى مشروع جديد.
و«أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» اليمنية خديجة السلاف، المعتمد على قضية الطفلة التى تم تزويجها، لكهل، وأثارت الرأى العام، محليا ودوليا.. يكتسب الفيلم قيمته من ريادته فى بلد تخطو خطواتها الأولى، فى عالم الأطياف، وإن جاء مترهلا، طويلا، فقيرا.
جديد السينما العربية، جاء من سوريا، بفيلمين قويين، مثيرين للإعجاب والجدل «الأم»، لصاحب التجارب المتنوعة، على الشاشتين، الكبيرة والصغيرة. الرصين، باسل الخطيب.. «الأم»، بنزعته الرمزية، ذات الطابع الشاعرى، يجعلنا نرى سوريا، ملخصة، مختزلة، فى تلك الضيعة الجميلة، الحزينة، بألوانها الكابية، الرمادية، بالأسلاك الشائكة التى تقسمها إلى مناطق، ثم تلك الأم العليلة، بوفاتها المحتمة، ومحاولة أبنائها الذين دب الصراع بينهم، للعودة إلى الضيعة، لحضور الجنازة.
أما «الرابعة بتوقيت الفردوس» للموهوب، المفعم بروح الشباب، محمد عبدالعزيز، فإنه يلهث، بمتابعة أبطاله السبعة، خلال يوم واحد، فى مدينة يخيم عليها القلق والحيرة، مع شىء من الجنون. الفيلم ينتقل من المستشفى حيث الفتاة الجميلة المصابة بالأورام، إلى دمشق النابضة بالنشاط والفوضى: حصان يموت، صاحبه، الكردى الأصل، يحمل زوجته المريضة على ظهره، يكاد يبيع كليته ليوفر تكاليف علاجها. رجل السلطة الذى تم الاستغناء عنه، يحاول الانتحار مرة تلو الأخرى. الفيلم مكثف، عنيف، نفسيا وماديا، يكاد يترنح من فرط ثقله.

الجوائز
المهرجانات العربية، عامة، هى الأكثر توزيعا للجوائز، من بين معظم مهرجانات العالم، وأحيانا، تكون الجوائز ذات قيمة مالية، معلن عنها رسميا، لكن لا تدفع أبدا.
هنا، لا يستثنى «وهران» عن غيره من المهرجانات العربية. لذا، من الأفضل الإشارة إلى الجوائز الأهم، وهى «الوهر الذهبى» الذى حصل عليه «جوق العميين» للمغربى، محمد مفتكر.. عنوان الفيلم غريب، صعب الفهم، عسير فى النطق. المقصود به جوق، أو فرقة موسيقى، يتظاهر أفرادها بأنهم عميان.. فى هذه الحالة، الأدق، أن يكون العنوان «جوق المستعمين»، وبلغتنا العامية يصبح «جوق اللى عاملين نفسهم عميان».. الفيلم، برغم عنوانه الثقيل، يتسم بخفة ظل، لمساته الكوميدية اللطيفة، تعتمد على مفارقات لها سحرها، فثمة مجموعة من فنانين تضطرهم الظروف للتظاهر بأنهم عميان، كى تتاح لهم فرصة العزف والغناء فى الحفلات النسائية التى لا يؤمها الرجال.
جائزة الإخراج ذهبت إلى الجزائرى ياسين محمد بن الحاج، صاحب الفيلم المشوق، الملىء بالانفعالات الحادة «رانى ميت» ـ العنوان غريب، صعب النطق والفهم ـ تدور أحداثه حول لص سيارات، يسرق عربة، يجد بداخلها حقيبة منتفخة بالنقود، لكن يكتشف أن صاحبها هو قاتل محترف.. يصاب بالذعر. نتابع موجات الهلع التى تنتابه.
لعل إدارة الممثل، فى الأفلام السورية، من أرقى عناصرها، لذلك حصلت صباح الجزائرى على جائزة أفضل دور نسائى فى «الأم» لباسل الخطيب.
مصر، كان لها نصيب جيد فى الجوائز، أحسن سيناريو لفيلم «بتوقيت القاهرة» الذى كتبه وأخرجه أمير رمسيس.. كذلك كان نور الشريف، الغائب الحاضر، حسب اختيار لجنة التحكيم، أفضل ممثل.
سألنى شاب وهرانى نابه، حديث السن: ألست معى فى بحث نور الشريف، طوال الفيلم، عن شىء ثمين ضائع، يريد استعادته، يمثل مصر، فى بحثها الآن، عما ضاع منها.. تريد، بعزيمة تشبه عزيمته أن تجده.
قلت له: كلامك.. أفضل جائزة.

  فاتن حمامة
بتوقيت القاهرة
جوق العميين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved