شاكر عبدالحميد: الأحلام حكمة إبداعية بديعة لكل ما كتبه محفوظ - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 1:22 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شاكر عبدالحميد: الأحلام حكمة إبداعية بديعة لكل ما كتبه محفوظ

شاكر عبدالحميد
شاكر عبدالحميد
سامح سامى
نشر في: الخميس 3 سبتمبر 2015 - 6:03 م | آخر تحديث: الخميس 3 سبتمبر 2015 - 6:03 م

فى أحلامنا فقط نكون صادقين. هذا ما قاله الفيلسوف الألمانى «نيتشه»، أما جلجامش فيطالب فى أسطورته الجبل أن يأتى لصديقه «إنكيدو» بحلم مطمئن فيقول له: «يا أيها الجبل يا موطن الإلهة أرسل حلما لإنكيدو، أبعث إليه بحلم مطمئن». وفى سياق آخر يقول «نينورتا» إله الآبار فى هذه الأسطورة: «ثم أنى لم أفش سر الإلهة، فقد عرفه الرجل الحكيم فى الحلم».

هكذا كان نجيب محفوظ، فيما أعتقد، يبحث خلال فترة النقاهة، عن حلم مطمئن؛ حلم مطمئن له ولوطنه، كما أنه كان قد وصل إلى أعلى مراتب الإبداع والشهرة وتحقيق الذات والحكمة. وهكذا كانت أحلامه هذه تسعى وراء طمأنينة مفتقدة، وتجسد أيضا حكمة راسخة تراكمت لديه فى وعيه ووجدانه عبر كثير من الخبرات والسنين والكتابات.

فطالما اهتم محفوظ فى عمله بالملاحظة والإدراك والالتقاط والتحليل والرصد والتجسيد للجوانب الخفية من النفس البشرية.
وقد أدرك محفوظ ذلك ورصده هذا علماء ونقاد بارزون منهم، تمثيلا لا حصرا: يحيى الرخاوى، عز الدين إسماعيل، فرج أحمد فرج، وإبراهيم فتحى، وغيرهم.

كما أن الكثير من عناوين محفوظ تعكس هذا الولع لديه بالجانب الخفى من النفس البشرية، ومنها تمثيلا لا حصرا: همس الجنون، السراب، المرايا، رأيت فيما يرى النائم.

الحلم بشكل عام قد يمثل ذاكرة للنهار تتجلى خلال الليل، هذا رأى «فرويد». وعند يونج الحلم أداة للتنبؤ بالمستقبل، والحلم كذلك أسلوب مواجهة لأوجاع الحياة وأمراضها. ووسيلة أيضا للنقاهة من هذه الأوجاع والأمراض.

وقد عكست «أصداء السيرة الذاتية» هذه الوظائف الثلاثة للحلم: ذاكرة الماضى، والتنبؤ بالمستقبل، وأسلوب مواجهة للأوجاع والأمراض.

وفى هذا السياق أتوقع ايضا أن يكون الترحيب والفرح والاحتفاء كبيرا من القراء عامة والنقاد والدارسين ايضا بصدور الجزء الثانى لـ «أحلام فترة النقاهة» عن دار الشروق فى زمن أصبح فيه الولع بنجيب محفوظ، وكل ما يمثله علامة مميزة للمزاج المصرى ونموذجا وقدوة تدعو إلى الفخر لدى كثير من المصريين والعرب أيضا.

فى هذه الأحلام يقدم لنا نجيب محفوظ عالما موازيا رمزيا ليليا لعالم الحياة النهارية الحالية والماضية الخاصة به وبالآخرين؛ لحياته وذكرياته وأمنياته وعلاقاته ورغباته وإحباطاته وأفراحه وأحزانه. وفى هذه الأحلام نجد تداخل الأمكنة والأزمنة والبشر والانفعالات والذكريات ونجد عالما خصبا يموج بالحركة، فنجد وسائل نقل: الترام والدراجات والقطارات والطائرات والسفن، وكذلك الحركة الخاصة بالراوى أو السارد من خلال المشى فى الشوارع أو عبر الأحلام. فى أحد الأحلام الذات تعبر عن رغبتها فى الطيران من السعادة بلا أجنحة، ونجد الأماكن والمكاتب والقصور وغرف المستشفيات. ومن بين هذه الأماكن يبرز البيت وتبرز الرغبة فى العودة إليه فى كثير من الأحلام، حيث نجد هنا رغبة غلابة متكررة دائمة البحث عن البيت الأليف والمألوف الذى يبعث الشعور بالطمأنينة ورغبة أيضا مصاحبة فى الابتعاد عن تلك البيوت المخيفة الموحشة غير المألوفة أو الأليفة. وهنا البيت يرتبط رمزيا بوطن آمن مستقر لا ذلك الوطن الذى يتصارع فيه الجميع عليه حتى يتحول إلى ما يشبه الجثة الهامدة أو الهيكل العظمى.

وهكذا نجد فى أحلام كثيرة لدى محفوظ بيوتا تخلو من البشر والحركة والحميمية لكنها تزخر أيضا بالذكريات والأمنيات والرغبات. وترتبط الأماكن فى الأحلام أيضا بالانفعالات ومنها تمثيلا لا حصرا: انفعالات القلق والحزن والحيرة والضيق والشرود الذى يتحول إلى حسرة ورعب شامل.

نادرا ما تكون الذات موجودة فى الأحلام بمفردها، وإنما ثمة آخر: الحبيبة الجميلة الغائبة والتى غالبا ما تكون قد ماتت، وهناك الأم والأصدقاء والمعلمون وأفراد الأسرة وبعض الزعماء» خاصة سعد زغلول ومصطفى النحاس، وبعض النقاد.

وهناك رغبة مستمرة فى العودة إلى مرحلة الشباب والقوة والماضى والأمن النسبى فى مواجهة حالات الشك والحيرة والالتباس وغياب اليقين بشكل عام. الأب غائب تقريبا فى الأحلام، أما الأم فحاضرة فى أكثر من حلم. وغياب الأب قد يرتبط بغياب السلطة أو القيد أو الرقابة أو الحماية والطمأنينة بشكل عام فى حياة اليقظة. هناك اختفاء لشخصيات وظهورهم مرة أخرى، وعودة الموتى لتصحيح أخطاء ارتكبوها أو أرتكبها غيرهم. هذه ليس مجرد أحلام فقط بل فيها كوابيس فترة النقاهة أيضا، هناك موت وخوف وقلق، وبيوت تحترق وجرائم وحيوانات متوحشة وفزع ليلى. بنية الأحلام متماسكة ونهايتها مفتوحة غير مغلقة لكنها تقبل تأويلات عدة، حالات من الترقب والارهاص الخفى بما قد يكون موشكا على الحدوث بشكل عام، فهى تعكس حالة من البحث عن حلم مطمئن للناس جميعا ولكل المجتمع المصرى، وتجسد أيضا حكمة إبداعية جميلة لكل إبداعات محفوظ وأحلامه بشكل خاص.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك