الدين والسياسة.. الماضى المجهول فى حياة ليلى مراد «2» - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:30 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدين والسياسة.. الماضى المجهول فى حياة ليلى مراد «2»

وثائق في حياة ليلى مراد
وثائق في حياة ليلى مراد
أعدها للنشرـ حاتم جمال الدين:
نشر في: الإثنين 1 فبراير 2016 - 10:28 ص | آخر تحديث: الإثنين 1 فبراير 2016 - 1:55 م

• شهادة يوسف شاهين لـ«سيدة القطار» تنفى تهمة السفر لإسرائيل عن الفنانة الراحلة

• حسن الصيفى يؤكد أن ليلى سافرت برفقة طليقها فى رحلة علاجه بفرنسا

• رسالة خطية لأنور وجدى تنهى أسوأ 9 أيام فى حياته وتبرئ ساحته من ترويج شائعة ضد طليقته

• خبر فى «الأهرام» عن منع سوريا لأفلامها وراء قرار اعتزال الفن

• دفعت ثمن باهظا لاستعانتها بالرئيس لوقف مضايقات مجلس قيادة الثورة

 

تبقى علاقة ليلى مراد بالسلطة هى العلاقة الأكثر غموضا فى حياتها، فما هى طبيعة علاقتها بالرئيس محمد نجيب، وهل كانت سببا فى خلافها الشهير مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة؟، وكيف تعاملت مع قرارات منعها من العمل؟، وما حقيقة سفرها لإسرائيل وتبرعها بخمسة آلاف جنيه لليهود؟ تساؤلات مهمة يعيد كتاب «وثائق فى حياة ليلى مراد» للناقد والمؤرخ الفنى اشرف غريب قراءتها فى ضوء وثائق تلك الفترة المرتبكة فى حياة قيثارة الفن المصرى ليلى مراد.

ويتناول الكتاب بالتفنيد والتحليل ما تم نشره ببعض الصحف فى نهاية عام 1952 حول سفر المطربة صاحبة الأصول اليهودية إلى إسرائيل، وكان بمثابة تهديد عاصف لمستقبل الفنانة المشهورة التى كانت فى ذروة نجاحها، وما لبثت أن تجنى ثمار نجوميتها، خاصة أن الصحافة لعبت على وتر الوطنية بتوقيت كان فيه الشعور الوطنى والقومى فى أوجه عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952.

بذلت ليلى جهدا خارقا حتى تستطيع تجاوز هذه الأزمة، ورغم ذلك يظل الاعتقاد بأنها ربما كانت تلك الأزمة سببا خفيا وراء اعتزالها التمثيل بعد ذلك بثلاث سنوات.

سفر لإسرائيل من دمشق لباريس
فى كتابه تتبع أشرف غريب هذه الواقعة التى حملتها سطور خبر بسيط نشرته صحيفة الأهرام صبيحة 12 سبتمبر 1952 جاء فيها ما يلى:
دمشق فى 11 ـ لمراسل الأهرام الخاص ـ
«منعت الحكومة عرض أفلام ليلى مراد وإذاعة أغانيها من راديو دمشق، لأنها زارت إسرائيل وتبرعت بخمسين ألف جنيه لحكومتها».
وبالتدقيق فى نص الخبر يرى الكاتب بأن الحكومة السورية استندت إلى مجرد شائعة فى اتخاذ قرارها دون أى محاولة للتأكد من صحة الخبر، علما بأن زيارة كهذه ــ لو كانت تمت بالفعل ــ لاستفادت منها إسرائيل على أوسع نطاق إعلامى، ولعرف بها القاصى والدانى، ولم تكلف السلطات السورية نفسها إعمال المنطق فى أمر هذه الزيارة المثيرة، فلماذا تقوم ليلى مراد بزيارة إلى إسرائيل وهى تنوى البقاء فى مصر؟، فلو كانت مؤمنة بهذه الدولة النشاز لكان الأجدى أن تهاجر إليها أو تترك مصر على الأقل.. وإن كانت ترغب فى مواصلة مشوارها الفنى بالقاهرة، فهل من المعقول المغامرة باسمها وتاريخها ونجاحها بخطوة غير مجدية كهذه، خصوصا أن أحدا لم يجبرها قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات على التحول من اليهودية إلى الإسلام بمن فيهم زوجها الفنان أنور وجدى، والذى اتهم فى حينه بأنه وراء تلك الوشاية التى دفعت الحكومة السورية لاتخاذ قرار منع أفلامها وأغنياتها من التداول فى سوريا.

القنصلية على الخط الأزمة
وحينما نشرت الأهرام هذا الخبر القنبلة كانت ليلى مراد فى العاصمة الفرنسية باريس، ولذلك لم تغب القنصلية المصرية فى باريس عن المشهد، وبعد أيام قام أحد موظفى القنصلية بتسليم ليلى مراد أول وثيقة مهمة كان لها دورها فى حشد أدلة براءتها طالبا منها التوقيع على الاستلام، تتمثل فى بيان بتحركات ليلى مراد والتى غادرت القاهرة فى 8 أغسطس 1952، إلى مطار أورلى، ولم تغادر فرنسا حتى تاريخ صدور الخطاب المؤرخ فى 17 سبتمبر من العام نفسه.

ويشير الكاتب إلى طريقة تعامل ليلى مراد مع الخبر المنشور بالأهرام، والتى ترصد حالة من الانزعاج جعلتها تتحرك سريعا لمواجهة الكارثة، فبعد ساعات قليلة وقبل أن تفيق من الصدمة قامت بتكذيب الخبر فى الأهرام، وكذلك بادرت بالتقدم إلى القنصلية المصرية فى باريس بطلب بيان تحركاتها هناك منذ وصولها فرنسا وحتى تاريخه.

وفى يوليو من عام 1958 نشرت ليلى مراد مقال بعنوان «كنت فى باريس يوم 23 يوليو»، وهو المقال الذى كتبته بنفسها لمجلة الكواكب، حكت فيه عن كيفية استقبالها خبر قيام ثورة 1952، وانطباعات الفرنسيين حولها ثم اللحظة التى غادر فيها الملك فاروق الإسكندرية بعد أيام فى السادس والعشرين من يوليو، وهذا معناه أن ليلى كانت فى فرنسا قبل الثامن من أغسطس التاريخ، الذى حددته وثيقة القنصلية المصرية.

وفى محاولة لاستجلاء الحقيقة فى هذا التضارب يشير الكاتب إلى حوار تليفزيونى للمخرج الراحل يوسف شاهين اذاعته قناة روتانا سينما فى عام 2005، تحدث فيه عن تصوير فيلمه «سيدة القطار» الذى لعبت بطولته ليلى مراد سنة 1952، وفى معرض حديثه عن الفيلم والتدليل على مدى التزام بطلته وإخلاصها للعمل الذى تقدمه، فحكى أن ليلى اضطرت للسفر إلى فرنسا قبل أن تصور مشاهد الأم بعد أن تتقدم فى السن، وبخاصة مشاهد المواجهة بينها وبين زوجها يحيى شاهين أو ابنتها التى تؤدى دورها ليلى مراد أيضا، وذلك بعد أن كان قد اتفق معها على الانتهاء من هذه المشاهد عقب عودتها من باريس، لكن المصور عبدالحليم نصر منتج الفيلم فاجأه بأنه حجز تاريخا لعرض الفيلم بعد أسابيع، وعليه أن يسلم النسخة النهائية فى غضون خمسة عشر يوما، وتأزم موقف شاهين وزاد تعقيدا بسبب قيام ثورة يوليو، وبات من الصعب ترتيب عودة ليلى من باريس على وجه السرعة، لكنها فعلت المستحيل وقطعت رحلتها لفرنسا وعادت بالفعل إلى القاهرة بعد عدة أيام لتمضى أسبوعا كاملا بلا نوم فى استوديو مصر حتى تنتهى من تصوير هذه المشاهد المهمة، ثم رجعت ثانية إلى باريس.

ولما كان من الثابت عرض «سيدة القطار» فى 18 أغسطس من 1952، فإن هذا يعنى صحة رواية شاهين، كما يعنى أن ليلى قطعت زيارتها إلى فرنسا أواخر يوليو ورجعت إلى القاهرة لمدة أسبوع ثم عاودت السفر إلى باريس فى الثامن من أغسطس استنادا إلى جواز سفرها، الذى تحققت منه القنصلية المصرية فى فرنسا.

اعتراف بخط يد أنور وجدى
لم يقف الفنان أنور وجدى ـ طليق ليلى مراد آنذاك ـ موقف المتفرج، وبعد تسعة أيام فقط من نشر الخبر الكارثة فى الأهرام أرسل خطابا للجريدة بخط يده من باريس حيث كان يخضع للعلاج هناك، ينفى فيها الخبر، وجاء الخطاب المؤرخ فى 20 سبتمبر 1952 لينهى اسوأ 9 ايام فى حياة ليلى مراد.

ويعلق كاتب «وثائق فى حياة ليلى مراد» على هذه الواقعة، بأن أنور وجدى الذى كان على خلاف معها فى ذلك الوقت وصل إلى حد الطلاق بات أكثر المتضررين من قرار منع اعمال ليلى مراد فى دمشق، خاصة أن الشراكة فى شركة الإنتاج كانت لا تزال قائمة بينهما، وكان يريد بهذا الخطاب أن يبرئ ساحته، كما يبرئ نفسه أمامها من تهمة الترويج لهذه الشائعة، والتى كانت قد بدأت تتردد فى الأوساط الفنية.

وعلى خلفية هذه الواقع ينقل الكاتب عن المخرج الراحل حسن الصيفى رواية عن تلك الفترة، وكان آنذاك مساعدا لأنور وجدى، والذى قال إن المتاعب الصحية بدأت فى ذلك الوقت تؤرق حياة أنور، وأن الأطباء نصحوه بالسفر إلى باريس للعرض على أحد الأطباء هناك، وأن ليلى مراد رأت من الوفاء والواجب على الرغم من حدوث الطلاق بينهما السفر معه والبقاء إلى جواره فى أزمته الصحية.

شهادات رسمية
رغم التحركات الحثيثة التى بذلتها ليلى مراد لدفع التهمة عن نفسها، واعتراف القنصلية المصرية بباريس بأنها لم تسافر لإسرائيل، فإن آثار هذا الخبر ظلت مستمرة، ولم يتم حسم مسألة زيارتها لإسرائيل تماما، وكذلك رسالة أنور وجدى للصحف المصرية لم تكن كافية لتبرئة ليلى من التهمة، ومن هنا كانت هناك حاجة ملحة لحشد عدد آخر من الأدلة الدامغة، التى تقضى تماما على هذه الشائعة القاتلة، فتسارعت الخطى لجمع هذه الأدلة، ومنها كشف حساب ليلى مراد فى البنك العثمانى وقيمته 36149 جنيها و820 مليما وبيان بحركة تعاملاتها البنكية خلال الأشهر الثلاثة السابقة على طلب البيان، وكذلك حسابها فى البنك العربى وقيمته 3071 جنيها و62 مليما وبيان بحركة تعاملاتها البنكية خلال الفترة ذاتها، كذلك قام المحاسب والخبير المالى عيسى عبده إبراهيم بإرسال خطاب دورى إلى جميع البنوك، والتى أفادت بأنه ليس للسيدة ليلى زكى مراد أى حسابات بنكية بها.

لكن ذلك كله كان بحاجة إلى شهادة قوية من جهة سيادية لا تقبل شهادتها الشك أو التأويل، ولهذا سارعت كثير من الجهات الفنية للوقوف بجانب ليلى مراد، وعلى رأسها غرفة صناعة السينما ونقابة ممثلى المسرح والسينما اللتان بادرتا بطلب توضيح رسمى من إدارة الشئون العامة بالقوات المسلحة حول موقف ليلى مراد من هذه الواقعة قطعا للشك باليقين واستجلاء للأمر تماما، وردت إدارة الشئون العامة بالقوات المسلحة فى السابع والعشرين من أكتوبر 1952 أى بعد شهر ونصف الشهر من قرار الحكومة السورية، وذلك بخطاب رسمى إلى رئيس غرفة صناعة السينما مع التوصية بإرسال نسخة منه إلى نقابة ممثلى المسرح والسينما، وهو الخطاب الذى حمل دليل براءة ليلى مراد.

ليلى ونجيب وثالثهما إسرائيل
تفتح شهادة إدارة الشئون العامة بالقوات المسلحة، والموقع باسم قائد الجناح قائد جناح وجيه أباظة مدير إدارة الشئون العامة باب الحديث عن علاقة ليلى مراد بالسلطة، خاصة أن هذا الخطاب كان بداية تعارف بين ليلى وأباظة أدى إلى زواج أنجبت منه ابنها أشرف أباظة.

ويتناول الناقد أشرف غريب هذا الملف من خلال قراءة فى وثيقة أخرى، وهى خطاب وجهته ليلى مراد للرئيس محمد نجيب، وهى الوثيقة التى قال عنها انها دفعته إلى إعادة قراءة كثير من الوثائق علاقتها بإسرائيل بصورة أخرى، وتأتى أهمية الوثيقة أولا فى توقيتها ثم فى تفاصيلها والأسماء الواردة فيها.

وفى الخطاب الذى أرخته الفنانة الراحلة فى 23 مارس من عام 1953، تشكو ليلى للرئيس من شعورها بالظلم مما لحق بها جراء استدعائها للتحقيق معها أكثر من مرة فى مجلس قيادة الثورة، وذلك بشأن مقابلة تمت بينها وبين شخص يهودى يدير أحد الاستوديوهات فى اليونان خلال زيارة لها إلى هناك بدعوة من سفير السويد بأثينا، وأن هذا التحقيق جاء بعد أن روت القصة كاملة لعبداللطيف البغدادى عضو مجلس قيادة الثورة، وقالت فى خطابها إنها كانت قد أعادت الحكاية مرة أخرى فى زيارة قامت بها لمجلس قيادة الثورة بصحبة الموسيقار محمد عبدالوهاب والفنان محمد فوزى، وبحضور عبداللطيف البغدادى وصلاح سالم، والذين أكدوا لها أن الموضوع لا يستحق.

ولكنها فوجئت باستدعائها مرة أخرى فى وقت متأخر من اليوم، وتم سؤالها عن علاقتها بجماعة تتعاون مع اليهود بولاند ليفس، وقالوا لها إنهم عند إلقاء القبض على أعضاء فى هذه الجماعة أفادوا بأنهم قابلوها، وحصلوا منها على أموال.

وينوه غريب فى كتابة إلى أن وثائق علاقة ليلى بإسرائيل تشير لأزمة تعرضت لها الفنانة الشهيرة تتعلق بزيارتها سرا لإسرائيل وتبرعها لها بخمسة آلاف جنيه، وأن هذا كله حدث أثناء زيارتها لفرنسا خلال تلك الفترة، ومن ثم ليس هناك على الإطلاق أى ذكر لا لزيارة ليلى مراد لليونان ولا للسفير السويدى ولا لذلك الرجل اليهودى الذى لاحقها ولا لرسالة ليلى للواء محمد نجيب، وهى كما ترون تفاصيل مختلفة تماما عما سبق، وهذا معناه أنه تطور آخر فى أزمة ليلى مراد مع إسرائيل ليس له علاقة بالأحداث، التى ارتبطت بالشائعات القادمة من الشام عن زيارتها للكيان الصهيونى وتبرعها له.

ولكن توضح رسالتها للرئيس أن ليلى البريئة عديمة الخبرة بالسياسة وضعت رهانها على محمد نجيب، وراحت تغنى له وتسمح بالتقاط صور لها، وهى تتأمل صورته ظنا منها أنه يمكن أن يوفر لها الحماية، فدفعت لاحقا ثمنا باهظا لهذا الانحياز فى معركة أعضاء مجلس قيادة الثورة، والتى انتهت بإقصاء نجيب.

اقرأ أيضا

«وثائق فى حياة ليلى مراد».. كتاب يكشف مفاجآت جديدة فى حياة قيثارة الفن المصرى «1»



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك