مشهدان متناقضان، الأول: بهجة وفرحة عارمة مع نزول أول دبابة جيش إلى الشارع مساء يوم 28 يناير، المعروف بجمعة الغضب، والمئات يحرصون على التقاط صور مع مدرعات الجيش، وهتاف عفوى «الجيش والشعب إيد واحدة».
المشهد الثانى: الآلاف يزحفون إلى الميادين، والهتاف الرئيسى: «يسقط يسقط حكم العسكر». كيف حدث هذا التحول بين المشهدين ولماذا؟.. سؤال طرحته «الشروق» على خبراء سياسة وعلم نفس، وشباب شاركوا فى الثورة، وكانت الإجابات مختلفة.
«مرتبك ومضطرب وفشل فى إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية» ــ هكذا وصف زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى قضاة مصر الأسبق، المجلس العسكرى بعد عام من الثورة.
يرى عبدالعزيز أن سياسات المجلس أدت إلى حدوث «شرخ» بين الشعب والجيش، من خلال ما وصفه بـ«المعارك الثلاث» ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء التى حدثت على مدار العام الماضى.
سبب آخر أدى إلى ذلك «الشرخ»، من وجهة نظر عبدالعزيز، وهو «الأزمات المصطنعة، ومنها أزمة البنزين، وكذلك تغيب الشرطة عن الشارع»، وهو ما شكل لديه قناعة بأن «تغيب الشرطة قرار تم تنفيذه لتأديب الشعب».
أحمد نزيلى، أحد مؤسسى حزب التيار المصرى وعضو ائتلاف شباب الثورة اعتبر أن «الفترة الماضية كانت بمثابة فرصة لإثبات حسن نية المجلس العسكرى والجيش، وأنهم جادون فى تسليم السلطة» إلا أنهم لم يفوا بعهدهم الأول فى 13 فبراير 2011 بتسليم السلطة خلال 6 شهور، حسب تعبيره.
«الشعب المصرى أصبح واعيا، وصبره من الممكن أن يطول أحيانا» قال النزيلى وهو يتحدث عن عام مضى لم تتحقق فيه المطالب الرئيسية للثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية»، وعن دراسات وضعت عن الحد الأدنى والأقصى للأجور دون أن يلتفت المجلس العسكرى لها.
«قعدنا سنة كاملة ساكتين»، قال نزيلى وهو يشير إلى الحشود التى خرجت إلى ميادين مصر فى 25 يناير الماضى «وكأن الناس نزلت يوم 25 عشان تعمل كشف حساب ختامى للمجلس العسكرى وتقول له «إنت فشلت فى إدارة المرحلة الانتقالية».
محمد المهدى، الخبير النفسى، قال «إن تراكم وتصاعد المشاعر السلبية من الشارع والثوار تجاه المجلس العسكرى أمر بات واضحا، ولكنه لم ينشأ من فراغ».
وفسر المهدى بقوله: «الشارع اكتشف أن خطوات المجلس لم تكن فى صالح الثورة، وأنه كلما مر الوقت عادت الثورة المضادة بشكل واضح ولافت للنظر».
«جدار الثقة يكاد يكون انهار تماما بين الشعب والمجلس العسكرى»، قال المهدى مشيرا إلى خطوات المرحلة الانتقالية التى كانت متعثرة بالإضافة إلى الأخطاء «التى يبدو أنها كانت مقصودة»، حسب تعبيره، كالانفلات الأمنى وعدم تطهير وزارة الداخلية، فضلا عن مسرحية محاكمة مبارك وأعوانه كل ذلك أوصل للناس رسالة مفادها أن الثورة المضادة تزداد يوما بعد يوم، وذلك أدى إلى ظهور المجلس العسكرى بصورة سلبية «لأنه سمح لقوى النظام السابق أن تعيد ترتيب صفوفها وتصحو من جديد».
«الوعى الشعبى العام، والثوار أدركوا أن هناك خدعة تتم، وبمقتضاها ربما تحمى السلطة الحالية، النظام السابق» وهو ما يجعل المهدى مؤمنا بـ«أن استيقاظ الوعى من الممكن أن يعيد للثورة مسارها الصحيح».
المهدى دلل على إمكانية حدوث ذلك مشيرا إلى الملايين التى انطلقت إلى التحرير فى الذكرى الأولى للثورة وقال: «نزولهم يعنى استردادهم التوكيل الذى منحوه للمجلس العسكرى يوم تنحى مبارك».
«كأن الشعب خرج ليسترد هذا التوكيل لأنه استشعر بأن المجلس لم يقم بما كان يجب عليه القيام به حيال الثورة من تحقيق أهدافها والقصاص لقتلة الثوارة».
ورغم البدايات الرومانسية بين الشعب والمجلس العسكرى أثناء الموجة الأولى للثورة، إلا أن المهدى يرى «أن المجلس فشل فشلا ذريعا فى كسب ثقة الناس وفى الحفاظ على العلاقة الطيبة معهم».
وأشار المهدى إلى أن أخطاء المجلس العسكرى أعادت إلى أذهان الناس كل سلبيات النظام السابق «وكأنهم يرون شريطا قديما بأسماء جديدة ولكنه يحمل نفس السيناريو».
وشبه المهدى تأكيد المجلس العسكرى على أنه سيقوم هذه المرة بتسليم السلطة بالفعل فى 30 يوينو، وليس كما وعد سابقا بتسليمها خلال 6 شهور، بالفترة الأخيرة فى حكم مبارك «مبارك طلب مهلة.. ووقتها أدرك الشعب أن الانتظار، وإن كان لشهور قليلة، كفيل بقتل الثورة تماما، وأن مبارك يستطيع أن يعيد ترتيب صفوفه» وهذا ما يحذر المهدى من حدوثه الآن.
إلا أنه قال «الوعى العام يرفض انتظار هذه الشهور القليلة لأنه يدرك بإنهاء الثورة تماما وبأن تضع بقية الثوار فى السجون»، مشيرا إلى أن المجلس العسكرى والحكومة حرصا على إلصاق التهم والأخطاء بالثوار حتى يكره الناس الثورة.
ودلل على ذلك بحدوث تحول فى مشاعر الجماهير تجاه الثورة خلال الشهور الأخيرة.. «الناس بدأت تحس إن الثورة جابت لهم مشاكل كثير، ويقولوا ياريتها ما قامت».
عبارات المهدى لم تخل من التلميح بالاتهام إلى المجلس العسكرى «يبدو أن إلصاق التهم بالثوار كان متعمدا، ليكرههم الناس»، وقال «لو استمر الوضع كذلك من الممكن أن تنتهى الثورة».
إلا أنه قال بنبرة طمأنة «خروج الناس بهذه الأعداد أحبط هذا المخطط، ومحاولات التزييف الإعلامى فشلت فى عزل الثورة عن الشعب».