كيف تحول قانون تقسيم الدوائر من أمر واقع إلى أزمة دائمة؟ - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:19 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف تحول قانون تقسيم الدوائر من أمر واقع إلى أزمة دائمة؟

بطلان تقسيم الدوائر الانتخابية
بطلان تقسيم الدوائر الانتخابية
كتب- محمد بصل:
نشر في: الثلاثاء 3 مارس 2015 - 5:13 م | آخر تحديث: الثلاثاء 3 مارس 2015 - 5:13 م

• دستور 2012 وضع العقبة الأولى وأدخل "الدستورية" طرفاً في مراقبة التقسيم.. ودستور 2014 كرر السيناريو

دستور 1923 وضع قاعدة عامة للمساواة "قدر الإمكان".. ودعوى واحدة قبل ثورة يناير طعنت على الدوائر

بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا، أمس الأول، ببطلان تقسيم الدوائر الانتخابية، تتحول مسألة التقسيم إلى ما يشبه "الدابة السوداء" التي تعوق إجراء الانتخابات البرلمانية كلما تقترب الدولة من إجرائها.

فالحكم الذي أدى إلى إرجاء الانتخابات التي كان مقرراً انطلاقها في 21 مارس الجاري، إلى أجل غير مسمى، هو ثالث حكم للمحكمة في ظرف عامين فقط بعدم دستورية التقسيم، والحكمان السابقان اللذان أصدرتهما المحكمة بموجب رقابتها السابقة على قوانين الانتخابات وفقاً لدستور 2012 كانا أحد أسباب تأجيل الانتخابات البرلمانية 2013 ثم إلغائها بفعل ثورة 30 يونيو.

ويطل من بين هذه الأحكام سؤال يراود أذهان المتابعين: لماذا لم نسمع قبل ثورة 25 يناير بأزمة في تقسيم الدوائر؟ ولماذا لم تكن هذه المشاكل الدقيقة المعقدة المتعلقة بـ"عدالة التوزيع وتكافؤ الأعداد" مطروحة على مدار عشرات السنوات من حياة مصر البرلمانية؟
الإجابة تتعلق في الأساس بالتغيرات الدستورية التي شهدتها مصر.

فدستور 1923 وفي إدراك مبكر من واضعيه للأزمات التي قد تترتب على سوء تقسيم الدوائر، كان ينص في مادته 76 على أن "تعتبر دائرة انتخابية كل مديرية أو محافظة لها حق انتخاب عضو بمجلس الشيوخ، وكذلك كل قسم من مديرية أو محافظة له حق انتخاب عضو بهذا المجلس، وتحدد الدوائر الانتخابية بقانون يكفل بقدر الإمكان مساواة الدوائر في المديريات والمحافظات التي لها حق انتخاب أكثر من عضو بمجلس الشيوخ.

علي أنه لا يجوز أن يعتبر القانون عواصم المديريات التي لا يبلغ عدد أهاليها 180 ألفا ولا يقل عن 90 ألفا دائرة انتخابية مستقلة. وفي هذه الحالة تعتبر جهات المديريات الأخرى (غير العواصم) كأنها مديرية مستقلة فيما يتعلق بتحديد عدد الأعضاء التي لها حق انتخابهم وبتحديد الدوائر الانتخابية".

ورغم الصياغة المربكة لهذا النص، إلاّ أنه كان الأول الذي يشير إلى "ضمان تحقيق المساواة بين الدوائر داخل كل مديرية أو محافظة بقدر الإمكان" بحيث يتم تقسيم المحافظة الواحدة إلى دوائر متقاربة في تعداد السكان.

وقد صدر القانون 13 لسنة 1943 بشأن الدوائر الانتخابية لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ معبراً عن "المساواة بقدر الإمكان" ولكن على نطاق كل محافظة، فمثلاً ضمت محافظة مصر (القاهرة) 6 دوائر؛ شبرا وعدد أهاليها 181 ألفاً، وبولاق وعددها 183 ألفاً، والوايلي وعددها 181 ألفاً، والجمالية وعددها 182 ألفاً، وعابدين وعددها 181 ألفاً، والسيدة زينب وعددها 180 ألفاً، وبالتالي كانت الفروق بحسب تعداد السكان آنذاك عبارة عن آلاف معدودة.

وتكرر في القانون الأمر ذاته في مختلف المحافظات، رغم وجود انحرافات في بعضها، كالإسكندرية التي كانت تضم 3 دوائر، الأولى في العطارين وعدد أهاليها 197 ألفاً، والثانية في قسم اللبان وعددها 151 ألفاً، والثالثة في مينا البصل وعددها 236 ألفاً.
وكان القانون يساوي بين تمثيل جميع الدوائر مهما بلغت الفروق بينها، فدائرة ضخمة مثل الثامنة بمديرية الغربية كان يبلغ تعدادها 214 ألفاً وتضم مراكز وقرى تنتمي حالياً لمحافظتي الدقهلية وكفرالشيخ، كانت تمثل بذات عدد النواب المخصص لدائرة مثل دمياط التي يبلغ تعدادها 40 ألف نسمة فقط.

وخلت الدساتير التالية من وضع معايير لتقسيم الدوائر، إلى أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قانوناً برقم 171 لسنة 1963 بتحديد الدوائر الانتخابية لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، نص على تقسيم الجمهورية إلى 175 دائرة، جميعها يمثل بذات عدد النواب، ولكن تضمن القانون فروقاً عددية ظاهرة بين عدد سكان دوائر المحافظة الواحدة، نتيجة تقسيم المحافظات إلى عدد أكبر من الدوائر، وأيضاً بسبب الترسيم الجديد للمحافظات بعد ثورة 1952.

واعتبر هذا القانون لسنوات المرجع لعملية التقسيم، وأدخلت عليه تعديلات محدودة أعوام 1968، 1971، 1976، و1979 إلى أن صدر القانون 206 لسنة 1990 بتحديد دوائر مجلس الشعب والذي قسم البلاد إلى 220 دائرة متباينة في أعداد الناخبين يمثل كل منها نائبان، وذلك كله في ظل عمل دستور 1971 الذي خلا أيضاً من أي ضوابط لتقسيم الدوائر، علماً بأنه طوال هذه الفترة كانت وزارة الداخلية هي التي تقوم بوضع التقسيم.

ورغم أن المحكمة الدستورية العليا تم إنشاؤها منذ 1969 كجهة قضائية تراقب دستورية القوانين، إلاّ أنها لم تصدر أي حكم بشأن التقسيم، كما أنها لم تتلق طوال هذه السنوات إلاّ دعوى واحدة أقامها المحامي الشهير كمال خالد لبطلان تقسيم الدوائر الذي أجريت به انتخابات مجلس الشعب 1984، لكن المحكمة لم تصدر حكماً في الدعوى نظراً لأنها أصدرت حكماً آخر بحل هذا المجلس عام 1987 لما تضمنه قانون المجلس من أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الإنتخاب الفردى ويكون إنتخاب باقى الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الإنتخاب بالقوائم الحزبية، ما اعتبرته تمييزاً للقوائم الحزبية على حساب الفردي.

ولم تتعرض المحكمة في أحكامها التالية بحل البرلمان لتقسيم الدوائر من قريب أو بعيد، ففي 1990 بمعرض حكمها بحل برلمان 1987 أبطلت قصر حق الترشيح على المنتمين إلى الأحزاب السياسية المدرجة أسماؤهم بقوائم تلك الأحزاب وحرمان غيرهم من الترشح.
وفي حكمها الصادر عام 2000 بحل برلمان 1995 (قبل إجراء الانتخابات الجديدة بعدة أشهر) قضت ببطلان تعيين رؤساء اللجان الفرعية للاقتراع من غير أعضاء الهيئات القضائية.

وفي حكمها الصادر عام 2012 بحل مجلس الشعب المنتخب نهاية 2011 في ظل العمل بالإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011، أبطلت إطلاق الحق فى التقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب فى الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى للمنتمين للأحزاب السياسية إلى جانب المستقلين غير المنتمين لتلك الأحزاب.

إلاّ أن دستور 2012 جاء بالجديد الذي جعل "الدستورية" طرفاً أساسياً في معادلة "تقسيم الدوائر، حيث نص في مادته 113 على أن "يحدد القانون تقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات".

ولم يكن واضعو هذا الدستور يتصورون أن تكون هذه العبارة في حقيقتها عقبة أمام إنجاز الانتخابات التي كانوا ينوون إجراءها عقب صدور الدستور رسمياً، فعندما وضع مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الإخوان قانون تقسيم الدوائر وأرسلوه إلى المحكمة الدستورية لتفعيل رقابتها السابقة عليه، جاءهم الرد في 17 فبراير 2013 بأنه غير دستوري، لأنه لم يراع نص المادة 113 من الدستور.

وسطرت المحكمة آنذاك أول كلمات تكتب في تاريخها عن "تقسيم الدوائر" فقالت إن "النص الدستورى وضع ضابطين أساسيين لتقسيم الدوائر الانتخابية هما التمثيل العادل للسكان والتمثيل العادل للمحافظات، والتمثيل العادل للسكان يعنى أن يمثل النائب فى أية دائرة من الدوائر الانتخابية ذات العدد من الناخبين الذى يمثله باقى النواب فى الدوائر الأخرى مما مؤداه وجوب مراعاة التمثيل المتكافئ للناخبين فى المجالس النيابية، ولا يعنى هذا المبدأ أن يكون التساوي بين أعداد من يمثلهم النائب فى كل دائرة تساويًا حسابيًا مطلقًا، لاستحالة تحقق ذلك عمليًا، وإنما يكفى لتحقيق هذا المبدأ أن تكون الفروق بين هذه الأعداد وبين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة فى حدود المعقول، كما أن تقسيم الدوائر يجب أن ينضبط بحيث يتناسب وعدد السكان فى كل دائرة من الدوائر التى تقسم إليها البلاد بمراعاة التجاور الجغرافى، كما يجب ألا تُرسم الدوائر بطريقة تعسفية ودون مراعاة للصالح العام".

وتكرر الأمر مع النسخة الثانية من مشروع القانون، التي أبطلتها المحكمة في 25 مارس من العام ذاته، وأوردت 4 أمثلة للمفارقة بين 8 محافظات في التمثيل النيابي مع تقارب عدد السكان، علماً بأنها كانت تتحدث فقط عن المحافظات باعتبارها دوائر للقوائم النسبية، ولم تتطرق إلى الدوائر الفردية الداخلية في كل محافظة.

وجاء دستور 2014 ليتضمن العقبة ذاتها التي وضعها دستور 2012، رغم أن لجنة الخمسين كانت حرة في تعديل ما شاءت من مواد، بل وأضافت إلى النص عبارة "والتمثيل المتكافئ للناخبين" التي استوحتها من حيثيات حكمي "الدستورية" الأخيرين، وهو ما أدى إلى صعوبة تحويل هذان المعياران "العدالة والتكافؤ" إلى عملية حسابية يمكن تعميمها لتسري على جميع الدوائر.

النصوص الدستورية إذن بما تحتويه من كلمات حمالة أوجه ومصطلحات متشابهة فضفاضة، كانت هي اللاعب الرئيسي الذي حوّل "تقسيم الدوائر" من أمر مفروض واقعياً لا يفكر أحد في الطعن عليه إلى أزمة مقيمة، ما زالت الدولة تبحث عن حل لها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك