مؤرخ عسكرى إسرائيلى: «المزرعة الصينية» نموذج للفشل الاستخباراتى الإسرائيلي فى حرب يوم الغفران - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:30 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤرخ عسكرى إسرائيلى: «المزرعة الصينية» نموذج للفشل الاستخباراتى الإسرائيلي فى حرب يوم الغفران

جنود إسرائيليون يخلون جرحاهم من المعركة
جنود إسرائيليون يخلون جرحاهم من المعركة
إعداد- محمد حامد
نشر في: الأحد 4 أكتوبر 2015 - 9:27 ص | آخر تحديث: الأحد 4 أكتوبر 2015 - 11:30 ص

• صائدو الدبابات من الفرقة 16 المصرية ألحقوا خسائر فادحة بقوات شارون

• نجح المصريون فى إقامة الجسور فى 24 ساعة وفشلنا فى إقامتها فى يومين

• التستر على أخطاء القادة الإسرائيليينف تح الطريق أمام أمثال إيهود باراك إلى القمة

نشر موقع «كيبوريم»، الذى أنشئ خصيصا لجنود الجيش الإسرائيلى، ليرووا حكايات المعارك والأسر فى حرب أكتوبر على الجبهتين المصرية والسورية، تلك الرواية للمؤرخ العسكرى الإسرائيلى «أورى ميليشطاين»، كان مرافقا للقوات المظلية الإسرائيلية في معركة المزرعة الصينية، ويقول ميليشطاين في روايته..

شاركت فى حرب يوم الغفران (6 أكتوبر 1973) كمؤرخ لسلاح المظليين، وخلال المعارك وإلى جانب أدائى لعملى كمؤرخ عسكرى، فقد عملت ممرضا. بدأت معركة المزرعة الصينية بالنسبة لى يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 1973عندما قرر طبيب اللواء 35 أن يخرجنى من المجموعة الطبية التابعة للدكتور إفرايم سينيه، التى اتجهت إلى المزرعة الصينية، وعهد إلى ــ رغم اعتراضى الكبير ــ بتجهيز العتاد الطبى الثقيل، وأن أتوجه معه بمركبة خلف القوات المتجهة للمعركة.

كان هذا القرار خاطئا؛ لأن العتاد الطبى كان غير متوافر فى المزرعة الصينية، بعد أن أصيب كثير من المظليين. تمكنا نحن الثلاثة وبعض المظليين الآخرين الذين بقوا فى المؤخرة من رفع العتاد الطبى على ظهرنا فى طريقنا إلى المزرعة الصينية.

وفى فجر يوم 17 أكتوبر وصلنا بالعتاد الطبى إلى المستشفى الميدانى الموجودة فى منطقة «عكافيش 52» على الخريطة الشفرية «سيروس»، والتى تعرضت لقصف بالمدفعية وصواريخ الكاتيوشا المصرية، كتبت فى يومياتى: الحرب هنا الآن. نحن على مسافة كيلومترين من خطوط المصريين، يأتى إلى هنا دون توقف كثير من القتلى وعشرات الجرحى، حيث تخليهم طائرات مروحية كبيرة، وعربات إسعاف عسكرية، ومركبات مدنية أعدت لهذا الغرض. كان الأطباء والممرضون مشغولين فى عملية الإنقاذ، ضجة كبيرة تحدثها الدبابات والمدرعات وسيارات الجيب المتجهة إلى الغرب. قابلت من بين الجرحى الدكتور موشيه برناط الذى نقل لى تفاصيل أولية عن المعركة.

بعد يومين من وقف إطلاق النار تحدثت لأول مرة مع حازاى دحبيش فى نقطة حصينة تقع فى أقصى شمال فرقة شارون بالقرب من الإسماعيلية، لم أستخدم معظم المواد التى جمعتها حتى اليوم لأسباب سأوضحها لاحقا، وهذه أول مرة استخدمها. اتضح لى أن دحبيش قرأ كتابى «حروب المظليين» الذى صدر بعد حرب يونيو 1967، وبتأثير هذا الكتاب تطوع دحبيش فى سلاح المظليين إلى جانب آخرين. كان سعيدا بمقابلتى، وأوضح لى، بانفتاح غير معهود لدى الضباط المظليين مآخذه على المعركة. كان يعتقد أن مردخاى أخطأ عندما تقدم مع الكتيبة 890 فى انتشار أفقى، وكان عليه أن يبعث فى المقدمة فصيلة دحبيش التى ستصطدم أولا بالمصريين، وهذا الصدام كان سيمكن الكتيبة من التنظيم على نحو أفضل بكثير، ويقلل من خسائرها. وصف لى دحبيش المعركة التى خاضتها الفصيلة لمدة 18 ساعة، وتسمع فى ثنايا وصفه انتقادا لمردخاى قائد الكتيبة، انتهزت الفرصة فى جمع شهادات من دحبيش ومن جنوده الذين حاربوا 18 ساعة متواصلة فى المزرعة الصينية.

بعد شهر من انتهاء الحرب بدأت أنشر فى العدد الأسبوعى لصحيفة «دافار»، بناء على طلب رئيس التحرير إيهود زمورا، سلسلة من خمسة تقارير تحت عنوان «قوائم من ساحة المعركة»، كان عنوان التقرير الأخير: «من المزرعة الصينية إلى عبور القناة» وعرضت فيه مسار الأحداث فى معركة المزرعة الصينية، وانتقدت عيوبها على جميع المستويات والتى أدت إلى مقتل 38 مقاتلا من الكتيبة 890، وإصابة ما يزيد على مائة مقاتل يضاف إليهم القتلى والجرحى من كتيبة إيهود باراك، ومن وحدات أخرى حاربت على تلك الجبهة فى ذلك اليوم. وبعد نشر سلسلة التقارير وخاصة قصة معركة المزرعة الصينية قاطعنى لواء المظليين، ولم استدع للاحتياط، ولم توجه إلى الدعوة باعتبارى مؤرخا للواء المظليين إلى العمليات والأبحاث التى يعقدها اللواء مثلما كان الأمر طوال 14 عاما وحتى ذلك الوقت.

توجهت إلى القائد الجديد للواء آريه تسيدون «تسيميل»، وطلبت منه توضحيا، قال لى إن نائب قائد اللواء الجديد إيتسيك مردخاى قرر إبعادى عن المظليين بسبب ما كتبته، سألنى تسيمل بابتسامة تغلف اعتذاره: هل تعرف إيتسيك؟ عندما يغضب لا يمكن معارضته، قلت له ولكنك قائد اللواء، والمظليون ليسوا ملكا شخصيا لإيتسيك مردخاى، فعاجلنى بالقول: أورى! لن أدخل فى صدام مع إيتسيك فى هذه المسألة، انتهى النقاش، وتركت سلاح المظليين بعد 14 عاما من الخدمة.

لقد بدأ عصر إيتسيك مردخاى فى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، توجه إلى أفنير شاليف الذى كان ضابطا كبيرا فى سلاح التعليم فى الجيش، وطلب منى أن أبتعد عن هؤلاء الهمج، وأن أؤدى خدمة الاحتياط فى سلاح التعليم فى الجيش، استجبت لطلبه، وبعد بضع سنوات اكتشفت أن هؤلاء الهمج جزء من هيئة التعليم فى الجيش، حيث تم تجاهلى هناك أيضا، لكن تلك قصة أخرى.

لم تكن معركة المزرعة الصينية التى خاضتها الكتيبة 890 أشهر معركة فى حرب يوم الغفران وربما فى حروب إسرائيل عموما فحسب، بل هى المعركة التى تعتبر رمزا لحرب الغفران أكثر من أى معركة أخرى فى تلك الحرب، ورمزا إلى مسار انهيار الجيش الإسرائيلى حتى اليوم: الفشل الاستخبارتى، والفشل العملياتى، والقصور النظرى، والتقصير فى بناء القوة، وإخفاء العيوب، وعدم استخراج العبر. كانت أسطورة المزرعة الصينية هى الطريق الذى جرت عليه المسيرة المهنية لأمنون ليبكين شاحاك، وإسحاق مردخاى، لقد ساعدهم عدم الكشف عن أوجه القصور فى المعركة كثيرا مثلما ساعد ذلك أيضا إيهود باراك.

أرسل المظليون إلى المزرعة الصينية من أجل فتح محور طرطور لنقل الجسر المتحرك الذى أعد لعبور قناة السويس، ذلك الجسر السرى الذى كان من المفترض أن يكون ورقة الجيش الإسرائيلى الرابحة فى حرب يوم الغفران. وخلافا للخطط المعدة مسبقا لم تخزن مكونات الجسر على بعد 3 كيلومترات من القناة، ولكن على بعد 17 كيلومترا، أما سرية إيلى جيفع التى تدربت طوال عام كامل على سحب الجسر فكانت تحارب فى ذلك الوقت فى هضبة الجولان، ولم يجهز أى محور موثوق لسحب الجسر الذى يبلغ وزنه 700 طن. عندما خرج اريئيل شارون وفرقته لعبور القناة، فإن عملية نقل الجسر نفذها جنود الاحتياط ما أدى لقطع الجسر عدة مرات بسبب افتقارهم للتدريب.
فى المرحلة الأخيرة سحبوا الجسر على محور طرطور الذى يمر بالمزرعة الصينية، وعندما أصبحوا قبالة القوات المصرية تركوا الجسر وانسحبوا، وفى ليلة عبور القناة أرسل شارون قوات لفتح محور طرطور، وفى هذه العملية قتل كثير من محاربى كتيبة الاستطلاع التابعة للواء المظليين بقيادة ناتان شونارى.

وفى اليوم التالى للعبور تواجدت غرب قناة السويس قوات صغيرة من المظليين والمدرعات، طلب شارون نقل قوات كبيرة على ظهر القوارب الموضوعة فى القناة، واستغلال المفاجأة والهجوم على القوات المصرية بكل قواته. لكن قائد الجبهة حاييم بارليف أمره بعدم التقدم، بل إنه فكر فى إعادة شارون إلى الضفة الشرقية للقناة؛ لأنه لا يوجد شريان لوجيستى للضفة الغربية، وهذا هو الموضوع الرئيس الذى دارت حوله «حرب الجنرالات» بين شاورن وحاييم برليف، وبين دافيد إليعازر وأفراهام أدان بعد الحرب. كان لهذه الحرب أيضا آثار سياسية، وزادت من العداء تجاه شارون من قبل أولئك الذين لم يعرفوا الحقائق، ولم يفهموا ما عرفوه.

من أجل فتح طريق لمرور الجسر وإنقاذ الخطة الأصلية لعبور القناة والمعروفة باسم «أبيرى ليف» تقرر القيام بعملية إبرار للواء المظليين 35 إلى المنطقة. وكان اللواء مكونا من القيادة ومن الكتيبة 890، وقبل ظهيرة 16 أكتوبر نقل المظليون بطائرات ومروحيات إلى جبهة القناة. تلقى القادة التعليمات من قائد الفرقة 162 الجنرال أفراهام أدان ونائبه العميد دوف تامارى وأعضاء الأركان فى القيادة، وأبلغ القادة أن على المظليين التقدم على طول محور طرطور، وتصفية خلايا صيادى الدبابات المصريين، وإخلاء الطريق لجسر العبور.

لكن صيادى الدبابات كانوا من الفرقة 16 المصرية التى ألحقت خسائر فادحة بقوات شارون فى نفس المكان، وبحسب رواية جيل دافيد ضابط العمليات فى اللواء 35، فقد التقى فى ذلك اليوم مع صديقه فى الكيبوتس ناتان شونارى الذى أخبره أن كثيرا من جنوده قتلوا فى الليلة الماضية، وأن آخرين تعذر إخلاؤهم من ساحة المعركة وأنهم تركوا على قيد الحياة. ويروى جيل دافيد أنه أخبر أفراهام أدان بذلك خلال نقاش تفاصيل العملية، لكن تامارى طلب منه مغادرة المكان حتى لا يزعجهم.

خلال العرض الخاص لفيلم المزرعة الصينية «رشومون» كشف لى جيل دافيد وثائق سرية من تلك الفترة تؤكد صحة كلامه، لكن ضابط الاستخبارات فى لواء المظليين أنكر خلال محادثة هاتفية معى رواية جيل دافيد، لكنه أقر أنه رأى بعد الحرب صورا جوية التقطت قبل يوم من المعركة تشير إلى وجود قوات مصرية كبيرة فى الجبهة، وقال تسوريف: كانت هناك معلومات استخباراتية لكنها لم تصل إلى القوات، ومهما يكن الأمر فقد أرسل المظليون لتصفية بعض خلايا صيادى الدبابات المصريين فى المكان الذى كان موقعا محصنا للعدو.

خرج المظليون إلى المزرعة الصينية دون استعداد قتالى، وانتشار للقوات على طريقة البحث عن طفل مفقود، ودون ضابط توجيه مدفعية، مؤمنين بأن شيئا لن يعوقهم حتى يصلوا فى نزهتهم إلى قناة السويس، وفى الطريق فتح جندى المذياع ليستمع إلى الموسيقى (مثلما اعتاد أن يفعل ذلك أعضاء البلماح عندما كانوا فى طريقهم من القدس إلى هار طوف لتحرير الطريق 35 ) وما إن أصبح المظليون فى مواجهة المصريين تعرضوا لإطلاق نارى عنيف، وأصيب كثير منهم، عندها توقفت القيادة عن أداء مهامها، وحاربت الوحدات من أجل البقاء أحياء.

ومن ناحية أخرى رفضت قيادة الجبهة السماح للمظليين بالانسحاب، وكان سبب الرفض أنه خلال المعركة تم الدفع على محور عكافيش المفتوح بقافلة تحمل جسر الطوافة بقيادة دوف تامارى إلى قناة السويس. ومع ذلك لم يرسل المظليون فى مهمة ليكونوا بمثابة عازل بشرى بين المصريين والقافلة الناقلة للجسر، وفى الواقع قرر برليف استغلالهم وقودا للمدافع.

ومع بزوغ الفجر، وبينما كان المظليون يبادون، أرسلت كتيبة مدرعة بقيادة إيهود باراك من أجل إخلاء محور طرطور. أصيبت بضع دبابات بصواريخ مصرية، وقرر باراك التراجع إلى الخلف، لكن مدرعات الكتيبة أنقذت طوال اليوم جرحى المظلات، وكثيرا من الجنود الذين لم يصابوا. وكانت هذه عملية الإخلاء الوحيدة التى تمت بعيدا عن فصيلة درور دحبيش.

وبعد المعركة نسيت المهمة الأصلية التى أرسل المظليون من أجلها، وفى 19 أكتوبر وصل الجسر المتحرك إلى قناة السويس، كتبت فى يومياتى آنذاك: «نجح المصريون فى إقامة جسور خلال 45 دقيقة، بينما لم ننجح نحن فى عمل ذلك خلال يومين. حقا لقد تغيرت نسبة الكفاءة بيننا وبين أعدائنا.

إقرأ أيضاً:

قائد الفصيلة الأولى فى الكتيبة 890 مظلات: الصواريخ المصرية أصابت جميع مركباتنا الموجودة فى المعركة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك