معسكرات الأمن المركزي .. وكيل التعذيب بعد الثورة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:57 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معسكرات الأمن المركزي .. وكيل التعذيب بعد الثورة

أرشيفية
أرشيفية
محمد أبو الغيط
نشر في: الخميس 7 فبراير 2013 - 9:35 م | آخر تحديث: الأربعاء 4 ديسمبر 2013 - 4:34 م

الاحتجاز بمعسكرات الأمن المركزي وسيلة النظام السابق، لقمع المعارضين السياسيين، ووسيلة النظام الحالي أيضًا، هذا ما تؤكده شهادات المعتقلين في الأحداث الأخيرة داخل معسكرات الأمن المركزي، التي شهدت على تعذيبهم بطرق وحشية، «الشروق» تجمع مزيدًا من الشهادات من بعض من تعرضوا لهذه التجربة.

 

بعضهم رجال انهالت عليهم بيادات جنود الأمن المركزي لمجرد معارضتهم الرئيس المنتخب، وشباب تنقلوا بين معسكراتهم دون طعام أو شراب أو علاج من الإصابات، التي سببتها أرجل الجنود وعصيهم، وآخرون أطفال علقهم الضباط من شعورهم وأرجلهم وهددوهم بالذبح والقتل.

المعسكر رفض استقباله

«أخوك في شارع سيمون بوليفار»، تلقى مسعد هذه المكالمة من مجهول، فذهب فورًا إلى هناك ليفاجأ بشقيقه جمعة عبد القادر مُلقى على الأرض، بينما ينزف دمًا من كل أجزاء جسده، ورغم وجود أعداد كبيرة من الضباط والعساكر بالقرب من مكانه، إلا إنهم تجاهلوه، «قلبي جامد لكن لما شفت منظر أخويا اتخضيت، كان معجون دم»، يقول مسعد.

 

بعد نقل جمعة إلى مستشفى قصر العيني بدأت حالته تتحسن وحكى قصته، قال إنه: "في نحو التاسعة من مساء الأربعاء 28 يناير كان يقود «موتوسيكل» بالقرب من ميدان التحرير، ذاهبًا لشراء بضاعة لمحله، فكر في الذهاب لمشاهدة المظاهرات، فجأة وجد نفسه وسط الاشتباكات، حاول الهرب، لكن ضابطًا أطلق الخرطوش على رأسه لكنه لم يصبه، ثم أطلق مرة أخرى فأصابه في جنبه الأيسر وسقط من على «الموتوسيكل»، حين وصل الضابط إليه ظن للوهلة الأولى أنه مات، وقال للعساكر «لفوه في بطانية»، وفقًا لرواية جمعة، ثم عرف أنه مازال حيًا، «أنت لسه عايش يا ابن.....؟» وقال للعساكر إنه واحد ممن يقتلونهم، محرضًا إياهم عليه.

 

»راحوا نازلين عليا بالبيادات على وشى، وضرب فى كل حتة فى جسمى بكل حاجة، عصيان وبيادات وكعب البندقية، وخدوا منى الخواتم والمحفظة والساعة والجاكيت والجزمة و2300 جنيه، وبعدين قلعونى البنطلون، وجرجرونى فى الأرض، وقعدوا يحطوا تراب فى بقى. بعدها قالولى قول أنا (......)، وفضلوا يقولوا وانت متضايق من مرسى ليه مرسى ده سيدك، مرسى ده عمك».

 

حين رأى جمعة ضابطًا حاول الاستنجاد به، قائلا «أنا عندي بنت صغيرة وابن ميت»، لكن رد الضابط كان «أنت هتحصل ابنك الميت، أنت وقعت في إيد كافر!».

 

ألقاه العساكر في سيارة الترحيلات، وفقًا لما يروى، ووجد فيها العديد من المصابين مثله، ظلوا هناك حتى نحو السادسة صباحًا، ثم توجهت السيارة إلى معسكر مبارك للأمن المركزي الموجود بالمقطم، «فى المعسكر مارضيوش يستقبلونى لأنى كنت باموت». فقد جمعة وعيه وأفاق ليجد نفسه فى مستشفى قصر العينى.

البنات ضحايا أيضا

»لما شفت البنت بيسحلوها، وبيقلعوها الحجاب، وبيجروها من شعرها هان عليا اللى حصل فينا»، يقول محمود بينما يحكى عن اعتقاله يوم 28 يناير.

 

محمود مجدي مصطفى، طالب بالفرقة الرابعة كلية تجارة، كان متواجدًا مع بعض أصدقائه على قهوة بوسط البلد حين مرت بهم احدى المسيرات، فقرروا المشاركة بها دون أن يعرفوا توجهها. انتهت المسيرة بالوقوف أمام مقر محافظة القاهرة، شاهد محمود طفلين يلقيان أحجارا قليلة على المبنى، وفورا منعهما بعض المتظاهرين هاتفين «سلمية سلمية». فجأة انفتح باب السور وخرج منه الكثير من جنود الأمن المركزى يطلقون قنابل الغاز. هرب محمود كما يقول، ووقف بعيدا مع ثلاثة من رفاقه يلتقطون أنفاسهم، حين ظهر فجأة عدد كبير ممن يرتدون ملابس مدنية انهالوا عليهم بالضرب والسباب، «ده اختطاف عشوائى مالهوش علاقة بمشاركتنا فى المظاهرة، حتى بعد كده فعلا جالنا تلاتة اعتقلوهم كانوا بيمروا هنا بالصدفة» .

 

تم جر محمود ورفاقه إلى قسم عابدين، وهناك استمر تعرضهم للشتيمة والضرب، على حد قوله، ثم فوجئ بإحضارهم فتاة، وتعرضها هى أيضا للسباب والسحل وخلع حجابها، وجرها من شعرها.

 

بعد فترة أتى أحد الضباط وقام أمام عين محمود بإفراغ محتويات حقيبته التى كان بها «ميكوجيل» تحسبا للغاز، ووضع مكانه ثلاث زجاجات مولوتوف، وكرر ذلك فى حقيبة رفيقه، وفقا لشهادته. بعدها تم نقله إلى غرفة بها ضابط آخر بدأ التحقيق معه، «عايزين تولعوا فى المبنى ليه؟ بتخربوا البلد ليه؟» نفى محمود الاتهامات وأخبره بما حدث لكنه لم يلتفت له.

 

تم نقل المعتقلين جميعا من قسم عابدين إلى معسكر السلام للأمن المركزى، ثم إلى معسكر طرة للأمن المركزى. عرف محمود أن الفتاة اسمها كريمة، وتعمل خياطة بحى شبرا، تم وضعها فى عنبر مستقل داخل المعسكر، ولم يعرف محمود عنها شيئا بعد ذلك.

 

»الأكل داخل المعسكر كان سيئا جدا، الصبح جردل فول، والغدا جردل عدس وجردل رز، لذلك مكناش بناكل أى حاجة منه، وبناكل أقل القليل من الإعاشة اللى بتيجى للى بيتعرضوا على النيابة».

 

عانى المعتقلون من العطش أيضا، كما قال محمود، «الزنزانة مافيهاش مية، وبرضه يجيبولنا جردل نشرب منه كلنا» .

 

الحمام كان مشكلة كبيرة أخرى، فقد كان عددهم 75 مسجونا فى زنزانة ضيقة، بأحد أركانها 3 حمامات قذرة مياهها طافحة تنشر الرائحة الكريهة فى المكان.

 

«كانو بيشتمونا باستمرار، وأى حد يعترض على أى حاجة ممكن ينضرب، وفيه ظابط قالنا: مش انتو اللى انتخبتوا مرسى؟».

 

تم عرض محمود يوم 30 يناير على نيابة الوايلى، وبدأ وكيل النيابة التحقيق دون وجود محام، لكن خلاله أتى المحامان الحقوقيان المتطوعان راجية عمران وأحمد حسن وحضرا مع المتهمين. تمت إعادته إلى معسكر طرة دون أن يصدر قرار النيابة، وعرف بعدها أن القرار كان الحبس 4 أيام.

 

«أكتر حاجة أثرت فيا إننا كانوا بيطلعونا من سلم خلفى، وحوالينا كردونين من العساكر كأننا خطر رهيب، بينما شايف الجنائيين عادى كل واحد معاه عسكرى واحد».

 

بعد مرور الأيام الأربعة تم عرض محمود على محكمة باب الخلق، وصدر القرار بالإفراج عنهم، لكن افتعل بعض المخبرين مشكلة بعد نشر شائعة إن النائب العام استأنف على قرار الإفراج مما أثار الأهالى، وقعت اشتباكات وتم اعتقال أربعة شباب متضامنين منهم مصطفى شقيق محمود، «أهلى ما صدقوا أنا خرجت، راح أخويا مصطفى اتحبس مكانى». صدر الحكم يوم الأربعاء 6 فبراير على مصطفى ورفاقه بالسجن مع وقف التنفيذ، وغرامة 1200 جنيه بتهمة اتلاف منشآت عامة.

أصغر المعتقلين ابن مصاب الثورة

«أنا من مصابى الثورة، مصاب برصاصة فى رجلى. والله ماكناش نتصور إن ده يبقى حال البلد بعد الثورة بسنتين»، هكذا بدأ تيسير محمد أحمد، حديثه عما حدث لابنه زياد.

«ابنى عنده 12 سنة، طفل فى سادسة ابتدائى، مفيش أى سبب يخلى ظابط يعلقه من شعره ويضربه كده».

 

يوم الثلاثاء 28 يناير كان زياد خارجا من النادى الأهلى حين مر بالقرب من موضع الاشتباكــــات عند كوبــــرى قصر النيل، وجد شخصا يرتــــدى زيا مدنيــــا يقول له «تعالـــى أنــا هكشف عليك إنت من المشاغبين ولا لا».

 

 فهم زياد أنه مخبر ورفض الذهاب معه، لكنه جره بالقوة إلى إحدى المدرعات حيث وجد 3 أطفال آخرين يتعرضون للضرب. «الظابط علق ابنى من شعره، وبعدين رماه وقعدوا يضربوا الأطفال برجولهم» يقول تيسير.

 

ثم جاء ضابط أخرج خنجرا هدد الأطفال به قائلا «أنا اسمى تامر السفاح، ولو مقلتوش مين بيديكو فلوس هادبحكو». بسبب الخوف اعترف له زياد وطفل آخر بتقاضيهما أموالا.

 

تم نقل زياد إلى معسكر طرة للأمن المركزى، حيث تم وضعه فى زنزانة مزدحمة يقدر عدد نزلائها بنحو 170 معتقلا تقريبا. «أقسى ما واجهه ابنى هناك هو البرد، قلعوه ملابسه للتفتيش وسابوه كده ساعتين، وبعدها ماكانش فيه بطاطين كفاية ونام من غير غطا»، يقول تيسير.

 

تم عرض زياد فى اليوم التالى على النيابة وقرر وكيل النيابة اخلاء سبيله، انتظر والده من 11 صباحا إلى 6 مساء ليأخذ ابنه، ثم أخبروه فى النهاية بأنه عاد إلى طرة لأن الضابط نسى، مما أثاره وحدثت مشادة مع الضباط المتواجدين. وفى صباح اليوم التالى تم الافراج عنه.

 

«لازم كل الظالمين وعلى رأسهم الإخوان يتكنسوا من أرض مصر، وإلا الخراب جاى أكتر»، يقول تيسير غاضبا.

الشاهد على قتيل مجهول

«أنا ما أعرفش مين الشهيد اللى شفته، لكن دى شهادة حق»، يقول محمد على سيد بلهجة واثقة، رغم عمره البالغ 15 عاما فقط، فهو طالب بالصف الثالث الإعدادى.

 

يروى قصته التى بدأت باعتقاله بالقرب من كوبرى قصر النيل حين كان يشاهد مظاهرات يوم الأربعاء 29 يناير، «فجأة لقيت العساكر مسكونى وبيضربونى فى كل حتة فى جسمى وبالذات على راسى، راسى اتفتحت وفضلت تنزف 3 أيام لحد ما خرجت وماحدش عالجنى»، سحله العساكر وسرقوا نقوده وهاتفه المحمول، طبقا لروايته، حتى وصل إلى كشك بالقرب من الجامعة الأمريكية، وهناك حاول ضابط إجباره على أن يوقع على ورقة لا يعرف ما بها فرفض تماما مما أدى لتعرضه للمزيد من الضرب. ألقوه فى سيارة الترحيلات حيث تعرض للمزيد من الضرب من العساكر. أشار أحد العساكر إلى صناديق بها بنادق خرطوش وقال لهم «إحنا هنموتكو بالسلاح ده». اكتمل عدد المعتقلين بالسيارة عشرة، أحدهم كان مصابا أكثر من محمد ووجهه غارق فى الدماء ولا يستطيع الكلام.

 

«بعد شوية لقيناه سكت وبنكلمه مش بيرد علينا، قعدنا نخبط على جدران العربية لحد ما وقفت وجيه عسكرى هز زميلنا لقاه مات، فقفلوا الباب وسمعت الظابط بيقوله هنرميه قدام مستشفى، العربية مشيت نص ساعة وبعدين أخدوه رموه فعلا».

 

تم حبس محمد مع رفاقه فى معسكر أمن مركزى طرة، فى زنزانة بها 46 شخصا، ويحكى عن نفس ظروف الاعتقال سالفة الذكر بما فيها من طعام ردىء يأتى فى «جرادل»، واساءة معاملة بالسباب والضرب. يحكى مضيفا عن تعذيب خاص تعرض له أحد رفاقه، «كان معانا معتقل اسمه أحمد، عنده 17 سنة، الظباط بيقولوا انه بلاك بلوك، وعشان كده بيعذبوه بالكهرباء».

