حكاية زهرات عربيات يحفظن اللاجئين العرب فى «نن العين» بمحطات ستوكهولم - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» كانت شاهدة عليها من السويد..

حكاية زهرات عربيات يحفظن اللاجئين العرب فى «نن العين» بمحطات ستوكهولم

مجموعة من الشابات العربيات بزى الصليب الأحمر وسط اللاجئين أمام محطة ستوكهولم- تصوير خالد أبو بكر
مجموعة من الشابات العربيات بزى الصليب الأحمر وسط اللاجئين أمام محطة ستوكهولم- تصوير خالد أبو بكر
رسالة ستوكهولم- خالد أبو بكر
نشر في: السبت 3 أكتوبر 2015 - 10:04 ص | آخر تحديث: السبت 3 أكتوبر 2015 - 10:22 ص

• بنات المهاجرين العرب بالسويـد يستقبلن الفارين من جحيم الحرب فى سوريا والعراق

• تسهيل تواصل اللاجئين مع مصلحة الهجرة والصليب الأحمر وتقديم الغذاء والدواء مهمتهن الرئيسية

• بتول: الجهل وظلم الحكام أدى بالعراقيين والسوريين لهذا الوضع البائس.. العلم هو الحل

• فاطمة: أشعر بالقهر على شبابنا.. مساكين بمجرد رؤية الشرطة يصابون بالهلع فنطمئنهم أن الوضع هنا مختلف

• دعاء: طلاب الطب العرب بالسويد شكلوا مجموعة لتقديم الدعم الطبى للاجئين فور وصولهم

تشعر أنهن ملائكة أنزلها الله من السماء لترفرف بأجنحتها حول أولئك الفارين من جحيم الحروب والتفجيرات فى سوريا والعراق، فى محطتهم النهائية لرحلة الشتات، أو بالقرب منها فى محطة القطار الرئيسية فى العاصمة السويدية ستوكهولم.. زهرات عربيات تتفتح فى وجه هؤلاء الذين عبروا البحار والحدود بحثا عن فرصة لاستكمال العيش بعيدا عن القتل على الهوية وعدسات القناصة والبراميل المتفجرة.

ما أن تطأ أقدام اللاجئين العرب محطة القطار هذه حتى يجدوا فى استقبالهم أخواتهم من بنات المهاجرين السابقين لهذه البلاد، واللاتى ولد معظمهن فى السويد ولم يزرن أوطانهم الأصلية من قبل، وبعضهم الآخر جاء لاجئا مع أهله فى مرحلة مبكرة من حياته.

يشعر ذلك اللاجئ العربى الذى داعبه الموت عشرات المرات فى عبوره للبحار أو فى مطاردة الشرطة والمافيا عندما يأتيه صوت عربى مرحب «أهلا وسهلا بك فى السويد يا أخى» بأنه ولد من جديد.. يرتاح قلبه الموجوع من الغربة وطول السفر، تنتعش آماله فى القدرة على التواصل مع السلطات التى تنتظره فى هذه البلاد البعيدة.. فيبكى فرحا بهذه اللحظة المشحونة بحرارة الاستقبال.
«الشروق» التقت مجموعة من هؤلاء الفتيات العربيات اللائى يستقبلن اللاجئين فى محطة القطار الرئيسية فى ستوكهولم، لتقديم الدعم لهم من أطعمة وأدوية، القيام بأعمال الترجمة وتسهيل التواصل بينهم والسلطات السويدية، التى تكون فى انتظارهم.

دعاء حسن، صيدلانية، لتوها تخرجت فى إحدى جامعات السويد، تقضى يومها كله فى محطة القطار الرئيسية فى ستوكهولم لاستقبال اللاجئين الفارين من ويلات الحروب والنزاعات فى سوريا والعراق «عندما جئت مع أبى إلى السويد فى 2002 كان عمرى 12 سنة، طوال فترة إقامتى ودراستى فى السويد لم أنس أبدا أهلى أو أصدقائى فى ديالى، العراق وأخباره حاضران فى بيتنا، فلا يمر يوم من دون أن نطمئن على الأعمام والأخوال هناك، خاصة أن بلادنا عاشت وتعيش أياما صعبة».

«بمجرد سماعى أنباء قدوم اللاجئين العراقيين والسوريين إلى السويد قررت النزول لاستقبالهم وتقديم الدعم لهم، أنا أعرف أهلنا.. القليل منهم يتحدث بلغة أخرى غير العربية، وبالتالى سيحتاجون لمترجمين فور وصولهم كى يستطيعوا التواصل مع مصلحة الهجرة السويدية والصليب الأحمر، أو حتى حجز التذاكر لهم إذا كانوا سيتحركون إلى بلد آخر، كما يفعل معظم العراقيين الذين يتوجهون إلى فنلندا، وقمت بهذا العمل كمتطوعة مع الصليب الأحمر السويدى»، تقول دعاء.

وتواصل «لم أستمر طويلا مع الصليب الأحمر، بعد أن سمعت عن عدد من الطلاب العرب المتخصصين فى الطب والصيدلة والتمريض، قد كونوا مجموعة لتقديم الدعم الطبى والإسعافات الأولية للمهاجرين فور وصولهم محطة قطار ستوكهولم، وأطلقوا عليها «اسم Refugees Welcome أى مرحبا باللاجئين، وانضم إليهم سويديون وعدد من الجنسيات الأخرى».

«الرحلات الطويلة والشاقة التى يقطعها اللاجئون حتى وصولهم ستوكهولم، والتى أحيانا يتعرضون فيها للضرب على يد الشرطة فى بعض البلدان التى مروا عليها، تحتم علينا تقديم المساندة النفسية لهم، والدعم الطبى العاجل، خاصة للأطفال، والأمهات، الذين يكونون أكثر تأثرا بطول الرحلة من الرجال والشباب».

دعاء حسن
الزكام وآلام المفاصل والأقدام هى أبرز الشكاوى الطبية الشائعة بين اللاجئين ــ بحسب دعاء ــ وذلك «نتيجة أنهم يضطرون للسير على الأقدام لمسافات طويلة بين الغابات هربا من الاصطدام بالشرطة فى العديد من البلدان، الحمدلله تتبرع الكثير من الصيدليات فى ستوكهولم بما نحتاجه من أدوية فضلا عن المساعدات التى يتبرع بها بعض العرب والمواطنين السويديين».

«نساعد اللاجئين دون تمييز بطبيعة الحال.. يعنى أنا لن أنتقى العراقى وأترك السورى.. الكل لدينا إخوة يستحقون الدعم.. ونشعر بتلك المعاناة التى عاشوا فيها سواء فى بلادهم أو فى الطريق إلى هنا عبر البحار واجتياز الحدود، نقدم الدعم أيضا للاجئين القادمين من أوكرانيا وبعض بلدان أوروبا الشرقية.. كلنا شركاء فى الإنسانية».

كانت تنتظر قطارا أخطر الصليب الأحمر الذى تحمل شارته أنه يقل عددا كبيرا من اللاجئين القادمين من العراق، تشعر وأنت تنظر إليها أنها فى انتظار أهلها الذين يغيبون عنها منذ سنوات من فرط علامات القلق البادية على وجهها «مأساة إنسانية بكل المقاييس.. أن يدفعك الوطن لهجره بهذه الطريقة المهينة»، كانت أولى كلماتها لى.

«بتول» الشابة ذات الأصول السورية، والتى لم تزر سوريا ولو مرة واحدة لكنها تتحدث العربية بطلاقة، تلخص الأسباب التى أدت بالسوريين والعراقيين لهذا الوضع البائس «الجهل هو السبب.. الجهل هو سبب الطائفية.. الجهل هو سبب تسلط الحكام على شعوبنا.. لو أن الشعب متعلم ما سمح لأحد بأن يهدر حقوقه.. الشعب لو متعلم ما رفع الأخ السلاح فى وجه أخيه، انظر إلينا هنا.. نعيش فى ود وتحاب لا فرق بين سنى وشيعى أو عربى وكردى، لا تنظر إلينا نحن الجيل الثانى، فقد تقول إننا ولدنا فى السويد، انظر إلى آبائنا وأمهاتنا الذين عاشوا فى سوريا، وكيف يتزاورون هنا دون النظر إلى مسألة الطائفة أو العرق».

وتواصل الفتاة التى أطفأت لتوها 18 شمعة من عمرها «أتحدث السويدية والإنجليزية بالإضافة إلى العربية، وبالتالى أستقبل اللاجئين القادمين من بلادنا فور نزولهم من القطار، لا أستطيع أن أصف لك تلك الراحة والطمأنينة التى يشعرون بها عندما يسمع الواحد منهم صوتا عربيا يتحدث إليه فى هذه البلاد الغريبة.. تعلو وجهه ابتسامة نادرا ما عرفها طوال رحلته الشاقة، نقدم لهم الطعام والشراب، ونحجز لهم تذاكر القطارات إذا كانوا يعتزمون مغادرة السويد إلى وجهة أخرى، ونساعدهم على التواصل مع مندوبى مصلحة الهجرة السويدية، التى تأخذهم بدورها إلى معسكرات اللاجئين المعروفة باسم «الكامبات».

دوى صفير القطار معلنا قدومه إلى المحطة، فلم أجد بتول بجوارى، جرت على الرصيف وكأنها ستحضتن ذلك القطار القادم بالأهل المنهكين، ستشم فيهم رائحة بقايا وطن لم تطالعه عيناها، لكنه تحبه كما لم تحب بقعة أخرى من الأرض.

«أشعر بالقهر على الشباب العراقى والسورى القادم إلى المجهول»، تقول فاطمة ابنة الـ19 عاما، والتى تدرس الاقتصاد فى الجامعة، «أبى جاء إلى السويد وعمرى 4 سنوات، تقريبا لا أذكر شيئا عن حياتنا هناك، لكن ارتباطى بالوطن كبير جدا، بمجرد سماعى بقدوم لاجئين من بلادى قررت النزول لاستقبالهم، وانضممت كمتطوعة مع الصليب الأحمر لتقديم الدعم والمساعدة لهم».

«أهلنا مساكين.. لديهم مشاكل فطرية فى التعامل مع السلطات ــ أى سلطات ــ بمجرد رؤيتهم رجل الشرطة يصابون بالهلع.. لم يستوعبوا بعد الفارق بين الشرطة هنا والشرطة فى البلاد العربية، وبالتالى وجودنا بجانبهم عند نزولهم من القطار وتحدثنا إليهم بالعربية يطمئنهم، ولذلك يعتمدون علينا حتى يحجزوا تذاكرهم ويسافرون إلى فنلندا وجهة معظم العراقيين، أو الذهاب لمعسكرات اللاجئين كما فى حالة السوريين الذين تمنحهم السلطات السويدية الإقامة بسرعة». تقول فاطمة ذات الأصول اللبنانية.

تشعر وهى تقف فى قلب محطة ستوكهولم وهى توجه زميلاتها وزملاءها لاستقبال اللاجئين أنها قائد ميدانى فى معركة، لهجتها الحادة، وحركتها السريعة من تجمع لتجمع يعطيك انطباعا بصعوبة مهمة هذا الجيل العربى الذى وجد نفسه أمام مهمة صعبة وهى استقبال إخوة لهم جاءوا فارين من ويلات وأوضاع معيشية وإنسانية صعبة، قالت «اسمى رؤى، جئت إلى السويد مع عائلتى منذ 16 سنة، وعلى غير عادة النساء تفصح عن عمرها «33 سنة»، من دون جدية وتقسيم الأدوار بالتنسيق مع الصليب الأحمر لن نستطيع أن نستقبل إخوتنا بشكل لائق.. هم بطبيعتهم متلهفون على معرفة كل شىء فى دقيقة واحدة على عادة كل العرب، يريد بمجرد وصوله الحصول على الإقامة وربما الجنسية، وهنا يأتى دورنا لنشرح له أن الاجراءات تأخذ وقتا قد يمتد لأشهر وربما سنوات».

رؤى، مهندسة معمارية، لكنها تعمل فى شركة سياحة، وهو ما سهل عليها تنظيم استقبال اللاجئين، تقول بأسى «كتب علينا الشتات.. بفعل طغيان حكامنا، وتآمر الدول الكبرى علينا.. لا أتصور شكل بغداد التى تركتها قبل 16 سنة.. كان بإمكان العراق أن يكون أفضل مما هو عليه الآن لولا الغزو الأمريكى اللعين.. لم تكن لدينا هذه الطائفية القاتلة التى شجع الاحتلال عليها».
رؤى مع أسرة مهاجرة
«احترام القانون»، هو الشرط الذى وضعته رؤى لسرعة اندماج العربى المهاجر إلى السويد وأوربا بشكل عام، لكنها تستدرك «لا تتصور الأمر سهلا.. بالتجربة أقول لك: هذه مهمة صعبة على العربى.. لو كان فيه احترام للقانون من الحكام والمحكومين فى بلادنا لما وصلنا إلى هذا الوضع البائس على عتبات الدول العظمى.. لاجئين».

«بشكل عام.. الشعب السويدى متسامح، ويقبل الآخر، لكن على الشخص القادم للعيش فى بلاده أن يبذل جهدا أكبر فى تعلم اللغة السويدية، كى يستطيع أن يتعلم ويحصل على فرصة عمل، فضلا عن سرعة التعود على العادات والتقاليد الجديدة عليه، وأن يحترم خصوصيات أهل البلد الذى وفد إليه، وهنا توجد حرية فى ممارسة الشعائر، ولا مشاكل مع المحجبات كما فى بعض البلدان الأخرى».

نجوان ناجى، فتاة عراقية (24 سنة)، قدمت مع أسرتها إلى السويد قبل 5 سنوات، ونجحت فى العمل كمضيفة جوية على «الخطوط الجوية الاسكندنافية» (SAS)، قالت بمجرد «انتهائى من عملى أحضر إلى المحطة لاستقبال أهالينا القادمين من العراق وسوريا، أشعر بمعاناتهم، فقد عشت هذه اللحظات قبل 5 سنوات عندما أتيت وعائلتى إلى هنا لأول مرة».

«نحن متأكدون أنهم لو كانوا مكاننا كانوا سيقدمون على دعمنا واستقبالنا.. يا أخى هذا ما تبقى من الشهامة العربية، التى يتمسك بها من يترك بلاد العرب أكثر من المقيمين فيها.. هم أهلنا ويجب علينا احتضانهم حتى تتوفق أوضاعهم»، تقول نجوان.

وتضيف بأن «حظ هؤلاء اللاجئين العراقيين أفضل حالا منهم عندما جاءوا إلى السويد قبل عدة سنوات، لأن هناك رأيا عاما داعما ومتقبلا لفكرة استقبال اللاجئين فى اللحظة الراهنة، وذلك سيساعدهم على الاندماج بسرعة، ولذلك حظهم أفضل منا، وأمامهم مستقبل جيد لو أحسنوا استغلاله».
نجوان ناجي
بالقرب من نجوان كانت تقف بلسم كرم (21 سنة)، كردية من أربيل، قالت إنها تتحدث السويدية والإنجليزية والعربية والفارسية بالإضافة إلى الكردية، وهى تعمل بجامعة ستوكهولم، وما أن تفرغ من عملها اليومى حتى تحضر إلى محطة القطار الرئيسية لتقديم الدعم للاجئين من خلال الصليب الأحمر السويدى، الذى تحمل شارته على ذراعها.

تؤكد بلسم «أنه من غير المتصور أن يجلس العراقيون المقيمون فى السويد فى بيوتهم ولهم إخوة قادمون لهذه البلاد للمرة الأولى فى حياتهم.. لذلك نبذل قصارى الجهد فى التخفيف عنهم فور قدومهم إلى ستوكهولم، وأنا معنية بالدرجة الأولى بالترجمة، وشرح ما يتعين على اللاجئ القيام به حتى يحصل على حقوقه، فضلا عن توضيح أن أمر الحصول على الإقامة يأخذ بعض الوقت».


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك