عمر بطيشة يفتح خزائن الذكريات: ذكاء عبد الحليم و«نابه الأزرق».. سر صداقتى للعندليب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:06 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمر بطيشة يفتح خزائن الذكريات: ذكاء عبد الحليم و«نابه الأزرق».. سر صداقتى للعندليب

عمر بطيشة
عمر بطيشة
أعد الكتاب للنشر محمد عدوى
نشر في: الخميس 8 ديسمبر 2016 - 8:58 ص | آخر تحديث: الخميس 8 ديسمبر 2016 - 1:17 م

- هل كان محرم فؤاد صاحب فكرة العبور فى حرب أكتوبر فعلا؟
- الحقانية فايزة أحمد كادت تنتحر بسبب أغنية

وتبقى دائما الذكريات، ذلك العبير الذى يفوح من هؤلاء الذين يمرون بحياتنا ويتركون أثرا، هؤلاء الذين عطروا دنيانا بإسهاماتهم التى لا يمكن أن تمحى مع مر الزمن، وتبقى الذكريات عملا ابداعيا ينبض بالحياة يذهلنا اذا كان من يتذكرها بحجم عمر بطيشة ومن يتذكرهم بحجم عمالقة الغناء فى العالم العربى وتنشرها دار الشروق.. فى السطور التالية سوف نطل من نافذة واسعة على ما اقترفته يد الشاعر الكبير والإعلامى المخضرم عمر بطيشة وما تذكره عن ام كلثوم وعبدالوهاب وفايزة أحمد وصلاح جاهين وعمار الشريعى مرورا بمحمد حمزة والشيخ إمام ومحرم فؤاد وغيرهم فى كتاب جديد بعنوان «ذكرياتى مع نجوم الغناء» ليس فقط ليكون شاهدا على عصر من الابداع والاحترام ولكن ايضا ليكون عبرة لمن يعتبر.

فى هذه الحلقة نرصد ثلاثة من كبار دولة الغناء عاصرهم بطيشة والتقاهم وسجل فى كتابه الكثير من نوادرهم وحكاياتهم المثيرة.. تحدث بطيشة عن العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ الذى ولد قبل الأوان كما وصفه الشاعر الكبير والاعلامى المخضرم فى كتابه وقال: نعم عبدالحليم ولد قبل الأوان.. لأنه سبق عصره.. !! عبدالحليم – الذى اشتهر بلقب العندليب الأسمر – كانت له رؤية فنية تسبق عصره بثلاثين عاما على الأقل.. رؤية متكاملة لعصر غنائى جديد بكلمة جديدة ونغمة جديدة وتوزيع جديد.. ولون جديد التهم ما حوله من غناء وأجبر من حوله من المطربين على التطور أو الاختفاء القسرى!
ويحكى بطيشة عن ظروف بدايات العندليب الفنية قائلا: كانت الإذاعة المصرية تنقل حفلا ساهرا على الهواء من حديقة الأندلس عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 وفى تمام الحادية عشرة قبل منتصف الليل تم قطع الحفل والعودة لاستديوهات الإذاعة فى الشريفين (حيث دار الإذاعة قرب ميدان باب اللوق) ــ لإذاعة نشرة الاخبار ــ وفوجئت كما فوجئ كل المستمعين وقتئذ بالخبر الأول فى النشرة:

إعلان الجمهورية.. وإلغاء الملكية!
وتحلقنا جميعا حول أجهزة الراديو نستمع إلى البيان الذى أرسله مجلس قيادة ثورة يوليو بقيادة الرئيس اللواء محمد نجيب.. وبعد انتهاء النشرة عاد الميكروفون إلى حديقة الأندلس لاستئناف بث الحفل الغنائى الساهر على الهواء، هذا الحفل الذى كان قد بدأ بالسلام الملكى (!) وكان الدور على مطرب جديد اسمه عبدالحليم حافظ.. وتقدم المذيع الداخلى يوسف بك وهبى على خشبة المسرح وتصور الجمهور أنه سيقدم الفقرة التالية فقابلوه بالتصفيق، ولكنه صاح فى الميكروفون بحماس: أيها الإخوة المواطنون.. لقد تم إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية.. وحدثت عاصفة من التصفيق والتهليل والصفافير، وكأن مصر انتصرت فى الحرب أو غزت الفضاء ووصلت إلى المريخ! وبعد أن هدأت الضجة قليلا استأنف يوسف وهبى خطابه الحماسى الذى اختتمه بتقديم الفقرة التالية وهى والآن مع المطرب عبدالحليم حافظ.. فهدأت العاصفة وبدأ الجمهور يستمع.. هذه كانت البداية.. ومن يومها ارتبط عبدالحليم بثورة يوليو وجيل ثورة يوليو.

اللقاء
يقولون دائما ان اللقاء الأول يدوم ولكن لقاء العندليب مع الشاعر عمر بطيشة كان له اثر اخر يقول عنه: وتخرجت والتحقت بمنوعات الإذاعة (البرنامج العام) وطبعا كانت فرصة عمرى لأشاهد عن قرب كل النجوم.. نجوم الغناء والتمثيل بل والأدب والصحافة ــ فى ستديوهات الإذاعة بالشريفين! ولكن ظل حلمى الأكبر هو عبدالحليم حافظ. لذلك ما أن كلفت مع آخرين بتقديم سهرة العيد ــ كان عمرى الإذاعى وقتها سنة واحدة وذلك عام 1966 – وكان معى فى السهرة زميلة أقدم منى اسمها سوسن الجمل – حتى سارعت بالاتصال تليفونيا بعبدالحليم حافظ فى منزله.. وهى جرأة أحسد نفسى عليها الآن، وفوجئت به يرد ويوافق على أن يكون نجم سهرة العيد على موجات البرنامج العام ومعه مجموعة من الضيوف من النجوم سيختارهم بمعرفته..!
كل ذلك دون أن يخشى قلة خبرتى أو عدم شهرتى كإذاعى فى ذلك الوقت.. وبدأت أحس بالخوف – أما زميلتى سوسن فقد خافت بالفعل وانسحبت من البرنامج قائلة (كمل انت يا عمر – انت خططت وتعبت فأكمل السهرة وحدك ولا لزوم لى) ــ وشكرا لها بالفعل.
كان الاتفاق أن نلتقى عبدالحليم وضيوفه وأنا عند الصحفى الكبير أحمد فؤاد رئيس مؤسسة روزاليوسف.. وكان معنا فى السهرة الشاعر الكبير صلاح جاهين والدكتور مصطفى محمود والفنانة سناء جميل.. ودار الحوار الذى استمر ساعتين بالتمام والكمال، وفى أثناء السهرة طلب عبدالحليم محمد الموجى على التليفون ورجاه ان يغنى اللحن الجديد الذى يعده له ولفيلمه الجديد (معبودة الجماهير) وفعلا غنى الموجى فى التليفون وبصوت واضح أغنية «جبار» فأخذ القلوب.. وأذكر أن د. مصطفى محمود تحدث عن تبسيط نظرية النسبية (!) وخفت أن يمل المستمعون فاقترحت أن نسمع أغنية – ولأن كل الأغانى السابقة فى السهرة كانت لعبدالحليم فقلت ماذا تحبون أن تسمعوا للسيدة أم كلثوم فرد صلاح جاهين صائحا: «النوم !» وهى إجابة خبيثة لأن ظاهرها اغنية (النوم يداعب عيون حبيبى) لام كلثوم، أما باطنها فهو معنى إجابته المستتر أن أغانى ام كلثوم تبعث على النوم. واعتبرت هذا من صلاح شقاوة أكثر منه نفاقا لعبدالحليم وأغانيه القصيرة السريعة وقتها! وطبعا خفت أن تسمع أم كلثوم السهرة وتضعنى فى «البلاك ليست» ويبدو أن عبدالحليم – بدهائه المعروف – استشعر حرجى فنبه على أكثر من مرة ألا أحذف شيئا فى المونتاج، بل سألنى عن موعد المونتاج ورقم الاستديو الذى سأعمله فيه قائلا لى: سأحضر لك فى الاستديو فحذار..! هذه أول مرة تسجل لى ولا أريد أن تكون آخر مرة. وصدقت أنا انه سيحضر وأخذت أترقبه إلى أن انتهيت من مونتاج السهرة كلها لم يحضر طبعا ولكن هذا هو ذكاء عبدالحليم حافظ أنه ضمن أن أنفذ رغبته دون حضوره، وكأنه الغائب الحاضر.

ناب العندليب
مشوار بطيشة مع العندليب لم يكن بالسهولة التى تم بها اللقاء الأول ولكن كان هناك العديد من المطبات والمفاجآت التى ذكرها بطيشة فى كتابه ونورد منها موقفا واحدا وننصح الجميع بمتابعتها وقراءتها فى الكتاب لما بها من اثارة ومكر ودهاء وتكشف ابعادا مختلفة للعندليب الذكى: صرت من أصدقاء عبدالحليم.. ولكن ليس إلى درجة الحميمية.. والسبب الإذاعى الكبير إياه مستشار وردة فيما بعد الذى خوفه منى وقال له إنى صديق فايزه أحمد ومحمد سلطان.. وكانت بينهما (عبدالحليم وفايزة) منافسة وأحيانا تراشق.. ومع ذلك كان عبدالحليم من ذكائه – يحرص على أن يمر على مكتبى إذا زار ماسبيرو لسبب أو لآخر.. كما كان يدعونى إلى بيته وذهبت له أكثر من مرة أنا ومحمد حمزة.. وكان العندليب قد بدأ يعانى من تصاعد نوبات المرض ويسافر للعلاج فى الخارج أكثر من مرة فى السنة. وذات مرة كنا داخلين على عيد.. فطلبت منه أن أستضيفه فى سهرة عيد طويلة.. فقال لى (أقسم بعروبتى أنى تعبان لكن عشان خاطرك ماشى) وكان يقسم بعروبته باعتباره من أغلظ الأيمان.. وذهبت وسجلت معه سهرة رائعة ضمت أغنيات فيلم (أبى فوق الشجرة) الذى كان لايزال مشروعا – ثم دار الحوار حول علاقاته الفنية والملحنين والمؤلفين الذين تعامل معهم – فقال إنه اشتغل مع كل المؤلفين والملحنين ــ وهنا غلبنى ضعفى نحو صديقى الموسيقار محمد سلطان وقلت له: ولكنك لم تغن من ألحان محمد سلطان! وإذا به ينفعل انفعالا غير متوقع ويغضب منى ويبدو أن وشاية الإذاعى الكبير تمثلت أمام عينيه بعد سؤالى.. فغيرت الموضوع واستكملت الحوار على خير. ولكنى فى ثانى يوم قمت بعمل جنونى جرىء.. إذ أبقيت على سؤالى ولم أدع فرصة لجواب بل استطردت قائلا (اسمع له مثلا آخر ألحانه: خليكوا شاهدين) ودخلت بمقطع من أغنية خليكو شاهدين لفايزة أحمد تأليف سيد مرسى لحن محمد سلطان. ولكن الواقع بعد أن أتممت تسجيل السهرة التى ستذاع فى نفس الليلة (لعب الفأر فى عبى) فذهبت إلى رئيستى الإذاعية الكبيرة سامية صادق أسألها النصيحة.. فنبهتنى إلى خطورة ما فعلته وقالت لى (خد بالك عبدالحليم نابه أزرق.. وقرصته والقبر.. أنصحك تستأذنه وتقوله ع اللى عملته لو وافق ذيع ولو ماوافقش اوعى تذيع الجزء ده وتفرضه عليه غصب عنه.. مش حيسيبك). والحقيقة أن أوصالى ارتعشت وغرقت فى بحر من العرق.. وسارعت بتنفيذ نصيحة سامية صادق ــ فاتصلت بعبدالحليم ولكنهم قالوا انه نائم – واتصلت مرة ثانية وثالثة.. وقالوا لى إنه نائم وحينما يستيقظ سيطلبك.. ولكن لم يطلب. وحان وقت بث السهرة على الهواء.. وأذيعت فعلا.. وقضيت ساعات الليل مسهدا مؤرقا أنتظر رد فعل عبدالحليم.. ولكن عبدالحليم لم يبد أى رد فعل.. بل لم يسمع السهرة أصلا لأنه داهمته نوبة النزيف واضطر للسفر إلى لندن على أول طائرة قبل موعد إذاعة البرنامج بقليل!

صاحب فكرة العبور
ومن العندليب المثقف الذكى الذى كان يتمتع بدهاء وسرعة بديهة ملفتة إلى نجم اخر عاصره الشاعر الكبير عمر بطيشة وتحدث عنه فى الكتاب وهو المطرب الكبير الراحل محرم فؤاد الذى قال عنه بطيشة انه ابن بلد حقيقى واضاف وصفا اخر: كان محرم فؤاد ابن بلد.. شهم وجدع.. ولكنه لم يكن مثقفا الثقافة العالية التى تؤهله لأن يطور نفسه.. لذلك ظلت موهبته الكبيرة حبيسه صوت قوى عذب الاداء.. لكنه لا يبحث عن كلمة مختلفة ولا نغمة مفقودة.. وكان يعرف ذلك لذلك كان يحتفظ إلى جواره بأجندة يدون فيها أى كلمة جديدة تقال فى السهرة.. حتى لا ينساها.
وأذكر أننا كنا ساهرين عنده ذات ليلة وتطرق الحديث إلى أحد الشخصيات فقلت أقرظه: «ده انسيكلوبيديا».. وفى اليوم التالى اتصل بى محرم فؤاد وطلب أن أنطق الكلمة مرة أخرى... لأنه حين كتبها أمس نسى طريقة نطقها! وسأل عن معناها بالتفصيل وشعر بسعادة كبيرة أنه أضاف كلمة جديدة إلى المفردات التى يجمعها من ضيوفه.
كان كريما.. ويحب أنواع الطعام البلدى أو الشعبى ويتلذذ به.. خاصة بهاريز شوربة الكوارع.. وكان حبه للطعام جزءا من حبه للدنيا بكل ما خلقه الله بها من متع وملذات.. فلم يحرم نفسه من متعة أبدا.
ومن المواقف الطريفة التى يستشهد بها الشاعر عمر بطيشة عن محرم فؤاد هو الدعابة التى ألقاها بعد انتصارات اكتوبر الخالدة والتى ادعى فيها فؤاد انه كان صاحب فكرة العبور: كنا قد حققنا العبور العظيم بقيادة الرئيس أنور السادات.. وكانت الحفلات تقام احتفالا بالنصر.. وذات ليلة اتصل بى لأذهب إليه وذهبت. فقال لى.. أنا عائد من الإسماعيلية توا.. قلت خيرا قال.. كنت مدعوا من رئاسة الجمهورية لحضور حفل مقام بمناسبة ذكرى انتصار 6 أكتوبر والعبور. قلت له ولكن لم نسمعك فى الحفل؟ قال (أنا يا أخويا تعمدت أقعد فى آخر صف قرب باب الخروج.. وأول ما دخل السادات رحت ساحب نفسى وخارج من غير ما حد يحس).. اندهشت جدا وسألته: لماذا؟ قال (أنا أصلى واخد على خاطرى من السادات) قلت ليه؟ قال (لأنه تجاهل تكريمى باعتبارى صاحب فكرة العبور) !!! قلت له ماذا تقول يا محرم.. هل تتكلم جد؟.. قال ألم تسمع أغنيتى:
خوض البحر... نخوضه وراك
قلت نعم سمعتها.. قال هوه العبور إيه غير كده؟ وضحك وضحكت وإلى الآن لا أعرف إذا كان يتحدث بجدية أم أنها نكتة من النكت العديدة التى كان يجيد إلقاءها ولكنها فى النهاية تنم عن سذاجة كانت جزءا من شخصيته.

كروان الشرق
للشاعر الكبير عمر بطيشة حكايات كثيرة مع المطربة الراحلة فايزة أحمد يمكن ان تصدر فى كتاب منفصل لكنه فى هذا الكتاب حكى اشياء جديدة عن جمهور فايزة وكشف اسرارا عن الانسانة والمطربة الكبيرة فكتب قائلا: على المستوى الإنسانى كانت «جدعة» وحقانية إلى أقصى حد.. وتعطف على كل ضعيف ومحتاج.. بل كانت تعطف على الحيوانات بشكل ملحوظ جدا.. كنت ذات مرة فى البيت أنتظرها مع زوجها الموسيقار محمد سلطان.. وعادت من مشوارها باكية منفعلة.. فساعدناها على الجلوس وسألناها ما سبب هذا الانهيار الذى تبدو عليه فقالت إنها كانت تركن سيارتها فى جراج العمارة حينما لاحظت ان عمال الجراج والسياس يضربون ويطردون كلبة مع أولادها كانت تقيم بالجراج منذ فترة، وأنهم كلما طردوها عادت مع أولادها.. وقالت إن الكلبة استنجدت بها وقالت باكية «انجدينى يا ست فايزة.. أنا باجرى على ولادى.. وباشتغل بشرف وباحرس الجراج.. وباكل لقمتى بعرق جبينى.. أنا مانى ماشية مشى بطال انجدينى».. وأن الكلبة استصرخت شهامتها من خلال بكائها ونحيبها ودموعها مما جعلها تشتبك فى خناقة حامية مع سياس الجراج ليتركوا الكلبة وشأنها مقابل جنيهات ستمنحها لهم!
هكذا كانت فايزة أحمد التى وصفها بطيشة بأنها كانت تلقب بكروان الشرق من فرط جمال صوتها الحريرى وعذوبة انتقالاتها من مقام لآخر بسلاسة ونعومة فضلا عن عاطفة جياشة تمس شغاف قلوب سامعيها. لكنها أيضا كانت مبهورة بنفسها وبموهبتها لأنها تعرف قدر هذه الموهبة.. إلى درجة أنها كانت تغنى أمامى مقطعا تجرب صوتها فيه، وحين تجيد، وقبل أن أنطق – تقول لنفسها بصوت عال: الله الله يا بت يا فايزة!
ويتذكر بطيشة موقفا جريئا يكشف كثيرا من شخصية فايزة أحمد التى بدأ معها بطيشة رحلته الغنائية كشاعر كبير ساهم فى المشوار الغنائى المصرى والعربى ومازال: ومن قصص حرصها على العدل والحق.. أننى كنت أساعد فى تعديل نصوص أغانيها الجديدة وأى ألحان على عود محمد سلطان من باب الصداقة تطوعا دون ذكر اسمى. وكم من أغنية مشهورة تذاع الآن منسوبة إلى شعراء أفاضل آخرين مع أنى مؤلف نصف الأغنية أو أكثر.. وكنت راضيا بذلك فقد كنت أعمل فى الإذاعة المصرية ومكتفيا بعملى ولى ديوان بالفصحى وغيره فى الطريق، ولم يكن من بين طموحاتى أن أكتب الأغانى.. لكن فى حالة (غريب يا زمان) فقد اختلف الأمر.. فقد مرت الأغنية على أكثر من مؤلف ولم يعجب فايزة وسلطان من كلماتهم إلا كلمة واحدة وهى «زمان» ! التى هى أصلا جرى وراء موضة «زمان» التى انتشرت وقتها بسبب نجاح أغنية فريد الأطرش «زمان يا حب» ! فطلبا من المؤلفين أن يكتبوا أغنية تتضمن فى بدايتها كلمة زمان تيمنا بنجاح «زمان يا حب»!
وبقى على موعد حفل الربيع الذى ستغنى فيه فايزة الأغنية على الهواء فى سينما قصر النيل أيام والأغنية حائرة بين المؤلفين ولم تتم.. وتدخلت كالعادة فكتبت على اللحن مطلع أغنية «غريب يا زمان» فأعجبهما المطلع وطلبا منى أن أكمل الأغنية وأكملتها ثلاث كوبليهات بالتمام والكمال.. وحفظت فايزة اللحن بسرعة واستعدت للحفل ولكنها وضعت شرطا للظهور على الهواء وهو أن يتم إعلان أنى أنا مؤلف الأغنية..! وطبعا هذا لم يكن فى حسبانى.. فقد كتبت لها الأغنية معتقدا كالسوابق أنها ستذاع منسوبة إلى أحد المؤلفين الآخرين، ولكن فايزة أصرت وهددت بعدم الغناء وإلغاء الحفل إن لم يذكر اسمى كمؤلف للأغنية! ولم يكن معتادا فى ذلك الوقت (عام 1973) أن يؤلف المذيعون الأغانى، ولكنها أصرت.. وحينما اعترض رئيس الإذاعة قائلا (أنا ما عنديش مذيعين يؤلفوا أغانى) وأوعز إلى لجنة النصوص أن ترفض نص الأغنية لأى سبب وقد كان. فما كان من فايزة إلا أن ذهبت إلى بيت وزير الإعلام (السفير مراد غالب) وكمنت إلى جانب الطريق وما إن رأته قادما بسيارته حتى ألقت نفسها أمام السيارة! وأسرع الحرس بنقلها إلى داخل البيت وجلس وزير الإعلام يطمئن عليها ويسألها عن سبب ما حدث. فأخرجت من حقيبة يدها نص الأغنية وأعطته له وقالت اقرأ يا معالى الوزير.. فقرأ الوزير كلمات الأغنية وقال لها «مالها؟» قالت: «هل تعجبك هذه الكلمات؟» قال نعم إنها جميلة قالت «إذن اكتب رأيك على النص وقل إنها جميلة وتعجبك» فكتب ذلك فعلا.. وشكرته وذهبت بالنص وعليه توقيع الوزير إلى رئيس الإذاعة وألقته على مكتبه.. فلم يحر جوابا إلا التأشير بإجازة الأغنية التى غنتها فايزة فعلا على الهواء فى الموعد وكانت بداية عمر بطيشة الشاعر الغنائى!
فى الحلقة القادمة
دولة نساء الطرب
شادية ووردة وميادة وشريفة فاضل وحكايات مثيرة لم تنشر من قبل

اقرأ ايضا : 

عمر بطيشة يفتح خزائن الذكريات مع نجوم الغناء فى العالم العربى: بين رئيسة دولة الغناء.. والموسيقار الملفوف فى «سوليفان» (2)



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك