نص كلمة وكيل «الأزهر» في مؤتمر «الحرية والمواطنة» - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:53 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نص كلمة وكيل «الأزهر» في مؤتمر «الحرية والمواطنة»

الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر
الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر
كتب ـ أحمد بدراوي:
نشر في: الأربعاء 1 مارس 2017 - 9:13 م | آخر تحديث: الأربعاء 1 مارس 2017 - 9:13 م
- اختلاف الدين لا يسوغ ظلم الآخر أو التضييقَ عليه أو تهجيره

- جوهر الرسالات السماوية الدعوة إلى المحبة والتسامح والسلام

- الأزهر يقف سدا منيعا أمام محاولات النيل من شباب الأمة

- خوارج العصر الحاضر قل في الدين فهمهم وعظم في الناس شرهم

قال وكيل الأزهر الشريف، الدكتور عباس شومان، خلال مؤتمر «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل»، اليوم الأربعاء، إن اختلاف الدين لا يسوِّغ ظلمَ الآخر أو التضييقَ عليه أو تحقيرَه أو التقليلَ من شأنه أو تهجيرَه من موطنه، والمسلمُ وغير المسلم في ذلك سواء في الفكر الأزهري.

وفيما يلي نص كلمة وكيل الأزهر كاملة:

«أهلًا وسهلًا بحضراتِكم على أرض مصر الكنانة، وفي رحاب الأزهر الشريف الذي يعقد مع مجلس حكماء المسلمين هذا المؤتمر الفكري العالمي الراقي تحت عنوان: «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل»، وهو موضوع أصبحت معالجتُه اليوم ضرورةً ملِحَّة، خاصة في ظل ما يموج به العالم من فتن واضطرابات يحاول بعض أصحاب المصالح والأهواء هنا وهناك إلصاقها بالرسالات السماوية التي تحمل الخير والسلام للبشرية جمعاء. وسوف تدور كلمتي الموجزة هذه حول «استغلال الدين في النزاعات والصراعات».

الحضور الكريم.. باستقراء تاريخ البشر منذ عرفوا الرسالات السماوية لا نجد دينًا إلا وقداستخدمه بعض أتباعه استخدامًا خاطئًا، فجعلوه سببًا لنشوب النزاعات أو وقودًا لإشعالها وتعقيدها، وعلى الرغم من أن الدين الذي أنتمي إليه هو آخرها تاريخيًّا، فإنني سأبدأ به نفيًا لتهمة التحيز أو التحامل على أتباع الديانات الأخرى، فلقد كان الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي – رضي الله عنه - أولَ من استخدموا ديننا الحنيف في نزاعهم السياسي مع سيدنا علي استخدامًا خاطئًا بزعم باطل وتأويل فاسد، فكانوا نَبتة السوء التي ما زلنا نجني شوكها إلى يوم الناس هذا، وذلك بادعائهم أن قبول سيدنا علي بالتحكيم في الحادثة المشهورة في التاريخ الإسلامي باسم حادثة التحكيم، مخالفٌ لنصوص القرآن الكريم، مستدلين على ذلك بقول الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)، وقوله كذلك: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

وهذا الذي ادعاه هؤلاء الخوارج في صدر الإسلام إنما هو كلمة حقٍّ أريد بها باطلٌ، كما قال سيدنا علي؛ حيث أولوا الآيات تأويلًا فاسدًا للوصول إلى المغزى الذي كان يداعب أخيلتهم وقتئذ، وبهذا التأويل استحلوا قتلَ كلِّ مَن لا يقول بقولهم!

وإذا كان الزج بالدين في النزاعات قد أحدث ما أحدث في صدر الإسلام؛ فلم يسلم عصر من العصور من خوارجه، ففي أواخر القرن الخامس إلى أواخر القرن السابع الهجري كانت البشرية على موعد مع خوارجَ من نوع آخر؛ حيث خرج الصليبيون على تعاليم المسيحية ورفعوا الصليب شعارًا واتخذوا من الدين مطيةً لتحقيق مآربهم الخاصة، فدمَّروا وخرَّبوا وقتَّلوا وشرَّدوا وعاثوا في الحرث والنسل فسادًا باسم المسيحية، وهي من أفعالهم براء. وفي بدايات القرن العشرين كنا على موعد آخر مع خوارجَ جُدد، هؤلاء الذين جاءوا من كل حدب وصوب بتأثير نبوءة يهودية تزعم أن الوطن الذي استباحوه وشردوا أهله وانتهكوا مقدساتِه هو أرض الميعاد! ولا شك أن اليهودية من أقوالهم وأفعالهم وادعاءاتهم وجرائمهم التي يرتكبونها إلى يومنا هذا براء، فجوهر الرسالات السماوية جميعًا الدعوة إلى المحبة والتسامح والسلام.

وخوارج عصرنا الحاضر هم جماعات وتنظيمات قلَّ في الدين فهمُهم وعَظُمَ في الناس شرُّهم؛ حيث ضلوا في استنباط الأدلة الشرعية من نصوص الأديان، وراحوا يلوون عنقها ليبرروا مواقفهم وأفعالهم الدموية، فلم يتورعوا عن التجرؤ على الدماء والأعراض والأموال بغير حق، واستصدروا فتاوى شاذة تخدم مصالحهم وأغراضهم الخبيثة، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وحمَّلوا النصوص ما لا تحتمل، ونسبوا أحكامها جهلًا وزورًا إلى الأديان، وهي منها براء.

ومكمن الخطورة في هذه التنظيمات أنها استطاعت بعوامل استقطاب واستدراج كثيرة وتمريرات وتسهيلات دولية عجيبة، تضليلَ كثيرٍ من الشباب والتغرير بهم باسم الأديان، فلبَّسوا عليهم بعض المفاهيم، كما فعلت بعض الجماعات التي تعلن انتماءها إلى ديننا الإسلامي، وفي مقدمتها تنظيم داعش المجرم، كالحاكمية والجهاد والخلافة والدولة الإسلامية وغيرها من المفاهيم التي اتخذوها ذرائع ومداخلَ لتحقيق مآربهم الدنيئة.

الحضور الكريم.. لقد حرمت الشريعة الإسلامية السمحة قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والمدنيين في حالة الحرب التي لا تكون في الإسلام إلا للدفاع وصد العدوان، كما حرمت الظلم والجور، وتخريب العمران، وقطع الأشجار، بل حرمت قتل الدواب كذلك، فمن أين أتى هؤلاء الأدعياء الجهلاء بما يقومون به من قتل للرجال والنساء والأطفال، وترويع للآمنين، وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، وتهجير الديار من ساكنيها؟! أين هؤلاء الذين شوهوا صورة الإسلام النقية، وصوروه على أنه دينُ عنفٍ وقتلٍ وإرهابٍ, من قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وقوله عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)؟! أين هم في حملهم للناس على معتقداتهم بقوة السلاح من قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)؟! أين هم في مغالاتهم وتشددهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسرٌ، ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه)؟.

إن المنصف المتجرد لَيدركُ أن هذه الجرائم النكراء لا تمت للإسلام بصلة؛ فالإسلام دين السلام والرحمة، بل إن هذه الأفعالَ الشنيعةَ لا يقبلها دينٌ صحيح ولا عقلٌ سليم ولا فِطرةٌ سوية! ومن ثَم، ينبغي ألا يكون اختلاف الدين سببًا من أسباب الصراع أو النزاع، فلم تأتِ به شريعة من الشرائع السماوية، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وينبغي كذلك ألا يكون الاختلاف العِرقي أو المذهبي بين أتباع الدين الواحد مدخلًا لنزاع أو ذريعةً لصراع. وهنا نقرر أن ما وقع في تاريخ أمتنا الإسلامية من نزاعات وحروب بين المسلمين وغيرهم، فإنما هو نتيجة دفاع المسلمين عن اعتداء أو عدوان وقع عليهم لا بسبب اختلاف الدين، وإلا فلماذا نهى الإسلام أتباعه عن قتل المخالفين فيالدين من النساء والشيوخ والأطفال والرهبان؟! ونقرر أيضًا أن ما وقع من نزاعٍ أو صراع – وربما تقاتُلٍ – بين المسلمين أنفسِهم، فإنما مَردُّه تأويلٌ فاسد أو اجتهادٌ جامح أو نزعةٌ بشرية بَعُدَتْ عن هدي الوحي الكريم.

السادة الحضور.. إن الأزهر الشريف متيقظ لتلك الأخطار التي تهدد أمن الأمة فكريًّا وثقافيًّا، خاصة تلك التي تستهدف الشباب؛ لأن أعداء الأمة يدركون جيدًا قيمة الشباب، ويعلمون يقينًا أنهم الطريقُ لتدميرِ مستقبل الأمم أو رِفعتِها، ولقد وقفت مؤسسة الأزهر على مدار تاريخها العريق سدًّا منيعًا أمام محاولات النيل من شباب أمتنا، فأَوْلَت عناية خاصة بتوضيح المفاهيم التي تستغلها تلك الجماعات، وتفنيد الشبهات التي تدلس بها على الناس، وذلك من خلال ندوات ومؤتمرات محلية وعالمية، ومقررات عصرية، ومؤلفات علمية، ترسخ للقيم الإسلامية السمحة، والمواطنة والعيش المشترك، والتعددية، وقبول الآخر، ونبذ العنف والغلو فيالدين، والنأي به عن الخلافات والنزاعات إلا أن يُستخدم على وجهه الصحيح، وهو تطبيق هديه لحل المشكلات ونزع فتيل الأزمات؛ فقد جعل الله الاحتكامَ إلى كتبِه المنزَّلة وتعاليمِ رسلِه المرسلة ديدنَ المؤمن الحقيقي في الأديان كافة، وجعلهذه التعاليم مانعةً لنشوب النزاعات والصراعات بين البشر، فإن وقعت فإن الامتثال لها كفيلٌ بحلها. كما أخذ الأزهر الشريف على عاتقه تقويةَ اللُّحمة الوطنية لنسيج المجتمعات، والسعي لإقرار الأمن والسلام بين البشر من دون نظرإلى اختلاف الديانات والثقافات والأعراق.

ولعل حضراتِكم تتابعون ما يقوم به الأزهر الشريف من جهود حثيثة على الأصعدة كافة داخل مصر وخارجها يضيق المقام عن سردها، ومنها جهود «بيت العائلة المصرية»، تلك التجربة الفريدة التي أصبحت نموذجًا يحتذى في العالم؛ لما تقوم به من جهود لوأد الفتن الطائفية داخلَ مصر وخارجَها، كما حدث في المصالحة التاريخية بين فرقاء أفريقيا الوسطى على سبيل المثال. كما تمكن الأزهر بفضل الله تعالى من جمع الفرقاء من أبناء ميانمار هنا في الأزهر الشريف لأول مرةمنذ نشوب الأزمة، وذلك بالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين، وقد جرى الاتفاق على مواصلة الجهود حتى المصالحة بإذن الله، ومن جهود الأزهر كذلك ما يقوم به «مركز الأزهر لحوار الأديان» الذي يعمل على إرساء دعائم المواطنة والتعددية الفكرية وتبني ثقافة الحوار والتعايش مع الآخر في العالم كله، وما حوار الأزهر والفاتيكان في قلب مشيخة الأزهر عنا ببعيد، ومن قبله حوار شباب الأزهر مع شبابمجلس الكنائس العالمي، فضلًا عن حوارات وجولات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر شرقًا وغربًا، بالإضافة إلى جهود مرصد الأزهر باللغات الأجنبية في رصد أنشطة الجماعات المتطرفة وتحليل أفكارهم المنحرفة وفتاواهم الشاذة وتفنيد مزاعمهم التي تزعزع أمنَ المجتمعاتِ واستقرارَها.

وختامًا.. أكرر تأكيدي على أن اختلاف الدين لا يسوِّغ ظلمَ الآخر أو التضييقَ عليه أو تحقيرَه أو التقليلَ من شأنه أو تهجيرَه من موطنه، والمسلمُ وغير المسلم في ذلك سواء في الفكر الأزهري، ولقد أعلن الأزهر الشريف استنكاره الشديد لتلك الهجمات التي استهدفت إخواننا شركاء الوطن في كنائسهم أو ديارهم، والتي كان آخرها تلك الممارسات البربرية التي تسببت في ترك بعض إخواننا المسيحيين لديارهم في العريش بسيناء، كما أنني أؤكد أننا إذا أردنا سلامًا وأمنًا حقيقيين يسودان العالم؛ فعلى الذين يملكون القوة، أن يمتلكوا كذلك الإرادة لإنقاذ العالم من الدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، وأن يتوقفوا عن فرض الوصاية على غيرهم بالقوة، وانتهاج التمييز المقيت في التعامل مع الآخر، تلك المعاملة التي تولد الشعور بالقهر والكراهية، وتغذي روح الانتقام، ولا شك أن ذلك لن يُخلِّف إلا مزيدًا من الدمار الإنساني والتراجع الحضاري.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك