صلاح فضل: محفوظ فى أحلامه سكب عصارة خبرته المتجوهرة - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 10:28 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صلاح فضل: محفوظ فى أحلامه سكب عصارة خبرته المتجوهرة

صلاح فضل
صلاح فضل
سامح سامى
نشر في: الخميس 3 سبتمبر 2015 - 6:07 م | آخر تحديث: الخميس 3 سبتمبر 2015 - 6:08 م

أسس محفوظ بعبقرية النمل الدءوب ديوان الرواية العربية وانتزع شرعيتها من يد الجيل السابق عليه بإنتاجه المتواصل ومشروعاته المتراكبة، كان يعرف أنه ابن ثقافة تقدس نشوة الشعر وتعشق وجيز الكلمات ومأثور الحكم، وكان هو نفسه يمتلك طاقة شعرية فذة عرف كيف يوزعها بعدل على مواقفه وتقنياته وكلماته، وامتص بجذره الممتد فى عروق الأدب شعرية الكتابة وفلسفتها منذ الجاحظ حتى طه حسين، والتمس غذاءه المبكر فى أغوار الآثار الفرعونية التى فتنته، فشرع فى احتضانها بوعيه الإنسانى المعاصر ورؤيته المادية العلمية للتاريخ.

ابتكر محفوظ الأسلوب الشفاف الذى لا تشعر بكيانه اللغوى ولا تصدم بجسده المجازى، فهو يذيب طيات الدهن البلاغى المتراكم فى أعطاف التعبير، ليصب نموذجا زجاجيا صافيا يشف بشكل مباشر عن الشخصيات والمواقف والنبرات والأصوات، دون أية شائبة تشعرك بجسمها الحامل لهذه السوائل الملونة، فيعيد تشكيل العبارات العامية بترتيب نحوى بسيط يدخلها منظومة اللغة العربية الموحدة، القادرة على التوصيل بكفاءة عالية وإنكار واضح للذات.

تحول نجيب محفوظ ـ فى أعماله التالية للمرحلة الواقعية وهو ابن الثقافة العربية المفعمة بعبق الشعر والتكوينات البلاغية الساحرة ــ إلى صياغة أسلوب ثالث مختلف عن تجاربه السابقة فى الأسلوبين الفخيم والشفيف، عندما أخذ ينقش شعريته الخاصة فى لون من الأرابيسك المكثف المتميز، بلغ ذروة إتقانه فى درته الكبرى الحرافيش، التى لم يكتف فيها بإعادة اكتشاف شعرية اللغة العربية، بل غازل أسرار الشعر الفارسى المنشد فى التكايا، لإضفاء مسحة صوفية رائقة على المواقف المصورة، وصولا إلى المرحلة الرابعة فى أسلوب محفوظ وهى الأخيرة عمليا، والخلاصة المقطرة لعتاقة تجربته الجمالية فى اللغة، فهى المرحلة الماسية لا لأنه كان قد بلغ فيها ثلاثة أرباع قرن من الزمان فى عمر كتابته فحسب، ولكن؛ لأنها تتوهج بتلك القطع الفريدة النادرة، المفعمة بالحكمة والإشارات الرمزية والألوان الباهرة المتعددة، التى أصبحت فيها الكأس جسد الفن الثمين وقيمته الغالية بأكثر مما يتراءى فيها من شراب. ويتجلى ذلك فى «أحلام فترة النقاهة» وأصداء السيرة الذاتية، التى سكب فيها عصارة خبرته المتجوهرة، وكما تكون اللآلئ نتيجة عبقرية لفعل الزمن، حتى فى محنه العظمى، وتفاعل المواد وتراكم الوعى الجمالى بإيقاعات الحياة واللغة، فإن محفوظ فى هذا التبلور الفائق قد عبر طبقات اللغة المصرية جيولوجيا، منذ عصر الفراعنة والعروبة حتى العصر الحديث، ليعكس فيها نضرة الروح ونعيم الفن الجميل.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك