ننشر النص الكامل لحوار «الأستاذ».. هيكل: المنطقة العربية تحتاج إلى تصورات قبل اتخاذ القرارات - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:15 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ننشر النص الكامل لحوار «الأستاذ».. هيكل: المنطقة العربية تحتاج إلى تصورات قبل اتخاذ القرارات

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل
الشروق
نشر في: الجمعة 3 أبريل 2015 - 9:10 م | آخر تحديث: الجمعة 3 أبريل 2015 - 9:44 م
- نجاح المؤتمر الاقتصادى حول السيسى من رئيس الضرورة إلى «الاختيار».. وعلينا الإمساك باللحظة

- المؤتمر الاقتصادى أبرز المرأة المصرية المعتدلة.. ونجح فى جمع العرب حول مصر مرة أخرى

- عناصر الاستقرار فى مصر وراء تغير الموقف الألمانى.. والبحث عن التزام جازم وحازم فى أزمة سد النهضة أوهام

- أسأنا التصرف فى مفاوضات السد سابقا.. وأديس بابا أدركت أن محاولة كسب الوقت مع مصر غير مجدية

- تركنا القارة الإفريقية فى فترة من الفترات لأجهزة الأمن.. وارتكبنا أخطاء ما كان لها داعٍ

- تحركات السيسى فى السودان وإثيوبيا تؤكد مقولته إن مصر تستيقظ.. ونحتاج إلى تحديد الطريق

- نواجه صراعات مختلفة فى الدول العربية.. وعلينا استخدام سلاح الفهم أولا

- أنا ضد انقسام العالم العربى إلى سنة وشيعة.. والهلال الشيعى أصبح دائرة حصار

- الجماعات المتطرفة خرجت من رحم الإخوان.. وداعش ردة فعل لخيبة عربية كبرى

- لست معجبا بحماس وغزة قنبلة لو انفجرت ستصيب مصر.. 2.5 مليون فلسطينى يهددون حدودنا ولن يكون بوسعنا صدهم أو إطلاق النار عليهم

- طبيعة اليمن معقدة وما يحدث هناك سببه هزائم وتراجعات وفوضى العالم العربى

- كان علينا إخطار مجلس الأمن قبل توجيه ضربات فى ليبيا وليس استئذانها

- التدخل فى اليمن يحتاج تدبرا وبصيرة.. والضربات الجوية لا تحسم معركة

- غيبة التصورات جعلت كل جهودنا فى خدمة هزيمة كل أهدافنا.. وفى مصر منحنا الدولة بالكامل لـ«الإخوان»

كل ما يكتبه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أو يقوله يحظى بمتابعة الجميع، المختلفين معه قبل المتفقين. لكن الحوار الذى أدلى به الكاتب الكبير إلى الإعلامية لميس الحديدى في «سى بى سى»، كان مفترضا إذاعته يوم الجمعة قبل الماضى ٢٧ مارس، حظى باهتمام أكبر فاق كل التوقعات، رغم أن أحدًا لم يسمعه، ولم ينتظر الكثيرون الوقت ليسمعوه، ثم يتحدثون عنه اتفاقا أو اختلافا.

الكاتب الكبير وفضائية «سي بي سي» قالا يوم الخميس قبل الماضى، إنهما توافقا على أفضلية تأجيل بث الحوار لأن «طوارئ الحوادث سبقت بقرار العمل العسكرى فى اليمن بواسطة عشر دول عربية».

البيان قال أيضا: إن «هذه الحلقة ــ من الحوار الممتد بين الكاتب الكبير والقناة ــ تم تسجيله مبكرا عن العادة، وقبل موعد البث بثلاثة أيام، لاعتبارات فنية وعملية».

حوار الحلقة كان يركز بالأساس على مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى ثم إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، وبعدها يتعرض لمؤتمر القمة العربية والأحوال فى اليمن.

قبل البث بيوم واحد لم يعد الأمر فى اليمن مجرد احتمالات، بل هناك عشر دول عربية تدخلت بالفعل عسكريا. لكل هذه الاعتبارات ـ إضافة لاعتبار احترام دماء المقاتلين التى لها حرمة تفوق حرمة أى شىء آخر كما قال البيان ـ تم تأجيل بث الحلقة.

بعد هذا البيان، وتأجيل البث اشتعلت منتديات إعلامية ومواقع الكترونية وكتابات صحفية، تخمن وتنجم أن الأستاذ هيكل قال كلاما وتحليلا وتوقعات فى الحلقة لم تكن صحيحة بشأن اليمن، وخاض الكثيرون فى هذا الأمر، ولم يكلف أحد نفسه عناء الانتظار ليسمع بنفسه ماذا حدث وماذا قيل بالضبط وبعدها يمكنه أن يقول ما يشاء!

«الشروق» سألت الكاتب الكبير صباح أمس، عن حقيقة الأمر فرد بقوله: إنه اتفق مع إدارة قناة «سى بى سى» على إذاعة الحلقة القديمة الأصلية كاملة من دون تدخل من قريب أو بعيد وهو ما حدث فعلا.

كلام «هيكل»، موجود فى السطور التالية، ولمن يقرأ بعناية وتدقيق سوف يكتشف أحد جوانب تفوق الأستاذ هيكل، واحترام الجميع وتقديرهم له وهو أنه يشغل نفسه بتقديم الرؤية لما هو آت من مستقبل بعد أن يستعرض كل الماضى والحاضر. وبالتالى فلا يعقل أن نحاسب الكاتب الكبير على تطورات الأحداث الجارية، وماذا سيحدث اليوم أو غدا.

ولمن يقرأ هذه الحلقة باهتمام، أو سمعها مباشرة فى التليفزيون فسوف يكتشف فورا أن ما يشغل الرجل هو التصورات الكبرى الأساسية وليس القرارات الآنية الصغيرة.

وإلى ما قاله الكاتب الكبير فى حواره..

ــ بداية نرحب بك أستاذ هيكل، والمشاهدون فى انتظار تحليلاتك العميقة ؟

* فى الحقيقة كنت أنتوى التغيب لفترة طويلة.

ــ أليست هذه الفترة طويلة ؟

* فى الحقيقة كنت أنتوى أن تكون أطول من الآن بكثير، ففى كثير من الاحيان تشعرين بغربة عن الساحة بحكم السن وأشياء كثيرة جدا، لكن الأحداث المتلاحقة والتى تتحدثين عنها، تدعو أى إنسان لديه بقية من همة من أى نوع، أن يتحدث ويشارك فى الشأن العام حتى ولو من بعيد، فقد ذكرت أهم أربعة أشياء حدثت خلال الاسبوعين الماضيين، وهى: مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، ثم لقاء السودان ويليه إثيوبيا، ثم مؤتمر القمة العربية، وأعتقد أن الرئيس السيسى ذكر شيئا مهما جدا أثناء إلقائه كلمته عندما قال «مصر تستيقظ»، وهذه الكلمة لها دلالة مهمة، ولابد أن يكون لها نتائج، لأنه وباستمرار من يستيقظ عليه ان يحدد اتجاهاته فلو استيقظ الناس وهم أنصاف نيام وساروا فى طريق ما، ربما سيخطئون، لكن دعوة اليقظة تستدعى تحديد الطرق فورا، وفى مؤتمر شرم الشيخ قيلت أرقام وطرحت مشروعات كثيرة جدا، لكنى لا يهمنى منها شىء سوى أن مصر عادت لامتها وفتحت ذراعها للأمة واحتضنتها مجددا، وفى ذلك عودة بالتاريخ إلى مساره الصحيح.

الأمر الثانى، أن المؤتمر أكد أن المصريين ليسوا عاجزين عن تحقيق أحلامهم، فكما يقول شعار حملة الرئيس الأمريكى باراك أوباما « YES WE CAN، فقد أثبتنا أننا قادرون إذا استدعينا الهمة، وهى إشارة للمستقبل فى منتهى الأهمية.

الأمر الثالث وهو مهم جدا، واسجل إعجابى الشديد به، يتمثل فى إبراز المرأة المصرية، فقد رأيت مثلا الدكتورة نجلاء الاهوانى وأنا لا أعرفها شخصيا، لكنى رأيت صورة مختلفة للمرأة المصرية، ليست المتبرجة وليست المحجبة فهى المرأة المصرية الطبيعية التى خرجت لتؤدى دورها، وقد رأيتها قبل ذلك مرة قبلها بأيام فى عشاء فى صحيفة الاهرام كان يشارك فيه رئيس الوزراء إبراهيم محلب، وشاهدتها وهى تتحدث فى الهاتف وتابعتها، لكن ما لفت نظرى أن المرأة المصرية الحقيقية بطبيعتها ظهرت وتجلت أمامى خلال متابعتى للمؤتمر تليفزيونيا، وهناك غيرها كثيرات، ثم رأيت تأثير المؤتمر على الناس، فبعيدا عن قراءة الأرقام، فقد شعر الناس أن شيئا ما يهم فى البلد بعد فترة طويلة رغم الصعاب، فمصر تحاول أن تهم وهو شىء بديع جدا.

ــ بخصوص اتفاق سد النهضة، هل تعتقد أن لذلك تأثيرا على موقف الدول الغربية، ومنها على سبيل المثال خطاب رئيس وزراء إيطاليا ودعوة الرئيس السيسى لزيارة ألمانيا والتى كانت الاكثر تشددا فى موقفها تجاه مصر ؟

* هذا صحيح، فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد دعت الرئيس السيسى لزيارة ألمانيا بعد الانتخابات البرلمانية، وتغيير الرأى، يعنى أنهم رأوا فى مصر من عناصر الثبات والاستقرار، أو على الاقل النهوض، ما يستوجب تغيير الموقف، فقد تأكد لهم إنه لا توجد مشكلة فى مصر، وأن الدولة المصرية أكبر من أن يغفلها العالم أو ينساها حتى وأن أساء أصحابها، فنحن نسىء أحيانا وننسى لكن العالم ذكرنا أننا عندما بدأنا نهم أقبل العالم، وقال نحن نرى أن مصر موجودة شريطة أن يثبت أصحابها وجودها، فإذا لم نكن قادرين على إثبات وجودنا، لن يأتى أحد لمنحنا بطاقات جدارة.

وبخصوص اتفاقية المبادئ مع الخرطوم وإثيوبيا، أعتقد أن هذا موضوع مهم جدا وأهم من أن يتصوره أحد، رغم أننى استمعت لك أثناء حديثك مع وزير الخارجية سامح شكرى، الذى كان موجودا فى إثيوبيا وقتها، ويبدو انه كان لديك وقتها اسئلة بلا إجابات، وموضوع إثيوبيا موضوع خطير ومعقد وأتمنى أن يطلع الناس على وثائق المياه الخاصة بمياه النيل وهذا الموضوع، وقطع المياه بالتحديد بدأ منذ 800 سنة وهذا ليس جديدا، فالحروب الصليبية انتهت فى القرن الثالث عشر وبدأت الرحلات الاستكشافية الجغرافية، وكان هدفها الرئيسى مثلا طرق التجارة العالمية، وبعدها كلف ملك البرتغال فاسكو داجما لاكتشاف طريق مياه النيل، وأنا شخصيا أتمنى أن يقرأ الجميع تلك الوثيقة، فهناك التباسات تاريخية موجودة قد ترتد على المستقبل، وقمنا بأشياء كثيرة ليس لها لزوم، فنحن أمام تاريخ معقد جدا وأنا رأيتك وأنت تنظرين إلى نصوص الاتفاقية وتقولين إن هناك اشياء كثيرة غير واضحة.

ضعى فى ذهنك التعقيدات التاريخية وهى أبعد مما تتصورين، وضعى أيضا فى ذهنك أننا أوكلنا المنطقة فى وقت من الأوقات لأجهزة أمن، وهذا لم يكن له داعٍ، وأعرف أن البعض قد يغضب من هذا وقمنا بالقرب منها بمغامرات ليس لها لزوم، وأنت أمام وضع تاريخى، ونحن نقول دائما إن السياسة تتم على مسرح السياسة وهى الجارية الآن على أرضيته وخلفيته التاريخية، وكواليسه بها المؤلف والمنتج والمخرج والمعدات ومرات ننظر إلى ما يجرى على الساحة دون النظر للخلفية والتاريخ والكواليس، ولو فعلنا هذا فى قضية مياه النيل سوف تكتشفين أن مصر كانت بحاجة إلى الامساك بنقطة بداية حتى لو كانت واهية، بجوار التعقيدات التاريخية والسياسية نحن فى مياه النيل أسأنا التصرف فى المفاوضات، وأخذناها كمسألة وظيفية، وهو ما اتضح جليا فى اجتماع كنشاسا وقدمنا تنازلات ليس لها لزوم ثم أهملنا الموضوع، ثم اصبح موضوع مياه النيل ثانويا وأخذنا نبعده عن الذاكرة ثم عاد التنبه عندما ايقنا أن سد النهضة ظهر ويبنى بالفعل، وأمامنا صعوبات، ولكن نحن أمام موقف فى منتهى التعقيد بعد أن أفلتت الأمور من بين أيدينا بالكامل، وإذا كنت تتصورين اننا بصدد الحديث عن التزام قاطع وجازم وحازم، فنحن نتكلم هنا بمنتهى الوهم.

ــ هل السياسة تقوم على فكرة التعاون وحسن النوايا؟ هذا سيكون مقلقا ؟

* أختلف فى مسألة حسن النوايا، وقد تكون مطلوبة فى كل شىء، لكن فى النهاية أى صراع مرهون بحقائقه ولا يمكن إدارة أى قضية او مشكلة دون الالمام بحقائقها، ولا يمكن التقدم لمشكلة دون أن يكون لها توصيف، ولست متحمسا فى هذا الصدد للعواطف، ولو تحدثنا بلغة المصالح والامكانيات المتاحة أمامنا من إمكانيات قوة ووقائع على الارض، علينا ان نجد طريقا للإمساك بطرف خيط كان فالتا من يدك وضائعا، وادركنا أهميته فى لحظة صعبة، وأقصد هنا الرأى العام غير الملم بكل هذه التفاصيل فى قضية مياه النيل، ففى كل هذا يهمنى مدة التخزين فى سد النهضة.

ــ وهذا غير مذكور ؟

* مذكور، أنت تركت التعقيدات التاريخية وتعقيدات سياسية مستجدة فى العصر الحديث وموقف نشأ فى غيابك الكامل، تخلقت فيه حقائق جديدة على الارض، ويجب أن نضع فى اذهاننا أن هذا الصراع لا يمكن استخدام القوة فيه، لكن بالإمكان عبر السياسة أن نفعل اشياء كثيرة جدا ومن ضمن اسباب مجىء إثيوبيا لمؤتمر شرم الشيخ أنها ايقنت ووجدت أنك لست وحدك.

هناك مسألة مهمة جدا يجب الالتفات إليها، الاثيوبيون أخذوا موقف عناد مطلق، والاثيوبيون وغيرهم بدأوا يتصرفون باعتبار أن مصر هى التى تركت إفريقيا وهى تسير، والصين تساعد فليس محتاجا لمصر كما كان فى السابق، وتعاملوا معنا كمحاولة لكسب الوقت دون اهتمام، لكن عندما ظهر إحساس جديد أن ثمة أمرا ما يحدث فى مصر، وأن أمورا جديدة ظهرت ومنها التفاف العالم العربى واهتمام الناس والذى فاق التوقعات، وبصرف النظر عن المليارات وأنا شخصيا مخضوض منها، ولكنى أدعو الله أن يكملها على خير، وأن تصل فى حقيقة الامر لنا لكن ليست هى ما تعنينى، وما يعنينى هذا الالتفاف وهو ضمن العناصر التى جعلت رئيس وزراء إثيوبيا أو غيره يدرك أن مصر فى وضع مختلف، ولا يمكن معاملتها بكسب الوقت أو عدم الاهتمام دون مقتضى.

ــ ما الدلالة عندما قال رئيس وزراء إثيوبيا انه إما أن نسبح معا أو نغرق معا؟

* هذا جيد وأنا سعيد به، لكنه قرر أن يسبح معك حينما وجدك تسبحين مقارنة بذى قبل.

ــ كنا نغرق فى حقيقة الأمر؟

*بالفعل، كنا فى حالة غرق، وكنا قد تجمدنا على مدى 30 عاما وعندما تفككت الامور وذاب التجمد تحرك كل شىء مرة واحدة العالق والراسب والمتجمد، ودخلت فى أحوال من الضياع لا نعرف فيها شيئا، وهناك آمال كبيرة فى مقابل حقائق تعوق تقدمك.

ــ زيارة الرئيس السيسى للسودان ثم أديس أبابا وخطابه أمام برلمانهم ودعوتهم لحضور افتتاح قناة السويس الجديدة، أعتقد أنه تحرك مختلف؟

* هذا تحرك يؤكد على أن مصر تستيقظ، وأن حقائق وموازين القوة تتحرك فى صالحك، وأكثر ما يقلقنى اننا أمام لحظة يجب الامساك بها بعد أتى إليك الناس ومن بينهم إثيوبيا.

ــ وماذا عن قمة شرم الشيخ؟

* غدا ربما تكون فرصة مهمة للامساك باللحظة، حيث يجتمع القادة العرب فى مؤتمر شرم الشيخ، وهو فى غاية الاهمية، رغم قلقى من عدم حضور العالم العربى بأكمله.

ــ نتيجة الظروف؟

* على عينى ورأسى، لكن هذه هى القمة الاربعون هناك تسع قمم استثنائية و31 قمة دورة عادية، وبصرف النظر عن المشكلات التى تعانيها الدول العربية من تفكك وغيره، ولكن ينبغى أن تمثلى الغائبين وهى مسئولية الرئيس السيسى، وعليه أن يدرك خلال القمة إنه يمثل الحاضرين والغائبين، فإذا لم يدرك أنه يمثل الامة وليس مصر فقط فهناك خطأ وفقدان للحظة، وأنا أعتقد أنها تحتاج لتفكير كثير جدا، فالرئيس السيسى يدخل هذا المؤتمر ويخرج منه وهناك اشياء حدثت، ففى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، تحول من رئيس الضرورة إلى رئيس الاختيار.

ــ من الضرورة إلى الاختيار ؟

* أعتقد أن الشعب المصرى وأنا واحد منه، عندما كنا فى 30 يونيو لم يكن هناك شىء آخر غيره فهو رئيس الضرورة، لكن فى شرم الشيخ بالطريقة التى أدار بها المؤتمر والطريقة التى ظهر بها التنظيم، بما فيها من دور للمرأة، والحيوية التى منحها للمؤتمر، حولته من رئيس ضرورة إلى رئيس اختيار وهى مسئولية مذهلة ومخيفة، وبالتالى عندما يظهر فى القمة العربية والعالم العربى عائد إليه ويطلب منه أن تقوم مصر وتنهض بمسئوليات جديدة، فهذا أمر مهم، كون هناك متغيرات كثيرة متوقعة تلقى بمسئوليات كبيرة، وإن كنت أظن أن مؤتمر القمة لن يسفر عن أشياء مهمة جدا، وهذا ما يتضح جليا من جدول القمة، لكن ما بعد المؤتمر وما تحدثنا عنه من أحداث الاسابيع الماضية، يضعنا أمام احتمالية أوضاع جديدة، وأقول احتمالية.

ــ لماذا ترى أن القمة قد لا تسفر عن شىء رغم أن القادة العرب أمامهم جدول مكتظ جدا بقضايا الارهاب والعالم العربى المفكك؟

* الا تلاحظين أنك تقولين إن العالم العربى مفكك ويواجه الارهاب أضيفى عليها مشكلة انخفاض وتراجع أسعار البترول الرهيب، وهى أزمة كبيرة وممول رئيسى لكل ما يجرى على الساحة، لقد فقدنا وحتى الان وبالأرقام والتوقعات الصادرة عنهم 35 بليون دولار، فدخلهم 110 بلايين سيصبح 60 بليون دولار أى النصف تقريبا، وهى مشكلة اقتصادية كبيرة، فى حين تهتم القمة بتشكيل القوة العربية المشتركة.

ــ هل القوة العربية المشتركة أهم محاور نقاش القادة العرب خلال القمة العربية، أم أن هناك موضوعا آخر؟

* أولا لدى أسباب للقلق، فهناك ما يسمى بضباب الحرب، وهى السابقة للمعارك الكبرى، حيث تحتشد الجيوش فى الميادين المحددة وصورة كاملة أو على الاقل هناك ملامح مرسومة، ليبقى السؤال من أين نبدأ ومن سيقود؟ ومن سيتصرف وما هى المعلومات المتاحة باستمرار.
سواء فى السياسة أو الحرب أو الثورة، هناك ما يسمى بضباب الحرب أو ضباب الموقف، وهذا ما أقصده، فنحن قادرون وهناك عقبات، ويقلقنى أكثر أن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى كان ناجحا وبارزا، وأخشى من المقارنة بينه وبين القمة العربية من حيث عدد الحضور والغياب ومستوى الحضور، وكنت أتمنى أن يكون هناك فاصل أوسع بين هذا وذاك لكى لا ترتد الصور على بعضها وتؤثر على بعضها.

الأمر الثانى، أننا فى المعركة الحالية آخر سلاح ينبغى أن نرتكن إليه هو السلاح، وبالنسبة للجيش العربى أنا أحترم جدا كل الآراء والاجتهادات، لكن أعتقد اننا أمام عصر متغير بالكامل، وأخشى ان القيادة المشتركة هى من مفردات الصراع العربى الاسرائيلى، وليس الصراع الذى نواجهه الان، فعندما نذهب للحرب فإننا نحدد مصدر تهديد ونحدد مواجهته بقوة محددة وتحديد جبهة وميدان للحرب وتمويل وإمداد وتدريب، والذى نحن أمامه ليس الصراع العربى الاسرائيلى، فلا يمكن أخذ مفردات الصراع العربى الاسرائيلى وهو مرحلة، واقوم بتطبيقها على المستقبل، فالصراع أمامى ليس عسكريا، القوة قد تدخل فيه والسلاح فيه لكن يحتاج لإدارة من نوع مختلف، ونحتاج لتصورات قبل التحرك، وأنا فى حقيقة الامر لا أرى هذه التصورات، فالماضى لازال يحكمنا وتجربتنا ممكن أن تقفز فوق ما نستشعره من أن الدنيا تتغير، لتعود بنا إلى ماضٍ وفى حديثنا عن هذه القوة المشتركة نتساءل أين ستحارب ولماذا ؟.

هنا جزء من الادراك، أن الذى نتكلم عليه ليس استمرارا لمؤتمرات القمة السابقة لكن لروح مؤتمر شرم الشيخ، فالمؤتمر أحدث أمرا مهما جدا هى أن أول شىء أننا أمام عصر تتراجع فيه الايديولوجيات وتتقدم فيه التكنولوجيات.

ــ الآن الارهاب هو «داعش والحوثيين»؟

* داعش تحارب ما بقى من النظام السورى، والعراق تحاول والولايات المتحدة أيضا والاتراك فى موقف غريب جدا، والايرانيون مستفزون بشدة، وهناك معركة وسلاح مستعمل ولكن حتى الان لا يبدو مجديا، فعندما قال أوباما إن الحرب على داعش سوف تستمر ثلاث سنوات قلنا جميعنا «إيه الكلام الفاضى ده؟» لأننا قسنا بمقاييس الماضى لكن لو استخدمنا مقاييس الحاضر فنحن أمام شىء مختلف قد تطول مدته ورغم هذا فالسلاح آخر شىء فهناك اسلحة كثيرة فى الساحة لكنك تحتاجين إلى مواجهة بتصورات مختلفة.

ــ لكن تحتاج ايضا إلى حل عسكرى فى ليبيا مثلا؟

* لا لا لا، أنا موافق أن القوة لابد ان تستخدم فى مرحلة من المراحل، لكن عندما سألت كصحفى عادى عن المعلومات قيل لى إن الموضوع عبارة عن قوة تتدخل وقت اللزوم، اللزوم فى حقيقة الامر حاصل الان، وتنسيق المخابرات موجود منذ حرب أفغانستان، وليس هذا هو الموضوع، نحن امام صراع من نوع جديد على المستقبل وامكانياته وينبغى أن نديره بأسلحته، وأول أنواع الاسلحة ان نفهم فكيف نحارب مالا نفهمه؟ وطوال الفترة الماضية وحتى الان لم نتصور ماذا أمامنا كل الدول والمجتمعات فى ظل الظروف الفاصلة فى التاريخ وهى مشابهة لما نشهده الان لجأت إلى وقف الفعل، وقالت علينا أن نفكر أو نتصور وعلينا أن نعود للتاريخ لأنه خلفية للأحداث السياسية الآن.

ــ قبل أن نعود للتاريخ إذا أنت ترى أن القادة العرب فى شرم الشيخ يجب أن يغلقوا على أنفسهم الأبواب وان يفكروا؟

* لن يسعفهم الوقت أن يفكروا فى شىء، أعتقد ان الرئيس السيسى عليه أن يفكر فى مؤتمر آخر من نوع آخر، يجمع فيه القادة العرب مؤتمر غد ليس عنده شىء إلا أن يقر جدول أعماله، وأن يشعر أن ثمة غيابا كبيرا وأن ثمة مرحلة جديدة ليس بوسعه توصيفها أو مواجهة الخطر الداهم فيها، فالمشكلة فى هذا المؤتمر أنه يهدف لوضع حلول دون أن نوصف المشكلة، فهناك عالم عربى «خربان ومفكك»، وعندما نقول إن الارهاب يرعى فيه، فنحن امام عالم جديد يجب بناؤه، وتصورات ينبغى أن تقدم حتى تتجلى صور وحقائق.

ــ ربما يكون ما حدث هو إدارك العرب أن مصر تحتاج للعودة لدورها وقوتها ؟

* هذا صحيح، ومن الممكن أن تقوى وتعود مصر لدورها، والسيسى يقول إنها تستيقظ وتتحرك لكن لأى الطرق؟!.. أنت مقبلة على ساحة مدمرة وانتى البلد التى كانت منعزلة تخرجين الان لتقومى بدورك وتتحملى مسئوليات، ولن اقول ريادة أو شيئا من هذا القبيل فقد مللنا منها، والطرق كثيرة وعليك أن تختارى من اين تبدأ؟، والبداية بتشكيل قوة عسكرية مشتركة أعتقد فى رأيى قد يكون ضروريا، لكن ليست هى شكل ما هو قادم أو يكفى لما هو قادم، فأنت تحتاجين تصورا أوسع بكثير لما هو قادم لا تدخل فيها فقط القوة العسكرية، ولكن يدخل فيها الاقتصاد والثقافة وغيرها، فنحن نحتاج للتأمل والجرأة ومواجهة أحوال كثيرة متغيرة جدا وعندما نقول مصر تستيقظ وتتقدم عليك فرز الاولويات وهذا شىء مهم جدا، والفرز هنا أعتقد أنه فى منتهى الصعوبة فى ظل ضباب الحرب والثورة والفوضى.

ــ من وجهة نظرك ماهى أولويات الفرز ؟

* هم قاموا بشىء مهم جدا فى حقيقة الأمر، وهناك خطوتان مهمتان قامت بهما مصر، وهى العودة الاقتصادية بمؤتمر شرم الشيخ، وتكشف أن الاتجاه العام يدل أن هناك تلمسا للطريق لما هو قادم، بعد أن ارهقنا الرئيس السيسى ونحن نتساءل هل هو ناصر 2؟ أم هو السادات 2؟ هل هو مبارك 2؟ ليس كل هؤلاء هو رئيس قادم بعد ثورة، بعد مرجعية رئيسية هى ثورة 25 يناير.

الخطوة الثانية بعد المؤتمر الاقتصادى، تظهر أن مصر بشكل ما فى الاتجاه الصحيح، لكن ليس الطريق المحدد وهناك فرق بين الاتجاه الصحيح والطريق، إضافة إلى تعاطى السيسى الجيد مع قضية مياه النيل، واستطعنا أن نمسك بطرف خيط وهذا يدل على أننا فى الاتجاه الصحيح، فنحن أمام صراع مع الارهاب لإنقاذ العالم العربى، الذى يكاد يكون مسرح عمليات فى مستشفى قام الاطباء بفتح بطون الناس ثم فجأة انقطعت الكهرباء والبطون مفتوحة والناس على منضدات العمليات.

ــ يأتى القادة العرب لشرم الشيخ وكل منهم محمل بملفات كثيرة كأزمة العراق وداعش وايران وهو وضع غريب جدا ؟

* المشكلة فى العراق أن الموجودين فى بغداد أو غيرها يحاربون شيئا يمسهم، وايران موجودة فى الساحة بما يمسها، ونحن موجودون بما يمسنا كعالم عربى، وسوريا موجودة بما يمسها والولايات المتحدة موجودة، لكن المشكلة أن كل الاطراف فى نفس المعركة لكن كل طرف بقصد مختلف.

المعارك لا تكسب بهذه الطريقة على الاقل من الجانب العربى، هناك اختلاف كبير أننا اصبحنا نتولى مسئولية كبيرة فى العالم العربى، ونحن نتحدث عن داعش فى الخليج أهم منطقة فى العالم العربى الآن، والشمال كله به داعش والجنوب كله به حوثيون والمنطقة الشرقية فى السعودية كلها شيعة، وأنا ضد انقسام العالم العربى إلى سنة وشيعة، لكن اعتقد أنها من اكبر الجرائم فى التاريخ الاسلامى «الفتنة الكبرى»، فالخليج كله محاصر الان وليبيا ومصر والمنطقة مطوقة الملك عبدالله فى يوم من الايام قال اخشى من الهلال الشيعى فهو لم يعد هلالا، بل أصبح دائرة حصار حول القلب، وأرفض قصة الشيعة، القضية قضية أنك هزمت كل أهدافك بالطريقة الماضية وهذا ما يقلقنى فى مؤتمر غدا، لأن السياسات التى أتبعناها هزمت كل أهدافنا للأسف.

فقد حاربنا ايران وجعلناها اقوى دولة فى المنطقة، واصبحت نووية، ليس لدى مشكلة فى ذلك، على الاقل من زاوية انها اسرائيل تحتكر السلاح النووى فى المنطقة، كذلك حاربنا الحوثيين على منطقة صعده فأعطيناهم اليمن بأكمله، نحن فى يوم من الايام فى مصر أخطأنا ونحن نواجه صورة فأعطينا البلد كلها لجماعة الاخوان، وغيبة التصورات جعلت كل جهودنا فى خدمة هزيمة كل أهدافنا وهى قضية مزعجة.

أنت تقولين إن العراق يحارب داعش، لكن ارجوك أن تعرفى ما هى داعش، فقد صنعناها من خلال التنظيم المؤسس وهو جماعة الاخوان، ثم تفرعت وتشعبت منه التيارات المختلفة، وصنعنا وحش الارهاب وهو ما يسمى بتنظيم القاعدة، وداعش هو رد فعل لخيبة عربية كبرى، وداعش بدأت بالزرقاوى الذى واجه الامريكان فى العراق بعد الهزيمة وكسر العراق والامريكان تخلصوا منه، ثم قام تنظيم جديد قدم نفسه بما يمكن ان يسمى «القاعدة 2 » والبدرى الذى سمى البغدادى بحثا عن الخلافة، وهناك تغير مهم حدث فى الموصل وأسعى لتقصى كل ما يحدث، فالتغيير الذى حدث فى داعش الموصل، هو انضمام ما بين 1500 و 2000 من افراد ضباط الجيش العراقى السابق، ما يعد تغييرا نوعيا فى داعش.

ــ لكن ألا تتطلب المقاومة مع هذا الفريق الإرهابى جيوشا ومعركة عسكرية ؟

* أريد أن اقول لك شيئا، عندما نقول جيوشا فنحن نتحدث عن جبهة، وعندما نتحدث عن قوة عربية كم سيكون قوامها واين سنضعهم فى العراق واليمن وسوريا وليبيا؟ أين؟ ماهى الجبهة؟.. المشكلة أنك لأول مرة تحارب حربا بلا جبهة وبلا عدو معروف حتى الآن.

ــ إذا انتقلنا إلى الحالة اليمنية فقد طلب تدخلا عسكريا من درع الجزيرة وحظر جوى؟

* الامريكان موجودون ويحاربون فى اليمن، وكانت هناك بعثة أمريكية من 100 أمريكى تم إجلاؤهم، والامريكان قتلوا بالدرونز فى اليمن قرابة 3000 شخص، ولم يجد ذلك، والجيش اليمنى ذاب والرئيس السابق لديه جيش وانصار، والأمر لم يعد مقتصرا على الحوثيين فقط فالمناخ يسمح بتمدد جماعات أخرى، هذا الفراغ والحيرة والاحباط فى العالم العربى هو ردة فعل لمرحلة من الهزائم والتراجعات والفوضى والانسحاب.

ــ إذا لم يواجه هذا بالجيوش العربية بماذا سيواجه؟

* عندما يكون الامريكان بالدرونز قتلوا ولم يحدث ذلك تقدما والجيش اليمنى لم يستطع وعندما حاولت السعودية ذلك من خلال الامير خالد بن سلطان فى صعدة لم تفعل شيئا بالعكس، أنا أعرف أن هناك لحظة يجب استخدام القوة العسكرية لكن اين ومتى فى هذا الصراع؟ وفى أى جبهة؟.

ــ وما هو البديل ؟

* نحن نتحدث عن تصورات وموقف جديد بالكامل، وعندما نقول إن الرئيس يريد استشاريين ويعقد مجالس لن تكون هناك فائدة، وأنا أتحدث هنا عن تجربة، فالنصيحة يجب ان تكون ممن يعلم دخائل الأمور، ونحتاج إلى تصورات جديدة، وأقول بدأت فى شرم الشيخ بشكل معقول، ثم تجربة إثيوبيا بشكل معقول، حيث جربت وغامرت وتحركت وجازفت ضد التاريخ، ولو طلبتى تأكيدات اكثر لن تحصلى على شىء، سأتحدث عن نموذج من الاسبوع قبل الماضى رأيت السيد رمضان شلح وأعضاء من المقاومة فى تنظيم الجهاد الاسلامى وهو يقول لى فلسطين وغزة وأنا أعلم غزة، وبعض الناس يتحدثون بكلام خاطئ فسمعته وقلت له: «أرجوك أن تعرف أن قضية فلسطين التى كانت قضية العرب المركزية لم تعد كذلك، هى لاتزال من الناحية التاريخية والمعنوية والمستقبلية هى قضية المستقبل، لكن فى الوقت الراهن ونحن نتحدث هناك سوريا ضاعت والعراق وليبيا وأوطان بحالها حتى تونس التى قلنا عليها شيئا جيدا رأينا فيها الارهاب»، وقلت له «لن تعودوا فالصورة تغيرت تماما».

ــ إذا حينما يلقى أبو مازن كلمته فى القمة العربية، هل سيكون أمام العرب جديد ليقدموه؟ وهل ستنفعه القوة العسكرية المشتركة؟

* أنت أمام شىء آخر، أبو مازن مع الاسف الشديد سيطلب دعما وأعتقد أن المعركة فى مكان آخر، وأنا بالنسبة لغزة أتفهم وضعها جيدا وأعتقد اننا نعالج الامور هناك بطريقة تحتاج إلى تفكير جديد .

ــ لكن غزة لم تصلها المعونات حتى الان نتيجة الخلاف بين الفصائل ؟

* أنا لا يهمنى هذا الآن بقدر ما يهمنى المشاعر الموجودة فى قطاع غزة تجاه مصر، هناك حالة حصار على غزة وهنا محكمة فى مصر أخرجت حكما تقول فيه ان حماس منظمة إرهابية، وأنا لست معجبا بحماس لكن فى هذه اللحظة غزة قنبلة لو انفجرت سوف تصيب مصر، فهناك 2.5 مليون فلسطينى لو غضبوا سيقتحمون وقتها الحدود مع مصر، ولن يكون بوسعنا القيام بعملية صد او إطلاق النار، وهذه المرحلة تقتضى ربما التصورات وليست القرارات.

ــ لم تعد القضية الفلسطينية هى الاولى للعالم العربى، وعدد اللاجئين الفلسطينيين أصبح لا يقارن بعدد لاجئين أكثر من دولة عربية الآن؟

* ببساطة شديدة وللأسف الشديد، أحزن لأن العالم العربى لديه قتلى وليس ابطالا ولا شهداء فى الوقت الحالى، فى كل حروب فلسطين وإسرائيل لدينا 250 ألف شهيد، بينما فى الفوضى الاخيرة لدينا ما بين 12 و 15 مليون قتيل ولديك مشردون لا نستطيع معرفة عددهم، أنت أمام وضع يحتاج لتصورات مختلفة.

ــ القضيتان اليمنية والليبية هما قضيتان عاجلتان الان، خاصة الحوثيين ومخاطر السيطرة على باب المندب؟

* نحتاج إلى تصورات أخرى، فلدينا تجربة فى اليمن لم يدرسها أحد لدينا أن تجربتنا التى «ما صدقنا» تخلصنا منها فطوينا ملفاتها دون دراسة .

ــ لدينا عقدة؟

* لدينا عقدة، أنا كنت فى البداية ضد حرب اليمن ووقتها دخلت فى نقاشات حادة مع السادات وكان وقتها فى مجلس الشعب، لكن كنت أخشى من الوضع فى اليمن، وأنا ذهبت هناك سنة 48 ورأيت ما فيها وأتذكر جدا أن رئيس وزراء اليمن فى ذلك الوقت جاء لاجئا إلى مصر، فنحن أمام بلد بديع وحضارة هائلة، لكن الظروف تركته وهى ظروف كثيرة جدا وتحول التجارة كان مهما.

ــ وصول الحوثيين إلى باب المندب يعنى وصول ايران إلى هناك؟

* فى باب المندب ستواجهين مشاكل كثيرة، لكن اريد أن اقول شيئا إن الحرب ليست هى ما نقفز إليه والقوات المشتركة ليست هى ما نقفز اليه من اللحظة الاولى، علينا ان ندرس أولا، ونحتاج لأن نعرف إلى أى مدى تريد السعودية، والى أى مدى قادرة ومستعدة للتكاليف، فاليمن هو بركان نائم جنوب شبه الجزيرة العربية، واذا انفجر سيجرف كل المنطقة، ولم يكن السعوديون يخشون من شىء ما، لكن اليمن هو الهاجس الموجود، فعدد سكانها لا نعرفه، والسعوديون يعرفون أن ثمة مبالغ كثيرة يجب أن تصرف فى اليمن، فهناك ولاءات وقبائل كثيرة جدا وأحزاب سياسية وقوى جديدة وهناك أدب وفكر وثقافة، اليمن معقد والسؤال كيف نعالج ذلك هل باستخدام القوة؟ افترضى أنهم عند باب المندب، وهناك جزيرة فى هذه المنطقة بها مطار اسرائيلى، فإن لم يكن بوسعنا السيطرة عليها فباب المندب سيكون بديلا، وهم ذهبوا هناك ووجدوا من يساعدهم، ولن أدخل فى تفاصيل لكن اسرائيل لها قاعدة كبيرة فى الجنوب.

ــ هل أمريكا تحاول إنفاذ اتفاق مع إيران حول تمددها فى المنطقة وبالتالى تغض الطرف عن أشياء أخرى ؟

*لا لا، العلاقات الدولية ليست كذلك، فهى ليست صفقات فقط ولكن حركة موازين قوى، الدول تتحرك بطموحاتها وإراداتها، وكل ما تريده معرفة قوى توازن من حولها، وبالتالى هى ليست صفقة فقط، وأنا حزين جدا للطريقة التى وصلنا إليها مع إيران، فلم يكن لها لزوم، وقابلت الخومينى فى باريس وسمعته وتحدث نصف ساعة مع الشيخ محمود شلتوت، والتقيت بقادة المذاهب الاسلامية وهو معجب جدا بمشروع الشيخ شلتوت، ونحن اضعنا ايران لصالح الامريكان للأسف الشديد وقبلنا من الشاه وكان شيعيا ولم يغير عقيدته، وكانت علاقتنا جيدة معه نحن فى تاريخنا كنا نقول إن الاسلام يجب ما قبله، وكنا نؤرخ بالتاريخ الهجرى شاه ايران لم يفعل ذلك وكنا نعتبره صديقا بعد الثورة لكن مع الاسف الشديد الامريكان أدركوا أن هناك توازنات قوى، وأننا خائفون من الثورة الاسلامية فى ايران، وبالتالى اختفى الصراع العربى الاسرائيلى، وصعد الصراع السنى والشيعى؟

ــ جون كيرى تساءل عن مصير الحوار حول الازمة السورية وهل سيكون فى النهاية مع الاسد ؟

* لا لا أريد أن اقول لك شيئا هناك لغتان دائما، الاولى نتحدث بها مع الاقوياء والشركاء، والكلام الحقيقى قيل للعالم إنه لا يمكن بدون بشار الاسد وهذا صحيح لوجود حقائق منها ان النظام لايزال يقاوم والجيش لايزال ايضا متماسكا على مدى ثلاث سنوات، وكيرى عبر عن الحقيقة للأقوياء لكن الرسالة الثانية على طريقة «لحسن يزعلوا» ولذلك اقول لك لا نريد قرارات نحتاج لتصورات .

ــ هل من الممكن أن تلعب مصر دورا فى الازمة السورية؟

* ممكن تلعب دورا فى كل شىء وكما قلت السيسى عليه أن يتصرف ويعبر عن الحاضرين والغائبين.

ــ كيف ترى الارهاب فى ليبيا واصرار الغرب على العملية السياسية الشاملة؟

* لا نريد معركة ضد الارهاب تختلط بالإسلام، فالإسلام السياسى قضية معقدة وأكثر شىء نخطئ فيه، وأتفهم مواقف الجزائر المختلفة معنا، نحن لدينا حلول ونحاول أن نحل والجزائر تحاول ايضا، بالإضافة إلى وضع مصر والروابط القومية والعربية، فوضع ليبيا معقد فهى عبارة عن فضاء يبحث عن تاريخ، عبارة عن 3000 ميل على ساحل البحر المتوسط، ويهمنا حماية حدودنا وهذه مسألة تخصنا، ويمكن هنا أن يكون لما يسمى بالقوات العربية المشتركة دور فيها.

ــ هل توافق على العملية العسكرية المصرية فى ليبيا ؟

* الضربة التى قامت بها مصر كنت أتمنى أن تحدث بطريقة أخرى وبعد إخطار مجلس الأمن أيضا.

ــ ربما لو كنا أخطرنا مجلس الامن ما كان ليوافق؟

* كان علينا اخطاره أولا ثم نتصرف كما نشاء، فنحن لا نريد اذنه، وفى السياسة الدولية يمكن التصرف دون أن تفاجئى ولا تستأذنى، فقط أخطرنى أثناء التصرف ومرات أخطرنا بأشياء قبل حدوثها بدقائق، فعند استخدامك القوة العسكرية خارج حدودك تحتاج لترتيبات دولية.

ــ هل أمريكا تقوم بذلك واسرائيل أيضا ؟

* أمريكا تقوم بذلك لقدرتها، واسرائيل لأنها موازين قوة. اسرائيل تستأذن أمريكا والبلد الوحيد الذى يتصرف كيف يشاء دون إخطار كانت هى الولايات المتحدة وكان هذا مستمرا حتى وقت قريب قبل أن تختلف الصورة، حيث كانت تتصرف بدون اخطار وتشاور وهى الفترة التى انفردت فيها بالقوة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، أنت أمام طرف لا يمكن قياس نفسك به، انا أعلم أن أحد الوزراء العرب قال «وهل نستأذن امريكا؟» لا يمكن ان تقيسى نفسك بهذا الطرف أنا لست امريكا لكنى قوة لها احترامها ويجب أن يكون، وعلينا ان ندرك ان هناك اعتبارات .

ــ إذا تكرر الامر لا قدر الله فى ظل استمرار وجود الارهاب هناك ؟

* جيد، تريدين عملا عسكريا بالجيش المصرى لحماية حدود مصرية قومى بذلك، لكن علينا أن نفهم أن هناك إجراءات لهذا، وإلا سأجد نفسى مخطئا فى الحساب وأنا لا اقول استأذنى، لكن اقول أخطرى وتصرفى.

ــ لماذا يرفض الغرب والولايات المتحدة وقطر والجزائر رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبى ؟

* طبعا لأن هذه المعركة عليك أن تدرسيها، إننا نتصور أن المعركة فقط الارهاب فهناك بلد فى ليبيا وهى مصراتة لا تخضع لقاعدة ولم تخضع من قبل، وأنت أمام بلد له طبيعته قبائلية وشماله مختلف عن جنوبه، وبلد مساحته هائلة وحجم سكانه قليل وليبيا مرتين حجم مصر وربع او عشر عدد السكان.

ــ لكن خطورتها على الغرب مخيفة؟

* أريد أن اقول إن خطورتها على أوروبا أكبر، فهذا الساحل الممتد لـ 3000 ميل على البحر الأبيض المتوسط يواجه ايطاليا وفرنسا .

ــ لكن هناك ازدواجية فى المعايير فالتحالف يقصف الارهاب فى العراق وسوريا فى حربه ضد داعش وبمعايير مختلفة فى ليبيا ؟

* لأنه يدرك ان السلاح ليس هو الحل فى ليبيا، وأريد أن اقول إن كل هذه الحيرة التى نعيشها والتى تسألى فيها وانا محتار فيها مبعثها أننا أمام موقف جديد لم نتصوره، أنت أمام مستجدات، ولذلك كل الملفات القديمة سيتم ازاحتها جانبا وفتح صفحات جديدة، وعليك إما الرجوع لترتيب العالم بعد الحرب أو غيرها، وعليك أن تفكرى وتتصورى وأن تقدرى من جديد احوال عالمك.

ــ هل ترى أن أمام القادة العرب تحديات كبرى فى شرم الشيخ، تستوجب وضع تصورات لإعادة بناء مجتمع عربى جديد؟

* هذه عملية صعبة جدا، وأقبل الحديث عن تصور، فكل تصور له مقدمة وتسبقه محاولات فهم، ونحن حتى هذه اللحظة وقد نستمر بعدها قد لا نفهم ما نواجهه، وعندما أجد أن الموضوع الرئيسى على أجندة القمة العربية هو القوة العربية المشتركة، فانا اقول أن هذا جيد لكنه لا يمثل عشر ما هو مطلوب لمواجهة ما هو قادم، نحتاج لأكثر من ذلك، وأعتقد هنا أن الرئيس السيسى عليه مسئولية فهو يمثل الحاضر والغائب، فعليه مسئولية فى مصر وأخرى فى العالم العربى، وحتى الان لم يجتمع حتى اللحظة بمفكرى العرب، وأنا أعتقد أن اجتماع القمة يمكن أن يتم التوقيع على الملفات العربية ثم وضعها جانبا، ولن يحدث شيئا وليس المطلوب هو الجيش، لكن مطلوب قوة أخرى، القوة العسكرية يمكن أن تكون مهمة لكن مطلوب وجودها فى ظل تصور ثقافى اجتماعى كبير جدا .

ــ حتى لو قوات تدخل سريع تؤدى مهام بعينها ؟

* لا تتورطى فى أشياء لا تعرفى بدايتها وليس نهايتها هل سنحتل عدن مثلا؟

ــ وماذا عن الضربات الجوية ؟

* الضربات الجوية غير مؤثرة، فمن الممكن أن تهدم شيا أو اشياء، لكن أى عسكرى يتحدث عن الاستراتيجيات يعلم أن الوجود على المواقع هو ما يحدد المصائر وليس العكس، فقد أتى يوم وتكونين فى موقع معين لكن لا تنزىن إلى موقع آخر فيتم استنزافك فيه، وتضطرين إلى الانسحاب بشكل مهين، تذكرى أن الامريكان وقت الازمة اللبنانية أنزلوا مارينز وفى عملية نسف لمقر راح فيها 270 ضابطا، وريجان سحب القوات من لبنان كلها لا نريد اشياء من هذا النوع.

أمريكا مواردها تحتمل لكن نحن لا نحتمل، فالقوى العسكرية لها حسابات أخرى وتنجح حسابتها ضمن ما هو أكبر، لكن وحدها تؤدى لكوارث لن يحدث شىء حتى لو تم تشكيل قوة مشتركة، لكن لا أعتقد أن هذا هو الدواء النافع الناجع، وأتمنى من الرئيس السيسى أن يطل على العالم العربى وعلى المثقفين العرب، وأن يدعو مثلا نخبة من المثقفين العرب لا تزيد عن 12ــ15 شخصا ويستمع إليهم.

وكنت أقترح أن تدعو مصر لمؤتمر قمة للتصورات على طريقة فيينا وبوتسدام، يفكر فيه القادة العرب حول تحقيق الامن والتقدم والعدل الاجتماعى والديمقراطية بشكل أو بآخر، ويبحثون مستقبلا أوسع تعترضه عقبات فى هذه اللحظة، لكن عليهم ان يجدوا وسيلة لاقتحام هذا المستقبل.

ــ وماذا عن البؤر الملتهبة هل سنتركها هكذا؟

* البؤر الملتهبة أنت بين خيارين، مصر داخلة وهى مكلفة اما تدخل شيئا ويكون هناك مشكلة او تفكر قبل اقتراب المعركة فى العالم العربى كله فى أطرافه موجودة لا يمكن القول اننى ليس بوسعى الانتظار وأن أقوم بقفزة فى الظلام أحدهم يقول انزل فى عدن وارسل قوات فين كل هذه الامور تحتاج لتدبر، مواردك محدودة وقدراتك على قدها وأتحدث عن الجميع وآسف أنى اقول هذا فنحن نحتاج لتوظيف لهذه القوة بأكبر قدر من الفوائد بأقل حجم من الاضرار ضاع منى موارد الدنيا فى الفترة السابقة لايمكن ان يكون لدى ترف لخسارة المزيد.

ــ وقد لا نملك ترفا أن نترك اليمن تحت سيطرة الحوثيين؟

* أنا لم اقل نترك اليمن، فأنا أوافقكك الرأى، ولكن عليك أن لا تتقدمى دون بصيرة وتقفزى بلا رؤية وتدبر، القفز فى موقع محدد فى هذه اللحظة كارثى لأنك لا تعرفين أين تقفزين.

ــ هل ترأس مصر للقمة العربية لمدة عام قادم مفتاح لعودتها لدورها؟

* هى القفل والمفتاح سويا، لكن اريد أن اقول نعم فى مقدورها وقد ثبت هذا فى شرم الشيخ، فالعالم العربى يطلبها ويريد إنجاحها وهى تستيقظ وتهم وعلى طريق تحديد هدف لها وعلى وشك تحديد طريق لها، نريدها أن تتقدم واثقة مبصرة وعارفة بموقع خطاها، لا أملك ترف أن أخطئ كثيرا، صحيح هناك خطأ ممكن مع كل فعل إنسانى لكن ليس بصورة كبيرة، إذا لم ينجح المؤتمر القادم وبعده بشهرين أو ثلاثة فى الترتيب لرؤية جديدة ومستقبل مختلف، أخشى أن تكون آخر قمة لأنه اذا لم يحدث ذلك فسوف يفقد المواطن العربى الأمل.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك