ماما لبنى.. تغمض عينيها وتبقى حكاياتها - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:29 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماما لبنى.. تغمض عينيها وتبقى حكاياتها

مام لبني
مام لبني
دينا عزت
نشر في: الجمعة 1 يونيو 2012 - 11:30 ص | آخر تحديث: الجمعة 1 يونيو 2012 - 11:30 ص

لم يعرف الكثيرون أن اسمها الحقيقى هو نتيلة إبراهيم راشد، فلقد كانت لأجيال متعاقبة من الأطفال فى مصر والعالم العربى ماما لبنى.

 

فى الساعات الأولى من فجر السبت، السادس والعشرين من مايو، وبعد مرض قصير، أغمضت ماما لبنى عينيها اللتين طالما حملتا نظرات الثقة والحنو فى آن وسكت صوتها الذى كان دوما ناعما، أنيقا وحاسما، لتذهب بطلتها الرائعة لمكان أفضل فى عالم أفضل وتترك لهذا العالم ما منحته له، عبر عقود متتالية، من قصص تروى حكايات عن قدرة الحب على قهر الضغينة والغضب وقدرة البشر على اختيار وترك الشر رغم إغواء الأخير دوما.

 

ارتبط اسم ماما لبنى فى الأذهان ليس فقط بعدد لا نهائى من كتب الأطفال التى اجتذبت الأجيال المتتالية ولكن أيضا بمجلة سمير التى ساهمت فى تأسيسها وترأست تحريرها لأكثر من ربع قرن فوضعتها بحق على رأس قائمة مجلات الأطفال فى العالم العربى ووضعت من خلالها إطارا متميزا لمجلة طفل تخاطب الطفل المصرى فى سياقات يرتبط بها وتمثله، لا ترمى به للمنقول من الثقافة الغربية، على زهوه وجاذبيته، ولكن تبتكر له من قلب ثقافته وتراثه ما يستهويه ويدفع به لاعتياد القراءة فحبها فالوقوع فى دهاليز إدمانها اللا نهائية.

 

رسوم متحركة أبطالها سميرة ودينا وتهتوهة، مغامرات تقوم بها الفتيات وليس فقط الصبية، قصص من وعن مهرجانات فنية وتظاهرا ضد الأسلحة النووية، مسابقات «لكل الأصدقاء فى مصر والوطن العربى» لعلوم التكنولوجيا والكتابة الصحفية، معلومات عن الفن والأدب والشعر وحكايات من التاريخ القريب كما البعيد.

 

لم تلقن سمير، كما لم تلقن ماما لبنى فى حكاياتها التى عاشت معها  أجيالا متعاقبة قيما ومبادئ، إنها تحكى قصة الحياة وأبطالها وتترك للقارئ الصغير، وهى تثق فى ذكائه ولا تتعاطى معه كونه ناقص العقل بل كونه متطور الإدراك والوعى، اختيار ما يستنبطه هو أو ما تستنبطه هى لأن الشخوص عندها من فتيات وصبية، من المدن والريف من هؤلاء الذين كان لهم حظ التعلم وهؤلاء الذين حالت ظروفهم دون التعليم.

 

الابتسامة والقدرة على التعايش مع الصعاب ـ وليس بالضرورة الانتصار البطولى عليها ـ هى السمات الأساسية فى شخوص ماما لبنى، فهم مصريات ومصريون بدون أن يكونوا مسلمين أو مسيحيين أو أغنياء أو فقراء ـ هم فقط من بنات مصر وأبنائها.

 

يعيشون ويتجولون فى مصر من القاهرة إلى الاسكندرية ومن الصعيد إلى رشيد، يتعرفون على بعضهم البعض عبر الصفحات المكتوبة بتفان وإلهام، والمرسومة بذكاء وخفة دم قبل أن يكون للأطفال فرصة اقتناء كتب مصقولة الورق ومتطورة الإخراج الفنى. ومع منى فى معسكر الجزيرة الخضراء وشريف فى تحيا الحياة، يتعرف قراء ماما لبنى الذين طالما لقبتهم دوما بـ«أصدقائى وصديقاتى حبايب قلبى» على أنفسهم وهم يجوبون فى سياقات تتحدى المألوف والمفترض بالنسبة لهم دون أن تكون صادمة أو مخالفة لما يرتاح له المجتمع عرفا.

 

فى قصص ماما لبنى ليس هناك من يحمل لواء المساواة، لكن المساواة هى أصل الحكاية وليس هناك من يتغنى بالخير ولكن الشر مهزوم وليس هناك من هو كامل ومثالى ولكن هناك دوما من يسعى لأن يكون أفضل وألطف وأكثر قدرة على التكييف مع الحياة. الحياة فى قصص ماما لبنى ليست حلما ورديا بل هى تجربة نعيشها بما تجلبه لنا من اختبارات نجتاز بعضها ونخفق فى البعض الآخر دون أن نفقد الرغبة فى المضى قدما.

 

ترجمت بعض أعمال ماما لبنى للانجليزية وترجمت هى نفسها بعض الأعمال عن الانجليزية، لتصدر هذه وتلك عن دار الهلال التى ارتبط اسمها باسم ماما لبنى سنوات وسنوات ترأست فى بعض منها كتب الأطفال عن الدار ونالت خلالها جائزة الدولة فى أدب الأطفال ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

 

ولدت نتيلة راشد، التى أصبحت كنيتها فيما بعد ماما لبنى، اسم ابنتها الكبرى، فى مصر منتصف الثلاثينيات، وجاءت نشأتها فى كنف أسرة ميسورة وجاءت ميولها السياسية يسارية اشتراكية، آمنت بتجربة عبدالناصر كونها التجربة الملهمة للاستقلال الوطنى والنهضة وإنصاف الفقراء وتعايشت مع تقلبات سياسية ولحظات هزيمة ونصر وهى مستمسكة بحب للحياة ينثنى مع الآلام ليعود ناهضا يدفعها للاستمرار.

 

فى منتصف الخمسينيات تزوجت من رفيق الدرب، هو بدوره رائد من رواد أدب الطفل فى مصر والعالم العربى، عبدالتواب يوسف، لترزق بعد لبنى بهشام وعصام.

 

ولم تكن حياة نتيلة الأم مع ابنتها وابنيها، وهم أيضا كانوا حاصلين على لقب «حبايب قلبى» مختلفة عن حياة ماما لبنى مع الملايين من أبنائها ـ قرائها، فهى دوما أم محبة عطوف ولكنها أم دافعة للأبناء للتعلم والتجربة والانطلاق فى آفاق الحياة الرحبة دون خشية.

 

ولم تكن نتيلة الإنسانة مختلفة عن ماما لبنى أيضا فهى كما قالت تؤمن بما خبرته عن والدتها من أن «الحب ينير الطريق وأن الإنسان لكما منح الحب تلقى مزيدا منه وشعر بسعادة هائلة».

 

سعادة ماما لبنى الهائلة كانت عندما تدعو قراءها للتواصل مع مجلة سمير فتجدهم ذاهبات وذاهبين لها فرحين بالدعوة، كما كانت سعادة ماما لبنى الهائلة مع نجاحات الأبناء ومولد الأحفاد والحفيدات الذين شهدت تخرج أكبرهم، محمد وأحمد، قبل شهور قليلة من ذهابها فرحة مبتهجة وفخورة.

 

أنيقة فى غير تكلف، ودودة بصدق، لها ابتسامة آسرة وذكاء نفاذ وبصيرة تقرأ بها النفوس والعيون وتقرأ بها المحبة وتفرق بها بين الضعف الإنسانى وسوء السريرة، بهذه الصفات عاشت نتيلة عالمها وعاش اصدقاء ماما لبنى وصديقاتها معها نفس العالم.

 

وعند لحظات الوداع فى ظهيرة السبت كانت الدموع فى عيون كثيرين بعضهم لم يلتقها أبدا، ولما جاءت لحظة العزاء جاء الجمع المتألم للفقد بالضبط كما هى نتيلة راشد ـ ماما لبنى: محب فى صدق ومتنوع فى اتساق وتناغم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك