بينما فتحت ثورة يناير الأبواب لمستقبل أكثر إشراقا للاقتصاد المصرى، بعيدًا عن السيناريو السوداوى لامتداد نظام مبارك أو توريثه لنجله، ساهم ارتباك الحياة السياسية ومحاولات إعاقة عملية التحول الديمقراطى فى عرقلة النشاط الاقتصادى. «الشروق» حاورت عددًا من مديرى أبرز الكيانات الاستثمارية العاملة فى مصر، والتى نجحت فى تحقيق أداء مالى متماسك رغم حالة الركود، لتتعرف على استراتيجيتهم للبحث عن الفرصة فى قلب الأزمة، ورؤيتهم لتأثير التحولات السياسية على المستقبل الاقتصادى لمصر.
فى الشهور الثلاثة الأولى من عام الثورة تراجع صافى ارباح شركة راية بنسبة 96%، ولكن نتائج اعمال الشركة فى مجمل عام 2011 جاءت أكثر تماسكا بتحقيق صافى ربح بلغ 34.5 مليون جنيه لتضع الشركة نفسها ضمن الشركات الاكثر تماسكا فى عاصفة اقتصاد ما بعد الثورة، إذ لم يزد التراجع فى أرباحها عن 18% مقارنة بـ2010. الشروق حاورت مدحت خليل، رئيس مجلس ادارة الشركة حول استراتيجتها لمواجهة الركود ورؤيتها المستقبلية.
● على الرغم من الانخفاض الحاد لأرباحكم بعد الثورة إلا أن الأداء المالى للشركة ظل يتحسن تدريجيا، فما هى العوامل التى استعدتم من خلالها توازن الأداء المالى؟
تأثرت انشطتنا الاقتصادية بشكل قوى من الاحداث التالية للثورة، بدءا من التأثير المباشر المتمثل فى خسائر بسبعة ملايين جنيه لمحلاتنا من أعمال العنف، وانتهاء بحالة الانهيار التى كانت ولا تزال فى قطاع تكنولوجيا المعلومات المتعلق بأنشطة الميكنة داخل المؤسسات. فالحكومة توقفت تقريبا عن التعاقد على خدمات تكنولوجيا المعلومات، علما بأنها تستحوذ على 80% من تلك الخدمات فى السوق المحلية، وتعتمد الحكومة على القطاع الخاص فى مجالات مثل ميكنة الضرائب والجمارك. كما تأخرت العديد من الأجهزة الحكومية عن سداد مستحقات الشركات من عمليات سابقة فى هذا المجال، ووصلت مديونيات راية لدى الحكومة فى قطاع تكنولوجيا المعلومات لحوالى 70 مليون جنيه.
من ناحية أخرى، فإن القطاع الخاص شبه متوقف أيضا عن طلب خدمات تكنولوجيا المعلومات، والتى تتركز فى بناء النظم التكنولوجية للمنشآت الخاصة، وذلك نظرا إلى أن العديد من الشركات الخاصة توقفت عن التوسع الاستثمارى أو تتوسع بشكل حريص للغاية، فى ظل البيئة السياسية المتوترة، خاصة أن العديد من كبار رجال الأعمال فى السجن أو هربوا خارج البلاد، فأكبر عملائنا فى راية كانوا شركات العز والمنصور والمغربى وسيراميكا كليوباترا.
لذلك قمنا مؤخرا بإرسال 150 من موظفينا فى هذا القطاع لخدمة السوق الخليجية، فنحن لا نتفاءل خيرا بالسوق المحلية فى هذا القطاع خلال العام الجارى فى ظل البيئة السياسية غير الواضحة.
● إذن كيف استطعتم تطوير ارباحكم فى ظل هذه الظروف الضاغطة؟
ــ كانت هناك فرص أخرى للربح ركزنا عليها، فالمفارقة أن الضغوط الاقتصادية تحيط بنا فى الخارج أيضا نتيجة الأزمة المالية فى أوروبا وأمريكا، ولكن تلك الأزمة كانت فرصة بالنسبة لنا للتركيز على زيادة عملائنا فى تلك الأسواق فى خدمات التعهيد والكول سنتر، حيث تفضل الشركات فى تلك الاسواق الاعتماد على خدمات اسواق دول نامية مثل مصر من خلال انشطة التعهيد، التى تعهد ببعض الخدمات التى يمكن تقديمها عن بعد لشركات عاملة فى أسواق نامية رخيصة العمالة، لتضغط نفقاتها فى ظل الضغوط الاقتصادية.
وأود أن أشير فى هذا السياق إلى أننا التفتنا ايضا إلى زيادة اهتمام المصريين بعد الثورة بشبكات التواصل الاجتماعى، مثل فيس بوك وتويتر، لذا اتجهنا لتأسيس شركة لإطلاق موقع تواصل اجتماعى مصرى اسمه «أشارك» سيبدأ العمل فى شهر ابريل، وسنضخ فيه استثمارات بـ 18 مليون جنيه، هذا النمط من المشروعات لا يحقق ارباحا على الأجل القصير ولكن على المدى الطويل نتوقع أن نجنى من ورائه ارباحا جيدة فالناس أصبحت ترغب فى أن تعرف أكثر.
● ما هو السبب فى اتجاه الشركة لأنشطة أخرى خارج قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مثل فى صناعة البلاستيك؟
ــ لقد بدأنا فى تأسيس مصنع «بريق» للبلاستيك قبل الثورة، وسيبدأ فى العمل فعليا فى الأيام المقبلة، واتجاهنا لهذا القطاع جزء من رؤية بنيناها على أساس أن لدينا طموحات كبيرة فى تنمية أعمالنا ونرى أن سوق تكنولوجيا المعلومات ليس كبيرا بالشكل الذى يحقق لنا هذه الطموحات، لذا فكرنا فى استغلال فرص استثمارية غير مطروقة من مجتمع الأعمال، فهذا المصنع سيكون الأول من نوعه فى مصر وافريقيا، لأنه يعتمد على اعادة تدوير زجاجات المياه وصناعة مادة بلاستيكية خام تستخدم فى الصناعات الغذائية، هذا إلى جانب اتجاهنا لإنشاء مبانٍ ادارية «ذكية وخضراء» وهى من الاستثمارات الجديدة أيضا على السوق المصرية، ومن المجالات الجديدة علينا أيضا هو النقل النهرى والذى نتطلع إلى الاستثمار فيه بمجرد طرح الحكومة لهذا المشروع.
● تعد راية من الشركات المتقدمة فى مجال الحوكمة والمسئولية الاجتماعية، إلى أى مدى انعكس ذلك على تماسك ادائكم المالى بعد الثورة؟
ــ بالطبع فقوتنا كمؤسسة ساهمت فى تماسك الشركة، لذا حافظنا على ثقة مساهمينا وصمد سعر سهمنا فى البورصة، وذلك بفضل ثقة هؤلاء المساهمين فى ظل وجود لجنة مراجعة قوية ومستقلة عن ادارة الشركة، هذا إلى جانب اننا لم نواجه أى احتجاجات عمالية بعد الثورة، لأننا قبل 25 يناير رفعنا الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه، وفى العام الماضى وجهنا زيادات الاجور فقط لمن تقل أجورهم عن 5000 جنيه، كما إن لدينا لجنة مستقلة تحدد أجور كبار المديرين فى الشركة بمعايير شفافة.
● هل واجهتم مصاعب فى التمويل لاستكمال مشروعاتكم خلال فترة ما بعد الثورة؟
ــ بالطبع فالبنوك محجمة عن تقديم التمويل الطويل والمتوسط الاجل، وقد توقف قرض كنا سنحصل عليه بقيمة 350 مليون جنيه لتمويل أحد مجمعاتنا الادارية لأسباب غير واضحة. ونسعى إلى الاعتماد على التمويل من بنوك خارج مصر فى الفترة القادمة لمواجهة تلك المشكلة.
● إلى أى مدى تؤثر التحولات السياسية الجارية على البيئة الاستثمارية؟
ــ الاطراف الاساسية فى السياسة فى مصر بعد الثورة وهم التيار الدينى والمجلس العسكرى كان اداؤهما هزيلا ومتخبطا للغاية، وحزب الحرية والعدالة أعاد لأذهاننا العديد من ممارسات الحزب الوطنى، وهو ما دفعنى شخصيا للتشاؤم، وان كنت لاازال متفائلا بثورة يناير، ولكننى اتوقع عدم الاستقرار خلال ثلاثة أو اربع سنوات مقبلة حتى ينضج الرأى العام ويختار سلطة تعبر عنه.