بمجرد دخولك الحجرة التى تضم أوراق الدكتور عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام إبان حرب أكتوبر تحاصرك الصور والصحف والكتب التى تؤرخ للانتصار المصرى، والمفاجأة الاستراتيجية المدوية التى حققتها مصر فى هذه الحرب المجيدة.
طلبنا لقاء الرجل فرحب باللقاء لكنه اعتذر عن إجراء أحاديث لأن ظروفه الصحية لم تكن لتسمح بذلك.. وأطلق لمحررة «الشروق» العنان للتجول فى جنبات مكتبه، والاطلاع على ما بها من أوراقه الخاصة بحرب أكتوبر، وبعض الصور التى جمعته مع الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل، عاهل السعودية الراحل عندما جاء إلى مصر إبان حرب أكتوبر.
أولى الأوراق التى اطلعت عليها «الشروق» كانت لصورة تجمع حاتم بالملك فيصل والرئيس السادات خلال زيارة فيصل لمصر بعد انتهاء الحرب مباشرة، والتى علق خلالها الملك فيصل على كلمة الرئيس الأمريكى نيكسون بأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لم تعرفا بأن مصر ستحارب إلا صباح يوم 6 أكتوبر، وأنه لم يحدث مثل هذا للمخابرات الأمريكية فى تاريخها.
المفاجأة الاستراتيجية
المستندات المنتشرة فى أرجاء المكتب تحكى بالتفصيل عن الخطة الاستراتيجية التى وضعها حاتم لخداع إسرائيل ومن قبلها الولايات المتحدة الأمريكية. البداية مطلع عام 1973، والكلام موثق تسجله الأوراق والمستندات، «يوم أن كلفنى الرئيس الراحل السادات بأن أكون رئيسا للوزارة بالنيابة عنه وتكون هذه الحكومة هى حكومة إعداد الدولة للحرب.. ولما كلفنى بذلك أصدر قرارا جمهوريا بأن أكون مسئولا مسئولية دستورية أمامه وأمام مجلس الشعب».
وضع الدكتور عبدالقادر الخطة الاستراتيجية، على مبدأ مهم، وهو مبدأ «المفاجأة» فمن يريد أن يحارب لا يقول إنه سيحارب.. والتاريخ يحدثنا بأن الدولة التى تعد إجراءات المفاجأة الاستراتيجية بعناية وسرية تامة وتبدأ فى الهجوم على غيرها يتحقق لها النجاح. القسم الثانى من المفاجأة الاستراتيجية هو المفاجأة التكتيكية وهى التى تقوم بها القوات المسلحة فى إخفاء تسليحها وتدريبها وخطة الهجوم وتوقيته وأسلوبه، وقد أصدرت قرارا بصفتى المسئول عن إعداد الدولة للحرب مع المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام على تشكيل لجنة سرية للغاية من القيادة وعدد محدود من الإعلاميين لوضع وتنسيق خطة الخداع التى توضع بالنسبة ليوم الصفر.
فى مطلع أكتوبر 1973، كان علينا أن نتأكد من عدم تسريب موعد ساعة الصفر سواء للمخابرات الأمريكية أو الموساد الإسرائيلى فطلبت من وزير خارجيتنا دكتور محمد حسن الزيات أن يقابل هنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وفعلا تمت المقابلة وبعث الزيات برقية للرئيس السادات تحمل استياء شديدا من نتيجة المقابلة، فقد طلب الزيات أن تعمل الولايات المتحدة على حث إسرائيل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة من أجل الانسحاب من سيناء والأراضى المحتلة ولكن كان جواب كيسنجر فيما معناه أنه ليس للدولة المهزومة أن تطلب شيئا كهذا.
تقول أوراق حاتم: كانت هذه البرقية من أسعد ما تلقيت فى حياتى من أنباء، فمعناها أن خطة المفاجأة الاستراتيجية نجحت طالما أن الولايات المتحدة ومخابراتها والمخابرات الإسرائيلية المتعاونة معها لا تعرف أنه بعد 24 ساعة أى فى يوم السبت 6 أكتوبر 1973 ستقوم القوات المسلحة المصرية بالهجوم على إسرائيل فى الثانية ظهرا.
وضع حاتم عدة مبادئ تحكم عمل الإعلام المصرى، أثناء الحرب، أولها المصداقية التامة لكل ما يذاع أو ينشر، ثانيا، عدم إخفاء الحقيقة، ثالثا، سرعة إذاعة الأخبار من أجهزة الإعلام المصرية، رابعا، الرد السريع على كل الادعاءات والشائعات من الداخل والخارج.
طبقت خطة الإعلام أثناء الحرب فجمعت رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة 12 ظهرا يوم السبت 6 أكتوبر 1973، وكان البيان الأول قد أعد، وقتها طلب الدكتور عبدالقادر حاتم، من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية فى هذه الخطة والتى اهتممت بألا تكون فيها أى خطابة أو إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية.
الدكتور عبدالقادر حاتم
ولد الدكتور عبدالقادر حاتم فى محافظة البحيرة عام 1918، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية وماجيستير كلية الأركان حرب، بعد ثورة 1952، استدعاه عبدالناصر للعمل فى المخابرات العامة لما عرف عنه من قدرة على العمل الإعلامى بعد كتابات عدة لعبدالقادر نشرت فى مجلة «روز اليوسف»، وبعد اطلاع ناصر على خطة تطوير روز اليوسف التى وضعها عبدالقادر حاتم.
بعد ثورة يوليو اتصل عبدالناصر به، وأخبره بأنه يريد أن يطرد الاحتلال الإنجليزى من مصر مثلما طرد الملك، فوضع عبدالقادر خطة سرية بينه وبين عبدالناصر اعتمدت على الحرب النفسية بواسطة إذاعة سرية تذيع أخبارا ضد الإنجليز، وبالفعل نجحت الإذاعة فى ذلك حتى جاء رئيس الوزراء الإنجليزى وطلب من مصر، وذلك لما كانت له تلك الإذاعة السرية من تهييج الرأى العام الإنجليزى ومطالبتهم للحكومة الإنجليزية بالجلاء عن مصر.
بعد جلاء الإنجليز عن مصر أصدر عبدالناصر قرارا بترقية حاتم إلى رتبة قائم مقام وأصبح مسئولا عن الإعلام ومدير مكتب عبدالناصر، وبعد العدوان الثلاثى فكر عبدالقادر فى إنشاء جهاز إعلامى فى مصر بإنشاء إذاعة قومية، وبدأ أولى خطوات إنشاء ماسبيرو ووكالة أنباء الشرق الأوسط. وفى أوائل الستينيات أنشأ عبدالناصر وزارة للإعلام وعين عبدالقادر أول وزيرا لها وبعدها اختير وزيرا للسياحة والثقافة، وكان أول وزير يشغل 3 وزارات فى وقت واحد. بعد وفاة عبدالناصر أكمل السادات المشوار واختاره ثانية وزيرا للإعلام حتى تم تعيينه رئيسا للجنة العمل العليا لإعداد الدولة للحرب، وبعد انتصار أكتوبر اختاره ديجول رئيس فرنسا كأهم شخصية فى مجال الإعلام على مستوى العالم ومنحه الدكتوراه الفخرية من أقدم الجامعات الفرنسية. ألف 40 كتابا فى السياسة والإعلام والعسكرية والدين والثقافة والسياحة وترجم منها 20 كتابا إلى الإنجليزية، ولقب بـ«أبوالإعلاميين» وشيخهم.