خالد محمود يكتب: معجزة «دونكيرك» السينمائية.. درس جديد من قلب الحرب العالمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خالد محمود يكتب: معجزة «دونكيرك» السينمائية.. درس جديد من قلب الحرب العالمية


نشر في: السبت 7 أبريل 2018 - 9:16 م | آخر تحديث: السبت 7 أبريل 2018 - 9:16 م

* كريستوفر نولان قدم سيناريو بفلسفة عميقة وصورة واقعية تنبض
* رصد أكبر عملية إجلاء فى التاريخ دفع كثيرون فيها الثمن
* المخرج أرادنا أن نعيش بكامل مشاعرنا المشهد المؤلم.. وكأننا مع أبطاله فى رحلة بحث عن النجاة
بلا شك يعد فيلم «دونكيرك» للمخرج الكبير كريستوفر نولان عملا مدهشا من منطلق الإثارة والترقب أكثر منه فيلما حربيا، رغم أهمية الحدث التاريخى الذى يتناوله، وكونه من بدايته للنهاية يقحمك فى معركة كبرى تؤرخ لمأزق قادة وجنود، ومواقف إنسانية دفع فيها كثيرون الثمن فى محاولة فك حصارهم وتقرير مصيرهم، وعاشوا أياما وليالى قاسية فى انتظار معجزة.

منذ الوهلة الأولى التى يبدأ فيها الفيلم تجد نفسك بالفعل فى عمق المعركة، حيث لا وجود لمقدمة أولية لفهم إطار القصة، ولا وجود لمشاهد تمهيدية للحدث «الأهم» والرئيسى، فالفيلم الذى شارك فى إنتاجه أمريكا وبريطانيا، وفرنسا وهولندا، تدور أحداثه حول عملية «دونكيرك»، حيث تسعى القوات البريطانية لإنقاذ جنودها وتمكينهم من الفرار من الشاطئ الفرنسى الشهير بعد أن تمت محاصرتهم من قبل القوات الألمانية عقب هزيمتهم على يد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية عام 1940، وهى العملية التى تعد أكبر عملية إخلاء وإنقاذ شهدها التاريخ فى وقت الحرب وسميت فيما بعد بمعجزة «دونكيرك».

ركز الفيلم بأكمله على هذا الحدث فقط، دون إظهار المعركة بكامل صورتها أو سبب الهزيمة مكتفيا ببعض صور المصابين والأموات، فطوال مدة الفيلم لا نشاهد جنديًا ألمانيًا واحدًا، بل ما نشاهده هو أشبه بلقطة طويلة دون بداية أو أحداث فى الوسط تفصل بين أحداث هذا الانسحاب، حتى الحوار الدائر بين الشخصيات لا يتعدى جملا قليلة تعد على الأصابع.
ويبدو أن المخرج أرادنا نحن أن نعيش بكامل مشاعرنا ذلك المشهد المؤلم، وكأننا داخله مع الصامتين فى رحلة البحث عن النجاة. الفيلم بهذا الشكل تجربة سينمائية فريدة، تخطف أنفاسك بعيدا عن القصة الدرامية التقليدية التى نشاهدها فى الأفلام الحربية، فالدراما به صوت الانفجار لطلقات رصاص تتأرجح بين الحين والآخر، على الرغم من قلة الدماء، وأيضا صوت أمواج البحر، لدرجة انك كمشاهد تشعر بنفس الخطر الذى يواجهه الجنود وتريد ان تفر من هذا المكان لتصل إلى بر الأمان.

أتذكر فى نهاية الفيلم قال أحد الجنود للرجل العجوز الذى هنأه بالوصول إلى أرض الوطن متحسرا: كل ما فعلناه هو النجاة، ليرد العجوز: هذا يكفى.. وكأن تلك هى الحكمة الكبرى من معركة لا يدرى الجندى لماذا خاضها.
وأتذكر أيضا قول المخرج كريستوفر نولان الذى صور أحداث فيلمه بكل جوارحه، ووصف قصة الإجلاء بأكملها على أنها: «هزيمة نكراء من الناحية العسكرية، ولكنها انتصار مشرف للإنسانية».

ودون شك نجح مخرجنا فى أن يقدم لنا تلك الواقعة المخيفة بإضافة الطابع المرعب على الفيلم، ودون أن يظهر لنا أى مشهد يحكى فيه أحد الجنود عن الويلات التى عاناها أو عن العائلة التى تنتظره بشوق، حتى صفات الأشخاص لا تهم، وقد تمكن كريستوفر من تحقيق هذه المعادلة الصعبة عن طريق اللجوء إلى تقديم الفيلم بالأساس تحت غطاء التشويق والرعب النفسى لأبطاله، باعتبار أنّ ما يخيف فى هذا الفيلم ليست هى المعارك، بل هى الحرب النفسية التى يعيش فيها هؤلاء الجنود، مستخدما موسيقى هانز زيمر، الذى استخدم الوهم السمعى المتصاعد لنغمة شيبارد، والتى أخذتنا فى رحلة عمق هائلة خلال اقترابه من التعبير عن أشخاص مهزومين جائعين ومتعبين لا يريدون شيئًا سوى الهرب والوصول للوطن وسط مشاعر الخوف والأمل والإحباط وقتلهم على الشاطئ، والخزى باعتبار أنّهم جنودٌ تم إرسالهم للدفاع عن الوطن. لكنهم هم الذين أصبحوا فى حاجة إلى من ينقذهم. بالإضافة لتسجيل صوتى لدقات ساعة الجيب الخاصة بـ«نولان» نفسه، الذى يعتبر عامل الوقت أساسيا فى معظم أفلامه وأيضًا لإضفاء طابع الترقب والتوتر، كل ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه القوات الألمانية بفعل كل ما فى وسعها لإحباط تلك المحاولات.

عنصر التشويق فى السيناريو الذى كتبه نولان أيضا يجعلك شديد التركيز وأنت تشاهد بفضل جاذبيته وما يتضمنه من تأثيرات صوتية «خلط الأصوات بصورة مبهرة»، وبصرية للطائرات والسفن الحقيقية.. تدور الأحداث فى ثلاثة أزمنة وثلاثة أماكن مختلفة، وكذلك ثلاثة زوايا، فى عملية مونتاج شديدة الحرفية للرائع لى سميت؛ حيث تدور أحداث الفيلم بين الأرض فنتابع لمدة أسبوع محاولات هرب الجنود وترقبهم لوصول المساعد ة، وفى السماء بخط زمنى مدته ساعة واحدة حيث ثلاثة طيارين بريطانيين يحاولون المساعدة فى الإغاثة، وقد تحطمت الطائرات فى المحيط؛ لأنّ سعة خزانات الوقود فى الطائرات الحربية البريطانية لم تكن تسمح فى وقتها بالطيران لمدة أكثر من ساعة. المكان الثالث كان فى البحر لمدة يوم تابعنا فيه رحلة رجل ومساعديه من الشباب بقارب سياحى إلى «دونكيرك» تلبيةً لطلب «تشيرشل» أن يقوم البحارون المدنيون بالتوجه لفرنسا، بعد ان امتلأت السفن بالماء، وقد صور نولان مشهد احتواء 60 شخصًا على متن ذلك المركب على الرغم من أنّه مصمم ليضم 10 أشخاص فقط بعد أن سمع نولان الكثير من القصص المؤلمة خلال مقابلاته أنّ معظم الجنود الذين شاركوا فى هذه الحرب كانوا صغارًا جدًا وبدون أى خبرة حربية تذكر.

كان أداء الأبطال رائعا فى بساطته فى حدود ندرة الحوار وفقا لرؤية المخرج، وذلك لخلق جو من التربص والإثارة، حيث الانفعالات باستخدام لغة الجسد والمؤثرات البصرية والتعبير عن هواجس اللا عودة كان مفعما بالمشاعر، وهو ما بدا جليا فى اداء توم هاردى وكينيث براناه وجيمس دارسى وهارى ستايلز وكيليان مورفى ومارك رايلانس.

المخرج البريطانى الأمريكى المميز كريستوفر نولان، أصبح اسمه علامة جودة سينمائية للنجاح، فهو فى معجزة دونكيرك باتت فلسفته اكثر عمقا، ومنهجه حاضرا بواقعية صورته وابهارها،، حيث تم التصوير فى ميناء دونكيرك الفرنسى فى نفس المكان الحقيقى الذى تم فيه إجلاء القوات البريطانية قبل ان ينتقل التصوير إلى بريطانيا، ثم هولندا، ثم لوس أنجلوس، وكذلك سرده النابض بالحيوية، ومشاهده المكثفة من البداية للنهاية، وقد تبنى طريقة تأثير كرة الثلج المتدرجة؛ حيث يبنى الحدث الصغير نفسه، ويصبح أكبر وأكثر خطورة وجدية مع مرور الوقت، بل ويعد هذا العمل أفضل أفلامه، انه قصة ملهمة لعدم التخلى عن الأمل، وهى بحق قصة صعبة فى متابعتها، بينما تحمل رسائل من الشجاعة والعمل الجماعى والتضحية، أيضا الأزمنة الثلاثة المختلفة التى تم تصويرها بمثابة منهج دراسى للسينمائيين الشباب، وإعادة التأمل فى قراءة ما دار فى الحرب العالمية بالنسبة للمهتمين من الطلاب والباحثين، لغة الصمت الصادمة فى هذا العمل تنطق بأقوال كثيرة فى العاطفة المضطربة تجاه الحرب.. قوة الفيلم الحقيقية تكمن فى جعل المشاهد يشعر ويشاهد ويسمع الحرب العالمية الثانية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك