فى 14 سبتمبر 1954 استقبل المواطن أحمد أحمد عبدالخالق ابن قرى محافظة الدقهلية مولوده «السيد»، فرح الوالد بمولوده وسرعان ما كبر الابن وتعلم وأتم دراسته ما قبل الجامعية فى مدارس الدقهلية، حتى جاءت السنة الحاسمة، الثانوية العامة، ونجح السيد ورغب فى دراسة الحقوق أو هكذا أهله مجموعه، وقتها كانت كليات الحقوق فى كل ركن بمصر، حتى جامعة المنصور كانت قد أنشأت كلية الحقوق فى عام 1973، لكن الطالب السيد أحمد أحمد عبدالخالق ترك المنصورة وفضل الدراسة بحقوق القاهرة ليزاحم أبناء العاصمة وقاطنى المدينة الجامعية فى سكنهم وأكلهم وشربهم وليتسبب هو وغيره من أبناء الأقاليم فى أزمات مرورية خانقة، فى مصر السبعينيات وقت أن تخرج «السيد» عام 1976 وقتها كان تعداد سكان مصر 36 مليونا.
وما أن أنهى ابن الدقهلية ليسانس الحقوق بتفوق من جامعة القاهرة حتى حن لأصوله فعاد إلى المنصورة وتم تعيينه معيدا بحقوق المنصورة ووكيلا للنائب العام، لكن شيطان العلم أغواه مجددا للعودة إلى العاصمة والضغط مجددا على مرافقها ومزاحمة أهلها وسكانها والحصول على دبلوم فى التشريع الضريبى من حقوق القاهرة عام 1979 وبعده دبلوم آخر فى العلوم المالية والاقتصادية من حقوق عين شمس عام 1980، ولأنه شعر بضغطه ومزاحمته لأبناء العاصمة، لم يبق «السيد» طويلا فى القاهرة، ولم يعد إلى مسقط رأسه فى الدقهلية وإنما ولى وجهه هذه المرة شطر إنجلترا وحصل منها على الدكتوراه من جامعة كيل عام 1986، هذا النابغة ابن فلاحى الدقهلية لم يكن فقط طالبا متفوقا، بل كان صاحب نشاط طلابى حيث رأس اتحاد طلاب حقوق المنصورة وكان رائدا للجنة الأسر الطلابية، وأمضى معظم حياته متنقلا بين المنصورة والقاهرة ولندن ثم الرياض للعمل بجامعة الإمام محمد بن سعود، وبعدها تنقل بين واشنطن وكاليفورنيا وشيكاغو ونيويورك ولندن والدوحة فى مهمات علمية، ومع ذلك عاد إلى مسقط رأسه وجامعته المنصورة التى تدرج فى سلكها الأكاديمى حتى رأس الجامعة فى 2011، وفى 17 يونيو 2014 أصبح «السيد» أحمد أحمد عبدالخالق وزيرا للتعليم العالى، فعاد لمصر واستقر بالقاهرة وضغط على مرافقها وضاعف من زحام مواصلاتها وزاحم أبناء العاصمة فى فرص التوزير.
ليس ذنب الرجل أنه متفوق مثل المئات التى تنجبها أقاليم مصر من أبناء الفلاحين والصعايدة الذين يأتون لطلب العلم فى القاهرة ويتفوقون على أقرانهم من سكان العاصمة، فعلها قبله عملاق الأدب العربى طه حسين وزير المعارف فى الخمسينيات، وغيره الكثيرون.
نبوغ وتفوق على ابن الجناينى الذى يخدم فى قصر الباشا الاقطاعى فى فيلم رد قلبى، مشهد يتكرر فى مصر منذ الخمسينيات ومعظم القوى الناعمة فى مصر من الإعلاميين والسياسيين والمفكرين ينتمون إلى ريف وصعيد مصر، ونموذج «السيد» أحمد أحمد عبدالخالق يجب أن يقدم كقدوة للشباب المكافح فى بداية مشواره الجامعى، الغريب أن الدكتور السيد أحمد أحمد عبدالخالق وزير التعليم العالى ابن الدقهلية، أصدر قرارا يحمل توقيعه، هو القرار الوزارى رقم 1937 لسنة 2014، يتضمن أسس التوزيع الجغرافى والإقليمى لعام 2015، ويقصر دخول كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» بالقاهرة على طلاب محافظات القاهرة الكبرى والقناة وسيناء، وخصص كلية «الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية» ببنى سويف لطلاب الصعيد، وكلية «الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية»، بالإسكندرية، لبعض محافظات الدلتا، كما يحرم القرار ذاته طلاب الصعيد من الدراسة فى «إعلام القاهرة»، باعتبار أن هناك كليتين للإعلام، فى بنى سويف وجنوب الوادى، رغم تحفظنا الشديد على هذا المبرر وتلك قصة أخرى لها حديث آخر.
لا أعرف يا معالى الوزير وأنا استعد لأهنئك بعيد ميلادك الميمون بعد أيام، هل نسيت بهذه السرعة رحلتك من الدقهلية إلى القاهرة، هل نسيت كيف احتضنتك العاصمة فى وقت كان بمقدورك أن تدرس فى مسقط رأسك لوجود كلية مناظرة، هل صار الفلاحون والصعايدة فجأة جاليات وافدة على العاصمة، هل قدر هؤلاء فقط أن يتكدسوا بالمئات على عيادات أمين عام المجلس الأعلى للجامعات دكتور أشرف حاتم أستاذ الصدرية طلبا للعلاج فقط، بينما يضيق صدره بدراسة أبناء الأقاليم فى كليتى الإعلام والاقتصاد حلم كل المتفوقين من المجموعة الأدبية وبعض الراغبين من المجموعة العلمية؟
لا تقلق يا معالى الوزير لن يخرج من بين هؤلاء المتفوقين– أبناء الفلاحين والصعايدة – وزراء مثلك، فمناصب الوزراء والسفراء والمحافظين والمديرين ورؤساء الجمهوريات محجوزة مقدما .
لا تقلق يا معالى الوزير ورجل القانون، فأبناء البسطاء لا يمكن أن يعملوا فى سلك القضاء بحسب تصريح المستشار محفوظ صابر وزير العدل المستقيل. لا تقلق يا معالى الوزير، فكليات القمة وجميع الكليات لن تخرج سوى العاطلين، أو سائقى التوك توك.
لا تقلق يا معالى الوزير من حالات انتحار محتملة، فبقراركم الذى يحرم أبناء الأقاليم من الالتحاق بكليتى الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية، لن تشهد العاصمة، عبدالحميد شتا آخر، بلدياتك يا معالى الوزير، ابن ميت غمر دقهلية الذى تخرج بتفوق فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وانتحر لفشله فى الالتحاق بالخارجية ممثلا تجاريا، بدعوى أنه غير لائق اجتماعيا، قرارك يقلل فرص الانتحار من المنبع فشكر الله سعيكم.
أعلم أنه لو كل صعيدى أو فلاح نزل مصر، ودرس بالقاهرة وتفوق، وأصبح وزيرا، الحكومة كلها ستصبح فلاحين وصعايدة خلال فترة وجيزة، واترك محافظة المنوفية جانبا، فهذه محافظة نصف شعبها مخترعون، والباقى رؤساء جمهورية أو مشاريع رؤساء.
من حقك أن تفرح يا معالى الوزير، فزميلك وزير التربية والتعليم الدكتور محب الرافعى وعد الطالبة مريم ملاك صاحبة صفر الثانوية العامة باعتذار بعد أن اتهمها بالكذب، افرح يا معالى الوزير، النيابة أثبتت حق البنت وعليك أن توفر لها مكانا فى جامعاتك ودعك من المزورين الذين استبدلوا أوراق إجاباتها وحصلوا على درجاتها بالتزوير فتلك قصة أخرى لا شأن لنا بها.
من حقك أن تفرح يا معالى الوزير ما دامت مصر كلها تفرح وتحتفى بأبنائها المتفوقين دون استثناء ودون طبقية ودون خلق قطيعة بين قبلى وبحرى، وشمال وجنوب، وفلاحين وصعايدة، بمراعاة أبسط حقوق المتفوقين أصحاب المجاميع الكبرى فى أن يختاروا العلم الذى يتخصصون فيه مثلك أنت، وأن يختاروا مكان تلقى هذا العلم مثلك أنت، وأن يقدر الله لهم بعد ذلك أن يصحبوا رؤساء جامعات أو وزراء مثلك أنت، بغض النظر عن أصولك الريفية، تخيل معى يا معالى الوزير دون قلق: هل يصعب على بلد شق قناة فى أقل من عام وأبهر العالم أن ينشئ كليات حربية مناظرة فى ربوع الجمهورية إن كانت هناك ضرورة لذلك؟ فتكون لدينا كلية حربية فى بنى سويف، وأخرى فى الإسكندرية أو مرسى مطروح وثالثة فى سيناء أو العريش ورابعة فى السويس أو البحر الأحمر وخامسة فى أسوان وجنوب الوادى، منعا للتكدس والزحام فى القاهرة، الذى يتسبب فيه المنتسبون لهذه الكلية العريقة التى تعود للعام 1811؟!
لست ضد إنشاء كليات مستقلة للإعلام والاقتصاد والسياسة، ولست مع المركزية، وإنما هناك خصوصية بالغة للكليتين اللتين حرمت منهما أوائل الثانوية العامة بقرار يستوجب الاستثناء التام للمتفوقين الحاصلين على مجاميع تؤهلهم للالتحاق بها.
تابع معى يا معالى الوزير أوبريت الليلة الكبيرة للمبدع صلاح جاهين قبل نصف قرن من الزمان، وتوقف قليلا عند هذا المقطع:
دول فلاحين ودول صعايدة
دول م القنال ودول راشايدة
الليلة الكبيرة يا عمى والعالم كتيرة
ماليين الشوادر يابا م الريف والبنادر
وقتها قد تدرك أن النسيج المصرى بريفه وحضره وصعيده، هو قوة مصر الناعمة وطاقتها فى الحاضر والمستقبل، فلا داعى للتمييز والتدليل المفرط لأبناء القاهرة وأنا منهم وأفتخر بأن كل متفوقى جيلى من أبناء الفلاحين والصعايدة!