 

ظل محمد معتقلا دون أى عرض على النيابة حتى يوم الأحد صباحا، اصطحبه أحد الضباط إلى محطة مترو حلوان، وأعطاه 5 جنيهات وقال له «مش عايز أشوف وشك تانى».

 

تروى أخته من جانبها قصة معاناة عائلته، فقد بحثوا عنه بكل مكان، «اتبهدلنا من نيابات باب الخلق، لعابدين والوايلى وجنوب القاهرة، ومن أقسام قصر النيل لعابدين والعباسية، ومن معسكر السلام للجبل الأحمر، فى كل مكان يقولوا مش عندنا حتى معسكر طرة اللى كان فيه قالولنا كده» يوم الجمعة رآهم عميد شرطة أثناء وقوفهم أمام معسكر طرة، وسمع حكايتهم، وقرر تقديم المساعدة. أجرى اتصالاته ثم أخبرهم بأن ابنهم بهذا المعسكر.

 

سمح لهم العميد بإدخال طعام و«جاكيت» لابنهم، واكتشفوا بعدها أن كل ما أرسلوه يومها تمت سرقته، لأن الطعام كان به دجاج وكبدة، ولم يصل إلا ما أرسلوه باليوم التالى حيث كان طعاما عاديا من الجبن واللانشون.

4 أيام اختفاء في سجن المزرعة

«إزاى يبقى أخويا قدام عيونا وبعدين يختفى كل الفترة دى؟»، يقول محمد نجيب، المصور بالأهرام، متحدثا عما حدث لأخيه مؤمن، 18 سنة، طالب بالصف الأول الثانوى.

 

خرج مؤمن يوم الأربعاء 29 يناير نحو الساعة 6 مساء لإحضار دواء لوالده، وحين كان مارا بالقرب من سميراميس تم اعتقاله، تعدوا عليه بالضرب وألقوه داخل سيارة الترحيلات لكنه تمكن من الاتصال بأهله وابلاغهم. أتى أخوه ووالده وسألا لواء متواجدا بالمكان فأنكر وجود ابنهم، لكن مؤمن سمعهم من داخل السيارة فنادى على والده «يا بابا أنا هنا» لكن فورا أمر اللواء سائق السيارة بالتحرك، «اطلع من هنا بسرعة»، وقال لوالد مؤمن إن السيارة ذاهبة إلى قسم قصر النيل، لكنهما لم يجدا مؤمن هناك.

 

أمضوا الأيام التالية فى بحث متعب، حيث قسم أفراد العائلة أنفسهم على كل النيابات والمستشفيات والأقسام والمعسكرات بالقاهرة، ودائما ينفى الجميع وجوده، ويوم السبت قدموا شكوى للنائب العام دون جدوى.

 

فى يوم الأحد قال لهم وكيل نيابة قصر النيل إن هناك سبعة متهمين سيعرضون اليوم، ربما يجدون ابنهم ضمن هؤلاء. بعد انتظار 4 ساعات أتت سيارة ترحيلات رأوا بها مؤمن فعلا، وتم اطلاق سراحه من سراى النيابة.

 

حكى مؤمن أنه تم نقله إلى معسكر قوات أمن طرة، حيث كانت المعاملة سيئة يشوبها السباب والضرب، ثم فى اليوم التالى تم نقله إلى سجن مزرعة طرة وهناك عاملوهم معاملة حسنة، وحلقوا شعره، وأعطوه ملابس بيضاء كأنه محبوس احتياطيا رغم أنه لم يكن قد عُرض على أى نيابة.

قلب الأم يطلب الرحمة

«فيها إيه لو حتى يبلغونا بس فين أولادنا، حرام عليهم»، بحزن شديد تتحدث أمل أحمد عباس، موظفة بجامعة مصر الدولية، عن ابنها المفقود منذ يوم الثلاثاء 28 يناير حتى الآن، واسمه محمد الشافعى محمود شعبان.

 

«كان نازل يشترى لبس من وسط البلد عشان كان عندنا مناسبة، بس أنا عارفة إنه لو شاف المظاهرات ممكن يشارك فيها، لأننا كنا بننزل مع بعض، ودى مش تهمة يتعاقب عليها» تقول أم أحمد مشيرة إلى إحباطها من عدم تغير حال البلد وحال وزارة الداخلية.

 

«كأن مفيش ثورة ولا ناس ماتت، نفس الأسلوب القذر زى ما هو، وأنا بالف أدور على ابنى فى النيابات والأقسام شفت شباب زى الورد اتبهدلوا آخر بهدلة، ضرب وشتيمة وإصابات باينة على وشوشهم، أكيد ابنى جراله كده، يارب يكون لسه عايش».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك